| نشر في أبريل 30, 2014 11:17 ص | القسم: قضايا ساخنة | نسخة للطباعة :
د.أحمد محمد عوض
مؤسس ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية
مدخل
شهد الأردن خلال السنوات القليلة الماضية حراكات عمالية مكثفة جاءت تتويجا لنضالات عمالية صعبة عبرت عن نفسها باحتجاجات عمالية متنوعة وذات نوعية خاصة. وبدأ هذا التحول النوعي بالاحتجاجات المتتالية لعمال المياومة وخاصة في قطاع الزراعة في عام 2006، حيث نفذوا عشرات الاحتجاجات، ولغايات إدارة جهودهم التي كانت تستهدف تثبيتهم في أعمالهم ووظائفهم وتحسين شروط عملهم وزيادة اجورهم، قاموا بتشكيل تنظيم نقابي بسيط تحت مسمى «لجنة عمال المياومة»، واستمر حراكهم حتى تحققت غالبية اهدافهم.
تلا ذلك الإضراب الكبير والنوعي الذي نفذه عمال ميناء العقبة (قطاع عام) في صيف عام 2009 والذي استمر لعدة أيام وكان يستهدف تحسين شروط العمل وعلى وجه الخصوص زيادة الأجور، وكانت تقوده لجنة نقابية ذات هيكلية بسيطة أيضاً تحت اسم «لجنة عمال مؤسسة الموانئ» والتي كانت تعمل خارج اطار النقابة العامة للعاملين في الموانئ والتخليص، لا بل كانت مناهضة لها وتعتبرها حليفة لإدارة الميناء وتعمل ضد مصالح العمال.
واستمرت هذه الحراكات العمالية في اتجاه تصاعدي لتسجل في عام 2010 (139) احتجاجاً، وفي عام 2011 (829) احتجاجا، وفي عام 2012 (901) احتجاجا، وفي عام 2013 (890) احتجاجاً، وتعمقت الفجوة بين غالبية العاملين في الأردن وبين النقابات العمالية المعترف بها وفق قانون العمل بسبب تقييده لحق حرية التنظيم النقابي وحصره في سبعة عشرة نقابة عمالية فقط، وغياب آليات العمل الديمقراطي عن هذه النقابات، لا بل تم حرمان الهيئات العامة للنقابات العمالية من حق وضع انظمتها الداخلية، وأصبحت صلاحية وضع هذه الأنظمة من حق المؤتمر العام للنقابات العمالية المكون من أعضاء الهيئات الادارية للنقابات والمهيمن عليها من قبل عدد محدود جدا من الأشخاص، ورافق ذلك تدخلات مباشرة من قبل بعض المؤسسات الحكومية والأمنية في أعمال النقابات العمالية واتحادها العام، الى جانب ذلك أصبحت النقابات العمالية تعمل وفق نظام اساسي موحد غير ديمقراطي يسمح بسيطرة فئة محدودة على النقابات ولفترات زمنية طويلة، لذلك غابت الانتخابات الداخلية لدرجة أن ثلاث نقابات فقط من اصل سبعة عشرة نقابة أجريت فيها انتخابات لهيئاتها الادارية ونقابتين فقط جرت فيهما انتخابات لرؤسائها في الدورة الانتخابية الأخيرة عام 2010، الأمر الذي عزل النقابات العمالية عن قواعدها واصبح اتحادها العام مؤسسة شبه حكومية، إذ يتم تمويله بالكامل من قبل وزارة المالية، وأموال الضمان الاجتماعي، وهذا لا ينفي وجود عدد محدود جدا من النقابات العمالية التي كانت تنشط لتحسين شروط عمل أعضائها، وهي النقابات التي تمثل عمال شركات كانت حكومية وشبه حكومية قبل خصخصتها، وكان وما يزال يتم اقتطاع اشتراك أعضائها من رواتب العمال الشهرية مباشرة وتحويله الى صناديق النقابات، الا أن هذه النقابات تعمل وفق نظام اساسي موحد وغير ديمقراطي، ويغيب تأثيرها في خضم سيطرة رئاسة الاتحاد العام على مجمل تفاصيل عمل الاتحاد العام، وتعود هذه السيطرة الى الصلاحيات الكبيرة التي تتمتع به الرئاسة وفق النظام الداخلي للاتحاد العام، وعلاقات حالية وسابقة مع مراكز نفوذ في بعض الأجهزة الأمنية.
مجمل هذه المعطيات دفعت العمال المتضررين من غياب تنظيم نقابي مستقل وفعال الى البحث عن مخارج لهذا الواقع الصعب، فاتجهوا نحو تنظيم انفسهم وفرض منظماتهم النقابية كأمر واقع، وبالتالي بدأت القوى الاجتماعية العمالية الناشئة بتشكيل منظماتها خارج اطار القوانين الأردنية المقيدة لممارسة هذا الحق، وبالتالي خارج اطار الاتحاد العام ونقاباته.
وتهدف هذه الورقة الى تحليل واقع حق التنظيم النقابي العمالي في الأردن من خلال تقديم قراءة اجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية لهذا الواقع، الى جانب تقديم قراءة تحليلية في مواقف الأطراف ذات العلاقة بإنفاذ هذا الحق. وتعود أهمية اعداد هذه الورقة الى التسارع المضطرد للحراك العمالي والنقابي الذي يشهده الأردن في الوقت الراهن، الى جانب الجدل الاجتماعي والسياسي والقانوني الذي يدور حول التنظيمات النقابية الجديدة والمستقلة التي بدأت تنشأ في الأردن والنقاش حول شرعيتها، وقيادتها للعديد من الاحتجاجات العمالية، هذا الى جانب مناقشة بعض الآراء والمواقف التي اعقبت نشوء وتأسيس هذه النقابات الجديدة، والتي تدعي أن ذلك سيؤدي الى تفتيت وحدة الحركة النقابية الأردنية.
وقد تم اعداد هذه الورقة من خلال إجراء قراءة تحليلية للسياقات الاجتماعية والاقتصادية للتحولات التي يشهدها الأردن في الوقت الراهن، وكذلك تم اجراء قراءة تحليلية مقارنة للنصوص التشريعية العمالية الأردنية المتعلقة بحق التنظيم النقابي في ضوء هذه التحولات، والتي تشمل الدستور الأردني وقرارات المحكمة الدستورية ومحاكم التمييز الأردنية ذات العلاقة، وايضاً في ضوء مراجعة العهود والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتنظيم النقابي، والمندرجة في اطار الشرعة الدولية لحقوق الانسان مثل الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واتفاقيات منظمة العمل الدولية واعلاناتها والمتعلقة بحق التنظيم النقابي.
مفهوم النقابات العمالية:
هي تنظيمات اجتماعية تتألف من مجموعة من الأشخاص يعملون في منشأة أو نشاط اقتصادي معين أو انشطة اقتصادية متشابهة، وتهدف الى تحسين شروط عملهم وبناء علاقات عمل عادلة ومرضية والدفاع عن مصالحهم بمختلف الوسائل السلمية. وبالتالي بناء توازنات اجتماعية بين العاملين بأجر من جهة واصحاب الأعمال والادارات الحكومية من جهة أخرى.
السياق الاجتماعي والاقتصادي
شهد الأردن خلال العقود الماضية موجة من التحولات في علاقات العمل، أدت الى بروز قوى وحركات عمالية جديدة خارج اطار القوى والمنظمات النقابية التقليدية والعاملة وفق قانون العمل ساري المفعول، والذي سمح للعمال في أي مهنة تأسيس نقابة خاصة بهم، الا أن ذات القانون فرّغ هذا النص من مضمونة في المادة التي تلتها عندما منح صلاحية تصنيف المهن التي لها الحق في تأسيس نقابات الى اللجنة الثلاثية المكونة من وزارة العمل ومنظمات أصحاب العمل (غرف الصناعة والتجارة) واتحاد نقابات عمال الأردن دون غيرها. ومنذ أواسط السبعينات لم يسمح قانون العمل والقرارات الصادرة بموجبه بتأسيس أية نقابة عمالية جديدة، إذ تم رفض جميع محاولات تأسيس نقابات عمالية جديدة.
الا أن هذا لم يمنع العاملين بأجر في الأردن من التحرك للدفاع عن مصالحهم وتحسين ظروف عملهم. ولم يتمكن القانون والقرارات الصادرة بموجبه من منع التحولات في القوى والحراكات الاجتماعية من التعبير عن نفسها والدفاع عن مصالحها، خاصة بعد استمرار الحكومات الأردنية المتعاقبة بتنفيذ نماذج تنموية وسياسات اقتصادية لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح هذا الفئات الواسعة من العاملين بأجر في الأردن، سواء كانوا يعملون في القطاع الخاص أم القطاع العام، بما رافقها من عمليات خصخصة عشوائية لمختلف مؤسسات الدولة وشملت تلك المؤسسات التي تقدم خدمات عامة للمواطنين مثل الكهرباء والمياه والاتصالات .. الخ. ونتيجة غياب الشفافية وضعف مستوى رقابة البرلمان وغيره من المؤسسات الرقابية الأخرى، وانخفاض مستوى الحريات الديمقراطية، فقد رافق عمليات الخصخصة المذكورة شبهات فساد، انتشرت تفاصيلها في العديد من التقارير الرسمية والبرلمانية والصحفية. الأمر الذي انعكس سلباً على آلاف العمال سواء من حيث تسريحهم من أعمالهم أو احالتهم على الاستيداع أو التقاعد المبكر، وفي جميع الحالات كان العمال على اختلاف فئاتهم هم من دفعوا الثمن الأعلى بسبب تطبيق هذه السياسات.
وقد أدى الاستمرار في تنفيذ ذات السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أدخلت الأردن في الأزمة الاقتصادية الكبرى في أواخر عقد الثمانينات وبعض الأزمات الأقل حدة بعد ذلك، حيث التوسع في الانفاق العام وثبات «واحيانا تراجع» الانفاق على الحقوق الاجتماعية في التعليم والعمل والصحة، في ذات الوقت التوسع في الانفاق العسكري والأمني، واستسهال الحصول على الدين الخارجي والداخلي. فقد شهد الانفاق على التعليم تراجعا ملموسا، ففي الوقت الذي بلغت فيه نسبة الانفاق على التعليم عام 2000 (13) بالمائة من حجم الانفاق العام، وصلت الى (9) بالمائة في عام 2010. رافقه انخفاض شديد في انفاق الدولة الأردنية على الحق في العمل إذ يبلغ بالمتوسط (2%) خلال السنوات (2000-2010).
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
Sorry. No data so far.