- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/weekly -

ملاحظات على هامش “مؤتمر المثقفين ضد الإرهاب” في تونس/ اسيا العتروس

اعلامية تونسية

القلم والفكر في مواجهة ثقافة الموت وخراب التطرف. هذا صحيح. ولكن ينبغي ان يكون الرد الثقافي منهجيا ومتواصلا ومشفوعا بخطوات عملية.

ماذا بعد انعقاد مؤتمر المثقفين حول الإرهاب؟ قد يكون في الحضور المكثف للمشاركين من مختلف الأجيال والانتماءات الذين اجتمعوا الأربعاء الماضي بقصر المؤتمرات بتونس لمواكبة أشغال مؤتمر المثقفين ضد الإرهاب ما يمكن أن يمنح منظمي المؤتمر إحساسا بالارتياح والقناعة بأنهم كسبوا رهانا أولا في جمع المثقفين في موعد غالبا ما يكون التونسيون فيه منصرفين الى التمتع بالعطلة الصيفية. والحقيقة أن ما يمكن أن يحسب لمنظمي المؤتمر لا يتوقف عند هذا الحد وهم الذين أثثوا لهذا اللقاء لمشاركة ثلة من رجال الفكر والثقافة والنشطاء بينهم شاعر تونس الصغير أولاد أحمد الذي تحدى المرض وجاء ليؤكد بدوره أهمية الكلمة في محاربة فتنة الخطاب التكفيري وبسمة بلعيد أرملة ورفيقة الشهيد شكري بلعيد وكريمة بنون الجزائرية ابنة المناضل الجزائري خلال سنوات الجمر وغيرهم من المثقفين من فرنسا وإيطاليا وأميركا الذين جاؤوا لدعم مبادرة زملائهم في تونس في خطواتها الأولى بعيدا عن مظلة الأحزاب والسياسيين وحساباتهم المعلنة والخفية.
لكن هذا الشعور بالرضاء والإحساس لكسب هذا الجزء من الرهان قد لا يستمر طويلا اذا لم تكن هذه الخطوة الأولى الحماسية والمحملة بالكثير من الطموحات مشفوعة بخطوات أخرى عملية تؤتي ثمارها في مختلف الأوساط وتساعد على ازالة الستار الذي يمنع المهووسين اليوم وهم كثر في أوساط الشباب من الجنسين بفكرة الجهاد من أجل إقامة دولة الخلافة الى العودة الى واقعهم والبحث عن معالجة قضايا عصرهم وهو ما لا يمكن أن يكون بدون توفير مشروع بديل قادر على اسقاط المشروع الذي تروج له الجماعات الإرهابية وتدفع لضحاياها الى الاحساس بالغربة في المجتمعات التي ينتمون لها. وهو أمر يبدأ من المؤسسات الجامعية المستباحة والتي من حضنها كان التأسيس لهذا المؤتمر المتأخر والتي لا يمكن أن ننسى والأسف أنها تحولت خلال السنوات الأربع الماضية إلى منبر للتنافس بالسيوف لا بالاقلام والأفكار والمبادرات والابداع وما يمكن أن يؤسس لمجتمع أفضل. ولكن على العكس من ذلك تحولت إلى منبر لنشر خطاب حاقد ينشر البغض والفتن بين شباب فقد البوصلة ولم يعد يجد في المؤسسة الجامعية التي ينتمي اليها ذلك المشروع الذي طالما حلم به قبل الوصول اليها.
ربما لا نبالغ اذا اعتبرنا أنه كان يفترض أن تكون حادثة استبدال راية تونس الحمراء والبيضاء الجامعة لكل التونسيين براية سوداء على يد شاب يدل مظهره ولباسه على أفغانيته منطلقا لتحرك الجامعيين والنخب المثقفة ولكنها للأسف تخلفت عن الموعد ليس بالغياب عن التنديد بما حدث ولكن بتحركها فرادى قبل أن تتراجع حماستها وتعود الى ممارساتها اليومية.
ومن هنا جسامة المسؤولية وثقل المهمة اللتان تنتظران الجامعيين الذين تاخروا طويلا في رص الصفوف في معركة لا يمكن كسبها فرادى في النوادي والذين لن يكون مسموحا لهم بعد هذه الخطوة بالعودة الى أبراجهم العاجية وأن يلوذوا بمكاتبهم وبحوثهم التي لن تجد من يقرأها أو يتوقف عندها اذا استمر النزيف الحاصل للشباب التونسي واستمرت بالتالي محاولات الاستقطاب سواء في المساجد الخارجة عن سيطرة الدولة أو عبر شبكات الانترنت وهو السلاح الذي يوفر للشبكات الإرهابية كل أسباب التمويل البشري والمالي ويمنحها ما تبحث عنه من عناصر جديدة ومشاريع انتحاريين يقع انتدابهم تحت أنظار أساتذتهم بل وآبائهم وأمهاتهم الذين قلما ينتبهون للخطر الذي اقتحم بيوتهم في غفلة منهم ولا يستفيقون منه الا بعد فوات الأوان.
وبالعودة الى مؤتمر المثقفين ضد الإرهاب فان الأكيد أن في رسائلهم المتعددة بالانتصار لمشروع تونس الحداثة وتحقيق الحلم الذي استنزف دم وروح الشهيد شكري بلعيد ومحمد البراهمي وغيرهما أيضا من حماة الوطن في دفاعهم عن دولة المؤسسات والقانون والعدالة الاجتماعية ممن طالتهم يد إرهاب ما يستوجب الاستنفار تحسبا للقادم واستباقا للاسوأ. والامرلا يتعلق بمبالغات ولكن يتعلق ببلد كان قبل سنوات رمزا لثورة بلد يتطلع الى الانعتاق من قيود الظلم والفساد والاستبداد ويتطلع للافضل في مختلف مجالات الحياة ولكنه بات اليوم يصنف في مختلف وسائل الاعلام كأول بلد مصدر للإرهابيين والانتحاريين من سوريا الى العراق وليبيا وفق احصائيات لوزارة الداخلية التي أكدت أكثر من مرة أنها منعت الالاف من المغادرة من أجل القتال في هذه الدول وهي حقيقية أخرى مزعجة أيضا فمنع هؤلاء من السفر لا يعني بأي حال من الأحوال استعادتهم للرشد المفقود أو تراجعهم عن الأفكار التي يريدون السفر لاجلها وبالتالي فانه لا أحد يعرف ما يمكن أن تخفيه عقولهم من مخططات أو عمليات إرهابية انتقامية مؤجلة.
قد يكون من السابق لاوانه الحكم على نتائج المؤتمر الذي اشترك في تنظيمه نخبة من المثقفين الفاعلين على الساحة التونسية من جامعيين وأكاديميين وباحثين واعلاميين فالحرب المعلنة ضد الإرهاب الذي استنزف حتى الان من دماء التونسيين وحماة الوطن ما لم يكن بالإمكان تصوره قبل 14 من يناير. لعل أول الرسائل التي حرص منظمو المؤتمر على توجيهها أن يكون هذا اللقاء الذي تم تحت شعار «لا للارهاب «عشية الذكرى السنوية لعيد المرأة بكل ما يعنيه ذلك من إشارات بشأن التحديات والمخاطر التي استهدفت حقوق المرأة وموقعها بشكل خاص منذ تصاعد موجة التطرف في البلاد.
من الواضح اليوم أنه لا أحد يملك وصفة جاهزة ضد الإرهاب والتطرف بما في ذلك القوى الكبرى التي صنعت التنظيمات الإرهابية ومولتها وجعلت لها دورا على الخارطة الجيوسياسية ثم لما اشتد عودها وتمردت عليها تفطنت للخطر وباتت تقود الحرب ضدها.
اخطبوط الإرهاب يتمدد ويهدد مستقبل الكثيرين ولا أحد اليوم يعرف كم جيلا سيذهب ضحية الإرهاب قبل كسب المعركة التي لا يمكن للشعارات الحماسية وكل الخطب والكلمات الجميلة أن تخفيها ولكنها يمكن عندما تتحول الى مشروع شعبي ثقافي مشترك أن تحفز الرأي العام وتنير العقول المتبلدة وتحرك الجمود في النفوس وتضع حدا لثقافة التواكل واللامبالاة والانعزال مع وسائل التواصل الافتراضي التي توشك أن تقضي على بقية من وجود لمجتمع مدني متطوع وناشط حمل في كثير من الأوقات بذور الوعي المفقود.