| نشر في مايو 29, 2013 2:29 م | القسم: آراء ومقالات | نسخة للطباعة :
عبر عدة أسابيع فقط تراكمت علي مصر موجة أحداث سلبية مستعادة من عدة عقود مضت, لتستحيل سحبا داكنة تغطي سماءها, وتفرض الكآبة علي أرواح أبنائها. في المبتدي أطلت ملامح مذبحة قضاء مستعادة من نهايات عصر عبد الناصر, علي الرغم من روعة بدايته. تلتها تهديدات للرئيس مرسي بحزمة إجراءات استثنائية, وهي تهديدات تذكرنا بخريف الغضب, المستوحي من نهايات عصر السادات, حينما تم الزج بجل الرموز السياسية والتيارات الفكرية في السجون المصرية. وفي المنتهي كانت واقعة خطف جنودنا, وعرض الفيديو المشين لهم موثقي اليدين, وهو مشهد أثار لدي كل مصري صورة أسرانا في حرب وهزيمة يونيو1967, التي تجاوزناها بالكاد مع عبور أكتوبر المجيد 1973.
وإزاء العودة الطاغية لظاهرة الإظلام الكهربائي, الموروثة من نهايات عصر مبارك, قبل هذه الموجة الكئيبة وبعدها, نجد أنفسنا أمام مشهد نهايات حزين يدفع مصر بسرعة إلي واحدة من أكثر لحظاتها شكا وعجزا, بعد أقل من ثلاثين شهرا علي واحدة من أكثر لحظاتها شعورا بالثقة والجدارة, عقب ثورة شعبية أسقطت نظاما فاسدا, بدا معها المصريون وكأنهم يولدون من جديد, يتعرفون علي أنفسهم لأول مرة, ينظفون ميدانهم الأسطوري مما أصابه من وعثاء, يستعيدون له رونقه وكأنه صالة عرس شهدت أروع حفلات الزفاف بين شعب محب ووطن محبوب, استعادا دفء حبهما القديم, بعد زوال ضباب كثيف أوجده عزول ماكر, وراكمته سنوات القهر والامتهان. فما الذي جري إذن ودفع بالمصريين نحو ذلك المشهد المملوء بالشك والإحباط, والفوضي؟
إنها مرحلة الانتقال العشوائي الحافلة بشتي أنواع الأخطاء, ثم ذلك النظام المهترئ الذي قادته جماعة الإخوان, وأداره الرئيس محمد مرسي فأخذ يعاني, بعد تسعة أشهر من كل صنوف الخطايا التي عاني منها نظام يوليو بعد ستة عقود كاملة, وذلك بفعل الرغبة العنيفة في السطو علي اللحظة التاريخية المؤسسة للمستقبل من خلال أفكار رجعية تنتمي للماضي القريب سياسيا, والماضي البعيد ثقافيا. وكذلك بفعل ذلك الصراع المرير والمفتعل مع مؤسسات الدولة الحديثة, علي نحو اضطر هذه الأخيرة للدخول في صراعات مضادة معها, تجنبا لمحاولات الاختراق الملتحفة بنوع مبتذل من الشرعية السياسية. وهكذا دخلت مصر فيما يشبه حرب استنزاف داخلية, تكاد تستهلكها ماديا ومعنويا.
عندما وقعت حادثة اختطاف الجنود, بينما القيادة السياسية مرتبكة لا تعرف من أين تبدأ وكيف تسلك, ناهيك عن حالة الإظلام السائدة في البلاد ومظاهر التحلل السياسي والانفلات الأمني, فيما إحدي عضوات الكونجرس الأمريكي تعرض مساعدة بلدها في تطهير سيناء من الإرهاب, بدت مصر وكأنها رجل صدمته سيارة فأخرجت أمعاءه من بطنه, ولا أحد في الطريق راغب أو قادر علي إنقاذه, تمر الساعات بطيئة وثقيلة ولا مجيب لرجائه, فيما يعجز صوته عن الوصول إلي آذان الآخرين.
كانت لحظة كاشفة بقدر ما هي مؤلمة, فالإجماع الوطني الذي طالما توافر في مواجهة الإرهاب لم يعد قائما, ولم تبذل الجماعة أي جهد لاستعادته, وبدلا من أن تلجأ لمعارضيها في الداخل, تتحاور معهم وتتنازل لهم تحقيقا لإجماع صلب في مواجهة تحديات الداخل والخارج, نجدها تتنازل للقوي التي طالما ادعت كراهيتها في الخارج, ثمنا لعدم إدانة مواقفها في الداخل.كما صارت تنافق الخاطفين المجرمين عندما تبدي حرصا علي دمائهم يعادل حرصها علي دماء الضحايا المخطوفين, وتتواطأ مع التطرف, إلي درجة صارت معها الساحة المصرية مكشوفة ومخترقة بتيارات سلفية متشددة لها قواعد شرعية تطلق منها سهامها, تمنح للخاطفين الغطاء وتبرر لهم الخطايا, وتحذر الجيش من التدخل ضدهم أو الهجوم عليهم.
هذه اللحظة, بلا شك, هي ذروة الدراما المصرية السائرة علي غير هدي منذ فبراير2011, ولذا يجب أن تكون فارقة, ألا يأتي ما بعدها علي منوال ما قبلها, فقد آن لنا أن نتوقف لنعرف أين نحن الآن, وإلي أين نريد أن نصل, وكيفية الوصول؟. فعلي الجميع الآن مراجعة ذواتهم قبل انفلات العقد الذي تبدي وهنه الشديد.
فعلي قواتنا المسلحة, بقياداتها المخلصة, إكمال العملية العسكرية التي كانوا قد شرعوا فيها, وألا يتوقفوا عنها قبل الخلاص من كل إرهابي معاد لهذا الوطن. لقد عاد الجنود السبعة, والشكر واجب لمن أسهم في ذلك, غير أن هيبة الدولة لم تعد وسيادتها علي الأرض لم تكتمل بعد, وهي مهمة لا يؤتمن عليها سوي جيشنا الباسل, ولا يستطيعها غيره, ولا حاجة به إلي تفويض سياسي من أي شخص أو جهة, فعندما يكون أمن الوطن وسيادته علي المحك لا يكون هناك وقت لمماحكات السياسة ومراوغات السياسيين.
وعلي نخبة الحكم, رئاسة وجماعة, أن تقوم بعمل دوران كامل عن الطريق الذي سارت فيه منذ صدر إعلان الاستبداد المسمي دستوريا, ولا تزال مصرة علي المضي فيه كنوع من الهروب إلي الأمام, وهو الطريق الذي تبدو معه مثل قطار خرج عن القضبان ليدوس كل من يجده علي الطريق, قبل أن ينفجر في النهاية, وهو انفجار حتمي, قبل أن يبلغ مأربه, بحكم التاريخ ومنطق الواقع وطبائع الأشياء. عليهم بالتحديد قبول المطالب الثلاثة الأساسية التي صارت مطالب( الأمة المصرية) وليس فقط( المعارضة السياسية), والتي تتمثل في حكومة كفاءات وطنية, ونائب عام جديد محايد, وضمانات كافية للانتخابات التشريعية المقبلة يأتي علي رأسها الإشراف الدولي الكامل.
وعلي المعارضة السياسية, في المقابل, أن تستجيب لدعوة حوار وطني جاد يتعين أن تخرج فورا من مؤسسة الرئاسة, كي تقدم إطارا ضامنا لتنفيذ هذه المطالب الأساسية, وإطارا وطنيا للتلاحم في مواجهة الأخطار المحدقة بسيناء ومصر, وإطارا منظما للتوافق العام حول القوانين العاجلة التي تفرضها متطلبات الحياة المصرية, بعيدا عن جموح مجلس الشوري الطائفي. فإذا ما تلكأت الرئاسة في تلبية تلك المطالب, وترددت في تقديم تلك الدعوة تعين علي جبهة الإنقاذ التقدم بثبات إلي قيادة حركة( تمرد) واسعة ضد الحكم علي نحو فعال وإيجابي نحو الانفجار الكبير الثاني في الثلاثين من يونيو, تخليصا للوطن من جماعة لا تعرف كنهه ولا تقدر قيمته.
*نقلا عن صحيفة “الأهرام” المصرية
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
Sorry. No data so far.