- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

مناورة أميركية – أوروبية في أوكرانيا: «خطة إنقاذ» لإبعاد كييف عن موسكو

وسيم إبراهيم – السفير البيروتية – باتت المعركة من دون قفازات. فالاتجاه الآن هو لتجريد روسيا من أدوات نفوذها على أوكرانيا، حيث إنّ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يحضّران لـ»خطة إنقاذ» مالية كبيرة تهدف إلى إبعاد كييف عن الارتهان لمساعدات موسكو.
هي خطة تجمع أوصالها حلقات عدة من الشروط. فلتقديم المال يجب أن تتسلمه حكومة تشكلها المعارضة، والأخيرة تقبل لكن بشرط تقليص صلاحيات الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، المعروف أنه حليف لروسيا. إزاء ذلك، عادت موسكو لتلوّح بورقة قوة أخرى وهي صادرات الغاز، الذي تعتمد عليه أوكرانيا ولم تستطع سداد فواتيره المستحقة.
مراسلو الصحافة الأوروبية في بروكسل لم يستطيعوا كتم غيظهم تجاه وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين آشتون. فبعدما ضجروا من تكتمها الشديد، اختارت فتح قلبها في مقابلة لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، نشرت أمس، وكشفت فيها قصة ما يسمى بخطة الإنقاذ.
وبحسب كلام آشتون ستشمل الخطة تقديم مساعدة كبيرة، يعمل عليها الأوروبيون والأميركيون، على أن ترافقها عملية إصلاح سياسي واقتصادي. وتستهدف الخطة جعل أوكرانيا تجتاز مرحلة انتقالية، تحت قيادة حكومة موسعة تجري الإصلاحات المطلوبة، وتقوم بالإعداد للانتخابات الرئاسية في العام 2015.
وستركز المساعدات المالية على الحاجات الطارئة في المدى القصير، بمعنى تجنب الإفلاس، حيث إنّ المعروف أنّ أوكرانيا تعاني عجزاً كبيراً في موازنتها مع ديون هائلة. لم يتضح بالضبط دور «صندوق النقد الدولي» في هذه الخطة، إذ سبق ورفضت الحكومة الأوكرانية شروطه لتقديم قروض على المدى الطويل. مع ذلك، قالت آشتون إنّ تقديم أموال المساعدة «سيتوقف على مدى متابعة الحكومة الأوكرانية الجديدة إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية».
الحديث عن مشروع هذه الصفقة يأتي مع وصول آشتون إلى كييف اليوم، لتستأنف جولة جديدة من «الوساطة» بدأتها الأسبوع الماضي. ستلتقي آشتون قادة المعارضة والرئيس فيكتور يانوكوفيتش، لمحاولة إيجاد صيغة توفيقية تنهي الأزمة السياسية. وسيتعزز فريق «الوساطة» مع وصول مساعدة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند بعد غد.
لكن تفاصيل خطة الإنقاذ اتضحت أكثر مع تحركات المعارضة وتصريحاتها. زعيم أكبر أحزاب المعارضة أرسيني ياتسينوك قال إن بلاده بحاجة إلى «15 مليار دولار على الأقل» لسد حاجاتها الملحة. المعارضة توفر جهداً على المراقبين، ليفهم الجميع أن الهدف هو الاستغناء عن مساعدة موسكو. فالمبلغ المذكور هو نفسه الذي التزمت موسكو بتقديمه إلى أوكرانيا بعد تراجع الرئيس يانوكوفيتش عن توقيع اتفاقية الشراكة مع الأوروبيين.
قدمت روسيا ثلاثة مليارات دولار من مجموع المبلغ عبر شراء سندات أوكرانية، لكنها جمّدت باقي الدفعات. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه يريد معرفة أولويات أية حكومة جديدة قبل مواصلة المساعدة.
إعادة تركيب السلطة هو الجزء الآخر من خريطة الطريق الأميركية – الأوروبية، ومن الأفضل تسميتها «خطة الإنقاذ من موسكو» بدل «خطة أوكرانيا» كما اقترحت آشتون.
المعارضة الأوكرانية مدعوة لاستلام الحكومة الجديدة، وياتسينوك أعلن قبول ذلك بشرط تقليص صلاحيات الرئيس. ويشهد اليوم الإيذان ببدء هذه المبارزة الصعبة، حيث إنّ البرلمان الأوكراني سيبدأ جلساته والمعارضة قالت إن رأس الأوليات هو نقاش العودة إلى دستور العام 2004.
يمثل قبول مبدأ المساعدة المالية المباشرة تراجعاً في موقف الأوروبيين. فعندما قدم الرئيس الأوكراني طلباً كهذا، قبل شهرين، تعرض لسخرية لاذعة ولرفض قاطع، وقيل له إن عليه توقيع الشراكة ثم يمكن بعدها نقاش القضية. لكن هذا التغيير كان طريقة بروكسل وواشنطن لإظهار رسالة دعم سياسي قوية للمعارضة.
مع ذلك، لا شيء مضمون حتى الآن. فمن غير المتوقع أن يقبل الرئيس الأوكراني تهميشه بهذه السهولة، حتى لو أبدى استعداده لعقد صفقة تفاوضية. على أية حال، هذا ما أشار إليه وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير عندما اعتبر أن هنالك «حلحلة» في جمود الأزمة الأوكرانية، قبل أن يؤكد «لكننا نقف الآن أمام نقطة حاسمة».
وشدد شتاينماير على أهمية خطة الإنقاذ المالي كي لا تجد كييف نفسها في النهاية أمام «كارثة اقتصادية». وضع الوزير الألماني إصبعه على جرح الأزمة، حيث قال إن إحداث انعطافة فيها يتطلب تغييراً دستورياً سيكون «صعباً ويحتاج كثيراً من الدعم الخارجي». ولا تمثل هذه القضية أحجية طبعاً، فالمقصود بـ»الخارج» هو قبول روسيا بالضغط على الرئيس يانوكوفيتش كي يقبل تنازلا عن صلاحياته لمصلحة البرلمان والحكومة الجديدة.
لكن موسكو هي آخر من يمكن أن يرضيه ما يحدث. لا أخبار الصفقة المالية تسرها، ولا «الإصلاح السياسي» الذي يستهدف حليفها يانوكوفيتش. إرجاع أموال موسكو عبر خطة إنقاذ مالية من الغرب هو بمثابة الإهانة. الرئيس الروسي، ومثله كبار المسؤولين في إدارته، لم يتوقف لحظة عن التغني بكرم مساعدة بلاده «بلا شروط»، وتهكم مراراً من «صندوق النقد الدولي» واشتراطاته لأية مساعدة.
وبلهجة انتقاد لاذعة بلا انفعال، تحدثت وزارة الخارجية الروسية عن ازدياد استفزازات «قوات المعارضة»، مشيرة إلى أنّ ذلك حدث بعد لقاء زعمائها بوزراء خارجية غربيين. طالبت المعارضة بالكف عن «التهديدات» و»الإنذارات»، وبإجراء حوار مكثف مع السلطة للخروج من الأزمة «مع البقاء في الإطار الدستوري».
العبارة الأخيرة ربما تحمل اعتراضات روسية على تعديل دستوري يهمش حليفها يانوكوفيتش. لكن غير ذلك، فلا ردود صاخبة تأتي من روسيا. أولوية بوتين الآن تبقى تمرير انطلاق الأولمبياد الشتوي في سوتشي بأقل قدر من المشاكل والضجيج.
ومع ذلك، لم يمنع هذا الاحتراس من تذكير روسيا بورقة قوة لا يمكن الاستهانة بها. فبالتزامن مع أخبار «خطة الإنقاذ» الغربية لكييف، أعلن عملاق الغاز الروسي «غازبروم» أنه ضاق ذرعاً بتخلف أوكرانيا عن سداد ديونها. تحركت الشركة لتعطي تصريحات للصحافة الروسية، ثم نشرت بياناً، أمس، تعلن فيه أن الديون الأوكرانية المستحقة وصلت إلى 3.35 مليارات دولار. اشتكت الشركة الروسية من أنّ نظيرتها الأوكرانية «نفتو غاز»، تخلفت في مواعيد إيفاء الديون، التي سبق وتم تأجيلها مراراً. وبالتالي عاد الحديث الروسي عن اشتراط الدفع مسبقا قبل مواصلة توريد الغاز. هذه القضية عالقة هنا الآن، ويمكن لموسكو استخدامها كورقة ضغط فعالة. يمكن لهذا السجال استدعاء سيناريو يقود في النهاية إلى قطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا، وهذا ما حصل في مرات عدة سابقا.
جدير بالذكر أنّ مشاكل الصفقة ليست فقط مع موسكو. فحتى لو نجح الغرب في تمرير تسوية سياسية، تبقى أزمة الاحتجاجات قائمة. فمن أقاموا في وسط كييف لشهرين، في ظل ظروف صعبة، لا يرضون بأقل من تنحي الرئيس وبانتخابات مبكرة.