- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

الضم: بين الوقائع القاتلة وغياب الاستراتيجية الوطنية

الاهالي -خاص – مصادرة الارض وتهجير شعبها بالقوة: الاستراتيجية الثابته التي اعتمدتها الحركة الصهيونية في قيام وتمدد دولة الاحتلال منذ عام 1948م ونظرا لمركزية هذا الموضوع في القضية الوطنية الفلسطينية، فقد اعد فريق الاهالي تقريرا واسعا حول هذا الموضوع نقوم بنشره على حلقتين في العددين الحالي والقادم.

منذ أن تم الإعلان عن «صفقة القرن» (صفقة ترامب –نتنياهو) لم يعد الاستيطان مجرد عملية توسيع في البناء، في هذه المستوطنة أو تلك، ولم يعد يقتصر على بناء مئات أو آلاف من الشقق الاستيطانية سنوياً.
منذ أن تم الإعلان عن «صفقة القرن» لم تعد قواعد الاشتباك (وقواعد اللعبة) هي نفسها.
لم تعد قضية الاستيطان مجرد ملف سيطرح على جدول أعمال مفاوضات الحل الدائم. فقد تجاوزت «الصفقة» هذا الأمر وأعلنت أن المستوطنات باتت أمراً واقعاً، ولا مجال للتفاوض حولها. هي أمر واقع يجب الاعتراف بوجوده، وبناء العلاقات على أساسه.
لم تعد مسألة الحدود تقوم على «تبادل محدود» للأراضي بين الطرفين. فهذه مسألة تجاوزتها «صفقة القرن» وصارت الحدود حيث يزرع نتناهو، وبينيت، ومن سيخلفهما لاحقاً، حجر الأساس لمستوطنات جديدة، ولشق طرق التفافية خاصة بالمستوطنين دون غيرهم.
لم يعد الاستيطان جريمة حرب ترتكبها سلطات الاحتلال، بل تحول، بقرار أميركي، إلى عمل مشروع، «فنحن (كما يقول نتنياهو) نبني على أرضنا، نبني بلدنا». لن تعد الضفة الفلسطينية أرضاً محتلة، (يقول سفير الولايات المتحدة في إسرائيل) بل هي أرض حررها الجيش الإسرائيلية من «الحكم الأردني» عام 67، واسترد بذلك الشعب اليهودي أرضه بعد أكثر من ثلاثة آلاف سنة عملاً بالإرادة الإلهية كما وردت في التوراة.
منذ «صفقة القرن» لم تعد القدس مدينة محتلة، فقد اعترف بها ترامب عاصمة لدولة  إسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، ومازالت إدارته تضغط على الدول الأخرى لتحذو حذوها لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين والمجتمع الدولي.
منذ «صفقة القرن» انتقلت خطط الاحتلال من مرحلة «توسيع الاستيطان» إلى مرحلة «ضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل»، عشية الإعلان عن الشق السياسي «لصفقة القرن»، ولسان حال أقطاب اليمين الحاكم في إسرائيل يقول «حتى لا نفوت الفرصة التاريخية التي قد لا تتكرر»…
• إدارة أميركية أكثر يمينية من اليمن الإسرائيلي.
• أوضاع إقليمية ودولية «مؤاتيه».
• علاقات متنامية بين بعض الأنظمة العربية، ودولة الاحتلال.
• معادلات جديدة لأسس العلاقات الإقليمية، وتبرئة إسرائيل من كونها الخطر الرئيس على مصالح المنطقة.
• انقسام فلسطيني مدمر، فشلت كل محاولات إنهائه.
• استراتيجية فلسطينية رسمية تقوم على الرهانات الفاشلة، مازالت تنتظر استئناف المفاوضات باعتبارها الخيار الوحيد للحل
بالأرقام، استناداً إلى العديد من المصادر والأبحاث والتقارير، وفي مقدمها التقارير الدورية للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، يمكن قراءة واقع الاستيطان على الصورة التالية:
• يسيطر الاحتلال عملياً على أكثر من 50% من مساحة الضفة الفلسطينية، منها 11.6% مناطق استيطانية (9.3% مستوطنات ومحيطها، وشبكة طرق على مساحة 2.3%) يقع بعضها داخل جدار الفصل العنصري، يتلوى في عمق الضفة ضاماً معه أكثر من 65 مستوطنة، وحوالي 20% مناطق عسكرية مغلقة، تتوزع فيها 94 قاعدة عسكرية، وحوالي 20% محميات طبيعية «وأراضي دولة» لا يسمح للفلسطينيين بالبناء فيها.
• قسم الاستيطان والطرق الالتفافية الضفة إلى ثلاثة كانتونات رئيسية، الأول في شمال الضفة ويضم مدن نابلس وجنين وطولكرم وطوباس ويرتبط بطريق مع مدينة رام الله والثاني شرقاً ويضم مدينة أريحا. والثالث جنوباً ويضم مدن ومحافظات الخليل وبيت لحم.
• فصلت المستوطنات والطرق الالتفافية بين هذه الكانتونات نفسها وبين امتداداتها الجغرافية في المنطقة «ج»، وأوجدت ما يزيد على 60 معزلاً يتحكم بها الجيش الإسرائيلية بأكثر من 100 نقطة تفتيش ومعبر ثابت.
• أما مدينة القدس فقد بلغ عدد المستوطنين فيها مع نهاية العام حوالي 228 ألف مستوطن، يتوزعون على 15 مستوطنة، تلحق بها منطقة صناعية واحدة، ولم يبق للمقدسيين سوى 13% للبناء والإعمار بعد أن سيطر الاحتلال على 87% من مساحة القدس؛ 35% منها تمت مصادرتها بحجة «المصلحة العامة» للاستيطان وملحقاته، 52% تحولت إلى «مناطق خضراء ومحميات طبيعية، ومناطق أثرية».
• وعلى الصعيد الديموغرافي تخطط بلدية القدس التابعة للاحتلال لإخراج حوالي 125 ألف فلسطيني مقدسي خارج حدود مدينة القدس، بعد أن فصل الجدار العازل بين الامتداد الطبيعي مع مدينة القدس، وبين مخيم شعفاط وعناتا، وقرى كفر عقب، ومخيم بير نبالا، الرام، الجيب، الضاحية، الزعيم، حزما، العيزرية، أبو ديس، السواحرة، الشيخ سعيد.
• يكمن السلوك الإسرائيلي تجاه المقدسيين ديموغرافياً في تقليص عدد العرب إلى 12% من مجمل عدد سكان القدس الشرقية والغربية، مع أن المقدسيين يشكلون حالياً حوالي 23% من مجمل عدد السكان اليهود والعرب في القدس بشطريها، تمارس أدوات الاحتلال التعليمية والصحية والثقافية عليهم دورها في محاولات تغيير ثقافتهم  وانتماءهم، فقد وصل عدد الطلاب الفلسطينيين الملتحقين بالمدارس الإسرائيلية حوالي 53%، بينما يلتحق الباقي بالمدارس الحكومية والخاصة الفلسطينية.
• تواصل مخطط طمس الطابع الإسلامي لمدينة القدس، وأسرلة كل مرفق وشارع وحي، والإسراع في مخطط الفصل الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، فقد تجسدت معالم التهويد في شبكة الأنفاق والكنس التي تشبه المدينة تحت المسجد الأقصى في البلدة القديمة، فعلى سبيل المثال يخترق 57 نفقاً المسجد الأقصى من الأسفل، و5 أنفاق تحت سلوان، و8 أنفاق في مناطق متفرقة من مدينة القدس، وهناك آلاف المدافن والقبور الوهمية لليهود شرقي المسجد الأقصى، وتحديداً في المنطقة الواقعة في بلدة سلوان وجبل زيتون، ومخطط الحدائق التوراتية السبع التي تحيط بالأقصى، والتي ستغير المظهر الإسلامي التاريخي لمناطق المحيطة بالمسجد الأقصى.
• وصل عدد المستوطنين المقتحمين للمسجد الأقصى مع نهاية العام أكثر من 20 ألف مستوطن، ويزداد مع كل عام عدد المستوطنين المقتحمين ومدة مكوثهم في الحرم، مع محاولات أداء بعض الطقوس التوراتية، ويهدف اليمين الصهيوني بهذه الإجراءات إلى فرض التقسيم الزماني والمكاني المسجد الأقصى على غرار تقسيم المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل
لم يكن الاستيطان، وفي السياق، الضم، خطوات مفاجئة، يتم اتخاذها خلف الجدران، في دولة الاحتلال، بل كان سياسة علنية، تستند إلى استراتيجية واضحة المعالم، لا تحتاج إلى نقاش للإثبات أن دولة الاحتلال لم تعد تبالي،  لا بالاتفاقات الموقعة معها، ولا بما يسمى «مفاوضات الحل الدائم»، ولا بقرارات الشرعية الدولية. وأن الاستيطان والضم، لا يقتصر على الأطراف اليمينية في دولة الاحتلال، بل بات يشكل سياسة تدعمها المؤسسات التشريعية وتحيلها إلى المؤسسات التنفيذية.
• ففي 28/2/2018، وبعد أن اعتراف ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل (6/12/2017).
صادق الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون «القدس الموحدة»، والذي يحظر نقل أجزاء من القدس المحتلة بأي تسوية مستقبلية إلا بموافقة 80 عضواً بالكنيست، وذلك من أصل 120 عضواً.
حاز القانون، على دعم 64 نائباً وعارضه 51 ويهدف إلى إخراج مخيم شعفاط وبلدة كفر عقب، الواقعين خلف جدار الفصل، من منطقة نفوذ بلدية القدس، وإقامة مجلس إقليمي خاص بهما، ومن شأن هذه الخطوة إحداث تغيير ديمغرافي كبير في القدس، وتقليص عدد سكانها الفلسطينيين.
وكتب وزير التعليم الإسرائيلي (آنذاك) نفتالي بينت بعد إقرار القانون الجديد «لقد ضمنا وحدة القدس. سيبقى جبل الزيتون والبلدة القديمة ومدينة داود (حي سلوان الفلسطيني) للأبد ملكنا».
• في 13/6/2019 وافق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينيت) برئاسة نتنياهو على بناء «آلاف الوحدات» الاستيطانية في المنطقة المسماة (ج) (حسب تقسيمات اتفاق أوسلو) في الضفة الفلسطينية، خاصة بالمستوطنين.
• وصف موقع «وإلا» الإسرائيلي القرار على أنه مجرد «خطوة أولى على طريق ضم المنطقة (ج) إلى إسرائيل في المستقبل». أما وزير النقل الإسرائيلي سيموتريش  فقد قال «إن هذه الخطوة تهدف إلى إحباط البناء الفلسطيني أو أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية».
• في اليوم نفسه، وفي مناورة مفضوحة، وافق الكابينيت على إنشاء 700 وحدة سكنية للفلسطينيين في المنطقة (ج). وصف المراقبون هذه الخطوة أنها تهدف لقطع الطريق على السلطة الفلسطينية للاستثمار في المنطقة (ج)، وفق لقرار إلى اتخذته حكومة اشتيه. وأضاف تقرير إن هذه الخطوة تهدف إلى استبعاد السلطة الفلسطينية عن المنطقة (ج) وإلى فرض سيطرة إسرائيلية على هذه المناطق، وإن إسرائيل هي وحدها من سيقرر عدد وأين ومن سيعيشون في هذه الوحدات السكنية وليست السلطة الفلسطينية أو السكان الفلسطينيين»، ما يؤكد، وفقاً لموقع «وإلا» الإسرائيلي، أن خداع نتنياهو مكشوف وإن خطوته تندرج في إطار الضم التدريجي للمنطقة (ج) التي كان يفترض أن يكون مصيرها موضوعاً تفاوضياً بين الجانيين الفلسطيني والإسرائيلي، في «مفاوضات الحل الدائم» بموجب اتفاق أوسلو.
• في اجتماع عقد يوم 15/9/2019 في إحدى المستوطنات الإسرائيلية في غور الأردن، في خطوة أراد منها رئيس الحكومة إرسال أكثر من رسالة حول «يهودية المنطقة»، صادقت حكومة الاحتلال على «منح الشرعية» و«القانونية» للبؤرة الاستيطانية العشوائية المسماة «مافؤوت يريحو» (مشارف أريحا) الواقعة جنوب غور الأردن، شمال مدينة أريحا.
وصف نتنياهو القرار إنه مقدمة لقرارات لاحقة سيكون هدفها ضم منطقتي شمال البحر الميت وكل غور الأردن، كذلك أراضي المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية لإسرائيل. ووصف نتنياهو، غور الأردن في معرض تبرير قرار الضم بأنه «الجدار الحامي لإسرائيلي من الجهة الشرقية»، دون أن يوضح ما هو الخطر الذي تمثله الجبهة الشرقية. وأضاف «أن فرض السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات في الضفة الغربية وأراضي أخرى، ضروري لأمننا وتراثنا»، ويشمل عدداً من المواقع التي تعدها إسرائيل (أماكن مقدسة لليهود) وستطرح في «صفقة القرن» التي ستعرض لاحقاً.
• في السياق نفسه قام مستشارون قانونيون في وزارة جيش الاحتلال ببلورة «رأي قانوني» يسمح للمستوطنين بشراء وتملك أراضي في الضفة الفلسطينية بشكل فردي، وليس عبر شركات كما كان يتم سابقاً. «هآرتس» نقلت تعليقاً لمصدر مطلع على المعاملات العقارية في الضفة الغربية، قائلاً «إنه مقترح ينتظره المستوطنون منذ سنوات».
ووفقاً للقانون العمول به في الضفة الفلسطينية يسمح فقط للأردنيين والفلسطينيين أو «الأجانب من أصل عربي» شراء وتملك الأراضي في الضفة . ولا يسمح لليهود، ولا للإسرائيليين بتنفيذ صفقات عقارية وإبرام صفقات في الضفة بشكل فردي، بل من خلال شركات وموافقة «رئيس الإدارة المدنية».
المقترح «القانوني» الجديد، يلغي هذا القانون ويفتح الباب للتملك الشخصي للمستوطنين لعقارات في أنحاء الضفة الفلسطينية، عن طريق الضم تحت مسميات «قانونية» يفبركها الاحتلال لصالح مشاريعه الاستعمارية.
الإدارة الأميركية كانت بلا شك شريكاً في تغطية سياسات الضم الإسرائيلية. مثال ذلك موقف وزير الخارجية مايك بومبيو، وسفير بلاده في إسرائيل ديفيد فريدمان.
يوم الاثنين في 18/11/2019، اعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن بلاده لم تعد  تعتبر المستوطنات في الأرض الفلسطينية غير شرعية. وادعى بومبيو أنه «بعد دراسة جميع جوانب النقاش القانوني للقضية خلصت الولايات المتحدة إلى إن إنشاء مستوطنات مدنية إسرائيلية في الضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع  القانون الدولي (!) ولم ينجح اعتبار إقامة المستوطنات الإسرائيلية أمراً يتعارض مع القانون الدولي، ولم يقدم تقدماً على مسار قضية السلام».
وكانت السياسة الأميركية تعتمد، نظرياً على الأقل، على رأي قانوني صادر عن وزارة الخارجية في عام 1978 يعتبر إن إقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية يتعارض مع القانون الدولي.
ويعتبر ميثاق جنيف الرابع، حول قوانين الحرب، إقامة المستوطنات مناقضا لكل المبادئ الدولية.
وعادة ما تستخدم الولايات المتحدة حق النقض لمنع صدور قرارات عن مجلس الأمن ضد إسرائيل، لكن الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما أثار في الأسابيع الأخيرة من ولايته غضب نتنياهو بالسماح بصدور قرار مجلس الأمن الرقم 2334 الذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية «انتهاكا صارخاً» للقانون الدولي.
وقال بومبيو إن إدارة ترامب التي تدعم قاعدتها المسيحية الإنجيلية بشراسة إسرائيل، «ترفض المقاربة التي اعتمدها إدارة أوباما».
لكن إسرائيل تواصل بناء الوحدات الاستيطانية. وتقول منظمة «السلام الآن» إن إسرائيل وافقت منذ بداية هذا العام وحتى شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2019 على بناء 8337 وحدة استيطانية، أي بزيادة نسبتها 50 بالمئة عن العام الماضي.
أما بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة دولة الاحتلال فقد رحب بتصريحات بومبيو وقال: إن الموقف الأميركي يصحح خطأ تاريخياً (حسب تعبيره) بحق 600 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في الضفة الغربية والقدس الشرقية وسط نحو مليونين وتسعمائة ألف فلسطيني. وتابع، مدعياً «أن هذه السياسة تعكس حقيقة تاريخية بأن اليهود ليسوا مستعمرين أجانب في يهودا والسامرة، في الواقع نحن ندعى يهوداً لأننا شعب يهودا». (مستخدماً التسمية التي تطلقها إسرائيل على الضفة الفلسطينية).
أما سفير الولايات المتحدة، ديفيد فريدمان فقد أدلى، في الاتجاه نفسه بتصريحات أشد وضوحاً وانحيازاً للجانب الإسرائيلي، حتى أنه استعان بتعابير وعبارات صهيونية وتوراتية في الحديث عن الأرض الفلسطينية المحتلة وفي وصفها.
….يتبع العدد القادم