- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

لبنان وتونس في عين العاصفة حصار وتجويع وترهيب وغياب للحلول السلمية

تتدهور الاوضاع السياسية والمعيشية بتسارع شديد في كلا البلدين الشقيقين مع اختلاف الظروف والمعطيات والنظم والمكونات السياسية في كل منهما … الا أن قراءة المشهد المتفجر باطراد يسوق التحليل الى ميدان صفقة القرن، والمشروع الاستعماري الشامل للمنطقة العربية برمتها من اجل اخضاعها لمتطلبات السوق السياسي والاقتصادي للنيوليبرالية المتوحشة…
فهل تتجاوز تونس هذه المرحلة الخطيرة بنجاح، كما فعلت منذ ١٠ يناير ٢٠١٠؟؟
وهل يتمكن لبنان من سحب الصواعق التي يتم نشرها في كافة ارجاء البلاد؟
نستعرض فيما يلي ما جاء في مقالين هامين عن واقع الحال في تونس ولبنان

الكاتب الصحفي حسن خليل من لبنان كتب تحت عنوان: لبنان لوظائف جديدة

“إنّ الانهيار المالي والاقتصادي الحاصل في لبنان اليوم، معطوفة عليه أزمة النظام السياسي وانفجار المرفأ وتداعياته السياسية والاقتصادية، تضاف إليها، الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 17 أكتوبر 2019، وانسداد الأفق أمام المنظومة السياسية الحالية وعجزها عن ممارسة السلطة بسبب التناقض البيّن بين أطرافها، والقائم في جزء أساسي منه نتيجة الولاءات الخارجية، المتناقضة اليوم بفضل التوترات الحاصلة في أكثر من منطقة وعلى عدة قضايا… كل ذلك يجعل فهم مآلات الصراعات ونتائجها يعتريه الكثير من الغموض والتعقيد. إن موقع لبنان كساحة من ساحات تلك المواجهات الدائرة وانعكاساتها يطرح السؤال مجدداً: أين لبنان من تطورات المنطقة؟ وهل ثمة دور جديد ووظيفه مستجدة للنظام السياسي في لبنان؟
إنّ الإجابة عن هذا السؤال تستوجب بداية تفكيك الخريطة السياسية المتشابكة، كي يَسهُل تركيبها على صورة أوضح: إن عجز المنظومة السياسية المتحكّمة عن ممارسة الحكم في لبنان، وبجزء منه، هو بسبب الصراع الحاصل في المنطقة؛ فالمشروع الأميركي لم يتوقف، وهو مستمر بصيغته الجديدة، منذ عام 2003 وحتى اليوم: حروب متنقلة، انهيار لدول، موجة تطبيع كبيرة، ضياع قضية فلسطين، عجز سياسي عربي عن أداء أي دور في قضايا المنطقة سوى تمويل الحروب وإزكاء التوترات… مصالح الدول الفاعلة تتناقض وتتشابك حدّ الوقوف على حافة الاشتباك العسكري، زحمة أساطيل وتهديدات وعقوبات وشراسة غربية، تقابلها حدّة في المواقف وتهديدات من قبل أنظمة وحركات مقاومة وتشكيلات عسكرية غير رسمية… إن فصل الأبيض عن الأسود في هذه الموقعة لا يلزمه كثير من عناء. إن الحاضنة الخارجية للتسوية السياسية اللبنانية، والتي بدأت مع الطائف، سقطت مع القرار 1559، وتوّج سقوطها بحرب تموز 2006. المستجد، كان تقدم المحور المواجه لمصدّري القرار الآنف الذكر. وعليه عادت وانتظمت التسوية وبأشكال متعددة، حتى عام 2011، مع بدء ما بات يُسمى بـ«الربيع العربي». إن نتائج كل تلك المواجهات الحاصلة كانت تنبئ بأن اختلالاً عميقاً قد وقع في المنطقة، وبأن ثمة تبدلات سوف تحصل.
لقد بيّنت الأزمة الحالية التي تعصف بلبنان عمق التناقض القائم بين الرعاة الخارجيين للمنظومة الحاكمة فيه، والذي شكّل سبباً من أسباب الاستعصاء الحاصل. وإذا أضفنا إليه التحوّلات المتسارعة في المنطقة، ومنها ما هو على خط التطبيع مع العدو الإسرائيلي وما يشهده من تطورات لها طابع اقتصادي، يصبح السؤال عمّا يجري في لبنان مشروعاً؛ فهناك ثلاثة مرافئ على الحوض الشرقي للمتوسط (بيروت، اللاذقية وحيفا)، الأول مدمّر، والثاني مُحاصر، والثالث جاهز. فأي مستقبل لتلك الموانئ؟ وأي أدوار اقتصادية تُرسم لبلدان المنطقة القادمة على تبدلات بنيوية في طبيعة الاصطفاف السياسي والعسكري؟ هذه الأسئلة هي برسم المعنيين بها. وعليه هناك ضرورة لمعرفة سبب الانفجار في مرفأ بيروت وماذا بعده. هناك خطوط نقل الغاز الطبيعي والتي تتقاطع مساراتها في منطقتنا، فأيّ تقاطع سياسي بات مطلوباً وفي أي اتجاه؟ والعقوبات الأميركية، والتي باتت تُوضع لأسباب متعلقة بطبيعة التحالفات السياسية؛ ما هي وظيفتها السياسية، والتي باتت مدخلاً لفهم سبب تعطيل تشكيل الحكومة؟ ومن جهة أخرى، لماذا الإصرار الداخلي عند بعض الأطراف الفاعلة في لبنان والإقليم على التمسك بالصيغة الحالية للنظام السياسي القائم وبالنمط الاقتصادي المعمول به؟ وإن طُرحت بعض التعديلات، فهي تأتي من باب الضغط السياسي أو النكد لا أكثر، بينما المطلوب هو مقاربة أكثر جذرية وتقدماً.
من هنا نجد أنّ ما يحصل هو إرهاصات لتبدلات قد تحصل على صعيد المنطقة؛ فالسباق المحموم بين التطبيع المتسارع وبين الاشتباك المتنقل ما هو إلّا بداية رسم معالم الصراعات القادمة وحدودها. طريق الحرير مقابل طريق حيفا / دبي، بحراً وبراً. هما خطان، المفروض بهما أن لا يلتقيا، بالرغم من أن ثمة محطات مشتركة لبعض مكوّناتهما. فالولايات المتحدة الأميركية تجاهر بموقفها، عقوبات تسليح، الضغط على إيران، أمن الكيان الصهيوني. روسيا، من جهتها تثبت أقدامها على ضفاف المتوسط وتسعى لمد اليد شرقاً وغرباً. إيران حجزت لها دوراً إقليمياً في محيطها المتسع والمطل على اتجاهات أربعة. تركيا، تلعب في ملاعب متعددة علّها تكسب نقاطاً للابتزاز المتعدد الأوجه. العدو الإسرائيلي يكسب التطبيع من جهة ويفقد الردع من جهة أخرى. الدول العربية، هي مسرح مفتوح للصراعات، تموّل الصراعات وتقدم الخدمات للمتصارعين. هو واقع معقّد، وفكفكة طلاسمه تتطلب قراءة مختلفة تُعيد صوغ المواقف السياسية والتعامل مع المستجدات من موقع المستهدَف والذي عليه واجب الدفاع عن نفسه.
إنّ لبنان الغارق في أزماته منتظراً الترياق القادم من ماكرون لن يقوى على الصمود أكثر؛ فمهما كان الحل فما هو إلّا مسكّنات لإمرار الطامة الكبرى المحدقة بالمنطقة. لبنان في مخاض رسم الأدوار المطلوبة، الشلل القائم ربما هو المطلوب اليوم مدعوماً بضغط اقتصادي ومالي. التسوية التاريخية لوظيفة لبنان أصبحت اليوم بلا غطاء. الكباش سينتج منه، مزيد من التوترات، ومزيد من فرض الشروط والعقوبات، ووضع مالي سيؤدي باللبنانيين إلى حدّ المجاعة وتعطل مؤسسات الدولة. لا حل سيأتي من الخارج؛ وعلى ما يبدو فإن الوظيفة التاريخية للبنان كموطن للمساكنة بين تيارين متناقضين في المنطقة قد بدأت بالأفول، لذلك فإنّ رسم موقع آخر للبنان ودوره لن يكون بتلك السهولة المعهودة، إذ لا اتفاق داخلياً ما دامت الوصايات متناقضة. لقد انتهى ذلك الـ«لبنان» المعروف وهناك آخر في طور التشكّل. فهل الديناميات المحلية، إن حسمت خياراتها باتجاه واضح، تستطيع إعادة تشكيل البلد، بوظيفته وتركيبة نظامه السياسي، بطريقة مختلفة عن المئة عام السابقة؟ ربما السؤال سيقترن بآخر: أية ديناميات تلك ومن أي موقع ووفق أي قضايا ومؤشرات؟ إنّ التموضع السياسي بات مطلوباً: ضفتان لن تلتقيا، واحدة مُعلنة ومشروعها متواصل في المنطقة، وثانية غاصت في ردود الفعل؛ عين على التفاوض وأخرى على بعض مواجهة لتحسين ذلك التفاوض… أمّا الطريق البديل، المعطّل اليوم أو المتعثر، فهو واقع بين هُوية مفقودة وفعّالية مضروبة: مشروع بديل لسلطة بديلة، هو المطلوب اليوم، ومن طبيعة مختلفة؛ نقيض للحالي، بطروحاته وقواه.”

كتبت لينا بعلبكي عن تونس
تحت عنوان انسداد سياسي يعمق الازمة
[1]

“لم تستطع حكومة هشام المشيشي، التي أريد لها أن تكون حكومة تكنوقراط مستقلّة عن الأحزاب بهدف «النأي عن الصراعات السياسية وإنعاش الاقتصاد المتعثّر»، تحقيق المنشود منها، بل زادت المشهد السياسي تعقيداً. بعد تكليف رئيس الجمهورية قيس سعيّد، المشيشي، تأليف الحكومة في 25 تموز/ يوليو من العام الفائت، وكسب الأخير ثقة البرلمان في 2 أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، انقلب المشيشي على سعيّد، وأجرى عدّة إقالات لوزراء في الحكومة، لا سيّما وزير الداخلية توفيق شرف الدين، المحسوب من حصّة سعيّد. وهو ما أعاد الحديث حول فكرة الذهاب إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، كمخرج للأزمة السياسية الراهنة التي شلّت البلاد وأربكت عمل حكومة المشيشي، الذي اهتزّ حزامه البرلماني بعد سجن نبيل القروي رئيس حزب «قلب تونس»، وتزايد خلافاته مع سعيّد. وكانت غالبية الأحزاب السياسية قد دعت في وقت سابق إلى انتخابات مبكرة، باستثناء «حركة النهضة» وحليفها «ائتلاف الكرامة»، وهو ما يشير إلى أن العودة إلى هذا الطرح ستفاقم الأزمة السياسية التي تُعزَى في جزء منها إلى «تناقض دستوري في صلاحيات كلّ من رئيسَي الجمهورية والحكومة». وفيما يحمّل البعض «حركة النهضة» مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تُرجِع الحركة ما تشهده البلاد إلى الثغرات التي تعتري القانون الانتخابي، الذي تعهّد رئيس «النهضة»، رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي، بالعمل على تغييره.

تأتي الموجة الجديدة من الاحتجاج في ظلّ اشتداد الأزمة السياسية في البلاد
في سياق التجاذبات السياسية هذه، يعتبر الصحافي غسّان بن خليفة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الطبقة السياسية تحاول عزل سعيّد، وفي مقدّمتها رئيس الحكومة المشيشي المتواطئ مع حركة النهضة وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة، الذين ذهبوا إلى اتّهام رئيس الجمهورية بالفشل، للتغطية على فشلهم ونقمة الناس الحاصلة ضدّهم، عوضاً عن تلفيق الاتّهام للجبهة الشعبية كما كان يجري سابقاً، بعدما اندثرت الجبهة للأسف». وحول التغطية الإعلامية للأحداث الجارية، يقول بن خليفة إن معظم وسائل الإعلام التونسية تلعب دوراً في إطار عزل سعيّد، لافتاً إلى أنها «منحازة لليمين الإسلاموي أو لليمين الليبرالي الحداثوي، اللذين يشكّلان تحالفاً سياسياً رجعياً يغذّي هذه التجاذبات السياسية بما يخدم مصالح المشيشي». ويشير بن خليفة إلى ما لفته من «انحدار كبير في شعبية حركة النهضة خلال الاحتجاجات، لا سيّما في حيّ التضامن في العاصمة تونس والذي يُعتبر من معاقل الحركة، في مقابل شبه إجماع لدى المتظاهرين حول سعيّد الذي يعتبرونه نزيهاً».

تصحيح المسار الثوري
فيما تتزايد حدّة الصراعات السياسية بين أطراف الحكم، ويتنازع هؤلاء ادّعاء تمثيلهم لـ«الثورة»، ويتصاعد الجدل حول تصحيح «المسار الثوري»، تأتي الاحتجاجات في وقت ضعُفت فيه وحدة القوى الوطنية. وفي هذا السياق، يتأسّف الناشط زياد خلّوفي لغياب «قوى وطنية معارضة موحّدة قادرة على أن تتصدّى للائتلاف الحاكم، وفي مقدّمتها الجبهة الشعبية التي تفكّكت، ممّا أدّى إلى ضعف كبير للقوى الوطنية وغيابها وتشرذمها تقريباً، وإلى حالة الفراغ الكبرى التي تفرض البديل وقوّة رادعة في الشارع». ويشدّد خلّوفي على أنه «يجب التفكير في كيفية العمل على تأطير هذه التحركات وتوجيهها إلى مطالبها ومسارها الحقيقي، لا سيّما أن الشباب المتظاهر يذهب بعض الشيء نحو العفوية في اتّهامه كلّ الأحزاب السياسية (في الحكم وخارجه) من دون التفريق بينها»، مشيراً إلى أن هذا الاتّهام «بات يتقلّص بعض الشيء بعد عدّة حوارات أجراها الناشطون السياسيون المتواجدون على الأرض». واللافت أن الدعوات الأخيرة للنزول إلى الشارع كانت من قِبَل قوى يسارية، من بينها «الحزب الشيوعي» (حزب بصدد التأسيس)، فيما شهدت التظاهرات حضور نوّاب بعض قوى اليسار، وشخصيات يسارية مِن مِثل حمّة الهمامي، أمين عام «حزب العمال» (الحزب الشيوعي التونسي سابقاً).”