| نشر في يناير 6, 2021 12:20 م | القسم: آخر الأخبار, عربي ودولي | نسخة للطباعة :
معتصم حمادة
تطبيقات صفقة القرن بعد رحيل ترامب
■ خطت صفقة ترامب خطوات تطبيقية واسعة. فعلى الصعيد الاقليمي، بات في حكم الأمر الواقع التحالف الأميركي – الإسرائيلي، مضافاً إليه العربي الرسمي، في مواجهة إيران من جهة، وفي تهميش القضية الفلسطينية من جهة أخرى، ومنح دولة الاحتلال شهادات في حسن السلوك، توفر لها الغطاء للمزيد من التغول في تطبيقات صفقة القرن، خاصة في مجال الضم الذي من شأنه أن يرسم علامات الحل الدائم، كما تخطط له إسرائيل.
إن ما تحقق على الأرض بات أمراً واقعاً، لن تدعو إدارة بايدن للتراجع عنه. ربما تدعو على سبيل المثال، إلى تجميد الاستيطان مؤقتاً على غرار دعوة إدارة أوباما (ولم تستجب لها إسرائيل آنذاك) لكنها لن تلغي ما بات أمراً واقعاً من إجراءات ميدانية وقانونية (بموجب الأجندة الإسرائيلية) في ترسيم مكانة المستوطنات وضمها لإسرائيل، وتشريع البؤر الاستيطانية وتسمينها.
كذلك لن تلغي إدارة بايدن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل (ولا بالسيادة الإسرائيلية على الجولان). وهي، مع استئنافها للدعم المالي لوكالة الغوث، لن تذهب إلى الاعتراف بحق اللاجئين في العودة، ولعل أفضل ما يمكن أن تدعو له، [إفتراضاً] ولن تصل حتى إلى ما سبق لإدارة كلينتون أن قدمته ضمن ما أسمته معايير أو مقترحات كلينتون، التي حددت المواطن الخمسة المحتملة للاجئين كمايلي: 1- دولة فلسطين؛ 2- مناطق في إسرائيل ستنتقل إلى فلسطين ضمن تبادل الأراضي؛ 3- إعادة توطين في الدولة المضيفة؛ 4- إعادة توطين في دولة ثالثة؛ 5- الإدخال إلى إسرائيل (راجع بهذا الخصوص الملحق).
أما مستقبل الدولة الفلسطينية، فإن «حل الدولتين» ليس سوى شعار غامض، يقابله تأكيد بايدن في مجلة «الفورين بوليسي» (آذار/ مارس 2020) تمسكه «بضمان أمن إسرائيل»، أي أن أمن إسرائيل سيكون هو معيار «حل الدولتين»، إن بما يتعلق بالشروط الأمنية (الحدود) أو غيرها من الشروط التي من شأنها أن تنزع عن «الدولة الفلسطينية» علاماتها السيادية الكاملة، وأن تمنح بالمقابل، إسرائيل العديد من الامتيازات، ما يبقيها ذات اليد العليا في المنطقة، ودوماً على حساب الاستقلال والسيادة الفلسطينيين.
■ إن رحيل ترامب لا يعني رحيل صفقة القرن، حيث ستبقى بعض عناصرها الرئيسية (ضم القدس، التطبيع، الخ..) قائمة، ووصول بايدن إلى البيت الأبيض، لا يعني بالضرورة التقدم نحو «حل الدولتين» كما تدعو له الولايات المتحدة، في ظل الرفض الإسرائيلي لأي حل قد يشتم منه رائحة «دولة» للفلسطينيين، لذلك أقصى ما يمكن أن يتوقعه المرء، هو أن تدير إدارة ترامب أزمة المنطقة، وأن تغادر المظاهر الفاقعة للإنحياز لإسرائيل، لكن المفاوضات، أياً كانت أسسها وآلياتها، لن تنجح في إلغاء ما بنته حكومة نتنياهو من وقائع ميدانية. إن تغيير الوقائع الميدانية، وبناء وقائع بديلة، يتطلب المواجهة في الميدان، فالميدان هو الذي سيحدد وجهة العملية التفاوضية التي تراهن السلطة الفلسطينية على استئنافها■
وهم العودة إلى المفاوضات، والعودة إلى قرارات الشرعية الفلسطينية والشرعية الدولية
■ في ضوء ما شهدته القضية الفلسطينية، والملفات ذات الصلة، من تطورات منذ أن توقفت العملية السياسية في نيسان/ إبريل 2014، يجب الجزم أن الذهاب إلى المفاوضات في ظل الظروف الحالية، ما هو إلا انزلاق خطير نحو مسار لن يعود على الفلسطينيين إلا بالكوارث. فالظروف والوقائع وموازين القوى التي أحاطت بالعملية التفاوضية منذ نيسان/ إبريل 2003، مع إطلاق خطة «خارطة الطريق»، حتى نيسان/ إبريل 2014، مع فشل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في توفير متطلبات استئنافها، بما في ذلك التجميد الجزئي للاستيطان، شهدت المنطقة تطورات كبرى لا يمكن أن يغفل عنها أي مفاوض، ولا يمكن إلا أن يأخذها بعين الاعتبار في تقديره لمدى قدرته على الوصول عبر مفاوضات جديدة، إلى « حل متوازن»، سقفه كما يقال «حل الدولتين»:
· فحل الدولتين مازال حلاً غامضاً وحتى تفسير السلطة الفلسطينية له، في رسالتها إلى «الرباعية الدولية» تجاوزته الأحداث والوقائع، وتجاوزته أطماع الاحتلال الإسرائيلي، وما فرضه من وقائع ميدانية جعلت من تصور السلطة لـ «حل الدولتين» جزءاً من الماضي الآفل.
· والقدس المحتلة باتت بموجب صفقة القرن، عاصمة لدولة إسرائيل، تعتبر إسرائيل أن اعتراف الولايات المتحدة بها، أسبغ عليها الشرعية، وبالتالي، لن يستطيع أي مفاوض في ظل موازين القوى، أن يعيد القدس إلى طاولة المفاوضات، وحتى ولو أعادها، فلن يستطيع أن يلغي القرار الأميركي، بالاعتراف بها عاصمة لإسرائيل. ولن يستطيع أن «يساوم» سلطات الاحتلال على «حل ما» للقدس، يتيح للسلطة موطيء قدم داخل حدودها الإدارية المعترف بها في إسرائيل عاصمة للدولة.
· أما إسرائيل نفسها، فقد باتت دولة يهودية بموجب قانون أساس «إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي»، وبات هذا القانون، هو مرجعية البت بمصير الأرض المحتلة، لدى إسرائيل، وليس أية مرجعية أخرى. ولا يملك المفاوض الفلسطيني، في ظل موازين القوى الحالية، أن يقنع نتنياهو أن يتراجع عن شعاره في وصف المناطق المحتلة بقوله: «هذه أرضنا.. هذا بلدنا».
· والاستيطان، منذ العام 2014 وحتى الآن قفز قفزات مجنونة، تحول عبر سلسلة من الإجراءات الميدانية والقانونية (بموجب الأجندة الإسرائيلية) إلى ضم زاحف، لن توقفه المفاوضات، بل ربما ستدفع نحو تسعيره في محاولة إسرائيلية لكسب الوقت. فضلاً عن أن المفاوضات لن يكون بإمكانها أن تلغي أياً من الوقائع الميدانية التي بنتها سلطات الاحتلال وأن تعيد الزمن إلى الوراء.
· والرهان على الإدارة الأميركية الجديدة هو رهان على المجهول، فلا تكفي وعود نائبة الرئيس كامالا هاريس، ولا وعود وزير خارجيته بلينكن، لتشكل أساساً كافياً للإدعاء أننا سنكون أمام إدارة أميركية جديدة تلغي كل ما أقدمت عليه الإدارة السابقة من خطوات وإجراءات في دعم الجانب الإسرائيلي، وتهميش الجانب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
· كما أن ميزان القوى العربي، بات شديد الإختلال لصالح الجانب الإسرائيلي، بعد خطوات التطبيع والشراكة بين عدد من العواصم العربية وإسرائيل، الأمر الذي جعل من بعض الأطراف العربية «حليفاً» لإسرائيل، وبعضها الآخر أقرب إليها في موقفه السياسي من القضية الفلسطينية، خاصة وأن هذه العواصم شرعت في عقد اتفاقيات ومعاهدات وتفاهمات عملية مع الجانب الإسرائيلي، بينما لازال «دعمها» للقضية الفلسطينية لا يتجاوز في أحسن الأحوال البيانات الإعلامية.
· وأخيراً وليس آخراً، لا يغيب عن البال هشاشة الوضع الفلسطيني الداخلي، إن في إطار م.ت.ف، التي تعيش مؤسساتها حالة شلل، أو في إطار السلطة الفلسطينية التي تغرق في الملفات الإقتصادية والأمنية والإدارية والمالية، والتي لم توفر لها حتى الآن حلولاً مقنعة ما أدى إلى إضعاف هيبة السلطة في أعين المواطنين، عَبَّرَ ذلك عن نفسه بالأحداث المتواترة التي تشهدها الضفة الفلسطينية بين فترة وأخرى.
· كذلك مازال الانقسام جرحاً يستنزف الجسد الفلسطيني، ويشوه صورته أمام الآخرين، ويضعف قدرته على استقطاب التأييد الرسمي والشعبي معاً، دون أن يغيب عن البال أن الذهاب إلى المفاوضات في ظل غياب التوافق الوطني، من شأنه أن يعمق الإنقسام والتشققات والخلافات السياسية بين الفصائل الفلسطينية وفي الشارع السياسي، طبقاً للإصطفافات السياسية والفصائلية.
■أثبتت الوقائع الميدانية التي تحققت مع مسار 19/5/2020 وتداعياته، وصولاً إلى اجتماع الأمناء العامين في 3/9/2020، أن تجاوز اتفاق أوسلو، والتحلل، والتحرر من قيوده، والانفكاك عن بروتوكول باريس، واعتماد وثيقة الوفاق الوطني، واطلاق المقاومة الشاملة بما في ذلك المقاومة الشعبية، تحت رعاية وتوجيه القيادة الوطنية الموحدة، وانجاز وثيقة وطنية للمواجهة الشاملة، وإنهاء الإنقسام، هو الطريق، في ظل الموازين الحالية والظروف السائدة، نحو شق مسار وطني للقضية الوطنية، تستعيد عبره، موقعها في المعادلات الإقليمية والدولية، حركة تحرر وطني لشعب تحت الإحتلال، تشكل قرارات المجلس الوطني في دورته الأخيرة سلاحها وغطاءها الشرعي، وصولاً إلى موازين قوى تمكن من فرض الشرعية الدولية أساساً للحل، وعلى قاعدة البرنامج الوطني (البرنامج المرحلي) بأركانه المعروفة.
وهذا ما يجب أن يشكل الموضوع الرئيسي على جدول أعمال الحركة الوطنية بفصائلها المختلفة لقطع الطريق، عبر الحوار والضغط الشعبي، أمام إنزلاق القيادة الرسمية مرة أخرى نحو كوارث سياسية تبدو جليَّة وواضحة لكل من يقرأ التطورات والتوقعات اللاحقة■
يناير 13, 2021 0
يناير 13, 2021 0
يناير 13, 2021 0
يناير 13, 2021 0