| نشر في سبتمبر 8, 2020 1:14 م | القسم: آخر الأخبار, عربي ودولي | نسخة للطباعة :
فيصل علوش
هل يدخل لبنان عهدَ انتداب دولي جديد؟، وهل تكون ذكرى إعلان «لبنان الكبير» من قبل الجنرال الفرنسي غورو (1/9/1920)، مناسبة لتجديد الانتداب، على نحو غير مباشر هذه المرة؟. وذلك بالنظر لما يمكن أن تُحيلَ إليه زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت، التي تزامنت مع الاحتفال بالمئوية الأولى لتأسيسه، وهي الزيارة الثانية له خلال أقلّ من شهر، حيث كان قدِمَ إليها في 6 آب/ أغسطس الماضي، بعد يومين من الانفجار الكبير في المرفأ.
وعلى وقع الانفجار المدوّي كان ماكرون دعا المسؤولين اللبنانيين إلى إقرار «ميثاق سياسي جديد» وإجراء إصلاحات عاجلة، في وقت لم يعد سراً فيه أن تحركه يحظى بدعم أوروبي، و«تفهم» أميركي على الأقل، إضافة إلى تشاور باريس مع موسكو وبعض العواصم الإقليمية والعربية لتوفير «شبكة أمان» للبنان.
وفي زيارته الثانية، جاء ماكرون ليعاين مدى الاستجابة لدعوته السابقة، وليتصرف كوصي وآمر، يعطي التوجيهات ويحدّد «ألف باء» الإنقاذ، ومعها الإنذارات؛ إما أن تنفذ الحكومة القادمة «خريطة طريق» وضعتها باريس من ألفها إلى يائها، وإما «لا مساعدات.. والإنهيار آتٍ آت» مع العقوبات!. وذلك في وقت توشك فيه الدولة اللبنانية على الانهيار التام، أمام الإفلاس المخزي لـ«نظام المحاصصة» الذي قامت عليه، والإخفاق المريع لطبقتها السياسية الحاكمة، التي حولت هذا «الكيان» إلى دولةً فاشلة مفلسة تستجدي العون والمساعدات، فيما بعض شعبها يتوسل الغوث والتدخل الخارجي!.
يُذكر أنّ حشداً من المتظاهرين في وسط بيروت طالبوا الرئيس ماكرون بمزيد من التدخل، ودعوه الى عدم التعامل مع الطبقة السياسية التي يطالبون برحيلها. واعتبروا أنّ المكلف الجديد بتشكيل الحكومة مجرد «واجهة جديدة للمنظومة الحاكمة الفاسدة التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه من انهيار مالي واقتصادي واجتماعي».
واللافت في الأمر، أن الطبقة السياسية الحاكمة، بقضّها وقضيضها، بدت وكأنها لا تمانع هذا التدخل، بل ووجدت فيه ضالتها التي قد تتيح لها إعادة تعويم نفسها وسلطتها!. فيما أعاد آخرون التذكير بحقيقة أن لبنان هو آخر مركز نفوذ استراتيجي لفرنسا في المنطقة، (وخصوصاً في ظل خلافها الناشب حالياً مع تركيا في شرق المتوسط)، إضافة إلى ما تحمله المبادرات المطروحة من مكاسب للجانب الفرنسي في مشاريع الكهرباء والمرفأ والاتصالات والقطاع المصرفي، فضلاً عن مكاسب سياسية عدّة، أهمّها أن تكون باريس هي «المفوض» الغربي في لبنان!.
وأشير في هذا الصدد، إلى أن الرئيس ماكرون تعمّد أن يرافقه في زيارته الثانية رودولف سعادة، ابن جاك سعادة صاحب شركة «CMA CGM» العملاقة العاملة في الشحن البحري وإدارة المرافئ. وهي مرشحة لتولّي مشروع إعادة إعمار المرفأ، إضافة إلى إدارة محطة الحاويات فيه، في السنوات العشرين المقبلة. مع الإشارة إلى أنّ لدى الشركة تصور لبرنامج إدارة مختلف، يشمل التشغيل والإدارة والأمن أيضاً!.
«فرصة أخيرة» للإنقاذ
أمّا الرئيس ماكرون فقد اعتبر أنّ مساعيه تعدّ بمثابة «فرصة أخيرة» لإنقاذ النظام السياسي والاقتصادي المتداعي في لبنان. ونُقل عنه تأكيده أنّ «فرنسا ترفض انهيار لبنان، وتريد أن تتواصل مع جميع الأطراف فيه»، وأنه شخصياً لا يرغب إقحامه في أمور خلافية، كـ«الاستراتيجية الدفاعية وتغيير النظام والحياد»، وهي قضايا يختلف حولها اللبنانيون منذ زمن طويل، ومن الصعب أن يتفقوا عليها الآن، كما قال. وحتى الانتخابات النيابية المبكرة، فقد رأى أنها لم تحصل على توافق من القوى السياسية الموجودة، وهي «ليست جزءاً من أجندة الإصلاحات، ولكن قانون انتخاب جديد هو مدخل للإصلاحات التي قد تستمر لسنوات»، على حدّ تعبيره.
وعندما غادر ماكرون بيروت، كانت انطلقت الاستشارات النيابية التي يجريها رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب لرصد مؤشرات التزام الكتل بالخطة المقرّرة؛ (15 يوماً لتأليف الحكومة، و8 أسابيع لتنفيذ الوعود)، وبإمكان تشكيل «حكومة مهمات» تكنوقراطية مستقلة عن الأحزاب، ومتحرّرة من أثقال الحسابات الحزبية والشخصية، تمهيداً لتنفيذ باقي بنود «الأجندة»، وفق شرط ماكرون: «إذا وفيتم بالتزاماتكم نفي بالتزاماتنا»!.
ومن تلك الإصلاحات ما يتعلق بالقطاع المصرفي، وخاصة «الموافقة السريعة على التدابير الوقائية التي طلبها صندوق النقد الدولي، والتدقيق في حسابات مصرف لبنان»، بغية تنظيم مؤتمر دولي جديد الشهر المقبل في باريس بشأن لبنان، وتحرير «مساعدات سيدر»، على أمل عودة ماكرون مجدداً في كانون الأول إلى بيروت لـ«معاينة التقدم الحاصل ميدانياً»!.
«نظام المحاصصة»؟
وعشية الاحتفال بمئوية لبنان الكبير، كان أحد أركان النظام اللبناني لعقود متواصلة، وعلى طريقة «شهد شاهد من أهله»!، اعتبر أن «أخطر ما كشفته كارثة المرفأ، عدا عناصر الدولة الفاشلة، سقوط هيكل النظام السياسي والاقتصادي بالكامل»، ورأى أنه «لا بد من تغيير هذا النظام الطائفي، فهو علة العلل والفساد والحرمان، بل وحتى لمخالفات دستورية لا تعدّ ولا تحصى»!.
والحال، فلعلّ أصل المشكلة في نظام المحاصصة، أنه لا يوفر فرصة لبناء «هوية وطنية» جامعة. وهذه قد تكون أحد أهم الأسباب التي أدّت إلى سقوطه، وحولته من بلد صغير كان يمكن أن يكون نموذجا ناجحاً للعيش المشترك بين كلّ أنواع الطوائف والمذاهب والاثنيات التي يتشكل منها، إلى بلد آل إلى مصير بائس وتجربة فاشلة.
وثمة من يعتقد أن نظام المحاصصة هذا ينطوي على «طابع خبيث وسام متأصل فيه»، فهو بدلاً من تعزيز انتماء مواطنيه إلى «وطن لا إلى طائفة»، والتفات هؤلاء إلى دولتهم للحصول على حقوقهم، يحصل العكس تماماً، حيث يرى المواطنون أنه من الأجدى لهم التطلع إلى زعماء طوائفهم لتحصيل تلك الحقوق. ومع مضي الوقت تصبح الطوائف أشبه بـ«دويلات مستقلة ذاتياً»، تحكمها عوائل ومافيات بالاستناد إلى ميليشيات مسلحة، تضع مصالحها فوق أي مصلحة وطنية.
وعلى مدى تاريخه منذ الاستقلال، فإن قلّة من الزعماء اللبنانيين أثبتوا أنهم رجالات دولة، يدركون ويفهمون جيداً معنى الانتماء والعمل من أجل بناء دولة وطنية حديثة. دولة تكون لكلّ مواطنيها بصرف النظر عن تلاوينهم وانتماءاتهم ومذاهبهم. في حين كان معظمهم تُسيّره بوصلة مصالح الفئة أو الطائفة التي ينتمي إليها، مع ما يستتبعه ذلك من بحث عن حلفاء أقوياء خارج الحدود، بحيث أصبح لبنان، (وكذلك العراق فيما بعد، على رغم حداثة عهده بنظام المحاصصة)، ساحة مفتوحة تخاض فيها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، معارك كثيرة بين أطراف دولية وإقليمية متعددة، وكلّ منها يحصل على دعم هذا الطرف المحلي أو ذاك، من دون الاكتراث للبلد ومصالحه وتوازناته الهشة. وهو ما أفضى في المحصلة، إلى تقويض مؤسساته السياسية السيادية، وتقويض اقتصاده وإفلاسه، وأصبح الفساد نهبا منهجيا منظماً، بينما الشعب محروم من أبسط الخدمات الأساسية.
حدود التغيير و«العقد السياسي الجديد»!
وعلى ذلك، فقد كثرت المطالبات بتغيير جدي في نظام المحاصصة القائم، يمكن أن يفضي إلى تغيير في جوهر الأزمة. تغيير لا يقتصر على جانب واحد، مثل طبيعة التمثيل السياسي، بل يشتمل على ما هو أهم، أي النظام الاقتصادي والمالي الحاكم، وتالياً طبيعة القوانين التي تدير هذه القطاعات.
بيد أنّ مصادر سياسية مقربة من الرئيس الفرنسي ذكرت أن معظم الأطراف السياسية في لبنان ذهبت بعيداً في تفسيرها لدعوته إلى التوافق على «عقد اجتماعي سياسي جديد»، وبأنه لم يقصد بذلك «التفاهم على نظام سياسي جديد بديل لاتفاق الطائف، إنما يقصد فقط حث المنظومة الحاكمة على أن تعيد النظر في النهج والأداء والسلوك الذي كان وراء الانهيار المالي والاقتصادي الذي أوصل البلد إلى الهاوية!.
واعتبرت المصادر أن ما قصده ماكرون بدعوته للتوافق على عقد جديد يبقى في حدوده المالية والاقتصادية، التي تدفع باتجاه استعادة الثقة الدولية بلبنان. وشدّدت على أنه كان يقصد فقط إعادة إنتاج سلطة جديدة توحي بالثقة، غير تلك التي باتت مرفوضة من الذين شاركوا ويشاركون في الانتفاضات ضد الحكومة والحكم على السواء.
وأقصى ما جرى الحديث عنه، في هذا الإطار، هو انفتاح الحكومة الجديدة على مطالب الحراك المدني والاستجابة لتطلّعات الشباب في التغيير والإصلاح، على قاعدة تسليم من يعنيهم الأمر بقيام دولة القانون والمؤسسات، بدلاً من المحاصصة وتوزيع الغنائم، بعد أن وصل لبنان إلى القعر اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، ونصف اللبنانيين إلى حافة الجوع.
ويريد ماكرون، كما أفصح مرافقوه، حكومة «تحظى بأوسع مروحة من الدعم، ومستعدة للقيام بالإصلاحات التي ترى باريس، ومعها المجتمع الدولي، أنها ضرورية لمساعدة لبنان على النهوض»، وستوفر طريقة تشكيلها مؤشرات على مدى استعداد الطبقة السياسية للتخلي عن مبدأ المحاصصة والتمسك بالحقائب «الدسمة». وأشارت المعلومات المتداولة في هذا السياق إلى أن هناك إصراراً فرنسياً على وضع بعض الوزارات في عهدة اختصاصيين غير حزبيين، كالطاقة والاتصالات والأشغال العامة والعدل والصحة والمالية.
وعزت المصادر السبب في عدم حماس باريس إلى المطالبة بتغيير النظام ككل، إلى أن مجرد فتح الباب أمام هذا الأمر سيعني حكماً اقحام البلد في سجالات قد تطول، وهو ما قد يأخذ البلد إلى الهاوية ويُفقده فرصة الإفادة من الاهتمام الدولي.
ولكن يبقى عنوان «الإصلاحات البنيوية»، كما أضافت المصادر، هدفاً مستقبلياً مطروحاً، وكذلك الدعوة إلى «الحياد والنأي بالنفس عن صراعات المنطقة»، الذي تحدّثت عنه باريس وذكّرت به «مجموعة الدعم الدولية للبنان»، على أمل أن يشكّل ذلك «بداية تغيير السلوك السياسي» للحكم، في إشارة إلى إخراج لبنان من «مربع التجاذبات وتصفية الحسابات في المنطقة»!.
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
Sorry. No data so far.