- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

المؤتمر الوطني الأردني الأول (25/7/1928)

المؤتمر الوطني الأردني الأول (25/7/1928)

من كتاب د. عصام محمد السعدي
الحركة الوطنية الاردنية
١٩٢١ ـ ١٩٤٦
تثمن ادارة صحيفة الأهالي، الجهد الوطني الكبير الذي قام به د. السعدي في إعداد بحث متميز حول دور الحركة الوطنية في تلك الاعوام الصعبة إن توثيق هذه السيرة التاريخية استنادا الى الانجازات الهامة للشعب الاردني وحركته الوطنية المنظمة في ذلك الوقت هو شأن سياسي واجتماعي وثوري بامتياز، وعلينا جميعا أن نحرص على الإسهام الجاد في تقديمه للأجيال الشابة … وذلك أضعف الايمان. لقد نظمت الاحزاب الوطنية الاردنية في تلك الحقبة التاريخية المشار اليها ستة مؤتمرات ، سنعرضها بالتتالي بادئين بالمؤتمر الوطني الأول. خلال سنوات 1925 – 1927 عاشت الجماهير الاردنية حالة خمول سياسي عام، بعد ان تسنى لحكومة الامارة وسلطات الانتداب قمع حالات التمرد والانتفاض الشعبي واخراج الاستقلاليين من البلاد بموجب الانذار البريطاني (آب 1924)، ساعد في ذلك فرض السيطرة السياسية والمالية والعسكرية على البلاد
ولكن سرعان ما دبت الحياة في النشاط السياسي العام، على يد حزب الشعب الاردني الذي تأسس في آذار 1927، وتمكن في وقت قصير من ملء الفراغ السياسي الذي تركه حزب الاستقلال العربي، الذي أشغل الساحة السياسية باعتباره أول حزب سياسي على صعيد البرامج والتنظيم تعرفه البلاد، وتفيد المصادر المتوفرة ان العناصر الوطنية الاردنية في مناطق السلط والكرك واربد والعقبة كانت قبل تأسيس حزب الشعب الاردني قد أجرت اتصالات فيما بينها عام 1926 بمبادرة من الشيخ حسين الطراونة لعقد مؤتمر وطني شعبي اردني في الكرك لبحث المسائل التالية:

1 – تعيين وضعية البلاد السياسية.
2 – المطالبة بانتخاب مجلس نيابي.
3 – عدم الاعتراف بكل ما عقدته الحكومة من اتفاقيات ومعاهدات بإسم شرقي الاردن.

يعتبر عقد مؤتمر وطني على مستوى البلاد تطورا ملموسا في شكل ومضمون العمل السياسي العام في البلاد وتحديا لها لهامش الحرية المسموح به في العمل السياسي، خاصة بعد ان تعودت سلطات الانتداب والامارة على حالة الركود الاستثنائية التي عاشتها الجماهير الاردنية في الفترة 1925 – 1927 واعادت فكرة انعقاد المؤتمر الى أذهان السلطات البريطانية الاخطار التي هددت السيطرة الكولونيالية على البلاد في السنوات الاولى من عمر دولة الامارة، وكان للدعوة لعقد مؤتمر وطني شعبي عام أثر قوي لدى المعتمد البريطاني في عمان، الذي سارع الى الذهاب الى القدس لوضع حكومة الانتداب في صورة تطور الاحداث في البلاد والبحث عن خطط موحدة لاجهاض التحرك الشعبي وقبره في مهده اذا أمكن او احتوائه اذا تعذر ذلك.
افتتح المؤتمر في 25/7/1928 في مقهى حمدان بعمان، برئاسة الشيخ حسين الطراونة وأقر جدول اعمال تضمن أمرين هامين:
1 – مشروعية المعاهدة البريطانية التي ستفرضها السلطات البريطانية على شرق الاردن.
2 – موقف شرقي الاردن من تصريح بلفور القاضي بجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود.
ويؤشر جدول اعمال المؤتمر على وجود بعدين: البعد الوطني المحلي، الذي تمثل في مناقشة المؤتمر لشرعية المعاهدة البريطانية التي ستفرض على البلاد من جانب واحد بالطرق القهرية ومدى تعارضها مع طموحات وآمال الجماهير الاردنية في الاستقلال والتحرر، وحجم الاضرار التي ستلحق بالمشروع الاستقلالي التحرري الاردني الذي يعتبر المؤتمر احد ابرز تجلياته، والبعد القومي الذي عكس نفسه في مناقشة المؤتمر للقضية الفلسطينية ومسألة الوطن القومي اليهودي وقد احتل هذا البعد حيزا كبيرا في اعمال المؤتمر ومناقشاته، وهو أمر طبيعي بحكم العلاقات المتميزة التي تربط جماهير شرقي الاردن بجماهير فلسطين، وظلت المسألة الفلسطينية تفرض نفسها بحكم ذلك على أجندة العمل الوطني بأشكال وصيغ مختلفة حتى يومنا هذا
وقد ناقش المؤتمر على مدار اربعة ايام متتالية جدول اعماله، وأقر في ختام مناقشاته وبالاجماع (الميثاق الوطني) الاردني الذي تضمن الأسس والمبادئ التي يجب ان تحكم مسيرة نظام الحكم في شرقي الاردن، وظل لسنوات عديدة منهاجا سياسيا للمعارضة الوطنية
نلاحظ من خلال قراءة بنود الميثاق الوطني ان المؤتمر اعترف لأول مرة بشرقي الاردن دولة عربية مستقلة ذات سيادة بحدودها الطبيعية، الأمر الذي يعتبر تطورا ملموسا في الرؤية السياسية الوطنية الشعبية الاردنية، التي ظلت حتى ذلك الوقت تنظر الى شرقي الاردن باعتباره اقليما من أقاليم دولة الوحدة العربية، ويؤشر ذلك على تحرر قادة العمل الوطني من أفكار ومبادئ (حزب الاستقلال العربي) التي حكمت نظريتهم السياسية لنظام الحكم في السنوات السابقة لعقد المؤتمر، وتكون مؤسسة العمل الوطني بذلك قد بدأت التعامل بواقعية مع الموضوعات السياسية المطروحة.
يؤخذ على المؤتمر اعترافه بالانتداب البريطاني على شرقي الاردن، الأمر الذي يعتبر تحولا جذريا ايضا في الموقف الشعبي الاردني الذي عبر في تموز عام 1922 بوضوح كبير عن رفضه للانتداب رفضا تاما باعتباره صيغة من صيغ الاستعمار الحديث للشعوب، كما يؤخذ عليه ايضا عدم تطرقه الى الوحدة العربية التي ظلت هدفا شعبيا اردنيا في السنوات السابقة، رغم الوعي المبكر الذي أبداه المؤتمر للخطر الصهيوني الذي يهدد المشرق العربي، واقراره التصدي له من خلال التأكيد على عدم التصرف بالاراضي الاميرية الا بموافقة المجلس التشريعي، ويأتي مثل هذا التأكيد على خلفية انتشار اشاعات وقتذاك تقول بتأجير الامير عبد الله للأراضي الاميرية للوكالة اليهودية
صحيح ان المؤتمر نجح في تحديد المبادئ والاهداف الوطنية العامة التي يمكن النظر اليها باعتبارها أول برنامج اردني ديمقراطي، غير انه عجز عن تحديد الوسائل والطرائق التي يجب اتباعها لتحقيق هذه الاهداف والمبادئ ويعود السبب بتقديري الى التباينات الكبيرة في أفكار واجتهادات ومواقع اعضاء المؤتمر
ويبدو ان المؤتمر اتخذ قرارات الاجماع الوطني وأعلن عنها، في حين تجاهلت القرارات الخلافية او قرارات الاغلبية التي من شأنها افشال المؤتمر وتفجيره، فحضور الزعامات القبلية والعشائرية المهادنة كان مكثفا، ولم يكن بالامكان اتخاذ قرارات الاغلبية حفاظا على الوحدة الوطنية، وتماسك التجربة التي عبرت عن نفسها في التئام المؤتمر واحتوائه كافة العقبات
وقد حرصت الزعامات الوطنية والتي مثلت تيار المعارضة الوطنية المشاركة في المؤتمر، ضرورة استمراره كمؤسسة وطنية شعبية ذات تأثير في السياسة العامة للبلاد تهتدي ببرنامج اجماع وطني وتتسلح في نفس الوقت بقوة المؤتمر المستمدة من التأثير الشعبي العريض للزعامات التي حضرته وشاركت في نشاطاته بفاعلية، فانتخب المؤتمر في نهاية اعماله هيئة تنفيذية من (21) عضوا ممثلة لمختلف أقاليم البلاد. ثم انتخب المؤتمر اعضاء الهيئة التنفيذية، لجنة ادارية (مكتب سكرتاريا) من خمسة اعضاء على النحو التالي:
ــ حسين الطراونة رئيسا
ــ سعيد المفتي نائبا للرئيس
ــ طاهر الحبقة سكرتيرا
ــ علي نيازي التل معتمدا
ــ طارق سليمان كاتبا وامينا للصندوق
واختتم المؤتمر اعماله بانتخاب وفد شعبي، لمقابلة الامير عبد الله وتسليمه الميثاق الوطني الذي أقره المؤتمر، وبالفعل فقد التقى الوفد الامير عبد الله الذي وعدهم بدراسته والنظر فيه
يمكن تقسيم مواقف المؤتمر الوطني بالاستناد الى تحليل وثائقه الى قسمين:
أولا: الموقف الوطني
نقل الامير عبد الله الكرة الى مرمى دار الاعتماد باستدعائه المعتمد البريطاني في عمان المستر هنري كوكس وتسليمه نص الميثاق الوطني، وتبع ذلك (معركة) مراسلات بين المعتمد البريطاني ورئيس اللجنة التنفيذية، عكست موقف الطرفين من قضايا الوطن المختلفة، وخاصة موضوع الاتفاقية الاردنية البريطانية
وقد عكس المعتمد البريطاني موقفه الرافض لمقررات المؤتمر الوطني باعادته الميثاق الوطني في 5/8/1928 الى الامير عبد الله مرفقا بكتاب، تضمن رفض جميع بنود الميثاق الوطني وخيبة أمل الحكومة البريطانية «لوجود بعض الذين شكل الحكومة الحاضرة»، واشار الى ان «التقدم نحو الحكم النيابي لا ينم الا بعد ان يبرهن الشعب على قدرته لتحمل مسؤوليات أكبر، وعلى اثر اذاعة الحكومة الاردنية نص كتاب المعتمد البريطاني الذي اثار الاستياء والسخط الشعبي، رأت اللجنة التنفيذية ضرورة فتح حوار مباشر مع المعتمد البريطاني في عمان، خاصة بعد ان اطلعت على موقفه المتصلب من موضوع المعاهدة، ودفاعه عن حكومة حسن خالد التي ابرمتها، فجرى اجتماع بين رئيس المؤتمر الوطني حسين الطراونة وبين المعتمد البريطاني المستر كوكس لوقوف كل طرف على وجهة نظر الطرف الآخر، غير ان الاجتماع فشل ولم يسفر عن شيء، مما دفع رئيس المؤتمر الى دعوة اللجنة التنفيذية للاجتماع ةمناقشة الموضوع، فأقرت ارسال مذكرة الى المعتمد البريطاني في (16/8/1928) تضمنت التأكيد على النقاط التالية:
ــ ان الذين يطالبون بحقوق البلاد المشروعة هم «ممثلو الامة الحقيقيون في رغائبها ومطالبها الوطنية الحقة»
ــ ان الانتداب يجب ان لا يتعدى مبادئ النصح والارشاد للدولة المنتدبة عليها
ــ ان قرار المؤتمر الوطني الذي يمثل اعضاؤه اهالي شرق الاردن تمثيلا صحيحا هو حق الشعب
ــ ان المؤتمرين لم يقصدوا بعملهم واجتماعهم الوصول الى المناصب كما تصورتم
ــ تسليم مقدرات البلاد لأهلها وفصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية وتأليف حكومة وطنية حائزة على ثقة الشعب وثقة الامير معا
ــ عدم قيام حكومة حسن خالد ابو الهدى بتعهداتها الذهبية التي أعلنها عند تسلمه كرسي الحكم، ولم ير الشعب منها سوى سلسلة مواعيد خلابة
ردت اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني في مذكرتها على مزاعم المعتمد البريطاني بأن الشعب الاردني لم يبلغ بعد المستوى اللازم لتحمل مسؤوليات الحكم النيابي، كما عبرت عن رغبة المعارضة الوطنية في التفاهم مع المعتمد البريطاني، واشارت الى ان بعض «القابضين على زمام الامور هنا هم الذين وسعوا شقة الخلاف بينكم وبين الشعب، وصوروه لكم على غير صورته الحقيقية، وجعلوكم تعتقدون بأن البلاد وأهلها في حالة جهل مطبق، ليخلو لهم الجو»، في اشارة الى رئيس الوزراء حسن خالد الذي وقف من المعارضة موقفا صارما ومعاديا وطالبت اللجنة التنفيذية في المذكرة تخفيض مخصصات دار الاعتماد وقوة الحدود ورواتب الموظفين المعارين ونفقات الجيش، رأفة بأحوال البلاد الاقتصادية، وتطبيق «مبدأ المسؤولية المشتركة على مجلس النظار الذي يتولى الدوائر الحكومية، وتسليم مقدرات البلاد لأهلها
وقد قارنت المذكرة بين أوضاع البلاد العربية ومن بينها شرقي الاردن في العهد العثماني وبين أوضاعها في ظل الانتداب البريطاني، وبينت انها كانت افضل حالا في العهد العثماني لأنها لم تكن «مسخرة لمصالح خاصة، بل كانت تتمتع بمشاركة كاملة في حاكمية البلاد. اذ كان فيها النواب والوزراء والشيوخ والقادة والولاة والمجالس المحلية والعمومية، ولم يكن العهد العثماني التركي يمتاز عن العثماني العربي في الحقوق والواجبات أمام القانون»
وأخذت المذكرة على بريطانيا عدم وفائها بالوعود الرسمية التي قطعت لهم «وانهم لم يعاملوا معاملة أصدقاء بتقسيم بلادهم وتوزيعها على أساس باطل… بعد ان كانت لهم اليد الطولى في انتصار الحلفاء في الشرق، وان بلاد شرقي الاردن، وهي جزء مهم من أجزاء البلاد العربية المحررة التي وعدت بالاستقلال، ترى ان حقوقها المشروعة في ذلك لا يصح انتقاصها. وانه ليس من العدل ان تقهر على توقيع صك استعبادها بأيدي ابنائها المغلوبين على أمرهم، فما في ذلك من معنى بقاء رق الشعوب بعد ان بطل رق الافراد. بل هي ترى انه ليس من مصلحتها في شيء ان تعترف بمشروعية عهود دولية تسلبها حقها الطبيعي في الحياة الحرة الشريفة، وتقضي على مصالحها القومية قضاء تاما».
وأوضحت اللجنة ان سبب تدهور الاحوال في شرق الاردن يعود الى انقياد الحكومة انقيادا تاما لرأي دار الاعتماد حتى في ما ليس له علاقة بمصالح الانتداب المفروض علينا دون ان نستشار بشأنه.
وقد رد المعتمد البريطاني في (22/8/1928) على كتاب حسين الطراونة، فأورد في كتابه نص المادة (25) من صك الانتداب، واشار الى التصريح البريطاني في (25/4/1923)، وادعى ان سبب التأخير في عقد المعاهدة سببه ان حكومة الامارة الاردنية «ابتعدت في الايام الاولى من تاريخ بلاد شرق الاردن عن مبادئ الحكم الدستوري في طرق شتى»، وان أهل البلاد «لم يبرهنوا على جدارتهم في تعلم زمام الادارة».
وأمام اصرار المعتمد البريطاني على موقفه من جماهير البلاد واستهتاره بطموحاتها وقدراتها، اجتمعت اللجنة التنفيذية وناقشت كتاب المعتمد البريطاني وردت عليه بمذكرة طويلة، فندت فيها مزاعمه، وذكرته بالمآخذ التي يأخذها الوطنيون على الحكومة ودار الاعتماد، وكررت الاحتجاج لى اخضاع البلاد للقوانين الاستثنائية وعلى خنق الحريات العامة، وطالبت بحكم دستوري وقيام حكومة مستقلة مسؤولة امام مجلس نيابي منتخب، تدخل في مفاوضات جديدة «لتعديل الاتفاق تعديلا يرضى عنه الشعب، ويكون بعيدا عن الاجحاف بحقوقه ومصالحه وآماله»، وقد انتقدت المذكرة زعم المعتمد البريطاني القائل بكفاءة الحكومة وقدرتها في حمل المسؤولية، ولخصت اسباب التدهور العام الذي وصلت اليه البلاد فيما يلي:
ــ الفوضى في الادارة العامة لعدم وحدة المسؤولية وتسلسلها
ــ اهمال الاصلاح الحقيقي في البلاد
ــ توسيع نطاق التشكيلات في جميع دوائر الحكومة ليس على اساس الحاجة والمنفعة والقدرة المالية المحلية
ــ بناء السياسة المالية على اساس تحميل المكلف الاردني نفقات الموظف البريطاني الباهظة ودوائر اخرى لا فائدة ترجى من وجودها.
ــ اعتماد دار الاعتماد في كثير من تصرفاتها على ما ينقله لها اشخاص ليسوا على شيء من النزاهة، وهمهم توسيع شقة الخلاف بينها وبين الشعب.
ــ اخضاع البلاد لقوانين استثنائية لا تستند على اصول تشريعية صحيحة، ولا تطبق حتى في أحط المستعمرات، كقانون الجرائم وقانون المسؤولية المشتركة والقوانين المملوءة بفرض الغرامات على غير ذنب او مخالفة ثابتة، ووضع قوانين يراد بها ابطال الحجج القانونية.
الشرعية المعمول بها للاستيلاء على الاراضي والاوقاف الصحيحة.
ــ خنق حرية الرأي والاجتماع والصحافة بفرض عقوبات وغرامات وضمانات باهظة على اصحابها، واضطهاد المطالبين بالطرق المشروعة بحقوق البلاد، اضطهادا يرمي الى ايذائهم في أموالهم وأبدانهم وحرياتهم القانونية خلافا لكل شرع مدني او ديني ولما جاء في القانون الاساسي الذي لم يجف مداه بعد.
وتكون اللجنة التنفيذية في كتابها قد فضحت سياسة ابو الهدى وفتحت معه معركة جديدة الى جانب معركتها مع المعتمد البريطاني الأمر الذي أزعج أبو الهدى، ولم يمنع ذلك من وصول العلاقات بين اللجنة التنفيذية ودار الاعتماد الى طريق مسدود. فوجدت اللجنة التنفيذية في زيارة المندوب السامي (السير جون تشانسلور) لعمان في اواسط كانون الاول 1982، فرصة لمقابلته وتقديم مذكرة له تتضمن تبيان مطالب الجماهير الاردنية وعرض شكواها على مواقف دار الاعتماد التي تتدخل بشكل سافر في شؤون الحكم، كما تضمنت المذكرة استنكارها للقوانين الجائرة والتدابير التي اتخذتها الحكومة بحق زعماء البلاد المخلصين، ومصادرة توجهات الجماهير التي بدأت تتبلور على قاعدة رفض ومقاومة المعاهدة، وشكلت اللجنة التنفيذية وفدا شعبيا ضم بعض اعضاء اللجنة التنفيذية لمقابلة المندوب السامي، غير انه رفض مقابلة الوفد، وما ان انتشر خبر رفض المندوب السامي مقابلة الوفد حتى انطلقت مظاهرة شعبية حاشدة الى المقر الاميري تستنكر موقف المندوب السامي، وتنادي بسقوط معاهدة ووعد بلفور، ويمكن تفسير هذا الرفض في اطار السياسة البريطانية التي وقفت فب وجه المؤتمر ومقرراته باعتباره احد أبرز معوقات فرض الاتفاقية البريطانية على البلاد، وحتى لا يتم ايضا تفسير لقاء المندوب السامي باللجنة التنفيذية على انه اعتراف بريطاني رسمي بها الامر الذي اضطر اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الى تقديم مذكرة له بتاريخ (12 كانون الاول 1928) تضمنت:
ــ رفض المعاهدة الاردنية – البريطانية لعام 1928 رفضا تاما:
ــ الاحتجاج على تدخل المعتمد البريطاني في كافة شؤون الحكم، واستنكار وشجب تضييقه بالتحالف مع السلطات المحلية على الحريات العامة، واعتبار ذلك عملا قهريا.
ــ رفض قانون الانتخاب وملحقاته لمخالفته ابسط قواعد التمثيل القانوني.
ــ استنكار ورفض القوانين الاستثنائية، وكافة الاجراءات التي تتخذها الحكومة الاردنية وخاصة تلك التي تستهدف قمع الحريات العامة، كاعتقال الزعماء واقصاء المخلصين من ابناء الشعب الاردني عن وظائفهم في الدولة.
وبعد ان هدأت معركة المراسلات بين اللجنة والمعتمد البريطاني وجدت اللجنة نفسها وجها لوجه امام اجراءات وترتيبات الحكومة لانجاز مسألة التوقيع على المعاهدة، فوجهت اللجنة والحالة تلك نضالاتها لافشال أول انتخابات نيابية تشهدها البلاد في عهد دولة الامارة، فقد كانت مهمة المجلس التشريعي الاول التصديق على المعاهدة. ورغم اجراءات الحكومة القمعية القاسية بحق المعارضة الشعبية فقد اقلقها مقاطعة الانتخابات التشريعية الاولى، وبلغ الأمر بالامير عبد الله ان اتهم زعماء المعارضة بالعمالة لجهة اجنبية، ومحاولة اثارة مخاوف الفلاحين بنشر اشاعات فرض الخدمة الاجبارية في البلاد.
ثانيا: الموقف القومي:
كانت ثورة البراق التي اشتعلت في (آب 1929)، اول القضايا القومية التي صادفت قيام اللجنة التنفيذية، فقد اثار اعتداء اليهود على حائط البراق الغضب لدى جماهير شرقي الاردن ومؤسساتها الوطنية، فاجتاحت البلاد يوم _14/8/1929) بدعوة من اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني مظاهرات صاخبة، كان أشدها مظاهرة عمان التي وصلت الى القصر الاميري، حيث خطب الشيخ حديثة الخريشا أمام الامير عبد الله باسم الجميع، وقال: «ان اليهود هجموا على الحرم وانتهكوا حرية الدين، واعتدوا علينا في عقر دارنا، وهذه حالة لا نطيق الصبر عليها، فاما ان نعيش كراما او نموت كراما» وطلب من الامير ان يأذن لهم «بالزحف على فلسطين انتصارا لاخوانهم عرب فلسطين»، ثم خطب شمس الدين سامي وناشد الامير بإسم النهضة العربية الوقوف مع جماهير البلاد لخلاص الشقيقة فلسطين.
ثم قامت مجموعة من المواطنين بعد انتهاء المظاهرة، قدرت بحوالي (600) رجل مسلح، بالتوجه الى نهر الاردن غير ان السلطات البريطانية منعتهم من الدخول، مما اضطر اللجنة التنفيذية لتشكيل وفد من مثقال الفايز وطاهر الجقة للسفر الى فلسطين والاطلاع على حقيقة الامر فيها. ولما علمت حكومة الامارة بذلك اعتقلتهم مدة يومين ثم افرجت عنهم. فأصدرت اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الاردني بيانا سياسيا شديدا، ندد بالسياسات البريطانية في فلسطين وبلاغالمندوب السامي جون تشانسلور الصادر في (1/9/1929)، المتضمن السماح لليهود بالصلاة في البراق، جاء فيه:
«بلاغ المندوب السامي في (1 ايلول 1929)، …لم ينقص من يقيننا بعدل الله وقوة الحق العربي في فلسطين، ولم يحرك في نفوسنا أدنى دهشة ذلك لأن المندوب السامي مؤتمن على تنفيذ وعد مشؤوم يقضي بأن يلفق شعبا يهوديا من شذاذ الآفاق ليفني شعبا آمنا في عقر داره.
ان مندوبا ساميا موكول اليه ان ينفذ مثل هذه السياسة القاتلة لأماني شعب كامل والمقنعة بقناع التمدن الحديث ليس بمرجو منه ان يصدر منشورا ينطوي على أكثر مما حمل منشوره وناشدت اللجنة التنفيذية في بيانها الجماهير العربية التحرك الفوري لانقاذ فلسطين.
وأرسل رئيس اللجنة التنفيذية برقية الى موسى كاظم الحسيني، احتج فيها على منح المندوب السامي للبهود كنيسا في البراق الشريف، واشار الى المظاهرات التي اجتاحت مختلف مدن البلاد تأييدا لإخوانهم الفلسطينيين، وطلب رئيس اللجنة التنفيذية من المندوب السامي في برقية ثانية الافراج الفوري عن كافة المعتقلين في حوادث البراق الشريف، ثم ارسل برقية ثالثة الى المحامين والصحف والنوادي المصرية، شكرهم فيها على مواقفهم الوطنية من القضية الفلسطينية.