- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

السيادة الغذائية في مواجهة سياسة احتكار الغذاء

الاهالي ـ صدرت دراسة قيمة عن موقع الحوار المتمدن بتاريخ 14 \ 9 \ 2022 للكاتب الطاهر المعز تحت عنوان السيادة الغذائية شرط الاستقلال الاقتصادي والسياسي وقد تطرقت الدراسة الى استعراض السياسات النيوليبرالية والازمات الحادة التي سببتها للدول النامية والفقيرة بما في ذلك الفصل الخاص بالمنطقة العربية تحت عنوان الامن الغدائي العربي ونظرا لطول المادة مع التأكيد على اهميتها الفائقة خصوصا في الوقت الراهن فاننا سنكتفي بعرض الاستخلاصات الرئيسية الواردة في نهاية الدراسة

استخلاصات:
هيمن أصحاب الثروات على المصارف وشركات الخَدَمات، وعلى الشركات الصناعية والتكنولوجية، ثم أصبحوا يحتكرون الأراضي الزراعية، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وخاصة منذ 2007/2008، حيث تحولت ملكية المزارع الصغيرة إلى شركات الزراعات الصناعية، فأصبحت نسبة 1% من الشركات الزراعية الإحتكارية العالمية (العابرة للقارات) تسيطر على 70% من الأراضي الزراعية في العالم، وحوّلت الأرض التي تُنتج الغذاء إلى موضوع مُضارَبَة دون الإهتمام بالأمن الغذائي وسيادة الشعوب على غذائها، ولا بمستقبل الأجيال القادمة ولا بالبيئة…
تمكّنت الشركات العابرة للقارات، خلال أقل من عِقْدَيْن (من 2001 إلى 2018) من الإستيلاء على نحو 765 مليون هكتارا من الأراضي الزراعية بهدف إنتاج المحاصيل الزراعية (حبوب وخضروات وفواكه ومنتجات الألبان واللحوم والزيوت) وأعلاف الحيوانات، والوقود الحيوي، وتقع نسبة حوالي 40% من هذه الأراضي بقارة إفريقيا، واشترت هذه الشركات نصف المساحات الصالحة للزراعة بجزيرة مدغشقر، وحوالي سبعة ملايين هكتار بالسّودان، أو ما يُعادل نسبة 10% من مجمل الأراضي التي اشتراها مستثمرون أجانب بالعالم، حتى سنة 2016، ومساحات شاسعة من أراضي الحبشة وتنزانيا ومالي والكونغو (كينشاسا) وغيرها، فضلا عن استحواذ هذه الشركات على أراضي زراعية بآسيا وبأمريكا، وفرضت الدّول الإمبريالية ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من المنظمات، خروج الأراضي، التي تبيعُها أو تُؤَجِّرُها البلدان الفقيرة، عن سيطرة الدّولة المَحَلِّيّة، لتصبح مناطق خاصعة لقوانين دولة منشأ الشركات، وكأنها مُستَوْطَنات استعمارية، أو سفارات فَرْعِية تتمتع بالحصانة الإقتصادية والسياسية، حيث تُعتبَرُ ممارسات الفساد والتهرب من الضرائب وتهريب الأموال، أُمورًا شائعة لدى هذه الشركات العابرة للقارات التي لا تُشغّل الكفاءات المَحلِّيّة بل تجلب معها مُهندسين وفَنِّيِّين أجانب، لتقتصر مهام أصحاب الأرض الشرعيين (منهم الأطفال) على العمل الزّراعي، في أسفل درجات السّلّم، مع مخاطر صحية تتمثل في التّعَرُّض للإصابة بالأمراض الخطيرة، منها بعض أخْطَر أنواع السرطان، جَرّاء التعامل المستمر مع مُبيدات الأعشاب والحَشرات التي تُشكّل خطراً على السكان والموارد الطبيعية والمحيط…
نشر المعهد الدولى لبحوث برامج الغذاء ( IFPRI )، قبل أكثر من عشر سنوات، في تشرين الأول/اكتوبر 2009، دراسة تُشير إلى مخاطر استحواذ الدول الغنية وشركاتها العابرة للقارات على الأراضى الزراعية فى الدول الفقيرة، وهي الظّاهرة التي تفاقمت بعد أزمة 2007/2008 (أزمة غذاء متبوعة بأزمة مالية واقتصادية )، حيث ارتفعت أسعار المنتجات الزراعية والسلع الغذائية الأساسية، واستغلت هذه الشركات الوضع للإستيلاء على الأراضي الزراعية بالبلدان الفقيرة، حيث الظروف المناخية مُعتدلة والموارد الطبيعية متوفرة ورواتب العاملين منخفضة، بتواطؤ من البرجوازيات الكُمْبْرادُورِيّة الحاكمة، لإنتاج سلع يتم تصديرها بالكامل للإستهلاك البشري والحيواني (العَلَف) ولاستخراج الطاقة، في حين ازداد حجم وقيمة واردات الغذاء بالعملات الأجنبية في بُلدان قادرة على تحقيق الأمن الغذائي من الإنتاج المحلّي، وتحقيق السيادة الغذائية، لو توفرت الإرادة السياسية، بل لم تستفد بعض البلدان حتى من تشغيل بضعة آلاف من العاملين، منها الفلبين والسودان وموزمبيق ومدغشقر، حيث تستجلب الشركات الصينية عُمّالا من الصين التي تستحوذ شركاتها على مساحات كبيرة في آسيا (الفلبين) وفي إفريقيا (زيمباوى والكونغو الديمقراطية وزامبيا والكاميرون…)، كما استأجرت أراضي في أوكرانيا، منذ 2008، فيما تُؤجِّرُ الشركات اليابانية أراضي زراعية بالخارج، منذ أكثر من قَرْن، وتُؤَجِّرُ بريطانيا والسويد والدنمارك وكوريا الجنوبية أراضي في البلدان الفقيرة، لزراعة منتجات تُستخدم في إنتاج الوقود الحيوى…
تدّعي الشركات العابرة للقارات أن التكنولوجيا الحيوية، والمنتجات الزراعية المُعَدّلَة وراثيا هي الحلّ الأمثَل وربما الوحيد “لزيادة الإنتاجية ولتحسين المحاصيل” (بقطع النّظر عن القيمة الغذائية المنخفضة جدًّا لهذا الإنتاج)، وتُساندها في ذلك الشركات المنتجة للمُبيدات التي تدّعي إنها تُقدّم “خدمةً للإنسانية، لأن استخدام المبيدات يُمكن من زيادة إنتاج الأغذية لتلبية حاجة الأعداد المُـتزايدة من السكان، ويُمَكِّنُ من مقاومة الآفات والحشرات الضّارّة…”
في الواقع يندرج هذا الإستثمار ضمن تغيير صيغة الإستعمار من مُباشر، بواسطة الجنود والمُعدّات الحربية، إلى غير مُباشر، من خلال الهيمنة الإقتصادية التي تُؤدّي إلى الهيمنة السياسية والثقافية والإيديولوجية، لتستفيد الدول الإستعمارية من عائدات الاستثمار الزراعى في البلدان الفقيرة، فيما يتم حرمان سُكّان البلدان الفقيرة من إنتاجها الغذائي، ما يَحُولُ دون تأمين غذاء السّكّان من الإنتاج المَحلّي، فضلا عن المخاطر الأخرى مثل القضاء على التنوع البيولوجي وعلى البذور التي تأقْلَمَت مع المناخ المَحَلِّي، والقضاء على النظم الغذائية المستدامة القادرة على إطعام البشرية، مع حماية موارد الكوكب والمياه والتربة والهواء والتنوع البيولوجي، لكن الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات لا تهتم سوى بما يعَظِّمُ أرباحها…
تحولت الأراضي الزراعية بعد أزمة 2008 إلى إحدى بدائل المُضاربين والمستثمرين والشركات، بتواطؤ من حكومات إفريقيا وبعض دول أمريكا الجنوبية وآسيا، ولن تكون مقاومة مخططات استيلاء الشركات الإحتكارية على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية لزراعة منتجات مُعَدّة للتصدير للأسواق والمُستهلِكين الأوروبيين والأمريكيين، مُجْدِية إذا كانت مُقاومة فَرْدِية، بل وجب تحويلها إلى مُقاومة جماعية ومُنظّمة، لها برنامج يجعل من كل موضوع فَرْعِي جُزْءًا من البرنامج الإستراتيجي، لخلق تَراكُم نضالي يتحول إلى تراكم نَوْعِي، للتّحرُّر من الهيمنة ومن الإستغلال ومن الإضطهاد ومن الإستعمار بكافة أشكاله القديمة والجديدة…