| نشر في سبتمبر 25, 2013 11:07 ص | القسم: قضايا ساخنة | نسخة للطباعة :
من كتاب د. عصام محمد السعدي
الحركة الوطنية الاردنية
١٩٢١ ـ ١٩٤٦
تثمن ادارة صحيفة الأهالي، الجهد الوطني الكبير الذي قام به د. السعدي في إعداد بحث متميز حول دور الحركة الوطنية في تلك الاعوام الصعبة إن توثيق هذه السيرة التاريخية استنادا الى الانجازات الهامة للشعب الاردني وحركته الوطنية المنظمة في ذلك الوقت هو شأن سياسي واجتماعي وثوري بامتياز، وعلينا جميعا أن نحرص على الإسهام الجاد في تقديمه للأجيال الشابة … وذلك أضعف الايمان. لقد نظمت الاحزاب الوطنية الاردنية في تلك الحقبة التاريخية المشار اليها ستة مؤتمرات ، وقد عرضت صحيفة الاهالي في اعدادها السابقة وقائع المؤتمرات الوطنية الثلاثة ونتابع فيما يلي وقائع المؤتمرات الرابع والخامس :
المؤتمر الوطني الأردني الرابع (15 آذار 1932)
تفسخت صفوف المعارضة السياسية، بسبب المصالحة التي تولاها الأمير عبد الله بين المعارضة السياسية والفريق الموالي للحكومة، وقبول بعض عناصر المعارضة الوطنية للوظائف الرسمية، ومشاركة بعضها الآخر في انتخاب المجلس التشريعي الثاني التي جرت في (10 حزيران 1931)، وأسفرت عن شغل عناصر المعارضة ببعض مقاعد المجلس التشريعي الثاني، ووصفت جريدة (الجامعة العربية) حالة المعارضة الأردنية بأنها «يرثى لها»، وان «جماعة المعارضة التي حملت المبدأ الوطني وجاهدت في سبيله بضع سنوات، لم تلبث أن أدركها الوهن والهلاك، وقد اندس في صفوفها كثير من النفعيين والوصوليين الذين لم تكن معارضتهم له عن مبدأ او عقيدة، وانما كانت لقصد الوصول الى الكراسي عن طريق المعارضة، فلما لوحت لهم حكومة شرق الاردن ببعض المناصب طرحوا المعارضة جانبا وأصبحوا حكوميين من الطراز الأول»، واعتبرت الصحيفة «انهزام المعارضة في شرقي الاردن مثل هذا الانهزام المعيب أمام المناصب والكراسي…إجرام كبير» وضربة مؤلمة للمسألة الوطنية.
دافعت اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الأردني عن نفسها وأصدرت بيانا ردا على ما جاء في جريدة (الجامعة العربية)، تضمن تفسيرا لقبول اعضاء اللجنة المناصب الرسمية، وأكدت انها «كانت ولا تزال تعمل على انقاذ البلاد» من المعاهدة الاردنية – البريطانية والامتيازات الاجنبية» بالطرق المشروعة. لتحقيق الميثاق الوطني المقدس، وقد ردت نفس الجريدة على بيان اللجنة التنفيذية بالقول: «لقد أصبح كثير منكم أيها السادة اعضاء اللجنة التنفيذية الاردنية، اعضاء في المجلس التشريعي، بفضل مصانعة الحكومة، كما اصبح بعضكم موظفين بفضلها ايضا، فهل لكم ولجنتكم الموقرة ان تبسطوا للرأي العام شيئا من جهودكم وجهادكم في المجلس التشريعي لنصدق ويصدق معنا الناس أنكم ما تزالون ساعين لتحقيق الميثاق الوطني المقدس، وانكم لم تندمجوا في الحكومة اندماجا كليا ولم تخلوا الميدان للنفوذ البريطاني يتغلغل في صميم شرق الاردن الى الصحراء؟، برهنوا على شيء من هذا، ونحن نعترف لكم بأننا مخطئون ونرجع عن خطأنا».
وقد فشلت اللجنة التنفيذية في عقد المؤتمر الوطني الرابع في موعده المحدد، بسبب حالة الانقسام التي شهدتها المعارضة السياسية والعشائرية، وفي هذه الاجواء بدأت الاستعدادات لعقد المؤتمر الوطني الرابع، من أجل لم شمل المعارضة وتوحيد صفوفها على أسس تستوعب المتغيرات الجديدة وخاصة على صعيد المجلس التشريعي.
دب الخلاف بين اعضاء المؤتمر الوطني الرابع منذ لحظة افتتاحه يوم (16/3/1932)، بعد ان رفضت سكرتاريا المؤتمر السماح لمحمد سعد البطاينة عضو المجلس التشريعي من القاء خطابه، بحجة ان اسمه غير مدرج في قائمة الخطباء وعدم اطلاع اللجنة على نص كلمته حسب تعليمات الحكومة، وازداد اصرار سكرتاريا المؤتمر على منع البطاينة من القاء خطابه عندما عرفت ان خطابه ينتهي باقتراح بحل اللجنة التنفيذية الحاضرة وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة.
ومع ذلك فقد تابع المؤتمر اعماله بعد الانسحابات التي هددت استمرارية انعقاده، فألقى الدكتور صبحي ابو غنيمة كلمة استعرض فيها أحوال البلاد الاقتصادية السيئة، والمجاعات التي عانت منها جماهير بعض المناطق، وتدهور أحوال الفلاحين المثقلين بالضرائب والديون، والتجار المحليين بسبب استمرار حالة كساد السوق، ورد الدكتور ابو غنيمة اسباب الحالة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد الى:
1 – الأزمة الاقتصادية العالمية.
2 – تسلط حكومة الانتداب.
3 – سوء الادارة الحكومية المحلية.
وطالب للخروج من أزمات البلاد وضع بنود الميثاق الوطني الاردني موضع التنفيذ، وتأليف «حكومة نيابية دستورية مسؤولة» أمام مجلس نيابي منتخب انتخابا حرا ونزيها، واخراج الموظفين المستعارين الذين رفضوا الانتساب الى شرقي الاردن. واستعرض في خطابه المعاهدة البريطانية – الاردنية والقوانين الاستبدادية التي تمارسها حكومة الامارة، كما هاجم الصهيونية وبيّن خطرها على البلاد.
ثم ألقى عادل العظمة، عضو المجلس التشريعي الاردني، خطابا استعرض فيه الظروف التاريخية التي مرت بها منطقة شرقي الاردن، والتدخل البريطاني المباشر في الادارة الاردنية، وفرض المعاهدة التي وصفها بأنها «صك استعباد لشرق الاردن واستعمارها»، بأساليب الاكراه والضغط، وهاجم الصهيونية محذرا من اخطارها، ومطالبا بوضع تشريع خاص يمنع بيع الاراضي للصهيونية.
وسلّط نجيب ابو الشعر في خطابه الضوء على الحركة الصهيونية واخطارها، ووصفها بأنها «فكرة مجرمة» الغاية منها احلال اليهود محل العرب في أراضيهم سواء في فلسطين او شرقي الاردن، وحذر من اطماع الصهيونية في الامتداد الى شرقي الاردن، داعيا الى الحفاظ «على تراب الآباء والاجداد».
نلاحظ ان خطباء المؤتمر تجاوبوا مع هموم الجماهير الاردنية ومعاناتها، سواء كانت السياسية او الاقتصادية او الادارية، وهي نفس الهموم التي تجاوبت معها المؤتمرات الوطنية السابقة، مما يعني ان هذه الهموم ما زالت المعاناة منها باقية، وان المؤتمر لم يمتلك آلية التغيير المطلوبة. ويعود تركيز الخطباء على الصهيونية والتحذير من خطر امتدادها الى البلاد الى بعض الاسباب منها:
1 – ان الموقف من الحركة الصهيونية يكسب المؤتمر والخطباء صفة المعارضة السياسية.
2 – ان الموقف من الحركة الصهيونية يحظى باحترام والتفاف وتأييد الجماهير.
3 – التجاوب مع المناخ الشعبي العام الرافض للحركة الصهيونية، ومسألة تأجير أراضي شرقي الاردن للوكالة اليهودية.
اتخذ المؤتمر في نهاية أعماله عدة قرارات كانت في الواقع تكرارا لقرارات المؤتمرات الوطنية السابقة.
لم تكن قرارات المؤتمر الوطني الرابع بمستوى قرارات المؤتمرات الوطنية السابقة، ويعود ذلك الى ضعف موقف اللجنة التنفيذية اثر انسحاب عدد كبير من اعضائها من المؤتمر، وخاصة اعضاء المجلس التشريعي الثاني. ومن مؤشرات ضعف اللجنة التنفيذية ان حسين الطراونة هدد الحكومة بالدعوة الى عصيان مدني، اذا لم تستجب الى تنفيذ مقررات المؤتمر الرابع، ومع ان الحكومة كانت تعرف جيدا ما وصلت اليه اللجنة التنفيذية من ضعف وتفكك يمنعها من انجاح العصيان المدني، فان الدعوة للعصيان او التهديد بها لم تثر قلق الحكومة.
لم تكن نشاطات اللجنة التنفيذية بمستوى القرارات التي اتخذتها، ويبدو ان حالة الانقسام في صفوفها منعتها من القيام بدورها الوطني على أكمل وجه، فلم نر نشاطا بارزا لها حتى انعقاد المؤتمر الخامس، اللهم الا مذكرة رفعتها اللجنة التنفيذية في عام 1933 الى الامير عبد الله والمندوب السامي والمعتمد البريطاني ورئيس وزراء شرقي الاردن، نقلوا فيها وجهة نظر الرأي العام، من حيث السياسة المالية المفقرة التي ينتهجها ممثلو الحكومة البريطانية في البلاد، ووقوع شرقي الاردن بين حبائل الصهيونية وأساليبها، وقد شجبت المذكرة محاولات الصهيونية وأساليبها الامتداد الى شرقي الاردن.
كما قامت اللجنة على الصعيد القومي بتقديم مذكرة احتجاج الى المؤتمر الاسلامي الفلسطيني الذي انعقد في حزيران 1932، تضمنت احتجاج اللجنة على الاستعمار واستنكار أساليبه.
ورغم ضعف نشاط اللجنة المحلي، فقد أصدرت حكومة الامارة بلاغا بتاريخ (4/3/1931) يمنع موظفي الدولة من الاشتغال بالمسائل السياسية، وهددت بفصل كل موظف يخالف تعليمات الحكومة، في محاولة منها لتعميق أزمة العمل الوطني العام في البلاد.
وقد واجه المؤتمر الوطني الرابع موجة اتهامات واحتجاجات داخلية وخارجية حادة، فقد سخر مصطفى وهبي التل من المؤتمر وقراراته ومن اللجنة التنفيذية التي نظمته سخرية قاسية، واعتبر المؤتمر «مؤامرة» على البلاد «وشبكة جديدة للصيد، أي صيد المناصب الحكومية»، كما انتقدت جريدة (الجامعة العربية) في افتتاحية عددها الصادر في (21/3/1932) (الميثاق الوطني الاردني) الذي وزعته اللجنة التنفيذية على المؤتمرين.
وقد ردت اللجنة التنفيذية على موجة الاتهامات والانتقادات تلك باصدار بيان سياسي دافعت فيه بشكل أساسي عن (الميثاق الوطني الاردني) باعتباره «برنامجا عمليا محليا» تهتدي به الحركة الوطنية في البلاد، بعد ان قدمت ايضاحات لبعض مواده.
المؤتمر الوطني الاردني الخامس (6 حزيران 1933)
عقد المؤتمر الوطني الاردني الخامس في ظل أزمتين عاشتها جماهير شرقي الاردن:
الاولى: أزمة اقتصادية عاشتها البلاد منذ عام 1928، بسبب سنوات القحط المتتالية، وخاصة في مطلع الثلاثينات، مما دفع شيوخها وزعمائها الى التفكير بتأجير أراضيهم الزراعية للوكالة اليهودية، وبالفعل فقد اجرى بعض الشيوخ اتصالات معها لهذه الغاية، شجعهم في ذلك اعلان الامير عبد الله في الصحف عن رغبته في تأجير أراضي (غور كبد)، «لمن يرغب في ذلك»، وقد عبر الشيخ حديثة الخريشا عن حجم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها جماهير البلاد، بقوله «نحن في شرقي الاردن أشبه بمولود جديد تولى الوصي تربيته، فمنع عنه الرضاع واللباس وجميع اسباب التدفئة والتربية، وقال له عش ونم وزرّع وخذ نصيبك لما لك وسائر اسباب حياتك».
الثانية: أزمة سياسية / تنظيمية شعبية، تمثلت في حالة الانشقاق في الصف الوطني، التي عصفت فيما بعد بمؤسسة المؤتمرات الوطنية الاردنية، وعبرت عن نفسها في انقسام اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الاردني، وعقد كل قسم / فريق مؤتمر (وطني) خاص به، منفصل عن الآخر، في اجواء اتهام كل فريق للآخر بالخيانة والعمالة للوكالة اليهودية، وتفاقم الخلاف واتسع الشرخ بعد ان نجحت اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني من تحريك الفئات المتنورة من الشباب والمثقفين للتصدي لمحاولات بعض الشيوخ تأجير أراضيهم للوكالة اليهودية، والتي نجحت بدورها مع اللجنة التنفيذية في تحريك واثارة الرأي العام المحلي ضد هؤلاء المشايخ، فشهدت مختلف مناطق البلاد مظاهرات شعبية صاخبة تندد بالصهيونية وتحذر من التعامل معها.
في هذا المناخ السياسي المشحون بالاتهامات والمهاترات التي كالها كل فريق للآخر من على صفحات الجرائد الفلسطينية والسورية، بدأ التفكير في عقد المؤتمر الوطني الخامس في السلط، تحت شعار منع تسرب الصهيونية الى شرقي الاردن، غير ان حدوث صدامات بين عدد من مؤيدي اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني وفريق مثقال الفايز في السلط دفع اللجنة التنفيذية الى تأجيل عقده الى مطلع حزيران من نفس العام، وفي عمان بدلا من السلط، مما دفع حكومة الامارة لإصدار بلاغ في (8/3/1933)، حظر على جميع موظفي الدولة العمل في القضايا السياسية، وهدد البلاغ كل من يشتغل «بالامور السياسية والتدخل في شؤون الاحزاب» بالفصل من العمل.
عقد المؤتمر الوطني الخامس في الوقت المحدد له في فندق الكمال بتاريخ (6/6/1933)، بحضور وفود من سوريا وفلسطين، وألقى كل من السادة: نجيب ابو الشعر والدكتور صبحي ابو غنيمة وعادل العظمة وسليمان السودي الروسان، كلمات تحدثوا فيها عن الاوضاع الداخلية والاطماع الصهيونية في شرق الاردن، وأصدر المؤتمر بعد المداولة والنقاش القرارات التالية:
ــ تأليف حكومة وطنية بمسؤولية مشتركة على أساس الكفاءة والثقة التامة.
ــ تقوم هذه الحكومة بمفاوضة الحكومة البريطانية لتعديل المعاهدة بصورة تضمن حقوق البلاد وسيادتها القومية.
ــ استنكار ما تقوم به الصهيونية من دعايات للانتقاص من حقوق شرقي الاردن تحقيقا لمطامعهم الخاطئة، ووضع تشريع قاطع لمنع بيع الاراضي لليهود وتعاملهم مع شرقي الاردن بأي شكل من الأشكال، وان يمنع كل يهودي من الاقامة الدائمة في شرقي الاردن.
ــ الغاء القوانين الاستثنائية لمخالفتها روح التشريع، كقانون النفي والابعاد وقانون منع الجرائم وقانون العقوبات المشتركة.
ــ الاستغناء عن الموظفين المستعارين في حكومة شرقي الاردن حرصا على الوحدة الادارية.
ــ معالجة ما وصلت اليه البلاد من سوء الحالة الاقتصادية.
ــ توحيد الجهود مع الدول العربية لدرء الاخطار الاستعمارية والصهيونية وتحقيق مبادئ القومية العربية المجزأة على ان يحتفظ كل قطر بخصائصه الداخلية وشكل حكومته الخاصة.
ــ تشكيل لجان في كل مقاطعة من مقاطعات شرقي الاردن تتصل باللجنة التنفيذية للعمل جميعا على تنفيذ المقررات.
ــ اصدار جريدة (الميثاق) لتكون ناطقة باسم اللجنة التنفيذية.
يتضح من قرارات المؤتمر الوطني الخامس، انها تكرار لقرارات المؤتمرات الوطنية السابقة، غير ان ما يلفت الانتباه ان المؤتمر تعامل مع المعاهدة الاردنية – البريطانية كأمر واقع، وطالب هذه المرة بالعمل على تعديلها بدلا من الغائها ورفضها كما كان عليه الحال في المؤتمرات السابقة.
وقد اولى المؤتمر الوحدة العربية، طريقا لدرء الاخطار الصهيونية التي تحيق بالاردن في تلك الفترة، حيث نشطت الحركة الصهيونية ممثلة بالوكالة اليهودية التسرب لشرق الاردن من خلال شراء الاراضي واقامة علاقات سياسية تحت ضغط الظروف الاقتصادية التي تلف البلاد، الامر الذي يؤشر يشكل جلي على عدم اعتراف الحركة الصهيونية بقرار عصبة الامم القاضي بفصل شرقي الاردن من الاراضي التي شملها وعد بلفور.
كما يعتبر المؤتمر الوطني الخامس اول مؤتمر يدل على الآلية والطرق التي يقررها من أجل تنفيذ قراراته، وذلك بتشكيله لجان المناطق او المقاطعات التي سترتبط تنظيميا باللجنة التنفيذية ويسند اليها تنفيذ قرارات المؤتمر، بهدف حماية البلاد من التسرب الصهيوني ومقاومة بيع الاراضي وفضح الشيوخ الذين نسجوا علاقاتهم مع الوكالة اليهودية التي رأت فيهم جسرا للتمدد الى شرقي الاردن لاعادة شمولها في وعد بلفور من جديد، الأمر الذي افتقرت اليه المؤتمرات الوطنية السابقة.
اخذ كل فريق بعد اختتام المؤتمر الوطني الخامس اعماله، يعمل من أجل كسب المؤيدين له. ولاقناع زعماء المناطق بصحة موقف اللجنة التنفيذية وحرصها على المصلحة العامة، خاصة بعد ان اصبح انقسام الصف الوطني حقيقة واقعة، قامت اللجنة التنفيذية في بداية (آب 1933)، بزيارة للسلط والتقت ببعض زعمائها وشيوخها، ثم انتقلت الى جرش حيث جرى لها استقبال شعبي واسع، القى فيه موسى الساكت كلمة تناول فيها أوضاع البلاد والاضطهاد الذي يلاقيه احرار البلاد، ثم زارت اللجنة اربد واجتمعت بشيوخها وزعمائها للغرض ذاته.
وقد احرز نشاط اللجنة نتائج باهرة، أعادت الى اللجنة مكانتها السابقة، الأمر الذي دفع الحكومة الى التضييق على اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الخامس، نظرا لازدياد نفوذها السياسي المعارض في البلاد، وخاصة تصديها الشجاع لمسألة تأجير أراضي بعض الشيوخ للوكالة اليهودية، وفضحها توجهاتهم وأساليبهم، وقيادتها للمظاهرات التي اندلعت في جميع انحاء البلاد في شهري تشرين اول وتشرين ثاني عام 1933، تضامنا مع جماهير فلسطين، فاعتقلت قوات الحكومة رئيس اللجنة التنفيذية في (آب 1934) فترة من الوقت، ثم ما لبثت ان افرجت عنه بسبب الضغط الشعبي الداخلي والعربي. وشهدت الساحة السياسية عددا من مظاهر التضييق على اللجنة التنفيذية في محاولة لتحجيم دورها السياسي المعارض.
وتفيد الوثائق ان اللجنة التنفيذية ظلت قائمة حتى عام 1936، وقامت خلال هذه الفترة ببعض النشاطات المتواضعة، فأصدرت في عام 1934، بيانا سياسيا احتجت فيه على تعطيل حكومة الانتداب لجريدة (الجامعة الاسلامية) في فلسطين، واعتبرت اجراءات التعطيل تحديا سافرا لشعور الامة، وقدمت عام 1935، مذكرة الى الامير عبد الله استنكرت فيها محاولات الحركة الصهيونية التسرب الى شرقي الاردن، واحتجت فيها على ممارسات الحكومة القمعية ضد العناصر الوطنية، واعتبرت هذه «الاجراءات السريعة هي مقدمات لأمور خطيرة تهدد مستقبل البلاد واستقلالها وكيانها… وانها تتناقض مع ما أجمعت عليه الامة في كافة مؤتمراتها وفي مجلسها التشريعي من استنكار محاولات الصهيونية ورفض دخولهم البلاد رفضا باتا، وطالبت المذكرة حكومة الامارة بالاسراع بسن قانون يحول دون مطامع الحركة الصهيونية في أراضي شرق الاردن وممتلكاتها.
وقدمت اللجنة عام 1936، الى الامير عبد الله مذكرة اشارت فيها اسباب التهويد المتبعة في فلسطين، والاعتداءات اليهودية المتكررة على عرب فلسطين، المتمثلة بالقتل وحرق المنازل، وطالبت المذكرة الامير عبد الله بالتدخل لدى بريطانيا لوقف الهجرة الصهيونية ووضع حد لسياسة التهويد.
ويمكن القول ان المؤتمر الوطني الخامس عقد على خلفية مقاومة النشاط الصهيوني في شرقي الاردن، الذي تجلى بشكل أساسي في رغبة الامير عبد الله وبعض مشايخ البلاد في تأجير او بيع أراضيهم للوكالة اليهودية.
ثم ان انقسام المؤتمر الرابع وحالة الانشقاق التي عاشها المؤتمر نفسه مهدت لانعقاد المؤتمر الوطني الخامس، وجاءت على خلفية التعاطي مع الوكالة اليهودية، الامر الذي يهدد البلاد ببسط السيطرة الصهيونية عليها.
ولولا الموقف الوطني لبعض جماهير البلاد الذي قادته اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني واللجان المنبثقة عنها، وحالة الرفض الشعبي للحركة الصهيونية والوقوف بوجهها بكل أشكال النضال السلمي في داخل البلاد الذي أخذ شكل المظاهرات الحاشدة والعرائض والبيانات السياسية وغيرها، التي نددت بمحاولات الامير وبعض الشيوخ تأجير اراضي البلاد للوكالة اليهودية، لولا ذلك كله لأمكن للحركة الصهيونية ان تجد موطئ قدم لها في شرقي الاردن.
ثم ان جماهير الاردن بقيادة حركتها الوطنية رأت في التصدي للصهيونية على ارض فلسطين بمشاركتها الحركة الوطنية الفلسطينية النضال المسلح والسلمي على الساحة الفلسطينية، شكلا من أشكال مقاومة المخططات الصهيونية في التمدد الى الساحة الاردنية، الامر الذي يعبر عن نضوج سياسي في تلك الفترة.
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
Sorry. No data so far.