| نشر في فبراير 22, 2017 1:08 م | القسم: آراء ومقالات | نسخة للطباعة :
معتصم حمادة
سياسات التوسع الإستيطاني والضم حولت الدولة الفلسطينية إلى «دولة منقوصة» وإجراءات الحاكم العسكري في الضفة حولت السلطة إلى «حكم إداري منقوص»
تتسارع التطورات في المناطق الفلسطينية المحتلة، في ظل حيوية سياسية تمتاز بها حكومة اليمين واليمين المتطرف الإسرائيلي، برئاسة نتنياهو، تقابلها سياسة إنتظارية، تتمترس خلفها السلطة الفلسطينية، واللجنة التنفيذية ورئيسها، مع الإكتفاء بالإستنكار والتنديد اللفظي، والمناشدات للمجتمع الدولي، غير مسنودة بأية إجراءات عملية، تنبئ بإستعداد الجانب الفلسطيني لخوض المعركة دفاعاً عن الأرض والشعب والوطن بالأدوات الكفاحية المطلوبة، إن في الميدان، عبر المقاومة الشعبية الشاملة، أو في المحافل الدبلوماسية والقانونية الدولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، ومجلس الأمن في الأمم المتحدة وجمعيتها العمومية.
ولم تعد الإجراءات والسياسات الإسرائيلية تقف عند حدود «الحد الأدنى» من عمليات سلب الأرض، أو تهديم المشروع الوطني الفلسطيني، وإدخاله في نفق المستحيلات، بل إنتقلت هذه السياسات في الفترة الأخيرة، وبتسارع غير مسبوق، نحو تجاوز ما كان البعض يعتقده خطاً أحمر، وكأن سلطات الإحتلال، وحكومة نتنياهو في سباق محموم مع الزمن.
فبعد أن كسبت إسرائيل من دونالد ترامب وإدارته الجديدة إعترافاً معلناً لا شك فيه بأن القدس المحتلة هي «عاصمة الدولة» (حتى ولو لم يتم نقل السفارة الأميركية إليها، فمجرد الكشف عن النية هو في حد ذاته إعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتمهيد لخطوة ستأتي لاحقاً، ما يبدد أوهام الذين تلقوا ما أسموه تطمينات بإلغاء أو تأجيل الخطوة)؛
وبعد أن كشف نتنياهو عن شروطه لإستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، متمثلة في إعتراف رام الله بإسرائيل وطناً قومياً لليهود (يهودية الدولة) وبأن الحدود الإسرائيلية الآمنة، هي التي تمتد من نهر الأردن إلى البحر المتوسط؛
وبعد أن كشف نتنياهو عن رفضه «حل الدولتين» (البديل للمشروع الوطني الفلسطيني) لصالح ما أسماه «الدولة المنقوصة». وأكد ذلك في لقائه مع رئيسة وزراء بريطانيا، حين أبلغها رسمياً أن حكومته ضد قيام دولة فلسطينية «قابلة للحياة» وفق شروط خطة خارطة الطريق؛
وبعد أن أعطى إشارته للكنيست الإسرائيلية بالمصادقة على قانون تبييض وتشريع المستوطنات، وتوفير المسوغات القانونية لحكومته للإستيلاء على أراضي وبيوت ومنازل الفلسطينيين في طول الضفة وعرضها، وفي القدس المحتلة، مقابل تعويضات مالية، يقررها الجانب الإسرائيلي منفرداً وبحيث يصبح كل شبر من الأرض الفلسطينية، وكل بيت فلسطيني، مرشحاً للمصادرة، بناء على «مصلحة الدولة» كما رسمها قانون الكنيست الأخير، وبحيث يصبح مشروع ضم المنطقة (ج) إلى «الدولة الإسرائيلية» مشروعاً قابلاً للتنفيذ، تحت سقف القانون الإسرائيلي المزعوم؛
بعد هذا، كله، تكون إسرائيل قد إنتقلت عملياً من مرحلة الإستيطان إلى مرحلة الضم، حتى أن ترامب نفسه، إعترف مؤخراً (دون أن يشكل إعترافه تلك الخطوة الإيجابية الصاعقة التي أذهلت بعض مسؤولينا فرحبوا بها بإعتبارها حدثاً عظيماً) أن البناء الجديد خارج المستوطنات [وليس كل البناء الإستيطاني] من شأنه أن يقلص مساحة الأرض التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية. ترامب بذلك يعترف، دون مواربة، أن مستقبل الإستيطان، وأن فعل الإستيطان، في حقيقته هو الضم لإسرائيل.
بعد هذه الخطوة الإستراتيجية، بل والتاريخية، والتي تشكل منعطفاً خطيراً في مسيرة الصراع، يصل فيه التهديد بتهديم المشروع الوطني الفلسطيني إلى ذروة غير مسبوقة، إنتقلت سلطة الإحتلال إلى خطوة أخرى، من شأنها، هذه المرة، أن لا تغلق الطريق على إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة فحسب، بل وكذلك من شأنها أن تهدم ما تبقى من صلاحيات السلطة الفلسطينية ذات الإدارة الذاتية المحددة.
فقد أصدر ضابط الإدارة المدنية الإسرائيلية، في بيت أيل المحاذية لرام الله، والمشرفة على أعمال السلطة الفلسطينية، وتشكل، عملياً، مرجعيتها العليا (بديلاً للجنة التنفيذية في م.ت.ف) قراراً بإعادة صياغة العلاقة بين الإدارة المدنية ودوائرها، من جهة، وبين المواطن الفلسطيني من جهة أخرى، بحيث يتجاوز الطرفان، محطة وزير الإدارة المدنية في السلطة الفلسطينية، التي يتولاها حسين الشيخ، عضو اللجنة المركزية لفتح، ويصبح من حق المواطن الفلسطيني التقدم بطلباته إلى الإدارة المدنية الإسرائيلية مباشرة، وبحيث تصبح طريق بيت إيل والمدن الفلسطينية مفتوحة على خطين. علماً أن من صلاحيات الإدارة المدنية الإسرائيلية منح التجار والصناعيين ورجال الأعمال وعموم المواطنين الفلسطينيين رخص الإستيراد والتصدير عبر الحدود الأردنية، ورخص السفر إلى غزة عبر «الممر الآمن» ورخص الإنتقال إلى داخل إسرائيل، للعمل أو لإستشفاء أو لأية أغراض أخرى، كما أن الإدارة المدنية الإسرائيلية هي التي تمسك بسجل السكان في الضفة الفلسطينية، بما في ذلك منح ما يسمى بـ «الرقم الوطني» وإصدار بطاقات الهوية الفلسطينية، وأذون السفر عبر الحدود الأردنية وكذلك أذون الدخول إلى الضفة لمن لا يملكون «الرقم الوطني».
وإذا ما نظرنا إلى حجم صلاحيات الإدارة المدنية الإسرائيلية، أدركنا حقيقة صلاحيات السلطة الفلسطينية وأدركنا حدود وطبيعة مسؤولياتها، والتي تحتل فيها المهام الأمنية بالتعاون مع سلطات الإحتلال أكثر من 50% مجموع مهامها وصلاحياتها.
وعندما «تسطو» الإدارة المدنية بقرار من الحاكم العسكري للضفة على الجزء الكبير من صلاحيات ومهام السلطة الفلسطينية، ففي ذلك خطوة ذات مضمون سياسي فاقع لا يمكن التستر عليه، وإن كانت السلطة قد إستقبلت هذه الإجراءات بالصمت المطبق.
المصادر الصحفية الإسرائيلية رأت في هذه الإجراءات تحوطاً من سلطات الإحتلال لإحتمال إنهيار السلطة الفلسطينية. ولا تفصل هذه المصادر بين سياسات الضم الإسرائيلية، وتعطل العملية التفاوضية، وإنسداد أفق الوصول إلى «تسوية» في المدى القريب (إلا بشروط نتنياهو) وبين إحتمال تآكل السلطة الفلسطينية، وتآكل هيبتها في أعين المواطنين، ووصول الشارع الفلسطيني إلى قناعة سياسية تقود إلى «تفجير الأوضاع»، بحيث يكون الصدام هذه المرة مع السلطة إن هي حاولت أن تنبري للتصدي للحراك الشعبي، كما فعلت مع الإنتفاضة الشبابية، في إطار إلتزاماتها الأمنية مع سلطات الإحتلال بموجب إتفاقات أوسلو.
وليس سراً أن يقال إن السلطة الفلسطينية مازالت حريصة على التأكيد للجانب الإسرائيلي، وللولايات المتحدة خاصة إلتزامها إتفاق أوسلو.
وكانت زيارة ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية الأخيرة إلى واشنطن تندرج في هذا السياق، وإقتصرت، كما أكدت مصادر السلطة، على بحث قضايا التعاون الأمني الثلاثي: الأميركي ـــــ الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني.
وليس سراً أن يقال (أيضاً) إن السلطة الفلسطينية مازالت تراهن على إمكانية إستئناف العملية التفاوضية مع إسرائيل. هذا ما أكده رئيس السلطة في زيارته إلى باريس ولقائه الرئيس هولاند، وفي زيارته إلى بروكسل ولقائه المسؤولين في بلجيكا. وهذا ما تؤكده خطاباته السياسية وخطابات مساعديه. وأن كل التهديدات بإمكانية اللجوء إلى المحافل الدولية، ماهي إلا مجرد كلام لم يرقَ إلى مستوى الحد الأدنى من الفعل.
الأرض تتآكل، والجانب المسؤول في السلطة وفي م.ت.ف يقف متفرجاً، بإنتظار ما سوف تسفر عنه «تأملات» الرئيس ترامب، وهي في أحسن أحوالها لن تتجاوز حدود ما فعله جون كيري ووصل به إلى الفشل.
صلاحيات السلطة تتآكل، والجانب المسؤول فيها يمارس سياسة الصمت وإغماض العينين ويعيش في الوقت نفسه حالة إنكار.
وإذا كان نتنياهو قد نقل المشروع الفلسطيني، من الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة إلى «الدولة المنقوصة»، فإن إجراءات ضابط الإدارة المدنية الإسرائيلية حولت السلطة الفلسطينية إلى مجرد «حكم إداري منقوص».
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
Sorry. No data so far.