| نشر في يوليو 30, 2015 4:30 م | القسم: شؤون ثقافية | نسخة للطباعة :
الروائي جمال ناجي الرئيس السابق لرابطة الكتاب الاردنيين
عضو الامانة العامة للتجمع الديمقراطي الاردني
الرئيس السابق لرابطة الكتاب الاردنيين
رئيس المركز الثقافي العربي
علاقتي بالرفاق في حزب حشد قديمة جديدة بدأت قبل أعوام من تأسيس الحزب، وهي على متانتها وامتدادها ، اتخذت صفة الصداقة منذ بدايتها مع عدد من الأصدقاء ممن يحملون الفكر الديمقراطي ، أقربهم كان يوسف الحوراني الذي جرني معه إلى معركة نقابية انتخابية في نقابة المصارف أدت إلى فوز كتلته في تلك المعركة التي كان لي – كسواي – دور فيها. يوسف الحوراني كان وجها مشرقا للعمل السياسي ومدعاة اطمئنان وثقة . ما زال كذلك .
كان السبب الأهم لصداقتي لأولئك القوم الديمقراطيين ، انني وثقت – ولا زلت – بديمقراطيتهم في تعاملهم مع الآخرين ، ويصرون على تنويع علاقاتهم ، ويحترمون الكُتاب دون أن يرتبط هذا الاحترام بنوايا تنظيمية – أتحدث عن تجربتي .
التطور الأبرز في علاقتي بحشد كان عند تعرفي إلى الصديق، المرحوم سالم النحاس الذي كان مقبلا على الحياة لاعناً لها قابضاً على جمرها ومتآمراً عليها في الوقت ذاته.
سالم هو الذي تبنى نشر روايتي الأولى (الطريق الى بلحارث)، وكتب مقدمة لها وأشعرني بأهميتي ككاتب، إلى حد أنه سئل في تلك الأعوام ( بداية الثمانينات من القرن العشرين ) في أحد مؤتمرات اتحاد الكتاب العرب : ماذا لديكم من جديد على الصعيد الأدبي في الأردن ؟ فأجاب بحماسة : لدينا روائي جديد اسمه جمال ناجي .
هذه الحكاية معروفة في اتحاد الكتاب العرب الذي كان مقره دمشق حينئذ.
توطدت علاقتي بسالم النحاس إلى أن أغلق الحاكم العسكري في العام 1987 رابطة الكتاب التي كانت تجمعنا، ووجدت نفسي خارج وظيفتي البنكية وفي واحدة من الزنازين المنفردة في المبنى القديم للمخابرات ، وكانت التهمة – التي هي شرف لم أدعيه – أنني من عناصر الجبهة الديمقراطية ، مع أنني لم أكن سوى صديق يلتقي مع الكثير من آرائها واجتهاداتها ، وله عدد كبير من الأصدقاء والصديقات في صفوفها، ويرتاح لأسلوبها الفريد في استقطاب المثقفين .
بقيت في الزنزانة المنفردة على ذمة منظمة الجبهة الديمقراطية ورابطة الكتاب مدة خمسة وخمسين يوماً ، ولا أدري حتى الآن لماذا اختاروني أنا بالذات من دون كل كتاب الرابطة ووضعوني في الزنزانة ؟ أذكر أنهم سجنوا أيامها الصديق الكاتب رجب أبو سرية في زنزانة منفردة ، ولم يسجنوا سوانا.
السجن لا يقدم هنا على أنه ميزة نضالية أو موضوع تفاخر ، إنما هو جزء من تجربتي في تلك المرحلة .
أفرجوا عني فلم يتمكن المرحوم سالم من منع نفسه عن زيارتي في بيتي مراراً وتكراراً ، ما أدى إلى إعادة سجني في زنزانة منفردة خمسة وأربعين يوماً أخرى انتهت بإضرابي عن الطعام ستة أيام متوالية وأدت إلى الإفراج عني في اليوم السابع .
الآن أسأل : ما حكاية اليوم السابع الذي يتكرر كثيرا في الحياة وقبلها وربما بعدها؟
عند تأسيس حزب حشد في العام 1989 ، كان العالم قد أمسى كئيباً وبارداً، وكانت نذر انهيار الاتحاد السوفياتي تلوح في الأفق، وبصراحة أكبر ، كان الكثيرون من اليساريين – وليس كلهم – قد بدأوا يفقدون عزائمهم بسبب تلك النذر وغيومها الداكنة التي مهدت لمرحلة التحلل الأيديولوجي بدايات التسعينات.
كان التاريخ يتسارع بشكل غير مسبوق ، وكان ذلك التسارع مربكاً ، خصوصا انه اقترن بثورة المعلومات والتكنولوجيا والمستقبل الذي حل قبل أوانه .
أفاض سالم في حديثه عن المعارضة وضرورة تقويتها في ضوء المستجدات المحلية والعربية والعالمية ، ودعاني إلى الانضمام إلى صفوف حشد.
كنت أعرف بأن ضَعف المعارضة أو رحيلها سيعني رحيل العاطفة والمثالية وكثير من القيم الإنسانية لصالح الأرقام والتعرفات الجمركية والمركّبات السياسية الجديدة .
قلت له بأن العمل السياسي المباشر يخلو من الإثارة التي تلزمني ككاتب ، وبأنني اخترت الأدب ، وهو خيار يحتاج إلى مساحات واسعة من الحرية التي قد لا تتوافر لدى الأحزاب السياسية على الرغم من احترامي وتقديري لها ، باختصار ، افضل صداقة الأحزاب السياسية على تقديم قسم الولاء الكامل لها .
بقينا أصدقاء ، سالم وأنا ،على الرغم من (الاختلافات الكيفية) التي كانت تنشب بيننا من حين وآخر.
بقيتُ أيضا – وما زلت – صديقا قريباً من حشد ، وكان للرفيقة عبلة أبو علبة التي تعرفت عليها في أواسط الثمانينات أثر كبير في الإبقاء على ديمومة صلتي بحشد ، ذلك أنها كانت – لها طول العمر – مثل سالم ، تتميز بالمرونة السياسية وبالقدرة على تفهم خصوصية الكاتب ورغبته في التغريد حيثما يشاء ، ويبدو أنها التقطت المغزى العميق لمفهوم الإنسان الثقافي والإبداعي ، وهو ما يمكنني تلخيصه بما يلي : ان الكاتب اليساري لا يستطيع إلا أن يكون يسارياً في كتاباته حتى لو لم يتقصد ذلك أو يخطط له ! وهو ما ينطبق على الكاتب القومي والليبرالي والاسلامي …
هذا التعامل الذكي زاد احترامي لعبلة ولحزب حشد ، لأنه أوصلني إلى قناعة مفادها أنهم معنيون بتجذير وتطوير الفكر اليساري وليس بمجرد ضم هذا الكاتب او ذاك إلى صفوفهم ، وأنهم حريصون على الإنسان الثقافي كحرصهم على الإنسان السياسي وربما أكثر ، والأهم ، أن لديهم ما يمكن تسميته « رؤية ثقافية « تتمسك بالجوهر الثقافي للعمل السياسي ، وتمنح السياسة جدائل من الحريات المدنية التي تحتاجها دوماً .
ما زالوا كذلك ، لم يتغيروا .
حتى انهم يؤمنون بأن حاضرنا يحمل إمكانات للحرية والتطور وتحقيق أحلام الشعوب!
لم أصفق لأحد من قبل ، وليس من عادتي أن أقدم المدائح لأحد أبداً ، لكن الأمانة تقتضي أن أشير في هذه الشهادة المختصرة إلى أن عبلة أبو علبة ليست مجرد شخصية سياسية وأمين عام حزب ، إنها مثقفة واسعة الاطلاع وقادرة على الخوض في القضايا الثقافية جنبا إلى جنب ، مع القضايا السياسية وسواها . هذه الصفات لا تتوافر لدى الكثيرين من العاملين في حقول السياسة .
أهنىء كل الرفاق في حزب حشد بيوبيلهم الفضي الذي بلغوه بجدارة سياسية مكنتهم من البقاء والاستمرار والتطور، برغم العواصف والأنواء التي اقتلعت الكثير من الأشجار .
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
مايو 11, 2016 0
أبريل 13, 2016 0
Sorry. No data so far.