- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

في هبّة نيسان / خليل السيد

تلك الفترة كان لهبة نيسان عام 1989 وقعها الخاص على الأرض والأنسان، فهي محطة تاريخية مهمة ونوعية في حياة الأردنيين، بعد أن تعمقت وتعقدت الأزمة الاقتصادية والسياسية ووصلت إلى مستويات مقلقة وصعبة بالنسبة للمواطنين، فخرج الناس من جميع المحافظات في نيسان عام 1989 إلى الشوارع متظاهرين ومطالبين بمعالجة الأزمة المعيشية والاقتصادية، وإسقاط حكومة زيد الرفاعي آنذاك، في ظل أحكام عرفية حظرت العمل الحزبي، حيث بقي بشكل سري منذ عام 1957، وتعطل للبرلمان، وغياب أيّة إصلاحات في الجانب الاقتصادي والمعيشي وعلى ضوء تزايد الاحتجاجات الشعبية وجديتها، تم التنفيس والاستجابة لمطالب الحركة الجماهيرية، وتمثل ذلك بانفراج سياسي نوعي، وقد اعتبر انعطافة مهمة وتاريخية في حياة البلاد، وكانت قد تبنت الأحزاب والحركة الجماهيرية مطالب التغيير والإصلاح وإطلاق الحريات العامة، حيث أفرج عن الكثير من المعتقلين السياسيين، وأعلن عن الشروع في الحياة البرلمانية والدعوة للانتخابات النيابية عام 1989، وشارك جميع ألوان الطيف السياسي في الانتخابات التي حملت شعارات تعبر عن اتجاهاتها السياسية والبرنامجية، حيث رفع الأتجاه اليساري والقومي شعار (المشاركة والتغيير)، وهكذا فقد وصل إلى البرلمان جميع هذه الاتجاهات بنسب متفاوتة، لم تنصف الاتجاه اليساري والقومي بسبب اعتماد قانون انتخابات فصل على نظام الكتلة الأكثري وليس على نظام التمثيل النسبي، وبالتالي كانت نتائج الانتخابات أغلبية حكومية وإسلاموية، ورغم ذلك مارس المجلس النيابي دوراً رقابياً وتشريعياً كان الأفضل مقارنة مع المجالس النيابية اللاحقة.
وفي هذا الإطار نستطيع القول: إنه لو تمت المراكمة على محطة نيسان 1989 وما تلاها من انفراج سياسي تمثل في تشريع العمل الحزبي عام 1992 والسماح بنشر الصحافة الحزبية العلنية، ولو ترافقت هذه المكتسبات بتبني مشروع إصلاح سياسي واقتصادي جذري يخرج البلاد من أزماتها، لما كانت البلاد على هذا النحو الذي نحن فيه الآن، وللأسف تم الارتداد الحكومي حتى عن المكتسبات السياسية التي تحققت للشعب، تمثل هذا الارتداد بتفصيل قانون انتخابات الصوت الواحد، الذي اعتمد منذ عام 1993، ومن يومها لم تغادر الحكومة والبرلمانات المتعاقبة فرض نظام الصوت الواحد وبأشكاله المتعددة والمختلفة، كان آخرها بدعة القائمة النسبية المفتوحة والتي هي أحد أشكال نظام الصوت الواحد، وبقيت تركيبة البرلمان بتغول حكومي وتمثيل إسلامي مدروس على حساب القوى التقدمية والديمقراطية.
ونؤكد هنا أن هذا لا يفيد البلاد ولا يخرجها من أزماتها، كونه في جوهره إقصاء وتهميش للآخر وتغييب لشرائح اجتماعية أساسية ومهمة من تركيبة الشعب الأردني، ثمة فرصة لأن نبقى مخلصين لتجربة تاريخية مرت فيها البلاد (هبة نيسان) ونأخذ العبر والدروس منها ومن تفاصيلها ومخرجاتها.