- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

مقاطعة البضائع الامريكية … “أضعف الإيمان”

د. سليمان صويص

لا شك أن المواطن العربي المقهور، بسبب تمادي الولايات المتحدة الأمريكية في عدائها للشعوب العربية، بخاصة الشعب الفلسطيني، يطرح على نفسه السؤال : كيف يمكن لنا كشعوب عربية أن نردّ على هذا الإذلال الذي تمارسه تلك الدولة بحقنا بكل وقاحة وعجرفة ؟ … تتضمن الإجابة قائمة طويلة من القرارات والإجراءات التي قد تبدأ بقطع العلاقات الدبلوماسية، مروراً بالمقاطعة الإقتصادية وإنتهاءاً بضرب المصالح الأمريكية حيثما وجدت فوق الأرض العربية. لكن كل من يعرف الحال ـ ولو بالحد الأدنى ـ يدرك بأن معظم الأنظمة العربية لا تجرؤ حالياً على اتخاذ أية إجراءات ملموسة ضد الولايات المتحدة، بالرغم من عدائها المطلق للحقوق وللمصالح العربية القومية. وهذا بحد ذاته مدعاة للتفكير واستخلاص الدروس من قبل جميع الوطنيين والقوميين العرب : وفقاً لأي منطق أو مبدأ أو حتى سياسة قومية يمكن تبرير سكوت أنظمة تدّعي أنها تمثلّ الشعوب العربية ـ على سياسة دولة أجنبية تناصب مصالح وحقوق هذه الشعوب العداء المطلق منذ عقود ؟
إذن، ما دمنا ننفض أيدينا من الأنظمة، فماذا عن الشعوب ؟ إن بيدها سلاح لا يمكن لأحد ان يمنعها من اللجوء إليه، ولو من باب الدفاع عن الكرامة القومية؛ ألا وهو مقاطعة البضائع الأمريكية في الأسواق العربية. وهذا سلاحٌ استعملته وتستعمله دول وشعوب عديدة ، ومن حق الشعوب العربية أن تلجأ إليه. ليست هذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها هذا الموضوع في الأردن أو على الصعيد العربي؛ بل لقد مورست هذه المقاطعة في فترات مختلفة، كعام 2003 بعد العدوان الأمريكي على العراق على سبيل المثال. جاءت حملات المفاطعة السابقة كردات فعل لحظية على أحداث معينة، ثم ما لبثت أن ضعفت وتلاشت. لا شك بان هناك حاجة لتقييم المحاولات السابقة في مجال المقاطعة للوقوف على العقبات والتحديات والعوامل التي حدّت من وصولها إلى أهدافها.
صحيحٌ أن الولايات المتحدة قوة اقتصادية عظمى ومتقدمة تكنولوجياً؛ وصحيحٌ أيضاً بان العديد من الدول العربية تتلقى مساعدات ومنح وقروض من الولايات المتحدة، بل أن ثروات دول بأكملها هي تحت الهيمنة الأمريكية، كالنفط مثلاً. واخيراً علينا أن نعترف بأن شرائح من المجتمعات العربية تربطها وشائج ومصالح مع الإقتصاد الأمريكي، ولا تجد «تناقضاً» بين امتهان الولايات المتحدة للكرامة العربية ولحقوق الشعب الفلسطيني من جهة، وبين تعاملها اقتصادياً أو تجارياً معها من جهة أخرى! وفوق ذلك كله، برزت وتبرز دائماً أصوات تشكّك بفعالية المقاطعة ـ سواءٌ عن حسن أو سوء نيّة.
إن القضية هي أساساً قضية دفاع عن الكرامة العربية، وإصرار على الحفاظ على الهوية والسيادة الوطنية؛ والرد ـ ولو بأضعف الإيمان ـ على الإستهتار بالحقوق العربية والفلسطينية، والتطاول على الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس، والتآمر مع العدو الصهيوني على القدس وفلسطين، والتصرف مع القضية الفلسطينية بصورة متناقضة تماماً مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، والذي ما انفكت الإدارة الأمريكية تمارسه منذ سنوات، وآخرها ما يسمى «صفقة القرن».
إن رفض هذه الصفقة على أوسع نطاق عربي وإسلامي وأوروبي وعالمي ـ كما برز خلال الأسبوع الماضي ـ يعطي مسوّغاً إضافياً لحملة مقاطعة للبضائع الأمريكية من الواجب أن تبدأ في كل قطر عربي ـ وأولها الأردن ـ اليوم قبل الغد. وحتى لا تكون المقاطعة «موسمية»، فإن من الأهمية بمكان أن تلجأ إلى أساليب العمل المنظم والواضح في رؤيته وأهدافه المتدرجة؛ لقد نشر أحد الخبراء قبل سنوات ستين خطوة يمكن اتباعها لمقاطعة أمريكا. من الضروري أيضاً تحديد البدائل الوطنية للمنتجات الأمريكية، وبذلك لا نقاطع الولايات المتحدة وحسب، بل ونشجّع المنتج الوطني، وهذا هدف وطني سام. كذلك من المحتمل جداً أن لا يكون هناك نظير محلي أو عربي لبعض المنتجات الأمريكية؛ في مثل هذه الحالة يمكن استبدال هذه المنتجات بمنتجات دول صديقة، كالصين وروسيا وبعض بلدان أوروبا. يمكن أن نبدأ بمقاطعة «الآيفون»، وإستبداله ﺑ «هواوي» الصيني، مثلاً.
لا يمكن لحملة دائمة ومتعاظمة أن تنطلق إذا لم يتم التحضير لها مسبقاً وتهيئة الرأي العام من خلال حملات عبر وسائل الإعلام، خاصة عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وعبر الإتصال بالتجار والمستوردين ومحاولة إقناعهم للإستيراد من دول أخرى صديقة في المدى المتوسط. على صعيد آخر، تلعب الحملة دوراً مهماً في رفع وعي المواطن العربي وبأهمية دوره في الصراع مع أعدائنا.
إننا على ثقة بأن عملاً دؤوباً ومتواصلاً من قبل هيئات متخصصة في هذا المجال، تدعمها الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني سوف يحقق على المديين المتوسط والبعيد نتائج مهمة للغاية . إن الحملة العالمية لسحب الإستثمارات ومعاقبة إسرائيل ومقاطعتها المعروفة بإسم (BDS) ونجاحاتها الباهرة يجب أن تلهم المناضلين العرب في كل مكان. عندما تكتشف أمريكا ـ بعد سنوات من المقاطعة ـ بان مبيعاتها في الأسواق العربية قد انخفضت إلى النصف ـ أو حتى الثلث ـ، فإنها ستقيم وزناً للعرب عند تحديد سياساتها ومواقفها تجاه القضايا العربية…فعالم اليوم تلعب فيه المصالح والإقتصاد والتجارة الثقل الأكبر عند تقرير السياسات. …وأخيراً أليس «درهم فعل خيرٌ من قنطار كلام»؟!