- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

التقرير السياسي المقرّ من المؤتمر الوطني العام الثامن لحزب الشعب الديمقراطي الأردني “حشد” 25 / 11 / 2022

[1]
مقدمة
ينعقد المؤتمر الوطني العام الثامن لحزب الشعب الديمقراطي الأردني «حشد» تلبية للاستحقاق الديمقراطي المنصوص عليه في النظام الأساسي، حيث أصبح الالتزام بعقد المؤتمرات الدورية للحزب – كل أربع سنوات – جزءاً أصيلا من تقاليده السياسية والتنظيمية.
وعلى مدى 33 عاماً، عقد الحزب سبعة مؤتمرات عامة كان أولها عام 1989م بالتزامن مع بدء مرحلة سياسية جديدة في البلاد، أطلق عليها مرحلة التحول والانفتاح الديمقراطي، وعليه فقد أقرّ المؤتمر الأول التوجهات الرئيسية السياسية والفكرية للحزب إضافة الى النظام الأساسي وبرنامج النقاط العشرة تحت عنوان مهام التغيير والتحول الوطني الديمقراطي. كما انتخب المؤتمر الأول هيئات الحزب القيادية: التشريعية والتنفيذية.
أسهمت المؤتمرات التي عقدها الحزب في تجديد بنيته وهيئاته القيادية وكذلك في تطوير برنامج عمل الحزب ووثائقه التنظيمية والسياسية، التي واكبت التحولات السياسية والاقتصادية المتسارعة في البلاد وكرست آليات ديمقراطية في تنظيم علاقاته الداخلية. نشير في هذه المقدمة إلى ما يلي:
اولاً: ان الاستحقاق الدوري لانعقاد المؤتمر العام الثامن للحزب هو بتاريخ 15 / 3 / 2023 الا أن اللجنة المركزية قررت عقده في مده أقصاها تشرين ثاني 2022، وذلك حرصاً على استكمال الخطوات الضرورية اللازمة وفقاً لقانون الأحزاب السياسية الجديد، مع ملاحظة ان حزبنا مع الأحزاب القومية واليسارية في الائتلاف قد عبرّ عن موقفه الرافض للأشتراطات الجديدة في القانون، لأسباب نأتي عليها في متن هذا التقرير، وسنبقى نطالب بتعديل مواد القانون المتعلقة بفرض هذه الاشتراطات على الأحزاب القائمة أساساً والتي فرضت شرعية وجودها السياسي والتنظيمي منذ عقود من الزمن.
ثانياً: نتطلع بكل اخلاص ومسؤولية وطنية عالية إلى أن تواصل الأحزاب القائمة وتحديداً أحزاب الائتلاف: القومية واليسارية، حضورها في الحياة السياسية والعامة في البلاد وهي التي حققت إنجازات مشهوداً لها في تأسيس الحركة الجماهيرية المنظمة وكرست جهودها دفاعاً عن الوطن وسيادته واستقلاله في مراحل تاريخية صعبة مرّ بها الأردن.
الأوضاع السياسية
تعيش البلاد تحت وطأة أزمات اقتصادية وسياسية نوعية ثقيلة ومحمولة عبر عقود من الزمن، وتحديداً منذ تاريخ انحسار الدور المركزي للدولة في إدارة السياسات الاقتصادية والاجتماعية / أوائل التسعينات من القرن الماضي/، والاتجاه نحو خصخصة المؤسسات الأكثر إنتاجية واهمية للدولة الأردنية.
شكلت هذه الاستراتيجية قاعدة أساسية لكل السياسات الداخلية الأخرى في البلاد، وكان لها نتائج سلبية على القوانين الناظمة للحياة السياسية والحريات العاّمة في جميع مستوياتها.
السمات الرئيسية للأزمات العامة في البلاد تتلخص فيما يلي:
تراجع الأوضاع الاقتصادية والمالية بصورة تصاعدية، وفقاً للمؤشرات والدلائل الواردة في النشرات والتقارير الرسمية. (( تم التطرق لهذا الموضوع بالتفصيل في متن هذا التقرير )). وكان لتداعيات هذه الظاهرة أثر بالغ على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمواطنين، وادت إلى حدوث أنقسامات لم يشهدها المجتمع الأردني من قبل، بسبب حدّة التفاوتات الطبقية بين من يملك ولا يملك، واتساع ظواهر التمييز في تطبيق القوانين وعدم المساواة في الفرص.
تراجع الأوضاع السياسية والحريات العامة للمواطنين، واحتكار التمثيل السياسي في السلطات التشريعية والتنفيذية وإقصاء الغالبية عن مواقع اتخاذ القرار الوطني ، والتضييق المستمر على الأحزاب السياسية والتدخل في النقابات المهنية والعمالية والمؤسسات الاجتماعية المنتخبة. الأمر الذي أدى إلى تفريغها من مضمونها وإضعاف دورها في الدفاع عن حقوق القطاعات التي تمثلها.
انتشار ظاهرة الفساد الإداري والمالي على نطاق واسع، وقد طالت الظاهرة في تأثيرها مؤسسات الدولة التي أصبحت تعاني من الترهل والضعف، وانعكس ذلك على ما بات يعرف بعدم ثقة المواطن بمؤسسات الدولة.
في مواجهة هذه الازمات وتفرعاتها، لم تلجأ المؤسسة الرسمية إلى تبني مشروع اصلاح وطني ديمقراطي شامل لكل من الاختلالات الاقتصادية والسياسية، بل انتهجت سياسات مضمونها الالتفاف والمناورة على الأوضاع القائمة، والاستسلام للتيار الرافض اجراء اية إصلاحات جادة في النهج الاقتصادي والحياة السياسية.
أدت هذه السياسة بالضرورة إلى تفاقم الازمات، خصوصاً وأن الخطاب الرسمي، خلا من اية إشارات للمراجعة والتقييم، وتتبع أثر السياسات العامة على تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين. نشير في هذا السياق إلى الكيفية التي تشكل فيها الحكومات، ثمّ يتم تعديل مكوناتها لاكثر من مره خلال فترات زمنية قصيرة، دون الإفصاح عن أسباب التعديل ودون ربط اية تغييرات بالبرامج التي حازت الحكومة على الثقة من البرلمان على اساسها.
يستدعي الواقع الجديد في البلاد، وكذلك المتغيرات الكبرى الجارية على المستويات العربية والإقليمية والدولية، إعادة النظر في النهج المتبع في إدارة الاقتصاد والشأن السياسي ايضاً، والاتجاه نحو تبني مشروع إصلاحي وطني ديمقراطي صريح، اعمدته الرئيسية باتت معروفة تماماً لدى الجهات الرسمية والشعبية ايضاً:
استراتيجية تنموية اقتصادية شاملة، قادرة على توظيف الثروات الطبيعية والقوى البشرية بكفاءة واقتدار والتحول من الاقتصاد التابع للمؤسسات الدولية المرشحة للتراجع وربما الانهيار، إلى اقتصاد وطني منتج ومستقل.
استراتيجية تنموية سياسية تحترم التعددية والحريات العامة والحقوق الطبيعية المنصوص عليها في الدستور الأردني. وإعادة الاعتبار لدور المؤسسات النقابية والتمثيلية في البلاد دون تدخلات في شؤونها باتت تهدد أداءها وطبيعتها الديمقراطية وأسباب وجودها. نذكّر هنا بالدور الرئيسي الذي قامت به هذه المؤسسات كوسيط بين فئات المجتمع ومؤسسات الدولة في سياق نشوء الدولة الأردنية الحديثة.
إرساء قواعد العدالة وعدم التمييز ومحاربة ظاهرة الفساد المؤسسي، وهذا يستدعي إعادة الاعتبار أيضا لدور الجهات الرقابية الرسمية منها والشعبية المركز الوطني الانسان، ديوان المحاسبة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والأحزاب السياسية والمؤسسات الشعبية المختلفة. لقد استنزفت ظاهرة الفساد سمعة البلاد إلى جانب استنزاف أموال الخزينة العامة للدولة والاعتداء على حقوق المواطنين والإمعان في إضعاف الاقتصاد الوطني.
في ظل استمرار ظواهر الخلل الاقتصادي والسياسي، سيكون من الصعب جداً استثمار طاقات وعقول الفئات الشبابية – اناثاً وذكوراً، مهما علت الأصوات الداعية للنهوض بالشباب والمرأة اذ يحتاج هذا التوجه إلى بيئة طبيعية جاذبة ومناسبة، بعيداً عن مظاهر التمييز والمساواة في تطبيق القانون، والاستمرار في إضعاف المقومات الأساسية والإنتاجية في الاقتصاد: زراعة وصناعة، واتساع ظواهر البطالة والفقر.
تحتاج المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد الآن إلى درجة عالية من التحصين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويحتاج كل ركن فيها إلى جهود وطنية مخلصة من اجل الإصلاح والتطوير: (( التعليم والصحة، والنقل والإدارة العامة ))، ونجمل كل هذا بالقول: اننا نحتاج إلى شق طريق إصلاحي صريح لأردن وطني ديمقراطي.
[2]

[3]

[4]
الموازنات العامة السنوية
العصب الرئيسي للبرنامج الاقتصادي والاجتماعي للحكومة
يتناول التقرير الموازنات العامة لأعوام 2020 / 2021 / 2022م حيث تعتبر الموازنة من اهم القوانين الاشدّ تأثيراً على الحقوق المعيشية والإنسانية للمواطنين، وتعبر مضامينها واتجاهاتها العامة عن السياسات الرسمية تجاه الطبقات والفئات الاجتماعية من خلال توجيه إيراداتها ونفقاتها. في هذا السياق تؤكد المؤشرات الرئيسية لموازنات السنوات الثلاثة الماضية 2020 / 2021 / 2022 على ظواهر مشتركة شكلت أسبابا رئيسية للأزمات المتلاحقة التي يعاني منها الاقتصاد الأردني، وعكست نفسها بحدّه على مجمل الأوضاع الاجتماعية في البلاد:
التوسع في النفقات الجارية، في ظل الاعتماد الواسع على المساعدات والقروض الخارجية وغياب عنصر التوازن بين النفقات العامة للدولة والايرادات الداخلية.
تخفيض النفقات الرأسمالية التشغيلية والاتساع المفرط لحجم القطاعات الخدمية وهو سبب رئيسي في ضمور القاعدة الإنتاجية وتشويه الهيكلية العامة لبنية الاقتصاد الوطني.
الارتفاعات المتتالية لمؤشر المديونية بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي:
فقد وصل مؤشر المديونية في موازنة 2020 إلى 30 مليار دينار أردني أي بنسبة 96,7% من الناتج المحلي.
وارتفع في موازنة 2021 إلى 31,395 مليار دينار، بنسبة 101,7% من الناتج المحلي.
وتفاقم ارتفاع المديونية في موازنة 2022م حتى بلغ 36,654 مليار دينار أردني وبما نسبته 109% إلى الناتج المحلي!!! واذا ما احتسبنا ديون الضمان الاجتماعي على الحكومة والبالغة 7 مليار دينار، تصبح نسبة المديونية إلى الناتج المحلي 125% وفي الحالتين فإن هذه النسب تتجاوز الحدود الآمنة للوضع المالي وفقا للمعايير الدولية، كما تخالف المادة 23 من قانون إدارة الدين العام لسنة 2001م التي نصت على ما يلي: ((لا يجوز أن يزيد الرصيد القائم للدين العام في أي وقت من الأوقات على 60% من الناتج المحلي الاجمالي)).
عكست هذه المؤشرات نفسها بحدة على الأوضاع الاجتماعية في البلاد، واتسعت مساحات الفقر والبطالة بين فئات الشباب، إذ بلغت نسبة البطالة أوائل عام 2020، 19,3% وفي نهاية العام نفسه ارتفعت إلى 24,7% إثر جائحة كورونا، أما أواخر عام 2021 فقد بلغت النسبة 23,3% وفي الربع الثاني من عام 2022 بلغ معدل البطالة 22,6% «حسب دائرة الإحصاءات العامة». وهناك مراكز دراسات متخصصّة تشير إلى أن نسب الفقر والبطالة أعلى من ذلك بكثير.
وبالأرقام فإن هذه النسب تساوي اكثر من نصف مليون مواطن في سن العمل معظمهم من الشباب والخريجين. كما عكست الازمات نفسها على اشتداد واتساع ظاهرة الفقر، التي وصلت حسب تصريحات وزير التخطيط 24,1% في منتصف العام 2022م بينما كانت النسبة 15% عام 2021،
لقد عكست الموازنات العامة للدولة عمق الازمة الاقتصادية في البلاد، خصوصاً اذا ما تتبعنا اتساع الفجوة على مدى السنوات بين أبواب النفقات العامة الواسعة، وبين محدودية الإيرادات المحلية.
فالإيرادات الضريبية تشكل 75% من الإيرادات المحلية، ومعظمها ضرائب مبيعات مباشرة وغير مباشرة، يدفعها الفقراء ومحدودو الدخل من الطبقة الوسطى، اما ضريبة الدخل فتشكل 21% من مجمل الإيرادات الضريبية.
وتكشف النفقات العامة أيضا عن تواضع نصيب الفقراء من خلال الموازنات المخصصة لوزارتي التعليم والصحة في موازنة 2022، ((3,5% للتعليم و 2% للصحة))، وهي نسب أقلّ بكثير من المعايير الدولية المتعارف عليها والتي تقدر بنحو 5 – 7 % لكل من قطاعي الصحة والتعليم. واللافت للنظر أيضا انه لم يرد في موازنة 2022 ما يمكن ان يحصّن هذه الخدمات الأساسية من سياسات الخصخصة.
تكررت ايضاً ظاهرة انخفاض النفقات الرأسمالية ذات المردود الإنتاجي والتشغيلي قياسا بالنفقات الجارية، حيث بلغت النفقات الرأسمالية في موازنة 2022 ، 1,551 مليار دينار مقابل 9,117 مليار دينار للنفقات الجارية والثابتة مثل الأجور والتعويضات ومصاريف التقاعد.. في الوقت الذي كان يجب ان يتم فيه اعتماد مشاريع ذات عوائد استثمارية عالية لرفد الخزينة ورفع مستوى الإيرادات المستدامة ومغادرة نهج الاعتماد على القروض المشروطة والمساعدات غير المضمونة.
وليس جديداً القول ان السياسات الاقتصادية ترزح تحت نير اشتراطات صندوق النقد الدولي منذ اعتماد ما يُسمىّ ببرامج التصحيح الاقتصادي وإعادة الهيكلة، حيث يتم إقرار قيمة رفع الدعم الحكومي عن مواد أساسية، وتحديد قيمة الضرائب المباشرة وغير المباشرة بناء على تقارير التقييم الصادرة عن إدارة الصندوق، بغض النظر عن نتائج هذه السياسات على تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين.
إنّ الازمات الاقتصادية في البلاد ليست جديدة بل بدأت بالتفاقم منذ ارتبطت السياسات الاقتصادية بخطط ومشاريع المؤسسات الرأسمالية الكبرى أواخر الثمانينات من القرن الماضي وتحديداً صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي أصبح الأردن عضوا فيها عام 2000م.
انتجت هذه السياسات اقتصاداً وطنياً ضعيف المناعة وغير قادر على التقليل من مخاطر الازمات الدولية والصراعات العربية والطوارئ الناشئة التي كان لها تأُثيرات حاسمة على الأوضاع العامة في البلاد.
وخلافاً للضرورات القصوى التي أملتها ظواهر الازمة الاقتصادية والمالية الحادة على مدى عقود، فقد جاء مشروع موازنة السنوات الثلاثة، ليؤكد في البنود والأرقام على نفس التوجهات ويتبنى نفس السياسات الاقتصادية التي كانت سبباً رئيسياً في الوصول إلى المأزق الراهن الذي فاقمته أزمة كورونا وآثارها بعيدة المدى على قطاعات العمل، الصحة والتعليم. وكان الأجدر بالموازنات المطروحة أن لا تتجاهل مبدأ التحصين الذاتي في مواجهة متغيرات إقليمية ودولية وعربية قائمة ومتوقعة وتحمل مخاطر كبرى واضحة.
وعلى الرغم من تبني الخطاب الرسمي لمبدأ الاعتماد على الذات واهمية النهوض بالاقتصاد الوطني اثناء وبعد جائحة كورونا، واثناء اشتداد الصراعات في الدول العربية الشقيقة المحيطة بالأردن، الا ان هذا الخطاب لم يقترن بآية إصلاحات جادةّ للقوانين الناظمة للحياة الاقتصادية ولم ينعكس على السياسات ذات الصلة مثل: معالجة الخلل في الهيكل الضريبي بتخفيض ضريبة المبيعات والضرائب غير المباشرة والغائها على السلع الرئيسية والتوسع في ضريبة الدخل على المؤسسات المالية «بنوك شركات تأمين.. الخ» وتعظيم الإيرادات المحلية على أساس النهوض باقتصاد وطني انتاجي وزيادة النفقات الرأسمالية مع اجراء تخفيض جدّي للنفقات الجارية، ووقف سياسة الاقتراض الداخلي والخارجي لتغطية عجز الموازنة والانفاق العام…الخ.
تقدمت الحركة الوطنية الأردنية وقواها الديمقراطية، بحلول واقعية وجادّة ليس فقط للرأي العام، وإنما للحكومات، من خلال مذكرات علمية مدروسة، اخذت بالاعتبار واقع حال الاقتصاد الوطني والعوامل الخارجية الضاغطة بقوة على السياسات الداخلية وعلى قاعدة: حماية الاقتصاد الوطني، والحدّ من المخاطر الماثلة امامنا بسبب طبيعة المتغيرات وسرعتها على المستويات الإقليمية والعربية، الا أنّ شيئاً ما لم يتغير وعبرت الموازنات في مضامينها واتجاهاتها عن الاستمرار في نفس السياسات التي أرهقت المواطنين وأخلت بالتوازنات الاجتماعية الداخلية وعرّضت البلاد لأزمات تتصاعد يوماً وراء يوم.
أزمات المياه، الطاقة، والغذاء

تتداخل بقوة أسباب ونتائج الازمات الناشئة في كل من القطاعات السيادية الثلاثة، الأكثر حيوية. ووفقاً للمؤشر العالمي للمياه يعدّ الأردن واحداً من اكثر الدول التي تعاني نقصا في المياه وثاني افقر دول العالم في المياه ايضاً. وقد جاء في تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي 2021 ((ان الاردن من بين الدول التي يتوقع ان تواجه عجزاً خطيراً في المياه بحلول عام 2025م ويتوقع ان يتجاوز العجز 40%)). هذا وقد تكررت تصريحات صادرة عن وزارة المياه مع بداية هذا العام 2022م جميعها تحذر من الوضع المائي الحرج في المملكة وعن العجز المتوقع في الموازنة المائية حيث سيبلغ 15 مليون م3. تنقسم أسباب وجود هذه المشكلة إلى شقين: طبيعي جغرافي، وسياسي ذي صلة بالأطماع الإسرائيلية والنهب المنظم لمعظم المياه الجوفية الأردنية من قبل دولة الاحتلال. ناهيك عن تنكرها للاتفاقات المائية – المخلةّ اصلاً – في معاهدة وادي عربة.
الفقر المائي في الأردن حقيقة معروفة منذ نشأة الدولة الأردنية وتأسيسها بداية العشرينات من القرن الماضي، وسط محيط لا تتوقف فيه الصراعات السياسية وتبعاتها السيادية على الأرض والثروات، الامر الذي يطرح سؤالاً جوهريا حول ما أعدّته المؤسسة الرسمية للدولة من اجل الحفاظ على السيادة على المياه واعتماد استراتيجية وطنية بعيدة المدى لتأمين مصادرها، وامامنا تجارب لعديد من الدول التي عملت على مشاريع تحلية المياه بالطاقة الشمسية مثل السعودية ودول الخليج هذا مع العلم ان تكاليف هذه المشاريع أصبحت منخفضة وممكنة: حسب كثير من تقارير الخبراء وهي المخرج الوحيد للأزمة المائية في الأردن.
هذا إضافة إلى إمكانية بناء عشرات السدود والحواجز المائية في المحافظات كافة بدلاً من الاعتماد فقط على 14 سداً رئيسيا لا تجمع ما يكفي من المياه الذي يتسرب معظمه فيما يعرف بالفاقد المائي.
قدم خبراء اردنيون دراسات علمية واسعة تضمنت حلولاً وطنية واقعية اعتماداً على تحلية المياه بالطاقة الشمسية وإقامة مشاريع صغيرة ومتوسطه في اكثر من موقع جغرافي لحل هذه الازمة اعتماداً على معطيات وتجارب لدول عربية وعالمية أيضا مثل اليونان وقبرص واسبانيا، الا ان شيئا منها لم يعتمد، ولا زال الأردن يعاني من التبعات الاجتماعية والسياسية للعجز المائي.
في ظل هذه الازمة وقع الأردن اتفاقية مائية مع دولة الاحتلال ودولة الامارات العربية عام 2021م وسميت اعلان النوايا أو مشروع الماء مقابل الكهرباء، وجاء في نصها التمهيدي “ان من مسوغاتها تشبيك الخدمات العامة بين الأردن و”اسرائيل” ومن اهدافها ارواء ظمأ سكان الأردن”!!! وجاء ايضا في النص أن محطة التوليد والتخزين ستكون على الأرض الأردنية…الخ.
وبتاريخ 8 / 11 / 2022م وقع الأردن مع الاحتلال ودولة الامارات وعلى هامش قمة المناخ المنعقدة في شرم الشيخ، مذكرة تفاهم للاستمرار في دراسات الجدوى لإقامة المشروعين المترابطين: أي انشاء محطة تحلية للمياه على البحر الأبيض المتوسط – فلسطين المحتلة – مقابل انشاء محطة توليد الطاقة الكهربائية في الأردن، وسميت الاتفاقية الماء مقابل الكهرباء.
لقد تم توقيع هذه الاتفاقيات بعيداً عن طرحها على مجلس الامة، وبعيداً عن الحسابات الوطنية والتبعات السياسية الخطرة لرهن قطاعات شديدة الحيوية مثل الطاقة والمياه بسياسات العدو. هذا وقد وقع الأردن قبل الاتفاقية المشار اليها اتفاقية الغاز مع دولة الاحتلال ايضا عام 2016م وبدأ العمل بتنفيذها عام 2000م وفق شروط مجحفة بحق الأردن ليس أقلها مد انبوب غاز مخترقاً 18 قرية وبلدة اردنية (والاستيلاء على 344 دونماً فيها واستئجار 611 دونما آخر وغالبية هذه الاراضي زراعية وتعود ملكيتها لعشرات الأسر في محافظات المفرق واربد).
الضغوط الشعبية الرافضة لاتفاقيتي الغاز والماء، أجبرت الحكومة على طرح اتفاقية الغاز (في المجلس 18) لاحتواء الغضب الشعبي والنيابي الواسع وصوت المجلس بالإجماع ضد الاتفاقية، مع ذلك فقد بدأت اجراءات التنفيذ
بتاريخ 1 /1 / 2020 !!!.
كذلك قامت الحكومة بطرح اتفاقية المياه على (المجلس الحالي 19)، وذلك بعد التوقيع عليها في تشرين ثاني من عام 2021م، وتمت احالتها الى احدى اللجان دون اجراء تصويت عليها !!
بذلك تكون الحكومات في الاتفاقيتين المذكورتين قد خالفت الدستور الذي ينص صراحة على ((عدم جواز التصرف بمقدرات وثروات سيادية دون العودة الى مجلس الأمة))، حسب المادة 33/2.
ان خطورة العجز المائي للسنوات القادمة، وربط قطاعي الماء والطاقة مع دولة الاحتلال التي اختبر الأردن جيداً اطماعها وعدم احترامها لأية التزامات ومواثيق، يستدعي مراجعة فورية للاتفاقات باتجاه الغائها والاستعاضة عن استراتيجية الاعتماد على دولة معادية في تزويد الأردن بالماء والطاقة، ببدائل وطنية متوفرة وممكنة، حسب العديد من الخبراء الاردنيين المعتمدين دولياً.
على جانب آخر مرتبط بأزمة المياه، خصوصاً في غور الأردن وبعد ان استولت دولة الاحتلال على ينابيع نهر الأردن، فقد ادى ذلك الى هجرة داخلية واسعة الى المدن والى تخفيض الانتاج الزراعي، ومعاناته الشديدة من نقص المياه، وفاقم المشكلة الزراعية سياسات التبعية والاجراءات المترتبة على الأردن باعتباره عضواً في منظمة التجارة العالمية حيث يتم التدخل في المساحات المزروعة ونوعية الانتاج الزراعي. وتخفيض الدعم الحكومي المقدم للمنتجين الزراعيين المحليين.
كما تفاقمت مشكلات التسويق لدى المزارعين بسبب ما يُسمىّ «بقانون قيصر» الذي فرضته الإدارة الامريكية، وبموجبه يمنع تصدير المنتوجات الأردنية الى سوريا ولبنان وعبرها إلى تركيا وأوروبا الشرقية.
لقد شهدنا اثناء وبعد جائحة كورونا الحاجة الماسة لتنمية القطاع الزراعي واهمية اعادة الاعتبار لمستويات انتاجه المرتفعة والدور الحيوي لهذا القطاع في حماية اهم مقومات الامن الغذائي للمواطنين.
فالأردن يستورد الآن 97% من حاجته للقمح، ويقوم بزراعة ربع مليون دونم فقط بينما كان يزرع 2 مليون دونم عام 1975، بعد أن انخفض مستوى الانفاق على هذا القطاع وضعفت بنيته التحتية وارتفعت بصورة لافتة الضرائب على مدخلات الانتاج الزراعي.
في ضوء التطورات على السياسات الدولية والصراعات القائمة في شرقي أوروبا، بدأت المؤسسات العالمية المعنية بالتحذير من أزمة توفير الأمن الغذائي، وهذا عامل جديد يضاف الى ما ورد أعلاه، ويؤكد على الضرورة القصوى لاتخاذ اجراءات وقائية وعملية على المدى المتوسط والبعيد لحماية البلاد من مخاطر ازمة غذائية تتهدد العالم وبلدانه الأشد فقراً والأقل كفاءة إنتاجية. وقد تصدى ايضا على هذا الصعيد خبراء اردنيون واضعين مقترحات شديدة الأهمية أمام السلطة التنفيذية، للإسهام في ايجاد حلول وطنية للأزمة المتوقعة مثل:
((قيام مؤسسات الحكم المحلي في المحافظات على تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة مع التركيز على المشاريع التي تؤمن الاكتفاء الذاتي لكل منطقة وتقديم الدعم الفني للزراعات المنزلية والحقلية.
التنسيق التام بين صناع القرار الزراعي والحكم المحلي والخزينة العامة ووضع منظومة سياسات عادلة لتفويض قطع من الاراضي العامة الصالحة للاستصلاح الزراعي لفئات الشباب من الجنسين، وضمان شراء المحاصيل وفق شروط وروزنامة محددة.
تشجيع كافة اشكال الابداع والابتكار الشبابي والعلمي والأكاديمي في البحث والتطوير في المجالات الزراعية)).
لقد آن الاوان أن تراجع الحكومات كافة الاتفاقات المعقودة مع دولة الاحتلال ومع صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، لصالح الحفاظ على المصالح الوطنية العليا في ظل تحولات نوعية في السياسات الدولية وهيمنة الصراعات بكل مستوياتها على المشهد العالمي، وتعرض الأردن لتهديدات كبرى تمس أمنه الاجتماعي والسياسي، ان لم يعمل وفق استراتيجيات جديدة تحمي كيان الدولة الوطنية ومؤسساتها وتؤمن مصادر مائها وطاقتها وغذائها بالاعتماد على الذات وفك الارتهان مع سياسات العدو الطامع في الأردن ضمن سياساته التوسعية المعلنة.
الباقورة والغمر: ومعركة استكمال السيادة الوطنية على الاراضي الاردنية
استعاد الاردن سيادته على معظم أراضي الباقورة والغمر بتاريخ (21/10/2018) وبعد مرور 25 عاما على ما سمي بحق الانتفاع بها «من قبل دولة الاحتلال زراعيا ومائيا وسياحيا، وذلك وفق نظام خاص ملحق بمعاهدة وادي عربة 1994م»
لقي القرار الرسمي ترحيبا شاملا لدى المجتمع الاردني وقواه الوطنية ومؤسساته الشعبية التي لم تتوقف عن المطالبة بإلغاء معاهدة وادي عربة وملحقاتها واستعادة اراضي المنطقتين الواقعتين شمالا «الباقورة» وجنوبا «الغمر».
المعركة يجب ان لا تتوقف عند هذا الحد، لأن هناك أراضي اردنية كانت قد استولت عليها قوات الاحتلال بالقوة في فترات زمنية متفاوتة، خلافا لكل المعاهدات والمواثيق الدولية، ولا زالت تستثمرها لأغراض سياحية وتجارية وزراعية دون اي سند سياسي او قانوني:
1 – 830 دونما في منطقة الباقورة، لا زالت تحت سيطرة الاحتلال ولم يشملها قرار الاستعادة. وقد تداخلت الحجج القانونية والتاريخية التي تعود الى أوائل القرن العشرين عندما تصرف الانتداب البريطاني بهذه الارض وباعها «لروتنبرغ» لغايات انشاء شركة كهرباء فلسطين.
2 – مدينة ام الرشراش – جنوب الاردن – قامت قوات الاحتلال باختراق خط الهدنة عام 1949 واحتلت مدينة ام الرشراش بمساحة تقدر بسبعة كيلو مترات مربعة، وأنشأت عليها فيما بعد مطار «ايلات» على البحر الاحمر.
ويؤكد أطلس المركز الجغرافي الاردني تحت عنوان: خريطة منطقة الاحتلال في خليج العقبة ان «اسرائيل احتلت الموقع الحالي والمبيّن في الخارطة بحجة ان الفاصل بين فلسطين وشرق الاردن في عهد الانتداب كان يمثله هذا الخط».
3 – ضم اراضي غور الاردن وشمال البحر الميت، منذ الاحتلال الثاني عام 1967 لم تتوقف دولة الاحتلال عن العمل من أجل ضم هذه المنطقة التي تشكل ما نسبته 30% من أراضي الضفة الفلسطينية، وأقامت فيها 37 مستوطنة واستثمرتها في الزراعة نظرا لجودة التربة وتوفر المياه، فهي تتربع فوق أهم حوض مائي في فلسطين! ويشكل القرار الاسرائيلي الخاص بضم منطقة الاغوار وشمال البحر الميت – وهي أراضي فلسطينية محتله -، خطراً سياسياً واستراتيجياً على المصالح الوطنية والقومية المشتركة الاردنية – الفلسطينية.
في الخلاصة نؤكد على ان اراضي الباقورة بكامل مساحتها بما فيها الـ 830 دونماً + مدينة ام الرشراش بمساحتها وقدرها سبعة كيلومترات مربعة هي جزء لا يتجزأ من الدولة الوطنية الاردنية، وعلى الجهات الرسمية استكمال جهودها على جميع المستويات القانونية الدولية، والسياسية من أجل استعادتها للسيادة الوطنية واعتبارها في وضعها الراهن اراض محتلة بالقوة، كما ان واجب الحركة الوطنية الاردنية بجميع قواها وإمكانياتها ان تضع هذه المهمة في صدارة برامجها ومهامها الوطنية الملحّة.
منظومة التحديث: السياسي، الاقتصادي، والاداري
جاءت منظومة تحديث القوانين وسط اشتداد الحاجة الوطنية لأجراء تغييرات واسعة وشاملة على القوانين والسياسات الناظمة لكل من الاركان الثلاثة السياسية والاقتصادية والادارية، وذلك بعد أن ادى تطبيق هذه القوانين على مدى عقود من الزمن الى اختلالات فادحة شملت مناحي الحياة الداخلية كافة، كما أدت السياسات المنبثقة عنها إلى احتقانات شعبية واسعة وتوترات داخلية غير مسبوقة، في ظل اتساع فجوات التهميش والاقصاء والتمييز، وقد مست هذه الظواهر القواعد الاجتماعية التقليدية لمؤسسة الحكم، كما امتدت الاحتجاجات الى الدوائر المحيطة بالمؤسسة الرسمية.
كان من الطبيعي أن تثير مجمل هذه الظواهر قلقا بالغاً لدى السلطة التنفيذية التي انصب الغضب الشعبي على أدائها وبرامجها وتجاهلها للمطالب الديمقراطية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تقدمت بها عشرات المؤسسات: الحزبية والنقابية بل والمؤسسات الرقابية الرسمية وشبه الرسمية مثل ديوان المحاسبة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والمركز الوطني لحقوق الانسان.
تختزن الذاكرة الشعبية والسياسية، تجارب هامة في تشكيل لجان الحوار الوطني منذ أوائل التسعينات، وكان الأمل معقوداَ على نتائجها للذهاب الى مرحلة سياسية جديدة على طريق التحول الديمقراطي المنشود. الا أن الوثائق الوطنية النوعية التي صدرت وشاركت فيها أطياف سياسية واسعة، قد أدير الظهر لها ولم يتم العمل وفق المضامين المتقدمة التي طرحتها.
نشير هنا الى:
لجنة الميثاق الوطني التي تشكلت عام 1991 وشاركت فيها القوى السياسية المعارضة بمختلف تلاوينها وأصدرت وثيقة الميثاق الوطني.
لجنة الاجندة الوطنية: تشكلت عام 2005م، وشاركت فيها أيضا القوى السياسية جميعها وصدر عنها وثيقة إصلاحية هامة.
لجنة الحوار الوطني: تشكلت عام 2011م على وقع حالة نهوض شعبي عربي عارم واحتجاجات شعبية اردنية واسعة. وقد صدر عن هذه اللجنة مقترح لقانون انتخابات نيابية يعتمد القائمة المفتوحة، وتبين بعد اقرار القانون وتطبيقه أنه لا يختلف عن الصوت الواحد اي انه لم يضف أي قيمة ديمقراطية نوعية على الحياة السياسية.
لقد أدارت المؤسسة الرسمية للحكم الظهر لوثيقة الميثاق الوطني، ولمخرجات الاجندة الوطنية، حيث تضمنت كل من الوثيقتين تطويرات نوعية ذات طابع ديمقراطي على الحياة السياسية والاقتصادية وكل ما يتصل بالشأن العام، ولو تم تبني هذه النتائج واعتمادها في تعديل القوانين والسياسات، لكان الاردن الآن في طور آخر من التقدم والتغيير، إن عودة الحكومة إلى انتهاج نفس السياسات في إدارة الشؤون العامة في البلاد، وتجاهلها للوثيقتين، والجهود الوطنية الكبيرة التي بذلت في سبيل إنجازهما بمشاركة تمثيلية واسعة ومباركة رسمية واضحة.. قد أدى الى استياء شعبي واسع، وتفشي ظاهرة عدم الثقة بالمؤسسة الرسمية.
استقبلت الاوساط الشعبية والسياسية تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بتاريخ (10 / 6 / 2021) بكثير من التشكيك بإمكانية التغيير الجاد الذي يستجيب لمتطلبات التحول الديمقراطي، فالظروف السياسية والاجتماعية أصبحت أصعب بكثير من تلك التي شكلت فيها اللجان الحوارية الثلاثة السابقة، بعد أن أمعنت القوانين السياسية الاقصائية وتحديداً قانون الانتخابات النيابية تقسيما وتمزيقاً لفئات الشعب الأردني، كما وجدت قيادة اللجنة نفسها في مواجهة مفتوحة مع تيار اجتماعي يرفض اجراء أية تغييرات على قانون الانتخابات النيابية يمكن أن تمس مصالحه التي تشكلت بفعل المحاصصات الفئوية والجهوية التي شرعها قانون الصوت الواحد وقانون القائمة المفتوحة.
من جهة أخرى، فقد كانت الاحزاب السياسية في حالة تراجع شديد خصوصاً بعد دورة الانتخابات النيابية الاخيرة للمجلس التاسع عشر، الذي شهد تقليصاً لحجم تمثيل بعض الأحزاب، وغياباً لأحزاب اخرى تاريخية مثل الاحزاب القومية واليسارية، وسط هذه الأجواء، طرحت قوانين الانتخابات النيابية، والاحزاب السياسية للتعديل في إطار اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وكذلك قانوني البلديات واللامركزية.
تم الإعلان عن الهدف من التعديلات على القوانين الناظمة للحياة السياسية في الخطاب السياسي الرسمي، متمثلة برفع القيود الواردة في القوانين المعمول بها عن الأحزاب السياسية وتطويرها وصولاً إلى برلمان تعددي وحكومة منتخبة في المستقبل. وقد تعاملت القوى الديمقراطية بحذر مع هذا التوجه، لأسباب مرّ ذكرها، في نفس الوقت، فقد خاضت هذه المعركة السياسية من داخل اللجنة وعلى صعيد الرأي العام أيضاً، واكدت على موقفها من أهمية التزام السلطة التنفيذية بموجبات التغيير والتطوير ليس فقط فيما يخص تعديل القوانين، وانما فيما يتعلق بالسياسات اليومية والحريات العامة، وتقييم الأثر السلبي البالغ للقوانين السابقة على تراجع الحياة السياسية.
الا ان موازين القوى السياسية والاجتماعية داخل اللجنة وخارجها، قد انتجت قوانين تحمل في طياتها تصورات لإعادة هيكلة الحياة السياسية على أسس جديدة منحازة للقوى السياسية والاجتماعية النافذة!!
قانون الانتخابات النيابية لسنة 2022: اعتمد القانون الجديد الصادر بتاريخ (29 / 3 / 2022) القائمة المغلقة المخصصة للأحزاب السياسية بنسبة 29% من مجموع أعضاء البرلمان الذي ارتفع إلى 138، أي بواقع 41 عضواً.
وعملاً بمبدأ التدرج الذي اعتمده أصحاب القرار، فقد ورد في نصّ آخر في القانون (( أن ترفع نسبة القائمة الى 50% للمجلس النيابي الواحد والعشرين ))، ثم (( إلى 65% للمجلس النيابي الثاني والعشرين )). واعتمد أيضا في القانون مبدأ التمثيل النسبي الشامل،
وعتبة الحسم ½,2%.
كما نصت مواد في القانون على: ((وجود امرأة واحدة على الأقل ضمن المرشحين الثلاثة الأوائل في القائمة المغلقة وكذلك ضمن المترشحين الثلاثة التاليين))، و: ((وجود شاب او شابه يقل عمره عن 35 سنه ضمن اول خمسة مترشحين)). ورفعت حصة المرأة ((الكوتا)) في القانون لتصبح 18 مقعداً موزعة على الدوائر الانتخابية كما هي محددة في القانون، وذلك بدلاً من (15) التي كانت في القانون السابق موزعة على المحافظات. وفيما يخص سنّ الترشح للشباب فقد تمّ تعديله ليصبح 25 سنة شمسية بدلاً من 30 سنة.
هذه اهم التعديلات التي جرت على القانون الجديد بعد مرور ثلاثة عقود من الزمن على الصوت الواحد. حيث لم تتوقف الأحزاب السياسية والقوى الديمقراطية عن المطالبة بإجراء تعديلات جوهرية تحرر الحالة السياسية من تبعات الصوت الواحد منذ عام 1993 الذي أدى الى تهميش دور السلطة التشريعية، وتكريس اشكال الفئوية والانقسامات الاجتماعية، إضافة الى ان هذا القانون شكل سبباً رئيسياً في إضعاف دور الأحزاب السياسية في الحياة العامة، وأدى الى تقليص حجم المشاركة الشعبية في القرار الوطني إلى الحدود الدنيا.
البديل الديمقراطي الذي تبنته معظم القوى السياسية يقوم على أساس: اعتماد القائمة الوطنية المغلقة والتمثيل النسبي الشامل، على أن يكون للمرأة والشباب ترتيب متقدم في القوائم.
كما اكدت أحزاب الائتلاف على محورية عنصر الحريات العامة في مشروع التحديث السياسي، إذ لا تكتمل قيمة التشريعات المتقدمة مهما كان سقفها دون اطلاق الحريات العامة، وانتهاج سياسات وإجراءات تمكّن الأحزاب السياسية من الوصول إلى قواعدها الاجتماعية بحرية ودون قيود عانت منها كثيراً في الحقب الزمنية الفائتة.
لقد مرّ زمن طويل قبل أن تجري تعديلات محدودة جداً على القانون وهي غير كافيه ((41 مقعداً للقائمة العامة المغلقة))، في نفس الوقت فانها يمكن ان تشكل مدخلاً لتوسيع حجم القائمة الوطنية في القانون مستقبلاً وصولاً إلى اعتماد الأردن دائرة انتخابية واحدة.
العقبة الأكبر في القانون الجديد هي عتبة الحسم ((½,2%))، حيث يفترض أن يحصل الحزب او الأحزاب المؤتلفة في القائمة العامة، على أكثر من خمسين ألف صوت لتأمين درجة النجاح. لم توضع هذه النسبة عبثاً بل ان الإصرار عليها يؤكد على استهداف أحزاب المعارضة الوطنية الديمقراطية وإبعادها عن المشاركة في مجلس النواب، وافساح المجال للأحزاب الكبيرة القديمة منها والجديدة لتحتل المقاعد المخصصة للقائمة العامة. وهذا يعني إعادة انتاج المجالس السابقة المهيمن عليها من قبل القوى الاجتماعية والسياسية والمالية المتنفذة في البلاد.
التعديلات الواردة بالنسبة للمرأة والشباب، تشكل مدخلا لمشاركة القطاعين بصورة أوسع عدداً ونوعاً خصوصاً المرشحين والمرشحات الذين سيعتمدون في القوائم الحزبية المغلقة، على أسس برنامجيه وليس لاعتبارات فئوية او جهوية. إلا أن استثمار هذا التوجه سيبقى محصوراً في الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية الكبرى والنافذة، لأنَّ القانون لا يعطي فرصاً متساوية للتنافس بين جميع الأحزاب والقوى السياسية.
قانون الأحزاب السياسية لسنة 2022 الصادر بتاريخ (14/4/2022): تضمن قانون الأحزاب الجديد اشتراطات وقيوداً على تأسيس الأحزاب الجديدة، وكذلك القائمة، تتنافى تماماً مع الأهداف الإصلاحية المعلنة، وهي تخليص القانون المعمول به من القيود والإجراءات التي تعطل حركة الأحزاب ومجالات أنشطتها، وفتح الباب امامها للعمل بأفق تمدّدها وانتشارها لتتمكن من أداء الدور السياسي والوطني المنوط بها.
وقد تمثلت هذه القيود بوجود مواد تفرض على الأحزاب القائمة إعادة تأسيس نفسها على قواعد جديدة، وكأنها لم تكن موجودة سابقاً!!. وكان الاستهداف واضحاً وهو العمل على محاصرة هذه الأحزاب وربما إلغائها اذا لم تتمكن من الوفاء بالاشتراطات الواردة في القانون: نشير هنا إلى المادة التي تضمنت شرط تقديم قائمة بألف عضو ثمّ عقد مؤتمر وجاهي بنصف هذا العدد +1، خلال عام من تاريخ نفاذ القانون، وعلى الرغم من وجود مواد تبدو داعمة للأحزاب السياسية مثل ((منع التعرض لطلبة مؤسسات التعليم العالي بسبب الانتماء والنشاط الحزبي والسياسي))، وكذلك النصّ على إلزام الأحزاب المؤسسة والتي ستقوم بتوفيق أعضائها بوجود 20% شباب و 20% نساء في الهيئة العامة، الا ان مثل هذه التعديلات، ستبقى مرتبطة بطبيعة السياسات والإجراءات اليومية المتعلقة بالحريات العامة. إن الاختبار الحقيقي لجدّية عمل الأحزاب السياسية، ليست مرهونة بالأعداد التي ستتمكن من ضمها إلى صفوفها فقط، وانما هناك كثير من الخبرات التي صنعتها تجربة طويلة للأحزاب الوطنية الأردنية، كما أن خوض الانتخابات البرلمانية والمحلية – مجالس المحافظات والبلديات -، من شأنه أن يعطي مؤشرات عملية هامة على مستوى النفوذ الاجتماعي للحزب السياسي خصوصاً اذا ما جرت الانتخابات في ظل أجواء ديمقراطية بعيداً عن التدخلات الفوقية.
لقد عبرت الأحزاب السياسية القومية واليسارية، داخل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وأمام اللجنة القانونية في مجلس النواب، وأمام الرأي العام عن رفضها لهذه الاشتراطات التي تتنافى مع تحقيق هدف اصلاح القانون فليس من مصلحة البلاد، إخراج الأحزاب القومية واليسارية من الحياة السياسية وتحجيم الأحزاب الأخرى القائمة، وبدلاً من تطوير القانون لمساعدة الأحزاب على النهوض بأوضاعها، يتم العمل على إعادة هندستها من جديد، بعيداً عن الالتزام بمبدأ التعددية والحقوق السياسية المنصوص عليها في الدستور.
وهكذا لم تأت التعديلات الجديدة استجابة للإصلاح السياسي والديمقراطي المنشود والذي طالبت به أحزاب الحركة الوطنية منذ عام 1993 بديلاً للقوانين المعمول بها منذ أوائل التسعينات والتي أرهقت الحالة السياسية والاجتماعية وأدت إلى تراجع حادّ في دور الحركة الجماهيرية في البلاد.
رؤية التحديث الاقتصادي / رؤية التحديث الإداري
بدلاً من أن تعتمد الوثيقة الصادرة والمحملة برؤية (التحديث الاقتصادي)، منهجاً مختلفا في الاعتماد على الذات وطرح مشروع تنموي واسع وواضح يستجيب للحاجات الملحة في استثمار الثروات الطبيعية، فقد طرحت تصورات مرفقة بأرقام كبيرة، دون توضيح مصدر هذه الأرقام وكيف يمكن تحقيقها، إذ نصت الوثيقة على ان ((برنامج التحديث يستهدف زيادة دخل الفرد بمتوسط سنوي 3% او ما يمثل نمواً للاقتصاد الوطني بمعدل 5,6% سنويا، وخلق مليون فرصة عمل خلال عشر سنوات او ما معدله 100 ألف فرصة عمل سنويا، الامر الذي يتطلب استثمارات جديدة تقدرها الوثيقة بالمتوسط 4,1 مليار دينار سنويا))!!!
لقد اشارت الخطة الى التوجه لتوليد 100 ألف فرصة عمل سنويا دون توضيح الآليات التي يمكن ان تحقق هذا الهدف واهمها الانسان المؤهل والإدارة المؤهلة. أن خريجي الجامعات حاليا يتجاوزون 75 الفا سنوياً، والجهاز الحكومي ضخم ويضم أكثر من 39% من القوى العاملة، ولا يستطيع استيعاب أكثر من 8 آلاف وظيفة سنوياً يذهب الجزء الأكبر منها الى قطاعي التعليم والصحة. وهكذا فنحن امام عجز سنوي يتجاوز اليوم 60 ألف فرصة عمل، وارقام العجز من المتوقع ان تتزايد عاماً بعد عام.
كما ان أي تحسين لنوعية الحياة يتوقف بالضرورة على مركّب: الطاقة والمياه والغذاء!! في هذا السياق لم تتناول الوثيقة كيف يمكن حل الاستعصاءات المتعلقة بالقطاعات الثلاثة!! باعتبارها تشكل ركنا أساسيا في بناء الأمن الوطني بكل ما يلزم ذلك من اعتماد على الذات وعدم ربط هذه القطاعات مع أي دولة أخرى، فيكف اذا كانت دولة الاحتلال.
لم توضح الوثيقة ايضاً من اين سيتوفر المبلغ الاستثماري الكبير الوارد فيها، وما هي نوعية وطبيعة المشاريع التي ستوفر على مدى عشر سنوات مليون فرصة عمل. ولم يرد في الوثيقة ما يفيد حول النهوض بقطاع الزراعة، وكيف يمكن تخفيف الاعتماد على المنح والقروض والمساعدات المشروطة.
كان لافتاً ومستهجناً في رؤية التحديث الإداري التوجه نحو إلغاء وزارة العمل: وهي الوزارة الأكثر أهمية بالنسبة لتنظيم شؤون العمال دون أن ترد أية حيثيات لهذا التوجه. كذلك نقل رئاسة مجلس الضمان الاجتماعي من وزارة العمل إلى وزارة الصناعة والتجارة حيث لا يجوز المسّ باستقلالية مؤسسة الضمان كونها لا تخضع للهيكل التنظيمي للحكومة. كما وردت توجهات أخرى تفيد بدمج وزارات كبرى مثل التربية والتعليم / والتعليم العالي، تحتاج كل منها إلى هيكل اداري واسع للإحاطة بالمهام الحيوية المترتبة عليها، كذلك فقد كان مثار تحفظ كبير التوجه نحو دمج وزارتي النقل والاشغال، والشباب والثقافة. في الوقت الذي أبقت فيه الحكومة على الوحدات المستقلة الـ 27 والتي تستنزف خزينة الدولة بسبب ارتفاع نفقاتها الجارية إلى حدود 1,5 مليار دينار، وانخفاض نفقاتها الرأسمالية إلى 450 مليون دينار، أي ان هذه الوحدات لا تغطي إلاّ 50% من النفقات.
تبدو مثل هذه التوجهات بعيدة تماماً عن ضرورات التطوير، وتحمل في طياتها مزيداً من مخاطر التقليص والتفكيك لمؤسسات الدولة، وإحالة الخدمات والوظائف المناطة بهذه الوزارات إلى المجهول!!
لقد تجاوزت كثيراً الرؤية المطروحة في التحديث الإداري، الإمكانات المتميزة لقامات اردنية كبيرة، ولم تستعن بخبراتها المشهود لها، كما انها افتقرت لمصارحة الرأي العام بأسباب هذه التوجهات التي اثارت استغراب جميع المتابعين للشأن العام.
الانتخابات النيابية والمجلس التاسع عشر
كرست نتائج الانتخابات النيابية للمجلس التاسع عشر والتي جرت بتاريخ 10 / 11 / 2020م ظاهرة محدودية دور مجلس النواب في الحياة السياسية والعامة، اذ يفتقر المجلس لوجود كتل برلمانية سياسية ثابتة باستثناء كتلة واحدة من لون واحد. وقد انخفضت نسبة الحزبيين فيه من 24% في المجلس الثامن عشر الى 9% في المجلس الحالي، وتراجعت نسبة النساء ولم تنجح سوى 15 امرأة فقط على الكوتا، بينما كان العدد في المجلس الثامن عشر 20: (15 كوتا + 5 تنافس).
كما بلغت نسبة النواب الجدد 75% أي حوالي مائة من أصل 130 وهؤلاء فازوا على أسس جهوية ولا علاقة لهم بالعمل السياسي المنظم.
رصدت التقارير أيضا تدني نسبة المقترعين حيث بلغت أقل من 30% بقليل ولم يكن ذلك مفاجئاً في ظل ازمة الوباء من جهة، وبسبب الشكوك الواسعة في الأوساط الشعبية حول التدخل في الانتخابات والتحكم بنتائجها سلفاً. هذا إضافة لما شهدنا من انتشار ظاهرة الفساد المالي على نطاق واسع.
لم تنجح أي من الأحزاب اليسارية والقومية في الوصول الى مجلس النواب لهذه الدورة لأسباب متعددة: ذاتية وموضوعية، الا أن قانون الانتخابات النيابية السابق القائم على أساس القائمة المفتوحة، شكل عاملاً رئيسياً في تراجع الحالة السياسية بسبب مضامينه الإقصائية والمنحازة لأصحاب النفوذ المالي والاجتماعي.
إن وجود مجلس نواب قادر على تمثيل مصالح جميع فئات الشعب الأردني وعلى ممارسة حقه المنصوص عليه في الدستور: رقابةً وتشريعاً، هي مصلحة وطنية اردنية عليا، فالبرلمان هو الركن الرئيسي للديمقراطية السياسية وهو القادر على تنظيم العلاقة بين الشعب ومؤسسة الحكم على أسس تمثيلية عادلة.
إن اصلاح حال مجلس النواب وإعادة الاعتبار لدوره المنصوص عليه في الدستور يتطلب بالضرورة قانوناً تمثيلياً ديمقراطيا للانتخابات يستهدف إيصال أوسع قوى سياسية ممكنة، على أسس برنامجية وطنية، بعيداً عن الانحياز للفئوية بكل اشكالها، ولا نعتقد أن القانون الجديد يمكن أن يلبي مثل هذا الهدف.
إذ لم يعد مقبولاً تكرار ما نشهده اليوم من حالة افتراق وعدم ثقة بين الشعب ومجلس النواب، كما أن هناك استحقاقات وطنية ضرورية تتطلب وجود مجلس نواب قوي يصنع السياسات العامة ويوجهها ويصوبها، ويقوم على تعديل واستحداث القوانين الديمقراطية المتطورة، ويحمي الحقوق السياسية والاجتماعية للمواطنين.
الوضع الفلسطيني: في مواجهة اشتداد الحروب السياسية والعسكرية ضد الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، تتصاعد وتتجدد بلا توقف اشكال النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، ومشاريعه التصفوية والاحلالية.
في هذا السياق يعبر حزبنا عن عميق فخره واعتزازه بالمقاومة الباسلة التي يخوضها أبناء وبنات الشعب الفلسطيني على كامل الأرض الفلسطينية بشجاعة وكفاءة نادرتين بدءاً من فلسطين المحتلة عام 1948، والضفة الغربية والقدس وقطاع غزة إضافة للصمود الملحمي الذي يخوضه الاسرى المناضلون في سجون الاحتلال الصهيوني، مؤكدين على ان المقاومة المستمرة هي السبيل الوحيد لمواجهة مخاطر التصفية وحماية الإنجازات الكبرى التي حققها الشعب الفلسطيني على امتداد تاريخه الكفاحي الطويل.
في ظل ظروف دولية، وعربية، وفلسطينية مواتية، طرحت الإدارة الامريكية عام 2017م مشروع صفقة القرن، الذي يستهدف تصفية وإلغاء الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، في اطار ما يُسمى بمشروع الشرق الأوسط الجديد وإعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية والعربية بصورة تضمن لدولة الاحتلال دوراً محوريا وبما يتوافق مع المصالح الاستراتيجية للحلف الأمريكي – الصهيوني.
هذا المشروع العدواني الذي تجاهل ليس فقط الحقوق الوطنية الفلسطينية، وانما وجود وتاريخ الشعب الفلسطيني، كما تجاهل تماماً المصالح القومية العربية والحقوق السيادية للبلدان العربية، كان قد تم الإعداد له جيداً من قبل الدوائر الامريكية – الصهيونية، حيث تم طرح بنوده للتنفيذ وليس للتفاوض ولا للحوار في المسائل الوطنية الكبرى الواردة في نصوصه والتي تمس جوهر الحقوق الفلسطينية والعربية.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها القضية الفلسطينية مثل هذه التهديدات المصيرية، الا انها المرة الأولى التي تتوفر فيها شروط ذاتية فلسطينية مواتية ((الانقسام الداخلي واستمرار الرهان على الحلول الامريكية))، وعربية أيضا، بعد سيل إجراءات التطبيع مع دولة الاحتلال.
بتاريخ 6 / 12 / 2017م أعلنت الإدارة الامريكية عن نقل سفارتها إلى القدس بما يعني الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.
ثم تتالت القرارات الامريكية المعادية، المتعلقة بقضايا جوهرية مثل حق عودة اللاجئين، والتوسع الاستيطاني، عندما أعلنت الدوائر الامريكية وقف تمويل وكالة غوث اللاجئين، وان «الاستيطان ليس مخالفا للقانون الدولي».
بعد الإعلان عن مشروع صفقة القرن بشقيه السياسي والعسكري (2019-2020) بعيداً عن الطرف الفلسطيني والأطراف العربية أيضا، اتضح أن الحلّ الوحيد المطروح في المشروع على الشعب الفلسطيني هو ما سميّ بالحل الاقتصادي وإقامة سلطة حكم اداري ذاتي محدود في ظل الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على الأرض. أي تحويل القضية الفلسطينية إلى مجرّد قضايا معيشية تتم معالجتها بمشاريع اقتصادية!!
لم يقترن الرفض الرسمي الفلسطيني للمشروع بأية إجراءات سياسية وعملية ميدانية على الأرض، ولا زال العمل جاريا باتفاق أوسلو وملحقاته الأمنية والاقتصادية، كما لم تستثمر الطاقات الكفاحية الهائلة للشعب الفلسطيني رداً على ما حمله المشروع من عداء وإنكار صارخ لحقوقه الوطنية المشروعة، وفي المقابل تصاعدت السياسات العدوانية الإسرائيلية على جميع الصعد في ظل تجاهل القيادة الفلسطينية لقرارات المجلس الوطني والمركزي، الداعية إلى مواجهة سياسات العدوّ واجراءاته بكل سبل المقاومة.
إن السبيل للخروج من هذا المأزق لن يكون الا باعتماد مشروع وطني تحرري مقاوم، يقوم على فك الارتباط باتفاق أوسلو والتحرر من التزاماته الأمنية والاقتصادية والسياسية وانهاء الرهان على الوعود الامريكية وعلى استئناف المفاوضات في ظل موازين القوى المختلة الراهنة، وإنهاء حالة التفكك والانقسام الداخلي، وتشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحدة، وتعميم الموجات الشعبية المقاومة للاحتلال وتحويلها إلى انتفاضة شاملة متواصلة تشارك فيها كل شرائح الشعب الفلسطيني وفئاته وصولاً إلى العصيان الوطني الشامل. هذا البرنامج الذي تتبناه القوى الديمقراطية الفلسطينية وطرحته تكراراً من خلال المؤسسات الوطنية الفلسطينية.
فليس امام الشعب الفلسطيني سوى اعتماد استراتيجية كفاحية طويلة الأمد في مقاومة الاحتلال بكل الاشكال والسبل المتاحة، فهذا حق تفرضه الشرعية التاريخية والوجودية للشعب الفلسطيني قبل أن تفرضه الشرعية الدولية.
إن القرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية لصالح الشعب الفلسطيني، ليست بديلاً عن استمرار الكفاح الوطني بكل اشكاله على الأرض، بل هي إقرار من المجتمع الدولي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على ترابه الوطني، كما تشكل دعماً إضافيا مهما لنضالاته، خصوصاً تلك القرارات ذات الصلة بعدم مشروعية الاستيطان، وحق اللاجئين في العودة إلى وطنهم والتجديد لوكالة الغوث وإدانة جرائم القتل اليومية التي يقوم بها جيش الاحتلال.
نؤكد في هذا المجال على صوابيه المطالب الشعبية الفلسطينية والقوى الديمقراطية بإلحاحيه تجاوز حالة الانقسام والعودة إلى رحاب الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتشكيل قيادة وطنية موحدة تكون مرجعية للمقاومة ضد الاحتلال.
ما أسفرت عنه الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة للكنيست 25 التي جرت بتاريخ ( 1 / 11 / 2022 ) هو فوز تحالف القوى الأشد شراسة في اليمين المتطرف، الذي يحمل شعارات الموت للعرب، وينكر كل تاريخ الشعب الفلسطيني على ارض وطنه، ويستعدّ لمواجهة شرسة مع قوى المقاومة.
لقد عبرت نتائج الانتخابات الإسرائيلية عن تطور كاسح نحو اليمين الفاشي في البنى الاجتماعية لدولة الاحتلال، تحتل فيه القوى الدينية الصهيونية ومجتمع المستوطنين نفوذاً متزايداً، يعزز حالة العداء للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
ان التصريحات المتطرفة لقادة الاحتلال تؤكد على ان الشعب الفلسطيني مقبل على مزيد من التصدّي لحملات القمع الدموي لجيش الاحتلال، الامر الذي يتطلب استراتيجية وطنية فلسطينية واحدة موحدة تعزز حالة المقاومة والصمود الشعبي، كما تؤكد على ضرورة وقف ما يسمّى بالتنسيق الأمني والانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال وسحب الاعتراف (بإسرائيل) ووقف العمل بكل التزامات المرحلة الانتقالية التي فرضها اتفاق أوسلو.
عربياً: شهد العامان 2019 / 2020 / تسارعاً كبيراً في عقد اتفاقات تطبيع رسمية بين عدد من الأنظمة العربية ودولة الاحتلال، كان قد تمّ الترتيب المسبق لها قبل هذا التاريخ بسنوات، وذلك من خلال إقامة علاقات ثنائية غير معلنة، تناولت جوانب اقتصادية وثقافية وأمنية.
إن الاتفاقات المنعقدة مع العدوّ الصهيوني تتجاوز في أبعادها حدود التطبيع إلى ما هو أبعد من ذلك واشدّ خطورة وهو الاستسلام الصريح للمشروع الصهيوني الاحلالي الذي يستهدف الهيمنة بالقوة على وطننا العربي الكبير بثرواته وطاقاته البشرية وكل الميزات الاستراتيجية التي يتمتع بها موقعه الجغرافي:
بتاريخ 13 / 8 / 2020م تم توقيع بيان ثلاثي امريكي إسرائيلي اماراتي في دولة الامارات، وسميّ باتفاق سلام وعدم اعتداء.
وبتاريخ 23 / 10 / 2020م وقعت الحكومة السودانية اتفاقا مع دولة الاحتلال مقابل: ((شطب السودان من لائحة الإرهاب والتخفيف من ديونه وإقامة مشاريع مشتركة في مجالات في مجالات المياه، الزراعة، الطاقة، إضافة لتطوير الإنتاج الصناعي)).
وبتاريخ 12 / 10/ 2022 وقعت الحكومة المغربية اتفاقاً مع دولة الاحتلال، مقابل مرسوم امريكي يقرّ: ((بالسيادة المغربية على الصحراء، ومن اجل علاقات مبتكرة في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية))!!.
وكان قد سبق هذه الاتفاقات: عقد المؤتمر الاقتصادي في البحرين (حزيران 2019) في سياق مشروع صفقة القرن، وزيارة رئيس وزراء دولة الاحتلال لسلطنة عُمان (تشرين اول 2018).
هذا وقد تبع هذه الاتفاقات، عدد آخر من الاتفاقات المحددة الثنائية، طالت جوانب استراتيجية ذات مساس مباشر بالسيادة الوطنية للدول العربية، مثل الامن والثقافة، والتعاون التقني والعسكري والتجاري بأنواعه.
على جانب آخر فقد تعمقت علاقة الدول العربية التي تربطها معاهدات سابقة مع دولة الاحتلال مثل مصر والأردن والسلطة الفلسطينية بالدول الاستعمارية، من خلال ما سمّي بالشراكات الاقتصادية والاتفاقات الجديدة التي شملت قطاعات استراتيجية وسيادية هامة مثل الماء والكهرباء والغاز والنقل:
انشيء منتدى غاز البحر المتوسط ومقره مصر في 14 كانون ثاني 2019، ويشمل في عضويته: مصر، الأردن، فلسطين، اليونان، قبرص، إيطاليا، فرنسا، «إسرائيل».
كما استكملت مصر والسعودية إجراءاتها المتعلقة بجزيرتي تيران وصنافير على البحر الأحمر، بعد توقيع اتفاق بين البلدين عام 2017، تتخلى بموجبه مصر عن الجزيرتين للسعودية، على أن تغادرها قوات حفظ السلام الدولية الموجودة منذ حوالي أربعين عاماً، الجزيرتان تتحكمان في مدخل خليج العقبة وخليج (ايلات). وسيصبحان جزءاً من مشروع نيوم العملاق الذي طرح عام -2017-، والذي سيضم استثمارات تكنولوجية ضخمة مخصصة للسياح والمستثمرين الأجانب والعمال. وفي زيارته الأخيرة أعلن الرئيس الأمريكي (تموز – 2022)، انه اتفق مع القيادة السعودية على الترتيبات المتعلقة بالجزيرتين. واستثمارهما في اطار الترتيبات الإقليمية الجديدة بالشراكة مع دولة الاحتلال.
وقع الأردن الاتفاقية الأردنية الامريكية بتاريخ 17 / 2 / 2021م وسميت باتفاقية التعاون الدفاعي بين البلدين، وتؤكد النصوص الواردة فيها على حق الولايات المتحدة في استخدام الأراضي الأردنية والمرافق البرية البحرية والجوية دون وثائق. ومواد عديدة أخرى من شأنها تعزيز التبعية للأجنبي والهيمنة غير المشروطة والاستخدام المفتوح للأراضي الأردنية.
كما وقع الأردن على اتفاقية النوايا المتعلقة بالماء والكهرباء (2021)، مع دولة الامارات ودولة الاحتلال برعاية أمريكية. وقد تمّ تعزيز هذه الاتفاقية بأخرى وقعت على هامش قمة شرم الشيخ في (تشرين ثاني 2022م).
واصلت السلطة الفلسطينية العمل بالاتفاقيات الأمنية والاقتصادية مع دولة الاحتلال. وكان من المتوقع أن تتخذ موقفا حاسماً ردّاً على مشروع صفقة القرن والاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، وعلى الجرائم الوحشية بحق الشعب الفلسطيني. الا أن العمل لا زال جاريا وفقا لاتفاق أوسلو وملحقاته ولا زال الرهان قائماً على الوعود التضليلية الامريكية.
لم يكن ممكنا أن تنحدر السياسات العربية الرسمية إلى هذه الحدود، لولا ضعف بنية الدولة الوطنية العربية، وفشل الأنظمة السياسية في تحصينها الداخلي بالتنمية والتحديث واحترام قيم التعددية والعدالة والمساواة والمشاركة الشعبية الواسعة في القرار الوطني. وهكذا فقد نجحت القوى الاستعمارية في تدمير، او إضعاف الدولة الوطنية العربية حتى/ الحدود القصوى، وتفكيك مؤسساتها والإمعان في تقييدها بسلاسل التبعية الاقتصادية والأمنية. حتى اضعفت مناعتها الوطنية وأفقدتها القدرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة كل هذه المشاريع العدوانية.
في ضوء هذه التطورات، ومعاكستها للأماني الوطنية والقومية العربية، فقد نهضت حركة شعبية عربية واسعة لمقاومة كل اشكال التطبيع والمطالبة بإلغاء المعاهدات ووقف رهن مصير الأوطان بسياسات الاحتلال. وقد امتدت هذه الحركة لتشمل جميع البلدان العربية التي وقعت الأنظمة السياسية فيها على اتفاقيات مع العدوّ بما في ذلك دول الخليج العربي.
وفي تطور لافت للسياسات العربية، في سياق التحولات الدولية الكبرى الجارية، فقد لوحظ تراجع ثقة دول عربية وخاصة في الخليج بسياسة الإدارة الامريكية، خصوصاً بعد انسحاب القوات الامريكية من أفغانستان وجزئيا من العراق، وعلى أُثر عدم توفير حماية من الولايات المتحدة للمنشآت النفطية السعودية في الصراع الجاري في اليمن. تجلت ظاهرة عدم الثقة أيضاً بنتائج قمة 4 / 7 / 2022 جدة حين فشلت الدعوات لإقامة ما سميّ بالناتو العربي.
كما شهدت السياسات الخليجية تحديداً انفتاحاً على روسيا الاتحادية والصين الشعبية، الذي انعكس على قرار أوبك + مؤخراً، بخفض كميات الإنتاج اليومي، الامر الذي اعتبر تحديا للولايات المتحدة.
وفي قمة الجزائر التي عقدت بتاريخ 1 / 11 / 2022م لم يصدر في البيان الختامي للقمة موقف يساند الولايات المتحدة في حصارها الاقتصادي والسياسي لروسيا.
ربما يكون من المبكر القول أن تغييراً جاداً قد حصل في السياسات العربية الرسمية التي تربطها علاقات تبعية تاريخية وغير متكافئة مع الولايات المتحدة، الا أن مثل هذه السياسات تستحق الرصد، خصوصاً في سياق التقديرات لما ستنتهي اليه الصراعات الدولية الجارية على اكثر من جبهة عسكرياً واقتصادياً.
دولياً: تنبئ التطورات الدولية الجارية، بتحولات تاريخية، تتجه صعوداً نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، ليحل محل نظام القطب الواحد الذي استغرقت هيمنته المنفردة على البشرية ثلاثين عاماً، منذ عام 1991م وانهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية.
في الوقت الذي كانت تتعاظم فيه قوة الولايات المتحدة وحلفاؤها بواسطة الحروب العسكرية والاقتصادية الضارية التي ادارتها في معظم قارات العالم، كانت هناك قوى عالمية أخرى تتنامى بسرعة كبيرة أو تعيد استجماع قوتها بصورة أصبحت تهدد نفوذ وسطوة النظام العالمي السائد.
وما الحرب الأوكرانية الروسية الدائرة منذ تسعة أشهر: الا محطة يتمركز فيها الصراع الدولي بين القوى المهيمنة في نظام القطب الواحد وبين القوى الدولية الأخرى ذات المصلحة في فرض نظام جديد، خارج هيمنة الولايات المتحدة وحلف الناتو وحلفائهما.
ومهما كانت النتيجة التي ستنتهي اليها هذه الحرب، فإنها لا شك ستؤدي إلى اضعاف سياسة التفرد والهيمنة للولايات المتحدة الامريكية لصالح صيغة دولية أخرى في العلاقات الدولية اكثر التزاما بمعايير ومبادئ القانون الدولي، ولصالح الشعوب في الحرية والسيادة ضمن حدودها وعلى ترابها الوطني، ولصالح عالم اكثر توازناً وأمناً.
هذه النتائج لن يكون الوصول لها سهلاً، ولا زالت عوامل ادامة الصراع على اشده قائمة، فقد صدر في تقرير الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأمريكي: أنّ (( الهدف الرئيسي للولايات المتحدة يتمثل في التغلب على الصين وكبح جماح روسيا ))، ومن المعروف أيضا أن الصين وروسيا خصمان نوويان للولايات المتحدة، إضافة إلى الإمكانيات الهائلة لكل منهما في مجالات أخرى اقتصاديه وعسكرية.
إذ تتنافس روسيا والسعودية على الموقع الثاني في انتاج النفط عالميا وتنتج كل منهما ما معدله 10,8 مليون برميل يوميا. بينما تحتل الولايات المتحدة الامريكية المركز الأول بإنتاج 18,8 مليون برميل يومياً.
لذلك فإن الولايات المتحدة الامريكية تشعر بتهديد من احتمال تحالف أطراف دولية أخرى والتفوق عليها في الإنتاج النفطي، خصوصاً إذا ما عرفنا ان الامارات والكويت يصل انتاجها إلى 7%، وإيران والعراق 8% والصين والبرازيل 9%.
أي ان لوحة ميزان القوى تشير إلى ان 26% من انتاج النفط مصدره أمريكا الشمالية ( الولايات المتحدة الامريكية وكندا )، مقابل 46% للسعودية وتحالفاتها وايران وتحالفاتها.
وهناك إشارات ذات دلالات عميقة على بنية النظام الدولي والعوامل التي يحتدم الصراع حولها: تتعلق بإجمالي الناتج المحلي الإجمالي لكل من الدول الكبرى:
اذ يبلغ نسبة الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الامريكية إلى الناتج المحلي العالمي 20,49 تريليون دولار. بينما تبلغ النسبة في الصين 13,4 تريليون دولار حسب الرصد الذي قامت به مؤسسات بحثية بين أعوام 2018-2020، اما روسيا فنسبة الناتج المحلي لديها 1,7 تريليون دولار فقط.
هذا ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة في الصين بتسارع شديد، ليصبح منافساً جدياً للناتج الإجمالي للولايات المتحدة الامريكية.
سيكون لمجمل المتغيرات التي ستقع تأثيرات واسعة على المنطقة العربية والاقليم، وعلى القضية الوطنية الفلسطينية ايضاً، وربما يكون من المبكر تناول محدداتها بدقّة، الا ان الأنظمة العربية التي وضعت كل إمكاناتها ورهنت استمرارها ووجودها بالقوة العظمى للولايات المتحدة ومؤسساتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، ستكشف فداحة الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته بحق بلدانها وشعوبها، وستكون امام واقع تضطر فيه إلى تنويع خياراتها وتحالفاتها الدولية والاهم بناء قدراتها الذاتية والتحول نحو إعادة النظر في أنظمتها الاقتصادية والاتجاه نحو تعزيز استقلالها الوطني والقومي.