| نشر في أبريل 17, 2024 11:58 ص | القسم: آخر الأخبار, قضايا ساخنة | نسخة للطباعة :
الاهالي –35عاماً مرت على هبة نيسان المجيدة في ١٨ نيسان ١٩٨٩ التي انطلقت من مدن وقرى جنوب الاردن احتجاجاً على الارتفاع الفاحش في الاسعار والبطالة المرتفعة والتراجع الحاد في المستويات المعيشية للمواطنين.
الاحتجاجات امتدت الى معظم المدن الاردنية مثل النار في الهشيم ثم طورت شعاراتها المطلبية والمعيشية الى استهدافات سياسية بعد ثلاثة عقود ويزيد من الاحكام العرفية وغياب سلطة التشريع.
لقد فتحت هبة نيسان مرحلة جديدة نوعية، كان يمكن لو تم البناء عليها أن يكون الاردن الآن في حال آخر…
فمرحلة التحول الديمقراطي عام 1989 التي فتحت عهداً جديداً بجملة من الاصلاحات السياسية الواسعة :» إلغاء الاحكام العرفية وعودة الحياة الحزبية واجراء الانتخابات النيابية، ورفع القيود عن الحريات العامة» لم تواصل مسيرتها في تعزيز سمات هذه المرحلة بل شهدت انكفاءً في الحريات العامة والسياسات الاقتصادية ادى الى تدهور عام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا زالت البلاد تعيش تحت وطأته حتى يومنا.
كان لهبة نيسان مقدمات سياسية واقتصادية عميقة، لا بد من استحضارها نظراً لكونها شكلت عوامل اساسية في الانفجارات الشعبية التي وقعت ، ونستعيدها هنا لأنها ـ اي ذات العوامل نفسها ـ لا زالت تشكل اسباباً رئيسية لحالة التدهور المعيشي التي تعيشها البلاد.
تستند المعلومات التالية الى جملة من التقارير السياسية والابحاث الجادة التي كانت قد اعدتها مراكز بحث علمية واقتصادية هامة مثل مركز الاردن الجديد للدراسات الذي اصدر اكثر من عدد حول المناسبة التاريخية وذلك في اعوام ١٩٨٩ – ١٩٩٠- ١٩٩١.
وفرة مالية قائمة علىالقروض والمساعدات
في الفترة ما بين مطلع السبعينات ومطلع الثمانينات شهد الاقتصاد الأردني «تحسّنًا» على إثر الطفرة النفطية، فقد زاد حجم الناتج المحلي خلال السنوات 1973-1982 بمعدل وسطي قدره 8.5 % سنويًا ويعودهذا الارتفاع إلى عوامل عدة منها، كثافة المساعدات المالية العربية والأجنبية وازدياد حجم الاقتراض من الخارج والداخل إضافة إلى النمو السريع لتحويلات الأردنيين في الخارج وازدياد عائدات التصدير نتيجة توسع السوق المحلي والخارجي أمام السلع والخدمات.
إن ما يسمى بفترة «الانتعاش» الاقتصادي التي شهدها الأردن في سبعينات القرن الماضي تركت آثارًا كبيرة على بنية الاقتصاد الأردني قد تكون أسست للأزمة الاقتصادية التي مرّت بها البلاد في ثمانينات القرن الماضي بسبب الاعتماد شبه الكلي على تدفق المساعدات وغياب أي مشروع لخطط انتاجية صناعية وزراعية بعيدة المدى
ورغم أن برنامج التنمية للسنوات السبع 1964-1970 تضمّن تقليص الاعتماد على الدعم الخارجي كهدف رئيسي من أهداف البرنامج، إلا أنّ الاعتماد على المساعدات، تحديدًا من الدول العربية النفطية، تعاظم في بداية السبعينيات، وقفز حجم مساعدات دعم الموازنة من 44 مليون دينار عام 1972 إلى 210 مليون دينار عام 1978. إضافةً إلى هذا، ساعدت الطفرة النفطية على ارتفاع التدفقات النقدية من تحويلات العاملين في الخارج، حيث ارتفعت من 7.9 مليون في بداية السبعينيات لتصل إلى 236 مليون دينار عام 1980 كما أشارت التقارير الرسمية.
لكن هذه الوفرة المالية القائمة بشكل كبير على المساعدات والقروض وتحويلات العاملين في الخارج وجّهت غالبيتها الساحقة إلى القطاعات الخدمية على حساب القطاعات الإنتاجية. وانعكس تضخم الإنفاق الاستهلاكي المصاحب للوفرة المالية، وهيمنة القطاعات الخدمية والتوزيعية والمالية على حساب القطاعات الإنتاجية على أمرين:
أولا، تركيبة القوى العاملة، حيث أن القطاعات الإنتاجية كانت في عام 1961 تستوعب قرابة 53.3% من إجمالي القوى العاملة، وبدأت تتراجع شيئًا فشيئًا منذ بداية السبعينات لتصل إلى 29% في عام 1985. وترافق هذا مع تراجع حصة القوى العاملة في الزراعة من 33.5 % عام 1961 إلى 7.8 % عام 1985. وكان هذا التراجع، سواء بالقطاعات الإنتاجية أو الزراعية، على حساب تنامي حصة القطاعات الخدمية والتوزيعية والمالية.
إن تشوّه تركيبة القوى العاملة نتيجة التركيز على القطاعات الخدمية كان له الأثر الكبير على بنية المجتمع، حيث كان من الممكن لتطوير القوى العاملة وتنظيمها في أجسام وهيئات نقابية أن تساهم في خلق تشكيلات اجتماعية مغايرة تمامًا للتشكيلات الاجتماعية القائمة على الهويات الفرعية العشائرية والمناطقية والإقليمية.
كذلك، أدّت مرحلة «الازدهار» بين مطلع السبعينات ومطلع الثمانينات إلى تعاظم الاتجاهات التضخمية في الاقتصاد، حيث أدى تزايد الطلب على السلع والخدمات إلى رفع أسعار العديد منها، مما أدى إلى خفض القيمة الفعلية للأجور. فالأرقام القياسية للتكاليف المعيشيّة ارتفعت في البلاد حوالي 200% بين عامي 1972-1982 ما أدى إلى خفض القيمة الفعلية للأجور الثابتة إلى حوالي نصف قيمتها الحقيقية كما كانت في مطلع السبعينات.
الأزمة المالية تتفاقم
أدى تنامي المساعدات وتحويلات العاملين في الخارج في فترة السبعينيات إلى تضخم الموازنة العامة وزيادة الإنفاق الجاري. ومع انخفاض أسعار النفط في بداية الثمانينيات دخل الاقتصاد في مرحلة ركود، إذ تراجعت المساعدات المالية بشكل كبير، وتراجعت أيضا تحويلات العاملين في الخارج بسبب انخفاض الطلب على العمالة، هذا اضافة الى ظهور عوامل أخرى مصاحبة للأزمة؛ مثل ظهور مشكلات تصريف حادة للبضائع المحلية، حيث تراجعت الصادرات الصناعية الأردنية إلى العراق بسبب الحرب مع إيران، وتراجعت الصادرات الزراعية إلى السعودية ودول الخليج بسبب تمكن هذه البلاد من تطوير زراعتها وتأمين قدرٍ من الكفاية الذاتية. بالإضافة إلى هذا، شهد قطاع العقارات والسياحة والنقل والخدمات ركودًا شديدًا بسبب الأزمة المالية. ولجأت السلطة السياسية آنذاك إلى وسائل أخرى للحفاظ على مستويات الإنفاق السابقة في عهد الوفرة المالية، حيث اتجهت وبشكل كبير جدًا إلى القروض الخارجية والداخلية كبديل عن المساعدات.
أدت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الناشئة إلى زيادة نسب البطالة وتسريح العاملين من وظائفهم انحسار فرص العمل، وتشير النشرة الإحصائية السنوية لعام 1985 أنه في الفترة ما بين 1980-1985 ارتفعت أسعار المواد التي تستهلكها الأسر الفقيرة بنسبة 30% بالمقارنة بأسعار 1980. حيث ارتفعت أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 24.5% والألبان والبيض والزيوت بنسبة 27% والسجائر بنسبة 101% والنقل والمواصلات بنسبة 55%. هذا الارتفاع في الأسعار يعني أن القيمة الشرائية للأجور الثابتة قد انخفضت بنسبة 30% مقارنة في بداية الثمانينيات.
مع مطلع الثمانينات حدث تحوّل في سياسة مانحي القروض، من مؤسسات الدول الرأسمالية إلى دول العالم الثالث تحديدًا، بعد تخلف المكسيك عن سداد ديونها وظهور ما سمي بـ«أزمة ديون العالم الثالث». حينها،استطاعت إدارة ريغان أن تجمع بين سلطات وزارة الخزانة الأمريكية وصندوق النقد الدولي لحل المشكلة، من خلال إعادة جدولة الديون بأسعار فائدة جديدة يترافق معها شرط إجراء إصلاحات نيوليبرالية. وبهذا فقد تحوّل صندوق النقد الدولي إلى مركز ترويج ودعم «أصولية السوق الحر» والعقيدة النيوليبرالية .
تبنت حكومة زيد الرفاعي (1985-1989) التوجه النيوليبرالي بدعوى انعاش الاقتصاد الأردني ومحاولة تخليصه من الأزمة. حيث اتخذت حكومة الرفاعي جملةً من الخطوات يمكن تلخيصها بمجموعة من النقاط:-
1 – تشجيع ورعاية القطاع الخاص، والعمل على تقليص دور الحكومة والقطاع العام في الحياة الاقتصادية.
2 – منح الرأسمال الخاص إعفاءات ضريبية كبيرة وتسهيلات وحوافز مادية جمة على حساب خزينة الدولة.
3 – تضخيم الإنفاق الحكومي والتوسع في الإنفاق الرأسمالي بهدف تنشيط القطاع الخاص وتقليل عثراته.
4 – ازدياد الاعتماد بشكل غير مسبوق على الاقتراض الداخلي والخارجي لتمويل الإنفاق العام.
5 – الاستجابة التامة لمطالب صندوق النقد والبنك الدوليين المسماة بسياسات «التصحيح والتكيّف».
لجأ الأردن إلى صندوق النقد الدولي بعد عجزه عن الوفاء بسداد ديونه، ووقع اتفاقيته الأولى مع الصندوق التي نصت على منح الأردن قرضًا بقيمة 275 مليون دولارًا تدفع على 18 شهرًا، وإعادة جدولة جزء من ديون الأردن الخارجية التي بلغت آنذاك ستة مليارات دولار مقابل البدء ببرنامج «التصحيح الاقتصادي» والذي، على أثره، قرر مجلس الوزراء في 15 نيسان، رفع أسعار المحروقات والسلع والمواد الغذائية بين 15 إلى 50%، وشملت الزيادة إسطوانة الغاز، البنزين، السولار، المشروبات المعدنية والغازية، السجائر، إضافة إلى رسوم ترخيص وتسجيل المركبات.
كردة فعل على هذه الاجراءات والتحولات الاقتصادية العنيفة التي شهدتها البلاد خلال السبعينات والثمانينات، وانعكاساتها الحادة على الاوضاع المعيشية للمواطنين انتفض الفقراء والمهمّشون في 18 نيسان 1989 في هبّة شعبية عارمة سميت آنذاك بـ«هبّة نيسان».
مايو 14, 2024 0
مايو 14, 2024 0
مايو 14, 2024 0
مايو 14, 2024 0
Sorry. No data so far.