الرأسمالية الليبرالية وتفريخ هيكلي / احمد النمري

| نشر في مارس 22, 2017 12:22 م | القسم: إقتصاد | نسخة للطباعة :

---

توجهات وسياسات الرأسمالية الليبرالية الجديدة التي هيمنت على مفاصل ومواقع القرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الاردني، في أبعاده النظرية والفلسفية، كما في جوانبه التنفيذية، ومنذ فترة زمنية بعيدة توازت مع انطلاق مقولات ومسارات ليبرالية تاتشر البريطانية وحليفها الرئيسي الاميركي ريجان في ثمانينات القرن الماضي، تقول ان توجهات وسياسات الرأسمالية الليبرالية الاردنية الجديدة انعكست وظهرت بوضوح في نهج ومسار انفتاحي متوسع كان من ضمنه، وفي مقدمته، تبني وتطبيق مسار تفتيتي في هيكلية الدولة الاداري والمالي من خلال التوسع في تكوين مؤسسات عامة جديدة والافراط في تأسيس «شركات مساهمة عامة تملكها الحكومة بالكامل، ومن رحم العديد من الوزارات» الى جانب صناديق متعددة الاسماء، وهياكل باسماء هيئات ومناطق وسلطات ووحدات ، ولاحقا توليد صناديق وشركات من رحمها، وكما حدث ذلك وعلى سبيل المثال بعد الاعلان عن العقبة منطقة اقتصادية خاصة والتي سنشير اليها في فقرة لاحقة.
في وزارة المياه والري، ورغم وجود هيكل اداري باسم سلطة المياه، وآخر باسم سلطة وادي الاردن، وكلاهما نجح في ادارة وتطوير الادارة المائية، إلا انه تم بعد ذلك توليد اكثر من شركة جديدة للمياه في العاصمة عمان والزرقاء (مياهنا) ، وأخرى في اربد (ش . مياه اليرموك) وثالثة في العقبة وليكون الحصاد متراجعا بدرجة واضحة من حيث الخدمة والجدوى ومن حيث الكلفة المتصاعدة.
في وزارة الصناعة والتجارة، وبدون اي ضرورة موضوعية ملحة او حتى بعكسها، جرى تحويل كل من مؤسسة المناطق الصناعية، ومؤسسة الصوامع والغلال الى شركات مساهمة عامة تملكها الحكومة بالكامل وبحصاد باهت.
وفي قطاع الطاقة توزعت مركزية ادارة مرافق الكهرباء الى عدة شركات حكومية ومختلطة وخاصة، ومنها شركة الكهرباء الوطنية، وشركة توزيع الكهرباء، وشركة توليد الكهرباء المركزية ، وشركة كهرباء السمرا وبدون ان يظهر لذلك نقلة نوعية الى الأمام ان لم يكن العكس.
شركة الاتصالات الاردنية تأسست في اوائل هذا القرن، وبمشاركة مسيطرة من شركة فرانس تليكوم الفرنسية (أورانج)، وكخلف للمؤسسة الاردنية للاتصالات السلكية واللاسلكية ، والتي كانت متميزة من حيث الادارة وتحقيق العائد وتقديم الخدمة.
ومن خلال البنك المركزي تأسست شركة لإعادة تمويل الرهن العقاري، وأخرى لضمان القروض، وثالثة للصكوك الاسلامية، ورابعة لمدفوعات الفواتير واخرى في الطريق.
ولم يمض وقت طويل على اعلان العقبة «منطقة اقتصادية خاصة» وبادارة مجلس مفوضية، حتى تسارع تأسيس عدد من الشركات المتفرعة عنها، وبمجالس ادارة لها ومنها شركة تطوير العقبة، وشركة ميناء الحاويات، وشركة المطار، والدولية الصناعية بمساهمة او ادارة اجنبية.
وأخيرا ، ويبدو انه لن يكون آخرا، ضغطت بعض الجهات حتى تحقق لها تحويل «مؤسسة الموانىء» التي أدارت ميناء العقبة بنجاح نسبي منذ تأسيسها، الى «شركة مساهمة عامة تملكها الحكومة بالكامل» وباسم» شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانىء».
وأيضا وفي سنة ٢٠٠١ تم انشاء هيكلية جديدة في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي باسم « الوحدة الاستثمارية» وبموجب نظام خاص لها برقم (١١١) ، لتكون مسؤولة ، وبما يقترب من الاستقلالية الواسعة عن المؤسسة الأم، ولينشأ عن ذلك ما يمكن اعتباره تشوها اداريا واستثماريا، وبقي المسار على حاله حتى بعد اصدار قانون مؤقت جديد للضمان في سنة ٢٠١٠، واصدار قانون ضمان دائم برقم (١) لسنة ٢٠١٤ واقتصر التعديل في البعد الاستثماري للضمان على تغيير إسم «الوحدة الاستثمارية» ليحل محله العنوان الجديد «صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي!!».
من رحم الوحدة الاستثمارية ورحم صندوق الاستثمار تم تفريخ مجموعة من الشركات التابعة ومنها، وعلى سبيل المثال، الشركة الوطنية للتنمية السياحية، وشركة الضمان لتطوير المناطق التنموية، وشركة الضمان لاستثمارات الطاقة، وشركة مركز الانطلاق الموحد لسيارات السفريات الخارجية، وبجدوى هامشية او/و محايدة في افضل تقييم يتسم بالتفاول.
وزارة المالية بدورها وبدون ضرورة ملحة عمدت الى تأسيس شركة جديدة مملوكة للحكومة بإسم «شركة إدارة المساهمات الحكومية» وهي مساهمات كانت تدار وبطريقة مقبولة من ادارة متفرعة عن الوزارة.
وفي سنة ٢٠١٧ لجأت هيئة الاوراق المالية الى تحويل بورصة عمان الى شركة مساهمة عامة، وبمساهمة حكومية لا تقل عن (٥١٪) من رأسمالها، رغم ان اي معيقات او اشكاليات واجهت البورصة لا ينتظر تجنبها بهكذا تحويل.
التفتيت او التفريخ لا يقتصر على الشركات، بل يلاحظ ايضا في تغييرات ادارية اخرى من نوع «هيئات تنظيم قطاعية» ومناطقية حرة وتنموية مكلفة دفعت بجهات نيابية وحزبية وحتى حكومية للمطالبة باعادة تقييم جذرية متعددة الجوانب لها لترشيد جدوى بعضها، ودمج ما يمكن دمجه منها او / و شطب وتصفية السلبي منها.

---