| نشر في مارس 17, 2021 11:38 ص | القسم: آخر الأخبار, قضايا ساخنة | نسخة للطباعة :
الاهالي ـ على وقع المأساة التي استفاق عليها الاردنيون يوم السبت الماضي الموافق 13/3/2021 والتي ادت الى وفاة سبعة مرضى بسبب انقطاع الاوكسجين عن غرف العناية المركزة في مستشفى السلط ، فقد اجتاحت البلاد موجة عارمة من الحزن والغضب والاحتجاج على تردي الاوضاع الصحية والمعيشية ، وتفاقم المخاطر التي تسببها كل يوم سياسات خصخصة القطاع الصحي والخدمات الاساسية للمواطنين ، وانكشاف حجم الجريمة التي تسببت بها هذه السياسات عندما رفعت الدولة يدها عن القطاع العام وتركته نهبا لاحتكارات القطاع الخاص وعُرضة لأحط اشكال التمييز بين من يملك المال للحصول على الرعاية الصحية الجيدة وبين من لا يملكه فلا يحصل عليها
مستشفى السلط الحديث الذي تم افتتاحه مؤخرا قبل ان تتوفر فيه الكوادر الطبية والمعدات اللازمةبلغت تكلفته 90 مليون دينارا ولكن هذه الملايين لم تغطي الاحتياجات الضرورية لتشغيل المستشفى بالكفاءة المطلوبة ، لن نسترسل بالتفاصيل المؤلمة التي بات يعرفها الاردنيون من وسائل الاعلام ولكننا سنسلط الضوء على جذور المأساة في المنظومة الصحية الاردنية التي كانت مضرب مثل نعتز به فيما مضى ثم اصبحت سببا في الموت بسبب الفساد والاهمال والفوضى وانعدام الاخلاق الانسانية
• خصخصة القطاع الصحي العام : بدأت الخطوات الأولى نحو خصخصة القطاع الصحي العام مع بدء تنفيذ سياسة التصحيح الاقتصادي والاجتماعي سيئة الذكر ، وتعزيز دور القطاع الخاص ، والشروع في برامج التخاصية عام 1998 – 1999 . وكانت ترجمة ذلك المباشرة في القطاع الصحي العام ، من خلال البدء بمشروع « الشراكة للإصلاح الصحي « PHR ، وهي ذراع هيئة USAID ، والذي كان عنوانه قرار وزارة الصحة الشروع في التحضير لتطبيق التسيير الذاتي لمستشفياتها . ومفهوم التسيير الذاتي ، أو الإدارة الذاتية للبُنية التحتية المخصصة للرعاية الصحية العلاجية في وزارة الصحة ، يعني البدء بخطوات يكون مآلها أن تغطي المستشفيات النفقات المترتبة على تقديمها لهذه الخدمة من جيوب المواطنين.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هناك أشكالاً وتطبيقات مختلفة لخصخصة القطاع العام ، تتمثل بشكل رئيسي إما ببيع الأصول ، أو بتوقف الدولة عن تقديم خدمات كانت تضطلع بها سابقاً ، أو من خلال خصخصة الإدارة ، فإن ما جرى تطبيقه في وزارة الصحة حتى هذه اللحظة ، يندرج تحت شكلي التطبيق الثاني والثالث ، أي التوقف عن تقديم خدمات كانت تضطلع بها وزارة الصحة سابقاً ، وكانت تقدمها إما مجاناً أو بكلفة رمزية . والثاني ، هو خصخصة الإدارة كما حصل من خلال إقرار النظام الخاص لمستشفى الأمير حمزة .
وبحسب الإستراتيجية الصحية الوطنية 2006 – 2010 ، التي تنص على تقليل نسبة إنفاق القطاع العام على الصحة من 4,3% من الناتج المحلي الإجمالي حالياً لتصل إلى 3,6% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2017 . والتي تضمنت توجهاً لتخفيض نسبة الإنفاق على الرعاية الصحية العلاجية من ما نسبته 80% حالياً لتصل إلى 50% من مجمل إنفاق القطاع العام على الصحة عام 2017 .
إن رصد ما تم تنفيذه من خطوات على طريق تطبيق هذه التوجهات والسياسات نحو خصخصة القطاع الصحي العام ، يمكن تلخيصها بما يلي:
أولاً : هناك زيادة حقيقية في كلفة العلاج لغير المؤمَّنين صحياً في مستشفيات وزارة الصحـة ، وبنود هذه الزيادة تكمن في دفع كشفية العلاج في أقسام الطوارئ والعيادات الخارجية ، ودفع كلفة العلاجات ، وكلفة الفحوصات المخبرية ، وكلفة الصور الشعاعية ، والمستهلكات الطبية ، وبدل وحدات الدم ومشتقاته ، كجزء من الفاتورة العلاجية للمرضى . ما أدى إلى مضاعفة فاتورة العلاج لهذه الفئة من المواطنين منذ العام 2000 ، وحتى الآن ، بما تتجاوز 15 ضعفا.
ثانياً : نموذج الخصخصة الإدارية : مثّل النظام الخاص لخصخصة مستشفى الأمير حمزة ، التطبيق العملي لهذا الشكل من الخصخصة الإدارية ، هذا النظام الذي دخل حيّز التنفيذ في 20 تشرين الثاني 2008 ، وشكّل خطوة نوعية على طريق خصخصة القطاع الصحي العام . وخطورة تطبيق هذا النظام ، تكمن في نيّة الوزارة لتعميم هذا النموذج على باقي مستشفيات وزارة الصحة ، حسب ما ورد على لسان وزير الصحة السابق ، في مؤتمر صحفي عقده بتاريخ 25 تشرين الثاني 2008 ، حيث قال : « أن وزارة الصحة ستقوم بعد نجاح تجربة النظام الخاص لمستشفى الأمير حمـزة ، بتطبيقه على مستشفى البشير ، وجميع المستشفيات الحكومية في المملكة «.
وإذا عدنا لنصوص نظام مستشفى الأمير حمزة ، الذي صدر بالجريدة الرسمية تحت مسمى نظام رقم (90) لسنة 2008 ، والذي بموجبه تم تسمية مجلس إدارة مشترك ما بين القطاع العام والخاص ، وبصلاحيات واسعة ، أبرزها : رسم السياسة العامة للمستشفى ، والإشراف على الشؤون المالية والإدارية والفنية ، وتحديد أجور الإقامة ، والمعالجة التي يتقاضاها المستشفى ، وبدل الخدمات ، وصلاحية مناقشة مشروع الموازنة للمستشفى ، وإقرار أسس التعاقد مع الأطباء الاختصاصيين ، أو أي من المهن الأخرى ، وإصدار التعليمات المتعلقة بالهيكل التنظيمي والوصف الوظيفي وغيرها ، نجد من كل ذلك ، بأننا أمام تحويل مستشفى حكومي إلى مؤسسة صحية مستقلة ، والتي رصد لها في السنة الأولى ميزانية مستقلة أقرها مجلس الوزراء بقيمة 22 مليون دينار ، تعمل بآليات القطاع الخاص في تقديم الخدمة العلاجية للمرضى ، والتي تعتمد مبدأ الربح ، وأن يغطي المستشفى نفقات تقديم الخدمة الصحية للمرضى وفي الفترة الأخيرة ، قام مجلس الإدارة بالتعاقد مع أطباء من القطاع الخاص ، للعمل بشكل جزئي ، مقابل أجور مرتفعة تتجاوز الألفي دينار شهرياً ، وإقراره للوائح أجور جديدة ، بدأها بتحديد تسعيرة لعملية زراعة الكلى ، حيث ستكون كلفة زراعة الكلى للأردني غير المؤمَّن صحياً 7 آلاف دينار ، ولغير الأردني 10 آلاف دينار ، وكان هذا التصريح قد صدر عن مجلس إدارة المستشفى بتاريخ 6/1/2010 . وستحكم هذه الآلية في وضع التسعيرة لكل المراكز التخصصية الجديدة التي سيتم افتتاحها في المستشفى ، كمركز جراحة القلب ، وجراحة الأعصاب والدماغ وغيرها
إن كل ما ورد أعلاه من إحصائيات وأرقام وسياسات وتوجهات ، مسجلة في الوثائق والتقارير والتصاريح الصادرة عن وزارة الصحة ومجلس إدارة مستشفى الأمير حمزة ، حيث تؤكد أن ما يجري هو خصخصة لهذا القطاع الحساس الذي يقدم خدمة حيوية للغالبية الساحقة من أبناء شعبنا ، وأن استمرار هذه السياسة وعدم التراجع عنها وإلغائها ، سيؤدي إلى زعزعة الأمن الصحي والاجتماعي الوطني
نشير هنا الى التقرير الصادر عن “منتدى الاستراتيجيات الأردني” في شهر كانون الأول 2020، تحت عنوان «تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الصحي في الأردن / خدمات الرعاية الصحية الحكومية والتأمين الصحي الحكومي» الذي اقترح حلولا جائرة ومن جيب المواطن للتحديات والمشكلات التي تواجه خدمات الرعاية الصحية الحكومية والتأمين الصحي الحكومي، منطلقاً من المفهوم الرأسمالي الليبرالي الجديد في توجيه وإدارة الاقتصاد الوطني، حيث تتبنى الورقة مبادئ تقليص الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية في قطاعات الصحة والتعليم وانسحاب الدولة من القيام بمسؤوليتها بتخفيض الموازنات المخصصة لهذين القطاعين والدفع بمسارات الخصخصة وتحميل جيب المواطن كلف التعليم والعلاج
وانسجاماً مع هذا التوجه الذي يدعم سياسات صندوق النقد الدولي والجهات المانحة وهو ما دأبت عليه الحكومات المتعاقبة منذ التوقيع على برامج التصحيح الاقتصادي المتعاقبة فأن الإشكالية الأكبر التي يواجهها نظام الرعاية الصحية في الأردن من وجهة نظرهم هو عدم القدرة على استدامته مالياً والإنفاق على ذاته، وهو ما يعني دعوة صريحة وبشكل واضح لخصخصة القطاع الصحي العام بطريقة أو بأخرى ورفع يد الدولة عن دعم هذا القطاع الحيوي، حيث يدعو المنتدى إلى رفع رسوم الاشتراكات المقتطعة من رواتب موظفي القطاع العام، وذلك تحت ذريعة أن الاشتراكات الحالية لا تغطي تكلفة العلاج. ويدعو المنتدى في هذا السياق إلى إلغاء وجود حد أقصى شهري لاشتراك التأمين والبالغ 30 ديناراً، وترك سقفه الأعلى مفتوحًا، تمهيدًا لرفعه،والإصرار على رفع الرسوم المفروضة على المرضى غير المؤمن عليهم وتحميل المواطن كلفة العلاج. علمًا بأن هذا يعني زيادة الأعباء المالية على المواطنين وخاصة غير الخاضعين للتأمين الصحي وتبلغ نسبتهم 31% من المواطنين أي ما يقارب 2.3 مليون مواطن أردني، يشكل الفقراء السواد الأعظم منهم ، فحسب معطيات دائرة الاحصاءات العامة فإن أكثر من مليون مواطن أردني يعيش تحت خط الفقر المطلق، وجلهم ضمن هذه المجموعة التي لا تتمتع بأي نوع من أنواع التأمين الصحي.
إضافة إلى تحديد حزم المنافع بطريقة تتوافق مع قيمة الاشتراكات المقتطعة والرسوم الثابتة بتحديد سقف التغطية المالية والمنافع ارتباطاً بقسط الاشتراك في التأمين الصحي، تماماً كشركات التأمين.
وبالاشارة للنسب والارقام العالمية فان التقديرات تشير الى ان هناك 9 مراكز صحية لكل 100 الف مواطن اردني وهو معدل قريب جدا من المعدل الموصى به عالميا اي 10 مراكز صحية لكل 100الف مواطن كما حددته منظمة الصحة العالمية وهي ارقام ونسب مضللة اذا علمنا ان وزارة الصحة وبحسب تقاريرها السنوية لعام 2019 تشرف على 112 مركز صحي شامل و 377مركز صحي اولي و187مركز صحي فرعي 506 مركز امومة وطفولة و429 عيادة اسنان تتفاوت في تجهيزها سواء بالكوادر الطبية او بالاجهزة والمستلزمات الطبية او بملائمة هذه الابنية لأبسط متطلبات الخدمات الصحية فبعضها لا يداوم سوى يومين في الاسبوع او يوم (المراكز الفرعية) وبعضها الاخرة لا تتوفر به عيادات الاختصاص ويقتصر فقط على طبيب الاسرة ( المراكز الصحية الشاملة ) وهو ما يؤكده الاكتظاظ الهائل للمراجعين في هذه المراكز وصعوبة الحصول على الخصوصية او الوقت الكافي لتلقي الخدمة والتأجيل المستمر والفترات الزمنية الطويلة لمواعيد صور الاشعة والعمليات الجراحية والازدحام الهائل امام عيادات الاختصاص في المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية.
الأحزاب الوطنية الأردنية التي استشرفت مبكرا الاثار الكارثية لخصخصة الصحة قدمت مذكرات للحكومات المتتالية ومقترحات حول السياسات البديلة لحماية القطاع الصحي العام كان ابرزها :
1- زيادة حصة وزارة الصحة من الميزانية العامة .
2- رفع نسبة إنفاق القطاع العام على الصحة من مجمل الناتج المحلي الإجمالي .
3- رفع رواتب الكوادر الطبية والتمريضية والطبية المساندة بما يوقف تسرب الكفاءات والخبرات إلى خارج البلاد أو القطاع الخاص .
4- زيادة الميزانية المخصصة لتغطية البعثات والدورات والتعليم الطبي المستمر .
5- تبني خطة إعداد وتدريب الكادر الطبي التخصصي في التخصصات التي تفتقر لها وزارة الصحة ويمكن إنجاز مرحلتها الأولى خلال 3 – 5 سنوات وإعطاء الأولوية للكادر العامل على ملاك وزارة الصحة .
6- إنشاء مراكز تخصصية متقدمة في مستشفيات وزارة الصحة الرئيسية بحيث تتوزع كل من هذه المراكز على أحد المستشفيات الرئيسية .
7- تحويل المستشفيات الحكومية الرئيسية إلى مستشفيات جامعية .
8- إقرار تأمين صحي شامل لكافة المواطنين خاصة وأن أكثر من ثلثي واردات الموازنة العامة هي من تحصيل الضرائب التي يدفعها المواطن
في الختام نقول : ان الحل الوحيد امام بوادر الانفجار الشعبي الذي نشهده هو الاسراع في مراجعة اوضاع القطاع الصحي باتجاه استعادة مسؤولية الدولة عن تقديم الرعاية الصحية للمواطنين بعيدا عن الاشتراطات المهلكة لصندوق النقد الدولي والتابعين المحليين له والذين أثروا ثراء فاحشا بعد ان اتاحت لهم سياسة الصندوق احتكارات واسعة للادوية والمستلزمات الطبية ومراكز العلاج. اصحاب الاحتكارات هم الذين يقفون الآن في وجه تصويب الاوضاع في هذا القطاع وهم الذين يمارسون سياسات التوحّش في الاقتصاد ولا يعيرون اي اهتمام لأرواح المواطنين، لقد غادرنا خلال السنوات العشرة الماضية عشرات اطباء الاختصاص المهرة، وتدنت الخدمات بصورة مريعة في المستشفيات الحكومية، وينخر الفساد الاداري والمالي في مفاصل هذا القطاع الاكثر حيوية للمواطنين.
لا بديل عن تصويب هذا الوضع برمته ومراجعة الاسباب الحقيقية للاختلالات الفادحة ، حتى لا يقع الاسوأ.
مارس 28, 2023 0
مارس 28, 2023 0
مارس 28, 2023 0
مارس 28, 2023 0