- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

مصر في مواجهة أزمتين حادتين.. «سد النهضة» والتدخل التركي في ليبيا

فؤاد محجوب
الديبلوماسية المصرية أمام مفترق حقيقي؛ إما إثبات أنّ القاهرة لا زالت لاعباً رئيسياً في المنطقة، أو تكرّيس تراجعها وانعزالها الذي بدأ منذ عقود
تواجه الديبلوماسية المصرية معضلتين على قدر كبير من الأهمية والخطورة؛ أولاهما قضية «سد النهضة» الإثيوبي وانعكاسه على حقوق مصر المائية، وفي المحصلة على الوزن السياسي لمصر في الساحة الإفريقية. وثانيهما الوضع المتفاقم في ليبيا والتدخل التركي، عسكريا وسياسياً فيها لدعم وتثقيل كفّة «حكومة الوفاق» في الصراع الدائر، والتي تعتبرها القاهرة، مع حليفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» في أنقرة، امتداداً للإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المتشدّدة في المنطقة. فهل يمكن والحال هذه، أن تصمت القاهرة وتقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا الوضع في ليبيا، الشقيقة والجارة لها؟.
وعلى رغم انفصالهما الظاهري، فمن الواضح أنّ كل واحدة من هاتين الأزمتين تؤثر، على نحو مباشر وغير مباشر، في سلوك القاهرة حيال الأزمة الأخرى، فتفاقم الأزمة مع إثيوبيا، والكيفية التي ستحلّ بها أو ستؤول إليها، سيؤثر حكماً على تصرف القاهرة إزاء الأزمة في ليبيا وإمكانات تحركها على هذا الصعيد، والعكس صحيح أيضاً، فما سيؤول إليه الحال في ليبيا، وكيفية تعامل القاهرة معه، سيؤثر بالضرورة على طبيعة قرارها وتصرفها مع إثيوبيا.
وباختصار، فإن الديبلوماسية المصرية ستكون أمام مفترق حقيقي؛ إما إثبات أنّ القاهرة لا زالت لاعباً رئيسياً يحسب له الحساب في المنطقة، عربياً وإفريقياً، أو أنها ستكرّس تراجعها وانعزالها في الساحتين معاً، الذي بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، وخصوصاً بعد اتفاقات «كامب ديفيد» مع إسرائيل.
مفاوضات «سد النهضة»
وتتضارب المعلومات والتقديرات إزاء المفاوضات الثلاثية (المصرية والسودانية والإثيوبية) الدائرة منذ أيام حول «سد النهضة»، والتي تبحث «الأمور القانونية والجوانب الفنية»، المتصلة بالأمر. وتجري هذه المفاوضات، عبر الفيديو كونفرنس، بحضور مراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا (رئيسة الاتحاد الأفريقي).
وبعد أن أعلن الموفد السوداني عن تحقيق «تقدم كبير» في هذه المفاوضات، وخصوصاً في الملفات الفنية المتعلقة بأمان السد، مع إقراره بوجود خلافات في الجوانب القانونية المتعلقة بإلزامية الاتفاقية وطرق تعديلها، ذُكر أن القاهرة تتسمك بـ«توقيع اتفاق شامل لملء وتشغيل السد، يُلزم إثيوبيا قانونياً، بحماية حقوقها المائية، قبل البدء بملء الخزان المقرّر في تموز/ يوليو المقبل»، مع تأكيدها على «ضرورة إتمام كل الجوانب الفنية والقانونية للاتفاق، ومن ضمنها آلية فض المنازعات، قبل الإعلان عن أي نتائج إيجابية للمفاوضات».
ومن المتوقع أن يبدأ السد البالغة كلفته 4,2 مليارات دولار، في توليد الطاقة الكهربائية أواخر 2020، وأن يبلغ طاقته التشغيلية القصوى بحلول 2022. وسيكون حينها أكبر محطة لتوليد الكهرباء من الماء في أفريقيا بطاقة 6 آلاف ميغاواط. ويشكل المشروع الضخم على النيل الأزرق، الذي أطلقته إثيوبيا عام 2011، مصدرا لتوتر إقليمي، خصوصا مع مصر، التي يمدها النيل بنسبة 90 % من احتياجاتها المائية، والتي تعاني بالفعل شحّاً في المياه حتى قبل بدء ملء السد.
وتتخوف مصر من تأثير سلبي على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55,5 مليار متر مكعب، بينما يحصل السودان على 18,5 مليار. وذكر أن السدّ سيحرم المصريين من 20 مليار متر مكعب من نصيبهم الحالي، وذلك خلال سنوات ملء السد المختلف عليها بين مصر وإثيوبيا. وسيؤدي هذا، بحسب خبراء، إلى «تبوير نحو أربعة ملايين فدان من الأراضي الزراعية في مصر، وتفريغ المياه من السد العالي ما يؤدي إلى وقف التوربينات التي تقوم بتوليد الكهرباء، كما سيؤدي إلى تدهور في المزارع السمكية».
طبول الحرب؟
وكانت القاهرة استبقت المفاوضات بالتلويح بـ«خيارات أخرى»، في حال فشل التوصل لاتفاق. وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري (15/6)، إن بلاده ستضطر لـ«بحث خيــارات أخرى كاللجـوء إلـى مجلس الأمن (…) للحيلولة دون اتخاذ إثيوبيا إجراء أحادي يؤثر سلباً على حقوق مصر المائية»، مستبعداً أن تسفر المفاوضات الجارية عن أي «نتيجة إيجابية»، بسبب «التعنت الإثيوبي». وأكد شكري التزام مصر بنهج التفاوض على مدار السنوات الماضية وتحليها بنوايا صادقة تجاه التوصل إلى اتفاق منصف وعادل لهذه الأزمة على نحو يحقق مصالح الدول الثلاث.
وأكد خبراء بجامعة القاهرة، أن إقدام أديس أبابا على ملء السد هو بمثابة «إعلان الحرب على مصر لأنه سببٌ في تهديد حياة المصريين». وترافق ذلك كلّه مع أصوات على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بالمواجهة العسكرية. وطالب مغردون مصريون بـ«ضربة عسكرية تسكت إثيوبيا وتحمي أمن مصر المائي». واسترجع آخرون «تصريحات تاريخية لمسؤولين سابقين بأن الخيار العسكري قد يتم اللجوء إليه في حال الإضرار بحصة مصر المائية».
وعلى الجانب الآخر، لم يقف المغردون الإثيوبيون مكتوفي الأيدي، إذ قال بعضهم إن «إثيوبيا ستحمي السد بكل قوة، ومن يبحث استهداف إثيوبيا عسكريا فهو كالباحث عن حتفه بظلفه». وكان رئيس الأركان الإثيوبي الفريق أول آدم محمد قد صرح في آذار/ مارس الماضي، بأن جيش بلاده مستعد للتصدي لأي هجوم عسكري يستهدف السد. ونشر إثيوبيون صورة لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بزي عسكري مرددين حديثه في البرلمان منذ عدة أشهر بأنّ «لا أحد يستطيع إيقاف إثيوبيا عن بناء السد ولا بدء ملئه».
سعي مصري لوقف تردّد العواصم الغربية تجاه ليبيا
لم تحصل القاهرة على نتائج ملموسة لمبادرتها المتعلقة بحل الأزمة الليبية. وعليه، فقد بدأت خطة للتحرك على الصعيد الدولي، بالتنسيق مع بعض القوى الإقليمية، لتوفير المزيد من الزخم لهذه المبادرة التي أطلق عليها «إعلان القاهرة».
وقالت مصادر دبلوماسية في العاصمة المصرية، إنّ لدى القاهرة قناعة بأن جهودها الدبلوماسية لن تستطيع بمفردها وضع آلية تنفيذ الإعلان على الأرض، فالأمر بحاجة إلى دور أكبر من الأمم المتحدة، وأطراف مؤتمر برلين. ولذلك بادرت إلى إجراء محادثات مكثفة مع الاتحاد الأوروبي لحضّه على التخلي عن التردد، واستغلال قدرات حلف شمال الأطلسي (ناتو) لوقف عملية تهريب الأسلحة إلى ليبيا، لأن أي تسوية أو مبادرة ستتحطم على أعتاب استمرار تدفق الأسلحة التركية إلى ليبيا.
أما في الولايات المتحدة، فقد كشف تعدد الأصوات عن تباينات في التصورات والرؤى، وخصوصاً بين البيت الأبيض والخارجية الأميركية، وهو ما فسّر الكثير من جوانب التناقض في المواقف الأميركية حيال الأزمة الليبية.
ولفت مصدر دبلوماسي مصري إلى أن رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، عليه أن يتقدم الواجهة السياسية، لأنّ إعلان القاهرة بني على مبادرته السياسية السابقة أولاً، وباعتباره يرأس الجسم الوحيد الذي يحظى بشرعية دستورية لا أحد يشكك فيها، ثانياً، فتجربة الجنرال خليفة حفتر في تصدّر المشهد أسيء توظيفها سياسياً.
وأكد المصدر أنه من خلال المناقشات مع عواصم غربية مختلفة، يستطيع القول أنّ جزءاً من التردّد الغربي يرجع إلى «الخوف من رد الفعل التركي السلبي، في ظل امتلاك أنقرة لأوراق تمثل ابتزازا لبعض العواصم الغربية، وازدواجية المعايير التي تتحكم في التصرفات»، وهو ما أفضى، على حدّ قوله، إلى «تخبط أوروبي واضح، استفادت منه أنقرة في ليبيا، وخلقت واقعا محرجا لبعض الدول التي بدأت أوراقها تتآكل».
وتعتبر القاهرة أن الهدف الرئيسي للتدخل التركي، من خلال أدوات ومكونات عسكرية، هو تحقيق مكاسب اقتصادية، وخاصة في غاز شرق المتوسط. وعلى ذلك، فقد تحركت مصر على هذا المستوى مبكراً، وعملت على تشكيل «منتدى غاز شرق المتوسط»، الذي ضمّ قوى عديدة، (اليونان وقبرص وإسرائيل أيضاً)، على خلفية تضررها من الطموحات التركية والرغبة في الاستحواذ على مساحة كبيرة من مياه المتوسط.
وأضاف المصدر السابق قوله: «الآن، وبعد أن أصبحت العواقب الوخيمة للتقاعس الأوروبي في ليبيا واضحة، فإن التحول في السياسة الأوروبية يجب أن يكون أمراً لا مفر منه». وشدّد المصدر على أنّ ما لا يدركه الأوروبيون جيداً بعدُ، هو أنّ ما يجري من فوضى في ليبيا، وفي غيرها من الدول، ناتج عن أنشطة جماعات وتيارات «الإسلام السياسي» وسعيها للسيطرة على الدول التي شهدت احتجاجات ما سميّ «الربيع العربي» في عام 2011، في وقت كانت فيه دول غربية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، لا تمانع في ذلك، وربما تعطي الضوء الأخضر لهذه السيطرة!.