- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

الاردن: الزراعة هي الطريق للامن الغذائي… اقتصاد ما بعد كورونا

 د. ابراهيم سليمان العجلوني / كاتب اردني

تُروج الحكومة الاردنية الاردن كمركز للامن الغذائي عالمي واقليمي، الاردن لاينقصه شيء ليكون كذلك، المشكلة عدم وجود خريطة منطقية علمية قابلة للتطبيق، الاردن حباه الله بكثير من الميزات واهمها المناخية حيث التنوع المناخي الفريد على مستوى العالم.
التحدي الكبير في الاردن فيما يخص الزراعة هو المياه، حيث يُصنف الاردن انه من افقر دول العالم مائياً، وتذهب 60% من استخدامات المياه للزراعة حسب خبراء الماء، مع ان النسبة قد تكون اكبر من ذلك، السبب يعود أن الاردن مازال في إطار الزراعة التقليدية وخاصة في افضل منطقة زراعية لديه وهي الغور وما زالت بعض المحاصيل تستخدم نظام الغمر.
الحديث مؤخراً ومن أعلى الهرم في الدولة جلالة الملك عن خريطة زراعية للدولة، المهم في هذه الخريطة أن تكون مبنية على مؤشرات آداء واضحة مرتبطة بالخطة الزراعية وهذا دور الحكومة أن تضع الاستراتيجية الزراعية ليبنى عليها جزئيتين الاولى الاجندة الزراعية ومن ثم وضع الخريطة الزراعية لان التقنيات او انماط الزراعة التي سوف يتم استخدامها تؤثر على الخريطة الزراعية، إذن من ناحية فنية يجب البداية باستراتجيية واضحة ثم الحديث عن الخريطة.
موضوع الخريطة الزراعية إن وضعت على نفس الاستراتيجيات وانماط الزراعة الحالية سوف تصطدم بموضوع المياه، وخاصة في المناطق الصحراوية والجنوبية، مع تحذيرات خبراء المياه باستنزاف الاحواض المائية 12 الموجودة في الاردن خاصة بعد استخدام حوض الديسة الغير متجدد حسب الدراسات في الشرب وجر مياهه للعاصمة بعد أن استنزفته الشركات الزراعية في منطقته منذ بداية الثمانيات وفشل المشروع الوطني لانتاج الحبوب في منطقة الديسة وبيعه لاحقا وتاجير الاراضي لشركات زراعية. وفي موضوع المياه لابد من الانتباه أن الاردن يصدر المياه من خلال تصدير المحاصيل المستهلكة للمياه مثل الخيار والبطيخ … الخ، وهنا مشكلة كبرى اذا ما قيس سعر المياه والكميات المنتجة.
التنكنولوجيا الزراعية تغيرت والعالم اصبح يتحدث عن تغيرات نمطية في الانتاج الزراعي وخاصة التقنيات الموفرة للمياه من خلال الاعتماد على الزراعات المائية والمختلطة، الزراعة ليست فقط انتاج نباتي يعتمد على انتاج محاصيل حقلية وخضروات وفواكة بل ايضا الانتاج الحيواني من دواجن وماشية وأبقار والتصنيع الغذائي، إن بناء الخطط الزرعية لابد أن يكون متكامل لجميع انواع الزراعة النباتية والحيوانية بما فيها الثروة السمكية والتصنيع الغذائي.
ان وضع الاردن وموقعه الجغرافي وما يسمع عنه من مخططات اقليمية لهو دافع لدخول شركات كبرى للاستثمار في الامن الغذائي الذي يبدأ من الزراعة بجمبع انواعها، خاصة مع تواضع القيم الاسمية والسوقية للشركات الحالية المحلية وغير المحلية في السوق الاردني، من هنا فلابد من ترتيب البيت الزراعي قبل أن تبدأ هذه الشركات او المستثمرون بالدخول للسوق الاردني، فمن كل بد هم آتون، فكيف سيكون وضع المزارع الاردني المنهك؟
جميع دول العالم التي حصلت بها طفرة اقتصادية وفي آخر 100 سنة كانت الزراعة هي البداية ومنها روسيا بعهد ستالين (هنا اتكلم عن انتاج زراعي وفير واستراتيجية امن غذائي وطني وليس نموذج اقتصادي أو سياسي) وكذلك الصين كانت بداية تحولها من بلد فقير الى اكبر بلد من ناحية النمو الاقتصادي كانت الزراعة هي البداية في خمسينيات القرن الماضي، والتجارب كثيرة في امريكا اللاتينية كذلك، حتى اوروبا القارة العجوز مع كل التطور الاقتصادي مازالت على مصرة على رعاية القطاع الزراعي وهذا واضح في بريطانيا وحجم الاستثمارات الزراعية، لنتقل لامريكا وهيمنتها الاستراتيجية العالمية على المحاصيل الحقلية.
الجانب الثقافي والاجتماعي للمزارع والعاملين بالقطاع الزراعي لابد ان تقوم الدولة بوضع تنظيمات حقيقية لإعطاء القطاع الزراعي قيمة اجتماعية وثقافية، ففي أمريكا المزارع يعتبر رجل أعمال ومؤسسة وليس شخص عادي ليس له إعتبار، وإن من أهم النواحي التي يحتاج لها القطاع الزراعي الجمعيات الزراعية الحقيقية التي ترعاه وتدعمه وفي مقدمتها الحماية التسويقية من خلال شركة وطنية بحماية قانونية داخلية، وقوة تصديرية.
البذور هي من أغلى السلع، الدولة بحاجة لدعم قطاع تربية واكثار البذور والابتعاد عن سيطرة الشركات العالمية للعلم بعض اصناف البذور اغلى من الذهب وما يباع بالاسواق هي بذور مهجنة وليست بذور تعطي بذور وهذا ادى الى اختفاء البذور الوطنية، ولكن للحمد لله يوجد في الاردن عدة شركات لانتاج البذور ولكنها بحاجة لدعم حقيقي وهذا القطاع لو تم الاهتمام به فسوف يكون الاردن بنك للبذور ويدعم الاقتصاد حيث أن هذا القطاع لا يحناج لمساحات كبيرة ولا لكميات مياه كبيرة ومرده الاقتصادي عالي، والبذور قد تكون سبب لحروب بين دول حيث أن دول كثيرة تعتبر البذور الاصلية حقوق وطنية ويمنع خروجها خارج حدود البلد.
لابد أن نلقي نظرة حولنا في جميع الانتجاهات للشمال سوريا وكيف كانت مركزا للانتاج الزراعي والامن الغذائي والاكتفاء الوطني مع استخدام الزراعة التقليدية (بسبب وفرة المياه)، وللشرق حيث العراق بزراعته وقد كان في يوم من الايام الاول عالميا بانتاج النخيل وباصنافه ذات الجودة العالية، ولا ننسى النظر للغرب للكيان الصهيوني وما وصل له من موقع عالمي في الانتاج الزراعي والامن الغذائي ويستغل المنطقة حتى روحيا بوصف الانتاج بانه انتاج الاراضي المقدسة لجميع الاديان، وللجنوب للسعوية حيث تعتبر السعودية مركزا للانتاج الزراعي المحلي ودول الخليج، اعرف ان المعطيات مختلفة في جميع الاتجاهات وهنا يكون التحدي وبداية التحدي هو إختيار الاصلح لادارة المشهد الزراعي وقد كنت كتبت مقالا طلبت أن يكون مستشارا للملك للامن الغذائي ويكون الرجل الثاني في الحكومة نائب رئيس الورزاء رجل زراعي خبير قدير لارتباط الملف الزراعي بقطاعات كثيرة منها المياه، والطاقة، والداخلية، والحكم المحلي، والبيئة، والاستثمار.
الحكومة الاردنية على مفترق طرق إقتصادي، تعتبر الزراعة هي المنفذ الاوحد لها لتعديل الوضع الاقتصادي لتواجه الفقر والبطالة وزيادة دخل الفرد، ان التفكير بحس وطني يحتم أن يكون العمل من قبل خبراء حقيقين في إدارة المشاريع والزراعة والطاقة والمياه والاقتصاد والسياسة للوصول لامن وطني يبدأ من الزراعة، وهذا يتاتى من إختيار الاصلح والاقدر على إدارة هذا الملف الكبير استراتيجيا ووطنيا، فمن هم على الساحة مع الاحترام الكبير لشخوصهم، فإنهم ليسوا اهلها، وحتى من يعرض نفسه كخبير وإن كانت دراسته في هذه التخصصات ليس من اصحاب الانجاز الحقيقي، الاردن يزخر بالطيبين والمؤهلين الذين يحتاجون الفرصة لاثبات قدراتهم، حما الله الاردن وطنا وشعبا.