| نشر في أغسطس 12, 2020 11:58 ص | القسم: آراء ومقالات | نسخة للطباعة :
•د. سليمان صويص
تدّعي شركة لافارج للإسمنت بأن جائحة كورونا، وما صاحبها من توقف للنشاطات، كانت وراء تقديمها لطلب الإعسار في 6/7/2020. لكن العديد من المراقبين يؤكدون بأن الجائحة ما هي إلّا ذريعة استغلتها الشركة؛ إذ أن العديد من المؤشرات تؤكد بأن توجهها لطلب الإعسار كان قد بدأ قبل ذلك بوقت طويل. والدليل ، من بين أدلة عديدة ، أن طلب الإعسار لشركة كبيرة مثل لافارج يحتاج إلى إعداد قد يأخذ أشهر تصل إلى ستة بسبب الحاجة لحصر ممتلكات وديون الشركة، وكل ما له علاقة بإلتزاماتها المالية تجاه الآخرين (قائمة الدائنين المنشورة في «الرأي» 6/8 وصلت الى 1405 أسماء).
في ضوء ذلك يتضح مدى التضليل والخداع اللذين انتهجتهما الشركة في تعاملها مع بلدية الفحيص. فمن المعروف أن مفاوضات كانت تجري بين الطرفين ـ تحت رعاية وإشراف الحكومة ، وهي مفاوضات قطعت شوطاً متقدماً حسبما تؤكد مذكرة بعثت بها بلدية الفحيص إلى رئيس الوزراء بتاريخ 13/7/2020. جاءت تلك المفاوضات على قاعدة المحددات والشروط (لأية مشاريع مستقبلية) التي وضعتها الفحيص من خلال «حوار مجتمعي» أشرفت عليه البلدية العام الماضي، وقدّمت من خلال «مخرجات» ذلك الحوار «رؤية الفحيص للإستخدامات المستقبلية للأراضي المقام عليها مصنع الإسمنت»، مثلما طلبت الحكومة من البلدية في وقت سابق من العام الماضي.
هذه المنهجية التي سارت عليها بلدية الفحيص (وهي منهجية تعتمد القوانين والأنظمة واحترام حقوق ومصالح جميع الأطراف) لاقت إعراضاً ومقاومة من جانب إدارة شركة لافارج وبعض الأوساط المتنفذة؛ لأنها، ببساطة، سوف تفرض على الشركة تنفيذ التزاماتها، وفقاً للقانون، ومن بينها إعادة تأهيل الأراضي التي دمّرتها الشركة لأغراض صناعة الإسمنت. فالهدف الذي كانت ولا تزال تسعى إليه شركة لافارج هو التوصل مع البلدية إلى «صفقة» غامضة ـ وليس إلى «اتفاقية» واضحة المعالم، يتم بموجبها انتزاع «قرار تنظيم الأراضي» من البلدية، مقابل وعود لا أساس صلب لها، يمكّنها من التهرّب من الإستحقاقات التي تفرضها عليها القوانين والأنظمة. لذلك، ليس من المبالغة في شيء القول بأن لافارج كانت تخطط لسيناريو الإعسار منذ أمد طويل. لأن مثل هذا الطريق يساعدها في تحقيق ما تريده بواسطة القضاء؛ وبذلك تقفز عن القوانين واستحقاقاتها فيما يتعلق بأراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت.
أولى نتائج الإعسار كانت توقف البنوك وشركات التأمين صرف التأمينات الصحية لما يزيد عن 8500 متقاعداً من الشركة، وكذلك ما تبقى من موظفين في الشركة ـ بعدما سرّحت المئات منهم في الأعوام الماضية. وهذا جزء من الأهداف التي ترمي إليها لافارج من وراء الإعسار ؛ أي التخلص ، أو على الأقل تقليص التزاماتها تجاه هؤلاء الموظفين، وبالتالي خفض «اعبائها» المالية !
لكن السؤال الذي يطرحه العديد من المراقبين هو : هل حقاً تعاني لافارج من الإعسار، أم ان الأمر يتعلق بفساد (كما كشف الأستاذ محمد داودية في 24/7/2020) ، وسوء إدارة وهدر لأموال الشركة ؟ صحيح أن اوضاع الشركة كانت في تراجع منذ ان اصبحت المنافسة شديدة في سوق الإسمنت الأردني بعد الترخيص لأربع مصانع جديدة للإسمنت من قبل الحكومة منذ عام 2010؛ لكن في ظل هذه الأوضاع : ما هو التفسير للرواتب والمكافآت الخيالية لأعضاء الإدارة العليا في الشركة التي لم تأخذ بعين الإعتبار مصالح المساهمين في الشركة والديون المتراكمة عليها ؟
التفاصيل كثيرة؛ وليس أقلها، على سبيل المثال، بأن أراضي الفحيص عند بيع أسهم شركة مصانع الإسمنت الأردنية لشركة لافارج الفرنسية عام 1998 (بموجب عملية الخصخصة) سُجّلت قيمتها (صفر) دينار ؛ لكن بعد 22 سنة من التجريف والتعدين الجائر اصبحت قيمتها، بقدرة قادر، 119 مليون دينار، كما هو وارد في بيانات الشركة ! إذا لم يكن هذا فساداً، فماذا يسمّى ؟
منذ اليوم الأول لورود المعلومات عن تقديم طلب الإعسار، تحركت الفحيص بكافة مكوناتها الإجتماعية للمطالبة برفض الطلب؛ إذ أصدرت مؤسسات المجتمع المدني والعديد من الجمعيات العشائرية بيانات تعلن فيها رفضها للإعسار، والمطالبة بعدم قبوله للحيثيات التي أوردنا بعضاً منها؛ وأطلقت مجموعة «عريضة» مشابهة الى رئيس الحكومة للتوقيع عليها الكترونياً حظيت بآلاف التواقيع. وبعد قبول محكمة السلط لطلب الإعسار، خرجت مظاهرة عفوية في الفحيص مساء اليوم التالي من إعلان القبول (27/7/2020) تؤكد على حق المدينة المطلق في تحديد مستقبل أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت. وتحركت بلدية الفحيص على عدة صعد من أجل التحضير للمعركة القانونية العتيدة؛ كما خاطبت مؤسسات المجتمع المحلي وزير البيئة من أجل تحديد قيمة إعادة تأهيل الأراضي، والطلب منه إبلاغ وكيل الإعسار بذلك وتسجيل المبلغ المطلوب لذلك على ذمة شركة لافارج الملزمة بإعادة تأهيل الأراضي وفقاً للقانون. والسؤال الذي يطرح الآن بقوة: ما هو مصير «المسار التفاوضي» بين البلدية والشركة؟ هل ستعيد مناورات لافارج وحيلها القضية برمتها إلى نقطة الصفر؟ وما هو موقف الحكومة التي تمتلك ـ من خلال مؤسسة الضمان الإجتماعي ـ نحو 20 % من أسهم الشركة ؟
لكن الفحيص في معركتها هذه لا تدافع عن نفسها فقط، بل عن الوطن ومقدراته. ولا ننسى بأن حفنة من تراب الفحيص موجودة في كل بيت أردني شُيّد من الإسمنت. تناشد الفحيص أبناء وبنات الأردن وجميع القوى الحيّة من أحزاب ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني للتضامن مع الفحيص وحقوقها، ومع شريحة مهمة من عمال الوطن الذين أصبحوا محرومين من العلاج والدواء والرعاية الصحية وأصبح الغموض يحيق بمستقبلهم ومستقبل عائلاتهم. إن مستقبل مدينة أردنية متميزة عانت طويلاً من التلوث البيئي وقدمت الكثير للوطن على مدى 65 عاماً، وحياة آلاف العمال والموظفين أهم من إنقاذ شركة خاصة أجنبية حققت الأرباح الطائلة على حساب الوطن … ولا تزال تطمع بالمزيد من خلال المتاجرة بأراضي الآباء والأجداد للخروج من «إعسارها» !
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
Sorry. No data so far.