- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

بناء احزاب جديدة أم استنزاف لضرورات الاصلاح السياسي؟

على امتداد تاريخ الدولة الاردنية، كانت العلاقة بين الاحزاب السياسية والمؤسسة الرسمية للدولة على خصومة وصراع دائمين، تعلو أو تهبط وتيرته حسب الظروف الداخلية او العربية والاقليمية والدولية، باستثناء : جماعة الإخوان المسلمين التي ارتبطت مع الحكم في علاقة تحالفية لأكثر من أربعة عقود.
وفي مطالعة العديد من المقالات الصادرة في الصحف الرسمية خلال الشهرين الماضيين، والتي تناولت وضع ودور الاحزاب في مرحلة التحولات الديمقراطية برز بوضوح مضمون موقف القوى البيروقراطية التي قادت سياسات الدولة في مرحلة الاحكام العرفية والمراحل التالية بعد عام ١٩٩٢: « تاريخ إلغاء الاحكام العرفية» حيث جرى عرقلة الاصلاح السياسي وأعيد انتاج طبائع الاستبداد بصورة أو بأخرى.
لم يستطع هؤلاء إخفاء المحتوى الإقصائي لموقفهم من الاحزاب حتى في هذه المرحلة التي تتبنى فيها المؤسسة الرسمية للدولة ضرورة التحول نحو حكومات برلمانية، وتقر فيها بدور الاحزاب السياسية في بناء هذه المرحلة الهامة في البلاد.
يقول وزير سابق في مقالتين صدرتا في صحيفة رسمية : أن قانون الانتخابات النيابية الجديد، سيدفع باتجاه فوز ثلاثة تيارات من بينها التيار اليساري، ويستدرك قائلاً: لن يفوز اي من احزاب اليسار التقليدي، بل الاحزاب اليسارية الناشئة!!!
فهل هذه تنبؤات فوق العادة لصاحب المقالين الاستشرافيين أم هناك خطط مرسومة سلفاً للتضييق على الاحزاب اليسارية القائمة من أجل إحلال لون جديد من اليسار لا نعرفه ولم يعلن عن نفسه بعد، ولا نستطيع أن نعطي تقييماً له، ولكن المقال يتنبأ بأكثر مما يستطيع المواطن العادي!! لأنه ربما يقع في دائرة مهندسي الحالة السياسية في البلاد.
ومقالة حديثه أخرى صدرت البارحة في صحيفة يومية، يقول صاحبها « ان لا مكان للاحزاب غير الجادة في قانون الانتخاب الجديد»؟ ولم يشرح لنا الكاتب غير المسيس اصلاً ما المقصود بالاحزاب الجادة، الا انه يتابع الكشف عن النوايا عندما يقول : ان قانون الانتخابات البرلمانية غير مفصل على قياس الاحزاب الحالية» ، ونسمح لأنفسنا أن نستكمل الجملة بالقول بل هو مفصل على مقاس الاحزاب التي سنصوغها لاحقاً!!!
في منتصف التسعينات وما بعد، قامت المؤسسة الرسمية بتشجيع مجموعات على تشكيل احزاب موالية واصبحت عبئاً عليها فيما بعد، ولا تعرف كيف تتخلص منها، والآن تكررالمؤسسة الرسمية نفس التجربة ولكن بلباس آخر ووفق آليات اخرى، ومن خلال التدخل المباشر بتشكيل احزاب لتكون بديلة للاحزاب القائمة ـ التي لا تريحها سياساتها
بالتأكيد ـ .
نقول ان تشكيل الاحزاب السياسية هو حق دستوري منصوص عليه ومن الطبيعي أن تكون هناك احزاب متعددة ذات تلاوين سياسية مختلفة، ولكن السؤال هو لماذا يكون تشكيل احزاب جديدة على حساب احزاب اخرى، فبدلاً من ان تذهب المؤسسة الرسمية باتجاه فتح ابواب الحريات العامة والميادين المغلقة على الاحزاب السياسية وتقديم فرص متساوية للجميع لخوض الانتخابات النيابية ، بدلاً من ذلك فهي تلجأ الى الاجراءات القسرية ذاتها للتضييق على الاحزاب القائمة واستحداث اخرى بديلاً لها.
نقول ان مثل هذه السياسات الرسمية لن تسهم في بناء احزاب جادة، ولن تؤدي الى الاستقرار السياسي المأمول.