- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

متطلبات تطوير المناهج المدرسية

ذوقان عبيدات / رئيس اللجنة الاستشارية بالمركز الوطني للمناهج
المركز الوطني للمناهج مستقل شكلا
يدور جدل واسع في مجتمعنا حول طبيعة المناهج المدرسية، ومن صاحب الحق في إصدارها. وقد حسمت الدولة قرارها بتأسيس مركز وطني مستقل شكلاً عن وزارة التربية والتعليم. ولكنه مرتبط بها تماماً. فكل ما ينتجه المركز الوطني يجب أن يُقّر من وزارة التربية، ومجلس التربية الذي يرأسه وزير التربية. ومن المفارقات الأخلاقية أن وزير التربية والتعليم هو نائب رئيس المجلس الأعلى للمناهج. وهذا يعني أن رئيس المجلس الأعلى يرأس وزير التربية في عملية إنتاج المناهج، ليعود وزير التربية هو أعلى مسؤول لإقرارها !! ويمكن لهذه المفارقة ألا تكون خطيرة مضموناً، في حال اتفاق رئيس المجلس الأعلى مع الوزير، أما إذا اختلفا، فإن الوزير قادر على إبطال عمل المجلس، وبذلك يجب تعديل نظام المجلس، وإلا ستبقى فرص الصراع والضياع موجودة. فرئيس المجلس الأعلى حالياً مرتبط برئيس الوزراء، ولكنه مرتبط بوزير التربية الذي سيكون قادراً على إحداث صراع في المجلس الأعلى للمناهج. طالب كثيرون بتعديل النظام، ولكن لم يتمّ ذلك !!
أما المشكلة الثانية قانونياً، فهي أن في المركز الوطني للمناهج مجلساً تنفيذياً، مكوناً من ستة أشخاص يعملون متطوعين، ولا يتقاضون أجوراً. وهذا الوضع يعني أنك لا تستطيع محاسبة متطوع على تقصيره أو عدم جدّيته أو حتى على عدم إعطاء جزء ضمن وقته الشخصي لمسألة المناهج.
المهم، تكون مجلس المناهج _التنفيذي من ثلاث مديرات لمدارس (مديرتان ومدير) منشغلات جداً بمدارسهن. ومن المعروف أن أي مدير، حتى لمدرسة ابتدائية حكومية، لا يمتلك وقته، ولا يستطيع الغفلة لحظة عن مدرسته !! كما يوجد في المجلس التنفيذي ثلاثة أساتذة جامعيين، يشكون كزملائهم من كثرة الأعباء البحثية الجامعية، ومتاعب التدريس الجامعي !! وباختصار لا يمكن لهم تخصيص وقت لعمل تطوعي !! ثم لماذا يكون مراجعة بحث في الجامعات مأجوراً، ويكون عمل تطوير المناهج تطوعاً أي عبقرية قانونية هذه؟

إذن المجلس التنفيذي _ الذي يعد مناهجنا _ ويتخذ أكثر القرارات أهمية هو مجلس متطوعين فحسب!! بل مجلس من لا يمتلكون وقتاً لإدارة أعمالهم الوظيفية. فماذا نتوقع من ذلك، حتى لو افترضنا أنهم خبراء في المناهج؟
من أين نبدأ
من المسلمات أن عملية تطوير المناهج _كأي عملية تطوير، تبدأ من دراسة الواقع: مزاياه ونواقصه لاشتقاق مبررات العمل الجديد في تغيير المناهج أو حتى تطويرها.
إن دراسة الواقع تعني: دراسة المناهج السابقة، وامكانات المعلم وحاجات الطلبة وحاجات المجتمع! نحن بحاجة الى قاعدة أساسية معترف بها: كل اصلاح يفوق إمكانات المعلم، لن يؤدي غرضه. فالمعلم سقف الإصلاح. إلا إذا واكبت أعمال تطوير المناهج، أعمال تنمية المعلمين مهنيا بما يتفق مع فلسفة المناهج.
بعيدا عن المعلم، تبدأ عمليات تطوير المناهج من دراسة حاجات الطلبة وحاجات المجتمع. فالطلبة يواجهون تحديات ولهم حاجات، ومن الطبيعي أن تقرأ المناهج الجديدة حاجات الطلبة، وتساعد على اشباعها.
طبعا يمكن تخمين هذه الحاجات، كأن نقول:
مشكلات العنف والتنمر.
مهارات حل المشكلات بطريقة رابح-رابج.
مهارات الحياة والبروتوكول والإتيكيت واللياقة.
مهارات التفكير وإنتاج المعرفة.
مهارات التعامل مع البيئة.
مهارات مواجهة الفكر المتطرف والعنف,
وغيرها. قد يكون التخمين صحيحاً بدرجة ما. ولكنه لا يعطينا أولويات ترتبط بحجم هذه الأولويات والحاجات. وهذا ما يبرر دراسة علمية بعنوان: حاجات المتعلم في القرن الحادي والعشرين. خاصة وأن عمر المناهج السابقة زاد على خمسة عشر عاما، حيث تبدلّت وتغيرّت أمور عديدة.
وماذا عن حاجات المجتمع؟
المدرسة مؤسسة مجتمعية، ومن حق المجتمع أن تكون المدرسة صورة معبرة عن حاجاته، ولذلك تعكس المناهج حياة المجتمع، وقيمه، وتراثه، وحافزه وتطلعاته المستقبلية، فكيف نبني مناهج دون معرفة ما يريده المجتمع؟
هناك خطاب شائع في المجتمع! ما موقفنا منه؟
هناك صورة للمرأة في المجتمع! ما موقفنا منها؟
هناك عشرات القيم السلبي: عشرات الحلول الخاطئة: كيف تتعامل معها المناهج
ليست الإجابة سهلة عن هذه الأسئلة، فالمطلوب دراسة حاجات المجتمع! أو على الأقل ندوة وطنية تضم توجهات متعددة في المجتمع تتفق على مبادئ مشتركة مثل:
الموقف من حقوق الانسان والمرأة
الموقف من الحداثة
الموقف من الآخر
نوع الهوية ومدى المواطنة
…….. الخ
فالمناهج لا تفرض على فئة، ولا تشكلها الأغلبية، بل توافق وطني مجتمعي.
كما يجب الاتفاق على دور المدرسة، وثقافتها، وحدودها، ومهامها،
فهل المدرسة ساكنة تنقل التراث أم مسؤولة عن تطويره وتثقيفه؟
فهل المدرسة عاملة ضمن أسوارها أم طليقة في المجتمع؟
وهل نريد بناء شخصية المتعلم أم هويته فقط؟
كل هذه العوامل يجب أخذها بعين الاعتبار في بناء مناهج جديدة.
بماذا يختلف الجديد عن القديم؟
ترتبط الإجابة على هذا السؤال، بالإجابة عن الأسئلة السابقة، ونتائج الدراسات وجلسات العصف الذهني الوطنية. ولذلك لا معنى اطلاقاً لإنتاج كتب جديدة مشابهة للكتب السابقة، والاّ كان الجهد غير ضروري. فالاختلافات بين الجديد والقديم يفترض أن يكون في:
طريقة عرض المادة ومدى وملاءمتها لمختلف ذكاءات الطلبة.
حجم المادة؛ زيادة أو نقصاً. ووزن المادة في برنامج الطلبة زيادة أو نقصاً.
محتوى المادة الدراسية، وهل هي حقائق تقدم الى الطلبة أم مفاهيم يناقشها الطلبة، ويتعلمون منها مهارات واتجاهات وقيما! ً
هل المادة سردية تتحدث الى الطالب عن قضايا وأحداث وقوانين ونظريات أم مادة حوارية تدمج الطلبة في تلك القضايا! وهل تتحدث المادة الى الطلبة أم معهم؟
هل هدف المادة حفظ المعلومات وتذكرها، أم انتاج المعرفة وتبادلها ونشرها وتطويرها؟
وما نوع الامتحانات المدرسية في هذه المواد؟ وما حجمها وما كمها؟
ما الخيارات التي تقدمها الى الطلبة وهل تقدم خيارات؟
ما دور كل من المعلم والمتعلم في هذا الكتاب؟ وما حجم هذا الدور؟
هل سيتعلم الطلبة الكتاب فردياً أم أنه هناك نشاطات زوجية ومجموعية ومجتمعية؟
هل سيشجع الكتاب الواجبات البيتية؟ وما حجم الواجبات؟ وما نوعها، وما طريقة أدائها؟
وأخيراً، ما دور الأهالي في عمليات التدريس والواجبات والإشراف والمتابعة؟
هذه بعض الأسئلة التي تحدد مدى حاجتنا الى الجديد. فإذا كانت إجابتها أو معظم هذه الإجابات مشابهة لما في الكتب القديمة، فلا حاجة إطلاقاً لعملية التجديد أو التغيير.
أخشى فعلاً أن تنتهي عمليات التجديد والتطوير الى نبيذ عتيق في زجاجات جديدة !! تطوير المناهج يحتاج جهداً أكبر، وهذا الجهد مطلوب من الجميع، شرط عدم تدخل قضايا عقائدية لفرض إجابات عن الأسئلة السابقة !!