| نشر في سبتمبر 25, 2013 10:06 ص | القسم: آراء ومقالات | نسخة للطباعة :
منذ بداية تسعينات القرن الماضي تعرض الاقتصاد الاردني وعانى من سلسلة من التراجعات والازمات لعل بل اكثرها خطورة من حيث العمق والحدة والامتداد الزمني والافقي، الأزمة الاخيرة التي انفجرت في خريف سنة ٢٠٠٨ وبشمولية لتطال معظم ان لم تكن كل مرتكزات وجوانب الاقتصاد الكلي في أبعاده التنموية والمالية والنقدية في استمرارية غير مسبوقة من حيث الشكل والمضمون.
فمعدلات النمو في الناتج المحلي الاجمالي انحدرت بوضوح الى مستويات متدنية تأرجحت دون سقف (٣٪)، كما اختل التوازن في مستويات نمو مكونات هيكلية الاقتصاد لصالح الفروع الاقتصادية الخدمية والتجارية الكمبرادورية فيما كانت معدلات نمو قطاعي النشاط الصناعي والزراعي تقترب من الصفر أحيانا والى ما دونه (انكماش) احيانا اخرى.
في هكذا وضع وواقع ليس مفاجئا وليس مستغربا ان تكون تداعياته تسجيل نسب نمو للبطالة عالية وبرقمين (اعلى من ١٠٪) طيلة السنوات الماضية وتأرجحت في ارقام دائرة الاحصاءات العامة وبدون توقف بين (١٢٪) الى (١٥٪) ليتوازى معها تعمق اشكالية الفقر بشقيه المطلق والمدقع في معدلات مماثلة تقريبا بل، وبأكثر منها في العديد من المواقع الجغرافية التي اطلق عليها تعبير «جيوب الفقر».
تشوهات واختلالات وتراجعات المرتكز الاقتصادي التنموي المتوازنة كانت بدورها آحد الاسباب الجوهرية في حدوث اتساع وتعمق تشوهات واختلالات موازية ومستمرة في مختلف بنود تجارة الاردن الخارجية، في اختلال لم يتوقف في كفتي ميزانها، كفة مستوردات قافزة في صعودها، وكفة صادرات متواضعة في نموها، لتكون محصلة ذلك ارتفاعات ثقيلة وكبيرة في رقم العجز التجاري (الفرق بين المستوردات والصادرات) وليصل هذا العجز في سنة ٢٠١٢ الى (٩٠٩٢) مليون دينار، فيما بقيت معدلات التضخم (الغلاء) تتحقق فوق مستوى الزيادة في الاجور والدخول.
العجز الحاد لم يقتصر طيلة الفترة السابقة على ميزان الاردن التجاري بل تواصل ايضا في عجز الموازنة وفي مسار تصاعدي نتيجة تشوهات وتخفيضات متصلة في نسب ضريبة الدخل على شرائح الدخل العالي وتشويهات اخرى في المنظومة الضريبية، مقابل زيادات اكبر في قيمة النفقات وخاصة الجارية منها، وعجز الموازنة المرفق هذا كان المدخل الرئيسي في تضخم حجم المديونية (الدين العام الحكومي) ليتجاوز سقف (١٧٠٠٠) مليون دينار وبما يقارب (٧٥٪) من الناتج المحلي الاجمالي فيما لم تكن مجمل الاوضاع والوقائع النقدية والمصرفية في وضع أفضل.
الاختلالات والتراجعات والازمات هذه في الاقتصاد الاردني لم تكن ذاتية، او انها نشأت وتعمقت من تلقاء نفسها، بل انها كانت ولا تزال نتاج سلسلة من المتغيرات والردات في اتجاه تبني سلسلة من التوجهات الاقتصادية والمالية والنقدية الليبرالية الانفتاحية، والتي تم اعتمادها وادراجها في عدة برامج متتابعة منذ سنة ١٩٩٠ أطلق عليها مصطلح «برامج التصحيح الاقتصادي وإعادة الهيكلة» وضعت استجابة لنصائح ورغبات صندوق النقد الدولي وغيره من هيئات ومؤسسات الرأسمالية.
البرامج الاقتصادية الجديدة هذه تضمنت مرتكزات وقواعد واتجاهات مفرطة في ليبراليتها وانفلاتها ومن اهمها «تحرير او حرية رأس المال المصرفي في تحديد وتغيير اسعار الفائدة والعمولات المصرفية بدون اي تدخل رسمي مباشر في ذلك، كما اطلقت العنان المطلق لتحرير معظم جوانب التجارة الخارجية ترادف مع قرارات متتابعة بتخفيض الرسوم الجمركية على المستوردات وعدم وضع قيود كمية عليها، كما أكدت هذه البرامج على اعتماد نهجالخصخصة للموجودات والنشاطات الاقتصادية القائمة وعدم انشاء الجديد منها والابتعاد الى درجة كبيرة عن التخطيط العلمي للاقتصاد متوسط وطويل الأجل، الى جانب شعارات تشجيع الاستثمار والمستثمرين بكم متعدد من الحوافز المادية والاجرائية في أقل قدر ممكن من التدخل في نشاطهم.
تبني وتطبيق توجهات البرامج الاقتصادية الليبرالية هذه كان السبب والمدخل الرئيس لسلسلة الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتابعت منذ البدء بها، واصبح مطلوبا الآن اكثر من أي وقت مضى الانتقال منها الى برنامج اقتصادي واجتماعي وطني فعلا واكثر توازنا وموضوعية يساهم في وضعه واعتماده ممثلو مختلف الفعاليات والطبقات الاجتماعية المعنية، اقتصاد وطني مشترك يتيح لرأسمال الخاص الحرية المسؤولة في نشاطه، فيما يعاد للقطاع العام دوره الأساسي في ادارة الاقتصاد وقيادته ،وتملك وحداته الأساسية كلما كان ذلك ضروريا ومطلوبا.
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
Sorry. No data so far.