| نشر في يونيو 12, 2013 11:03 ص | القسم: قضايا ساخنة | نسخة للطباعة :
د. داليا حسين مجلة الطليعة المصرية ـ العدد الرابع ٤ ـ ٢٠١٣م القاهرة
استاذ جامعي بكلية حقوق جامعة الزقازيق
مقدمة:
ليس الدستور مجرد عقد اجتماعي يرتضيه المحكومون، بل هو ايضا وثيقة أساسية تتضمن وتضمن حقوق المواطنين التي لا يجوز لأي سلطة تشريعية كانت او تنفيذية او حت ىقضائية الجور عليها، لذلك، كتبت عدة دراسات عن كيفية صياغة الدساتير وعما يتعين ان تتضمنه.
وتتفق هذه الدراسات على ان الدستور يتضمن أساسا تنظيم سلطات الدولة، والتي تنقسم الى تشريعية وتنفيذية وقضائية، وينص على اختصاصاتها والعلاقة بينها وما تمارسه إحداها من رقابة على الاخرى، كما ينظم الدستور وضع عدة مؤسسات هامة في الدولة كالجيش والشرطة ومختلف الاجهزة الرقابية يوقرر دورها .
ويتضمن الدستور كذلك، وهو ما يعنينا هنا، حقوق المواطنين وحرياتهم، وتأتي اهمية النصوص المتعلقة بهذه الحقوق من كون الدستور هو القانون الأسمى، ووالذي لا يمكن لأي نص آخر أدنى منه ( سواء كان نصا قانونيا صادرا من السلطة التشريعية او نصا لائحيا صادرا من السلطة التنفيذية وفقا لنطاق اختصاصها الوارد في الدستور) ان يخالف ما به من حقوق وضمانات او ينتقص منها.
ومن هنا، تتأكد اهمية ضمان حقوق الواطنين في الدستور بشكل صريح، وبصيغة ملزمة للدولة، وكافة مؤسساتها وقاطعة في دلالاتها، بحيث لا تقبل شكا او تأويلا يؤديان لاختلاف في تفسيرنطاقها ومقصودها.
وهذه الحقوق تتفرع ال ىعدة انواع، اهمها وأشهرها على الاطلاق الحقوق المدنية والسياسية،كالمساواة امام القانون وحق الانتخاب والترشح في الانتخابات وحرية الرأي والتعبير، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مضمون هذا المقال.
الأجور:
نصت المادة ٧ من دستور البرازيل على ” حد أدنى وطني من الأجور يكون مناسبا يحدده القانون”، ويكون قادرا على إشباع الاحتياجات المعيشية الأساسية للعمال ولأسرهم من حيث السكن والغذاء والتعليم والصحة ووقت الفراغ والملبس والنظافة والانتقال والضمان الاجتماعي مع إدخال تسويات دورية عليه للابقاء على قوته الشرائية ومع حظر استخدامه كمؤشر لأي غرض.” وتضمنت هذه المادة كذلك ضمان حصول العامل على إجازة أسبوعية بشكل صريح،والحصول على أجر إضافي حين العمل في نوبات ليلية، وفي المشاركة في الاستفادة من الأرباح او النتائج بصرف النظر عن الاجور، وكذا الحصول على بدل عائلي بصرف لصالح من يعولهم العامل من أصحاب الأجر المنخفض، فضلا عن الحصول على مساعدة مجانية للأطفال المعللين من مولدهم وحتى بلوغهم ست سنوات، والحصول على مكافآت إضافية نظير العمل الشاق وغير الصحي او المنطوي على خطورة.
وفي فنزويلا، نصت المادة ٩١ على ان لكل عامل الحق في “راتب مجز يسمح بالعيش الكريم ويسد الحاجات المادية والثقافية والاجتماعية الأساسية له ولعائلته. يضمن دفع رواتب متساوية للأعمال المتشابهة وتحدد المساهمة التي يجب ان تقدم للعمال من أرباح الشركة. لا يمكن الحجز على الراتب ويتم دفعه بشكل دوري وفوري وبالعملة المتداولة قانونا باستثناء الالتزام الغذائي الذي يوفي حسب القانون. تضمن الدولة لعمال القطاع العام والخاص راتب الحد الادنى الأساسي الذي يعاد تقديره كل عام، مع الأخذ بعين الاعتبار تكاليف الغذاء الأساسي كمؤشر. يحدد القانون الشكل والإجرات.
أما عن الدستور المصري الجديد، فقد تضمنت المادة ٦٤ منه النص التالي: ” وتكفل الدولة حق كل عامل في الاجر العادل والاجازات والتقاعد والتأمين الاجتماعي والرعاية الصحية والحماية ضد مخاطر العمل وتوافر شروط السلامة المهنية في أماكن العمل، وفقا للقانون”.
ونصت المادة ١٤ من الدستور الجديد، والتي وردت في الباب المتعلق بمقومات الدولة الاقتصادية، على ما يلي في فقرته الثالثة: ” ويجب ربط الأجر بالانتاج، وتقريب الفوراق بين الدخول، وضمان حد أدنى للأجور والمعاشات يكفل حياة كريمة لكل مواطن، وحد اقصى في اجهزة الدولة لا يستثنى منه الا بناء على قانون”.
وهكذا ، ففيما يتعلق بالأجر ، يظهر النص انه يتعين الالتزام بالحد الادنى من الاجور بالنسبة للقطاعين العام والخاص. أما الحد الاقصى، فلا تلتزم به الا اجهزة الدولة.
لم يتضمن الدستور المصري الجديد تعريفا لما هو الأجر العادل، ولا حدد ما يتعين ان يتضمنه القانون من معايير. ولم تحدد مواد الدستور كذلك من هي الجهة المنوط بها تحديد الحدين الادنى والأقصى، ولا نص على أي نسبة بينهما.
وبالمقارنة مع نصوص الدساتير سالفة الذكر المتعلقة بذات المسألة، فإن هذه الدساتير قد تضمنت حدودا دنيا للأجور، ربطها بعضهم بمؤشرات أثمان السلع الغذائية، كما وضعت ضوابط للأجر، وهو كفاية احتياجات العامل، وقد تبدو بعض هذه الضوابط عامة، الا ان النص عليها يجبر كل من المشرع والمحاكم على تحديدها والتقيد بها حين تقرير مقدار الحد الأدنى من الأجر.
وبينما ربط الدستور الجديد الأجر بالانتاج لا بالاسعار ولا بالظروف الاقتصادية العامة، حملت ذات المادة ـ أي المادة ١٤ تكاليف التنمية الاقتصادية على العاملين، فنصت على ان “تعمل خطة التنمية على إقامة العدالة الاجتماعية والتكافل، وضمان عدالة التوزيع، وحماية حقوق المستهلك، والمحافظة على حقوق العاملين، والمشاركة بين رأس المال والعمل في تحمل تكاليف التنمية، والاقتسام العادل لعوائدها،” فالعامل يتحمل تكاليف التنمية ويشارك رأس المال في تكاليفها، بينما لا يضمن له حد أدنى مرتبط بالاسعار.
ويبدو النص على امكانية الاستثناء من الحد الاقصى بقانون كارثيا، إذ انه فضلا عن المادة ١٤ تضمن الأجور لا الدخول، مما يفتح الباب واسعا أمام التحايل بزيادة ما يحصل عليه العاملون من حوافز وبدلات لا تدخل في احتساب الأجر الأساسي، فان النص قد سمح صراحة الاستثناء من الحد الاقصى بقانون.
كما لم يتضمن الدتسور الجديد اي حقوق للعامل في الحصول على الأجر،ولم ينص على ان الامتناع عن دفع اجر العامل جريمة ـ كما هو الحال في بعض هذه الدساتير، يفتح الباب امام المشرع لتعديل القانون على نحو لايجعل هذا التصرف مجرما.
ونص الدستور المصري على حق العاملين في الحصول على نسبة ارباح المشروعات وعلى نصيب في ادارتها بصورة مجملة، وفي المادة ٢٧ والتي تقع ضمن الفصل الثالث من الباب الأول والمتعلق بالمقومات الاقتصادية للدولة، بل ان هذاالنص قد ألزم العاملين بتنمية الانتاج والمحافظة على أدواته وتنفيذ خطته في وحداتهم الانتاجية وفقا للقانون!
حق الاضراب
جاء النص على الحق في الإضراب بشكل عام في اغلب الدساتير محل البحث، وأحالت كافة الدساتير الى القانون لتنظيم هذا الحق. فجاء النص في دستور جنوب افريقيا، في المادة ٢٣ بأن “لكل عامل الحق في … جـ ـ” الاضراب”. وأتت المادة ٩٧ من دستور فنزويلا بنص مماثل، حيث كفلت لجميع عمال القطاع العام والخاص الحق في الاضراب، ضمن الشروط التي يحددها القانون.
وتضمن دستور البرازيل مادتين تتعلقان بالاضراب ، المادة الأولى هي المادة ٩ والتي نصت على انه “يضمن حق الاضراب عن العمل، ويكون من اختصاص العمال ان يبتوا في استصواب ممارسته وفي المصالح التي يدافع عنها بواسطته …”، والمادة الثانية هي المادة ٣٧ وجاء بها : يمارس حق الاضراب بالطريقة التي ينص عليها قانون محدد وفي إطار الحدود التي ينص عليها ذلك القانون”.
أما دستور بوليفيا ، فقد نصت المادة ٥٣ منه على : “للعاملين في مجال العمل الحق في الاضراب ووقف العمل وفي ممارسة السلطة القانونية والدفاع عن حقوقهم المنصوص عليها في القانون”.
ويبدو نص الدستور البوليفي اكثر النصوص توسعا في مجال ضمان ممارسة الحق في الاضراب، ومع ذلك، يبدو الحق في الاضراب مقيدا بان يكون للدفاع عن الحقوق المنصوص عليها في القانون، دون المطالبة بحقوق جديدة، وهو ما تحتمله قراءة النص.
ولم يأت الاضراب في الدستور المصري الجديد في صورة مختلفة، فقد تضمنته المادة ٦٤ في عجزها، وفي جملة واحدة مبتسرة وهي : ” والاضراب السلمي حق ينظمه القانون “. ويترتب على هذه الجملة ان السلطة التشريعية لا يجوز لها منع الاضرابات كلية، وإن كان يمكنها وضع قيود على ممارسة هذاالحق.
الحق في السكن:
نظمت بعض الدول الحق في السكن تنظيما تفصيليا، الا ان ايا منها لم ينص على الزام الدولة بتوفير مسكن ملائم للمواطنين. وتطورت هذه المسألةفي جنوب افريقيا وكانت محلا لنزاع قضائي.
فنصت المادة ٢٦ من دستور جنوب افريقيا على انه:
١ ـ لكل شخص الحق في الحصول على سكن ملائم.
٢ ـ تتخذ الدولة تدابير تشريعية معقولة وغيرها من التدابير، في حدود مواردها المتاحة، لتحقيق التجسيد المبتكر لهذا الحق.
٣ ـ لا يجوز ان يطرد اي شخص من منزله او ان يهدم منزله دون حكم صادر من محكمة بعد مراعاة كل الظروف ذات الصلة. ولايجوز ان يسمح اي تشريع بالطرد التعسفي.”
ونصت المادة ٨٢من دستور فنزويلا: ” لكل شخص الحق في مسكن مناسب وآمن ومريح تتوفر فيه الخدمات الأساسية الرئيسية التي يحتويها منزل يضمن انسانية العلاقات العائلية وعلاقات الجوار والعلاقات الاجتماعية. إن التوفير المستمر لهذا الحق التزام مشترك بين المواطنين والدولة في جميع المجالات. تعطي الدولة الأولوية للعائلات وبشكل خاص لذات الدخل المحدود، وتضمن لهاالوسائل كي تتمكن من الاستفادة من السياسات الاجتماعية والتسليف من أجل بناء او إصلاح او توسيع المساكن.”
أما دستور بوليفيا، فقد نصت المادة ١٩ منه على ما يلي:
١ـ لكل فرد الحق في السكن اللائق والذي يرفع من شأن حياة الاسرة والمجتمع.
٢ـ تكفل الدولة والحكومة على جميع المستويات التخطيط لتشجيع الكسب الاقتصادي من خلال توفير التمويل الكافي على أساس مبادىء التضامن والعدالة.
واستخدام هذه الخطط في الافضلية للعائلات ذات الدخل المنخفض والفئات المحرومة والمناطق الريفية.” ونصت المادة ٣٧٥ من دستور إكوادور على انه : ” تكفل الدولة على جميع مستويات الحكومة، الحق في السكن اللائق، وتشمل:
٣ ـ تحسين السكن غير اللائق، وتوفير الملاجىء والأماكن العامة والمساحات الخضراء وتعزيز قيمة الايجار بموجب نظام خاص.
٤ ـ ضمان توفيرالخدمات العامة واستمراريتها من مياه وكهرباء الى المدارس والمستشفيات.
٥ ـ ضمان حق الجميع في توقيع عقود ايجار بسعر عادل ودون مغالاة.
٦ ـ ضمان وحماية وصول الجمهور الى شواطىء المحيط وشواطىء البحيرات والانهار ووجود طرق مباشرة للوصول اليها. وتشرف الدول على التخطيط والتنظيم والتمويل والرقابة وتنمية الاسكان وسياسة السكن فيها.”
أما عن الدستور المصري الجديد، فقد تضمن الحق في السكن الملائم في المادة ٦٨ والتي نصت على ان المسكن الملائم والماء النظيف والغذاء الصحي حقوق مكفولة. وتتبنى الدولة خطة وطنية للاسكان ، تقوم على العدالة الاجتماعية، وتشجيع المبادرات الذاتية والتعاونيات الاسكانية وتنظيم استخدام اراضي الدولة لاغراض العمران، بما يحقق الصالح العام ويحافظ على حقوق الاجيال.”
وهذا النص لم يضع على عاتق الدولة اي التزامات ايجابية بتوفير مسكن ملائم، وانما يلزمها بحماية الحق في السكن الملائم ، وتبدو كلمة الملائم شديدة العمومية، ولا شك ان الدساتير الاخرى المعروضة انفا تضع شروط ـ وان كانت تتضمن كذلك قدرا من العمومية ـ الا انها تضع بعض الضوابط التي توضح كيفية المسكن الملائم.
وتضمنت ذات المادة الحق في الماء النظيف والغذاء الصحي. وأتى بها النص كحقوق مجردة، وهو ما يعني ان التزام الدولة محددة في حمايتها وعدم الاعتداء عليها ، لا بتوفيرها.
الحق في التعليم:
تضمنت أغلب دساتير الدول محل البحث مواد تتعلق بالحق في التعليم، من حيث الزامية وضمان العدالة وعدم التمييز والاختلاف الثقافي، وكرست مواد اخرى للتعليم الالزامي وللتعليم الجامعي، وخصصت بعض الدساتير نصوصا تضمن تعليم المعوقين، وتضمن المساواة في التعليم.
كما تضمن دستور بعض الدول كالبرازيل نصوصا خاصة بتمويل التعليم ، فقد خصصت المادة ٢١٨ من دستورالبرازيل ان الدولة تخصص ما لا يقل عن ١٨٪ من عائدات الضرائب وتخصص الولايات والمناطق البلدية ما لا يقل عن ٢٥٪ من عائدات الضرائب لتمويل التعليم. ونصت كذلك على ان تخصص مساهمة اجتماعية لأغراض التعليم تحصل من الشركات. ،وتكون الأولوية للتعليم الالزامي في توزيع هذه المبالغ.
وتضمن المادة ٣٧٥ من دستور إكوادور ان الدولة تكفل تمويل مؤسسات التعليم العالي، ويجوز للجامعات والمعاهد الفنية البحث عن مصادر تمويل اخرى لتحسين قدراتها الأكاديمية، بما لا يحمل تكلفة او رسوما على الطلاب.
ولا يخفي اهمية مثل هذه النصوص، والتي خلا منها الدستور المصري. وغير خاف على اي اكاديمي مصري، ما تطالب به الجامعات منذ سنوات، وتنفيذا لمشروع الجودة القومي ولمتطلبات هيئة ضمان الجودة والاعتماد، من ضرورة بحث الجامعات عن مصادر تمويل ذاتي، مما دفع الجامعات المصرية الى عمل الكثير من المشروعات التي تبدو مظهرها انها توسع من التعليم وتطوره ـ كالتعليم المفتوح وبرامج التعليم في اقسام اللغات وما يطلق عليه برامج التعليم المميز في بعض الكليات العملية واستضافة طلاب وافدين من خلال فتح برامج خاصة لهم ـ الا انها في حقيقتها ليست سوى طرق لجباية الأموال لتنمية الموارد الذاتية للجامعات. الا ان لهذه المسألة حديث آخر..
ونصت المادة ٢٩ من دستور جنوب افريقيا على إنه:
١ ـ لكل شخص الحق في : أ ـ الحصول على التعليم الاساسي، بما في ذلك التعليم الاساسي للبالغين ب ـ الحصول على اي تعليم اضافي يتحتم على الدولة، من خلال تدابير معقولة ، ان تجعله متاحا وسهل المنال بشكل مبتكر.
٢ ـ لكل شخص الحق في ان يتلقى تعليمه في المؤسسات التعليمية الحكومية باللغة او اللغات الرسمية التي تختراها اذا كان ذلك التعليم ممكنا…”
اما دستور بوليفيا فقد نصت المادة ٨٢ منه على ان “تكفل الدولة الحصول على التعليم لجميع المواطنين، على قدم المساواة التامة” ، وتضمن ايضا في المادة ٨٤ واجب القضاء على الأمية من خلال الدولة والمجتمع ومن خلال برامج تتماشى مع التنوع الثقافي واللغوي للسكان”.
ونص كذلك على الحق في تعليم الأطفال المعوقين بأن ألزم الدولة بتعزيز ضمان التعليم المستمر للأطفال مع المهارات الخاصة. ونصت الماد ٨٦ على ان المدارس تحترم حرية الضمير والعقيدة وتعاليم الدين والقيم الروحية للأمم والفلاحين الأصليين وتضمنها، وتشجع الاحترام المتبادل بين الناس مع مختلف الخيارات الدينية وليس بطريقة الفرض العقائدي، ويحظر على المراكز التعليمية التمييز في قبول الطلاب او استمرارهم فيها على أساس ديني.
ونصت المادة ٩١ من ذات الدستور على استقلال الجامعات، وحرية إدارة مواردها وتعيين اعضاء هيئة التدريس واعداد واقرار المناهج والميزانيات. وضمنت المادة ٣٥٥ من دستور اكوادور استقلال الجامعات كذلك.
أما دستور فنزويلا ، فقد نصت المادة ١٠٢ منه على ان التعليم حق انساني وواجب اجتماعي اساسي وهو ديمقراطي ومجاني والزامي…” ونصت المادة ١٠٣ على ان : ” لكل الاشخاص الحق في تعليم متكامل بمستوى راق وبشكل متواصل وبشروط وفرص متساوية، دون اي قيود غير تلك المتأتية من كفاءتهم ومواهبهم وتطلعاتهم. التعليم إلزامي في كل مراحله من الحضانة وحتى المستوى المتوسط. الانتساب لمؤسسات الدولة والتعلم فيها مجاني حتى الجامعة. لتحقيق هذا الهدف تكون الأولوية في مخصصات ميزانية الدولة … ”
ونص ذات الدستور في مادة مستقلة .. هي المادة ١٠٩ على استقلال الجامعات: ” تعترف الدولة بالاستقلال الجامعي كمبدأ…” ونص على ان هذا الاستقلال يشمل تخطيط برامج البحث وتنظيمها وتشغيلها، كما قررت حصانة الحرم الجامعي.
وقد نص دستور البرازيل في المادة ٢٠٥ على انه ؛ يشجع ويعزز التعليم وهو حق للجميع وواجب على الدولة وعلى الاسرة…” وقررت المادة ٢٠٦ ان التعليم يقوم على عدة مبادىء اهمها تكافؤ فرص الحصول عليه والبقاء في الدراسة ومجانية التعليم العام في المدارس الرسمية وضمان معايير الجودة”. ونصت المادة ٢٠٧ صراحة على استقلال الجامعات تعليميا وعلميا واداريا، وكرست مبدأ عدم الفصل بين التدريس والبحث والارشاد. كما تضمنت المادة ٢٠٨ نصوصا عن التعليم الالزامي ومجانيته والزمت الدولة تدريجيا بتعميم التعليم الثانوي تدريجيا، وكذا توفير تعليم متخصص للمعوقين.
وفي الدستور المصري الجديد، نصت المادة ٥٨ على ان “لكل مواطن الحق في تعليم عالي الجودة، وهو مجاني بمراحله المختلفة في كل مؤسسات الدولة التعليمية، والزامي في مرحلة التعليم الاساسي، وتتخذ الدولة كافة التدابير لمد الالزام الى مراحل اخرى…” ونصت المادة ٥٩ على ان حرية البحث العلمي مكفولة. والجامعات والمجامع العلمية واللغوية ومراكز البحث العلمي مستقلة، وتخصص لها الدولة نسبة كافية من الناتج القومي”.
وقد اعترف الدستور بحق المواطنين في التعليم،وكرست مجانية التعليم في مؤسسات الدولة. وبينما لم تتضمن هذه الخاصة بالتعليم ما قبل الجامعي تخصيص اي ميزانية او نسبة من الدخل القومي للتعليم ، تضمنت المادة ٥٩ ان الدولة تخصص “نسبة كافية” ـ غير محددة ـ من الناتج القومي للجامعات ومراكز البحث العملي المستقلة. ولا يمكن ان يفهم اذا كان هذا التضارب في الصياغة ـ والذي قد يؤدي الى تضارب في الاحكام المطبقة ـ مقصودا ام سهوا . بل ان حرية البحث العلمي المنصوص عليها في صدر المادة ٥٩ محددة بدورها بالمادة ٨١ من الدستور، والتي قيدت صراحة ممارسة الحقوق والحريات ، باحترام المقومات الواردة في باب الدولة والمجتمع ومن ضمنها الأخلاق والآداب والحقائق العلمية والثقافة العربية والتراث التاريخي والحضاري للشعب ولم توضح المادة ٨١ ما اذا كانت تستهدف جميع الحقوق والحريات الواردة في الدستور وفي بابه الثاني المعنون (الحقوق والحريات) . ام انها تتعلق بالحقوق والحريات التي وردت في الفصل الرابع المعنون “ضمانة الحقوق والحريات”. والتي تأتي هذه المادة في نهايته.
الخلاصة لا يمكن القول بان ضمان الحقوق المدنية والسياسية كاف لتحقيق الديمقراطية، اذ لا يتم ذلك الا بضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ايضا، ولذا يبدو اعادة توزيع الثورة مفتاح ضمان الحريات وممارسة الديمقراطية. ولذلك ، لا يمكن خداع الشعوب بان الديمقراطية قد تحققت بمجرد ممارسة الحق في الترشح والانتخاب وباجراء عملية انتخابات نزيهة وسليمة. فلا يمكن تحقيق اي حق سياسي، ولا يمكن تحقيق الحريات السياسية ان لم تكن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد تحققت فعلا.
ان الدستور المصري الجديد تضمن بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي لم يكن يتضمنها دستور ١٩٧١ وهي مسألة ايجابية ولا شك. ومع ذلك فبالنظر الى هذه الحقوق، من حيث الصياغة،وبالمقارنة مع بعض الدساتير الاخرى المشهود لها من قبل المتخصصين ، فانه لا يمكن القول بان الدستور المصري أفضل دساتير العالم ، على النحو الذي يراد لنا تصديقه. ونقول من حيث الصياغة، لأننا في هذه المرحلة المبكرة لا يمكن لنا الحكم الا عليها. أما عن التنفيذ، فهذا هو المعيار الحقيقي الذي يمكن معه الحكم على الدساتير ومدى حفاظها على حقوق المواطنين.
ان ضمان تنفيذ نصوص الدستور المصري الجديد لا يقع فقط في ايدي السلطة التنفيذية وانما كذلك في تطبيق السلطتين التشريعية له وفي مدى الرقابة والالزام الذي يتوقع من السلطة القضائية ان تمارسه. ان العديد من الدساتير، ومنها دستور ١٩٧١ تضمنت قوائم طويلة من الحقوق التي ضربت بها النظم الحاكمة عرض الحائط تارة ،والتفت عليها بمختلف الطرق تارة اخرى.ولا أدل من ذلك على الخصخصة التي كانت مخالفة صريحة لدستور ١٩٧١ مثلا،وعلى دستور ١٩٧١ ذاته الذي تضمن نظاما اشتراكيا في مظهره، بينما تبنت الدولة سياسات الانفتاح الاقتصادي ثم الخصخصة ونفذتها في ظل نصوصه، بل على الرغم من نصوصه بتعبير أدق.
ولذلك يبدو المعيار الحقيقي والأهم في تنفيذ نصوص الدستور وليس فقط في النصوص الدستورية نفسها. ويتطلب ذلك سلطة قضائية مستقلة وواعية تطبق نصوص الدستور بما يتفق مع تطلعات الشعب واهداف الثورة. ولا يمكن ان يتم ذلك بمعزل عن حراك شعبي من المصريين على اختلاف فئاتهم ، للمطالبة بتوفير ما تضمنه الدستور من حقوق، وما كان ينبغي له ان يتضمنه. ولن يتضح ذلك الا بمرور المزيد من الوقت.. وان غدا لناظره قريب.
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
Sorry. No data so far.