| نشر في ديسمبر 17, 2019 3:26 م | القسم: آراء ومقالات | نسخة للطباعة :
مرت قبل يومين الذكرى الحادية والسبعون لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 كانون الأول 1948). بالطبع احتفلت الأمم المتحدة ودول عديدة بهذه المناسبة، لكن أغلبية شعوب الأرض ربما لم تسمع أصلاً حتى الآن بالإعلان العالمي، وبالحقوق التي يعترف فيها للبشر «كل البشر».
بالتأكيد وقعت تطورات إيجابية بفعل الإعلان على صعيد حقوق الإنسان منذ ما ينوف عن السبعين عاماً، ليس أقلها ذلك الوعي المتزايد بهذه الحقوق وحركة المطالبة بها من قبل قطاعات مختلفة من المواطنين، طبعاً بدرجات متفاوتة. وإذا أخذنا بلدنا الأردن كمثال ؛ فقد عاش جيلٌ من الأردنيين فترة كان الخوض في حقوق الإنسان علناً يقود أحياناً إلى السجن (فترة الثمانينيات من القرن الماضي)؛ إذ أن التهمة كانت جاهزة : من يتحدث عن حقوق الإنسان يتهم بأنه «مُعارض» للسلطة ! كان العمل من أجل حقوق الإنسان يجري بصورة شبه سرّية، وأجهضت السلطات جميع المحاولات لإنشاء منظمات لحقوق الإنسان على يد شخصيات قومية وليبرالية في ذلك الزمن.
بعد عام 1990، وبعد أن أعلنت السلطة «التزامها» بحقوق الإنسان أصبح الدفاع عن حقوق الإنسان مشروعاً، وبات بالإمكان الحصول على ترخيص لجمعية تدافع عن حقوق الإنسان في الأردن. وبعد ذلك بما يزيد عن العقد (2003) أصبح لدينا «مركز وطني لحقوق الإنسان» وعشرات المنظمات والمراكز غير الحكومية المتخصصة في هذا المجال.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح على المواطن العادي : هل أدّى ذلك كله إلى تغيير جوهري في أوضاع حقوق الإنسان في البلاد، منذ ذلك الحين وحتى اليوم، اي نهاية عام 2019 ؟ للإجابة على هذا السؤال نحيل القارئ إلى التقرير السنوي الخامس عشر الصادر عن المركز الوطني (الأردني) لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان خلال العام 2018، وإلى تقرير منظمة «مراقبة حقوق الإنسان» عن الأردن الصادر في تشرين الثاني الماضي.
بإختصار، وحتى لا نضيع في التفاصيل الكثيرة يقول هذان التقريران (من بين تقارير عديدة صدرت مؤخراً) : هناك تضييق متزايد على الحريات العامة … وحريات التعبير والإعلام والعمل السياسي والحزبي والجماهيري والنقابي وعلى حرية الإجتماعات العامة ؛ اعتقالات سياسية متزايدة خاصة ضد نشطاء الحراكات السياسية؛ المزيد من انتشار المعاملة السيئة والتعذيب في المراكز الأمنية والسجون، وازدياد عدد الموقوفين. تراجع في مستوى التعليم والصحة والإدارة واستشراء الفساد الكبير والصغير وعدم جدية في مكافحته، بل والتغاضي عنه. تزايد الفقر والبطالة وانعدام الفرص أمام مئات آلاف الشباب الأردنيين… هيمنة حكومية على مجلس النواب وتغوّل على السلطة القضائية وهيمنة «القرارالأمني» على المفاصل المختلفة للحياة السياسية والبرلمانية والأكاديمية والجمعياتية وعلى إدارة الدولة بشكل عام، وضعف شديد للثقة بين المواطنين والدولة، كما تؤكد ذلك استطلاعات الرأي العام المنشورة نتائجها.
هذه «الحصيلة» هي أكبر برهان على زيف وبهتان المقولات الحكومية عن التزامها بحقوق الإنسان، والذي بقي طوال عقود التزاماً شكلياً أكثر منه فعلياً أو حقيقياً. فالمنطق والعقل يقولان بأنه لو كان هذا الالنزام حقيقياً لما وقفنا اليوم أمام هذه الحصيلة البائسة بعد نحو ثلاثين عاماً من «الإعلان» عن ذلك الإلتزام. لو أن الحكومات المتعاقبة منذ عام 2004 وحتى الآن نفّذت، على الأقلّ، التوصيات التي كانت ترد في التقرير السنوي للمركز الوطني لحقوق الإنسان لما وصلنا اليوم إلى هذه الحصيلة. وبالمناسبة، لاحظ متابعون غياب أو تراجع كلام المسؤولين عن «حقوق الإنسان» في السنوات الأخيرة، ربما لقناعتهم ـ أخيراً ـ بأن أي من المواطنين لم يعد يصدّق شيئاً مما يقولونه في هذا المجال. فقد إصبح معروفاً للقاصي والداني بأن الإعلان عن الإلتزام بحقوق الإنسان قد جاء لتبييض صفحة السلطة لدى الدول الغربية والأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان ـ بإعتبار ذلك كان «تأشيرة دخول» في بداية التسعينيات للحصول على القروض والمساعدات دون أن تحرج حكومات الدول الغربية أمام شعوبها لدى منحها لتلك القروض والمساعدات. مع ذلك، تقتضي الموضوعية القول بأن شوطاً قد قطع على صعيد الوعي بحقوق الإنسان وعلى صعيد حقوق المرأة. لكن هذا التقدم على أهميته لم يحدث «نقلة نوعية» قياساً بالوضع الذي كان سائداً من قبل.
طريق الحصول على الحقوق دشّنته «اللجان العمالية» منذ عام 2008 عندما أخذ العمال ينظّمون صفوفهم ويخوضون نضالاتهم المطلبية من خارج النقابات العمالية المهيمن عليها من قبل الأجهزة الأمنية. وتعمّق هذا الطريق خلال السنوات الماضية، خصوصاً قبل بضعة شهور من خلال إضراب المعلمين الحكوميين والنتائج التي توصّل اليها بفضل وحدتهم وإصرارهم على مطالبهم. لم تصل قطاعات واسعة من المواطنين إلى هذه القناعة إلّأ بعد أن لمست بنفسها، على مدى عشرات السنين ـ بأن مناشداتهم للمسؤولين وتقديم العرائض لهم لم تجدي فتيلاً ولم تحقق أية نتائج. وتأكد من جديد المقولة التي ستسود، إن عاجلاً ام آجلاً، وهي أن «الحقوق تؤخذ ولا تُعطى».
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
Sorry. No data so far.
1 thoughts on “الاردن والذكرى ٧١ لصدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان / د. سليمان صويص”