| نشر في يونيو 5, 2013 1:12 م | القسم: قضايا ساخنة | نسخة للطباعة :
د. داليا حسين مجلة الطليعة المصرية ـ العدد الرابع ٤ ـ ٢٠١٣م القاهرة
استاذ جامعي بكلية حقوق جامعة الزقازيق
مقدمة:
ليس الدستور مجرد عقد اجتماعي يرتضيه المحكومون، بل هو ايضا وثيقة أساسية تتضمن وتضمن حقوق المواطنين التي لا يجوز لأي سلطة تشريعية كانت او تنفيذية او حت ىقضائية الجور عليها، لذلك، كتبت عدة دراسات عن كيفية صياغة الدساتير وعما يتعين ان تتضمنه.
وتتفق هذه الدراسات على ان الدستور يتضمن أساسا تنظيم سلطات الدولة، والتي تنقسم الى تشريعية وتنفيذية وقضائية، وينص على اختصاصاتها والعلاقة بينها وما تمارسه إحداها من رقابة على الاخرى، كما ينظم الدستور وضع عدة مؤسسات هامة في الدولة كالجيش والشرطة ومختلف الاجهزة الرقابية يوقرر دورها .
ويتضمن الدستور كذلك، وهو ما يعنينا هنا، حقوق المواطنين وحرياتهم، وتأتي اهمية النصوص المتعلقة بهذه الحقوق من كون الدستور هو القانون الأسمى، ووالذي لا يمكن لأي نص آخر أدنى منه ( سواء كان نصا قانونيا صادرا من السلطة التشريعية او نصا لائحيا صادرا من السلطة التنفيذية وفقا لنطاق اختصاصها الوارد في الدستور) ان يخالف ما به من حقوق وضمانات او ينتقص منها.
ومن هنا، تتأكد اهمية ضمان حقوق الواطنين في الدستور بشكل صريح، وبصيغة ملزمة للدولة، وكافة مؤسساتها وقاطعة في دلالاتها، بحيث لا تقبل شكا او تأويلا يؤديان لاختلاف في تفسيرنطاقها ومقصودها.
وهذه الحقوق تتفرع ال ىعدة انواع، اهمها وأشهرها على الاطلاق الحقوق المدنية والسياسية،كالمساواة امام القانون وحق الانتخاب والترشح في الانتخابات وحرية الرأي والتعبير، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مضمون هذا المقال.
ما هي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي من حقوق الانسان المعترف بها دوليا واقليميا ويفرق عادة في مجال حقوق الانسان بين الحقوق المدنية والسياسية من جهة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جهة اخرى. وكان اهتمام المجتمع الدولي والدول منصب في البداية على الحقوق المدنية والسياسية، الّا ان الاهتمامقد تزايد في الآونة الاخيرة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كجزء من حقوق الانسان اعترفت به المواثيق الدولية، وهو جزء لا يتجزأ ولا ينفصل عن الحقوق المدنية والسياسية. وقد اعترف بهذه الحقوق الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام ١٩٤٨ والعهد الدولي الخاص ببالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام ١٩٦٦.
وقد اعترفت هذه المواثيق بمجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومن اهمها الحق في العمل وظروف العمل المناسبة والحق في الضمان الاجتماعي والحق في التمتع بالرعاية الصحية والحق في الغذاء والمأوى والحق في التعليم وغير ذلك.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والدساتير:
تنقسم نعالجة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الدول المختلفة الى ثلاثة اتجاهات، يعتبر اولها ان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي حقوق يطمح الى وضعها موضع التنفيذ، وبالتالي لا يجب تضمينها في النصوص الدستورية الوطنية. وذهب اتجاه ثان الى امكانية النص على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الدساتير الوطنية بوصفها مبادىء عامة موجهة للسياسة الاقتصادية للدولة دون ان تكون ملزمة قانونا، بمعنى الا يكون اللجوء الى القضاء او الى اي سلطة وطنية ممكنا لوضع هذه الحقوق موضع التنفيذ، وذهب اتجاه ثالث الى وجود ادراج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في دساتير الدول بوصفها حقوق تلتزم بهاالدولة ويمكن للافراد الزامها، قضاء، بوضعها موضع التنفيذ.
ولا شك ان النص عل ىهذه الحقوق في الدساتير بصورة ملزمة يعطي للقضاء قوة شرعية تمكنه من تقرير هذه الحقوق للمحرومين منها في مواجهة سلطات الدولة كافة، تشريعية كانت ام تنفيذية.
ولم يسلم هذالااتجاه في النص على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية داخل الدساتير من النقد، اذ اعتبر ان النص على هذه الحقوق في الدساتير بصورة تسمح بالمطالبة بها قضاء له مثالب عدة، اهمها الاخلال بمبدأ الفصل بين السلطات. إذ يتدخل القضاء لإللزام الحكومة أي السلطة التنفيذية ـ والمرشع احيانا لاتخاذ تدابير ولإصدار قوانين ولوائح توفر هذه الحقوق للمواطنين، وهو ما اعتبره البعض تدخلا من القضاء في رسم السياسة الاقتصادية للدولة وتغولا على السلطات الاخرى.
وتعرضت ايضا فكرة النص على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بصورة ملزمة للنقد بحسبانها تتطلب موارد هائلة لا يمكن الزام الدولة بها في دستورها، كما لا يستطيع القضاء تقدير كفاية هذه الموارد وتوافرها وانما تقدر ذلك السلطة التنفيذية .
وقد رد على هذه الانتقادات، وخاصة المتعلق منها بتوفير الموارد المالية، فالدساتير المختلفة تضمن الحقوق المدنية والسياسية، بينما هي حقوق مكلفة ماليا كذلك، اذ تتكبد الدولة نفقات هائلة لإدارة عمليات الاقتراع والتصويت وغيرها، فلا يمكن نفي الطابع الالزامي عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية بزعم انها مكلفة بينما تمنح هذا الطابع الحقوق المدنية والسياسية وهي حقوق مكلفة ايضا.
وفي الحقيقة، فانه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية من خلال ممارسة الحقوق المدنية والسياسية في ظل انعدام المساواة الناشيء مننغياب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية،فتمتع المواطنين بالسكن والغذاء والصحة والتعليم،وبعبارة اخرى ضمان العدالة الاجتماعية، شرط أساسي للقول بوجود ديمقراطية حقيقية وإرادة انتخابية حرة لدى هؤلاء المواطنين.
أما الدساتير التي تضمنت نصوصها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فانها قد اختلفت من حيث الصياغة، ولا شك ان اختلاف الصياغة يؤدي الى اختلاف مقدار التزام الدولة بتوفير هذه الحقوق للمواطنين.
كيفية تفعيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها في الدساتير:
تفعل الدولة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من خلال عدة وسائل. أولها السلطةالتشريعية والتي تصدر القوانين التي تضمن تمتع المواطنين بهذه الحقوق، وثانيا السلطة التنفيذية، والتي تتبنى السياسات اللازمة وتأخذ القرارات وتصدر اللوائح اللازمة لانفاذ هذه الحقوق ووضعها موضع التطبيق، وثالث هذه الوسائل هي السلطة القضاذية، وهي أقوى السلطات اذ تتمكن من توفير هذه الحقوق باجبارالدولة على تنفيذها.
وتقوم السلطة القضائية بضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتوفيرها من خلال سلطة المحاكم ف تطبيق القوانين وتفسيرها، بل وفي صناعة القواعد القانونية ووضعها وتكريسها في بعض النظم القانونية او بعض مجالات القانون (٥) ومن خلال الفصل في مشرعوية ما تتخذه الدولة بسلطاتها التنفيذية من اجراءات وقرارات وتصرفات بالغائها ان كانت مخالفة لما تضمنه الدستور والقوانين من حقوق ، ومن خلال الرقابة عل ىدستورية التشريعات التي تصدرها الدولة بسلطتها التشريعية والنظر في مدى اتفاقها واحترامها وانفاذها للحقوق التي تضمنها الدستور.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بعض الدساتير
مقارنة بالدستور المصري الجديد:
تكاد دساتير الدول العربية قبيل ثورات الربيع العربي ـتخلو من اي نص على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واعتبرت الدراسات ان الدول العربية من ضمن أقل مناطق العالم ضمانا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في دساتيرها.
وكان ينتظر من واضعي الدستور المصري الجديد بعد ثورة يناير الاهتمام بوجه خاص بضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والنص عليها بصورة تفصيلية واضحة قابلة للنفاذ وملزمة للدولة.
وقد تضمن الدستور المصري الجديد في بابه الثاني فصلا ثالثا يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأفرد لها المواد من ٥٨ ال ى٧٣ كما تضمنت مواد متفرقة تقع ف يالباب الاول الخاص بمقومات الدولة والمجتمع بعضا من هذه الحقوق. ولا شك ان هذا التفرق بين المواد التي تنظم ذات المسألة عوار في الصياغة كان يتعين تجنبه.
وسوف يتضح لنا بمقارنة نص الدستور المصري الجديد بهذه النصوص، مقدار ما نص عليه الدستور الجديد من هذهالحقوق وما كان ينبغي ان تدرج فيه.
ومن أمثلة الدساتير التي ضمنت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بصورة واضحة تجيز انفاذها قانونا واجبار الدولة عل ىوضعها موضع التنفيذ ـ ايجابا ـ او على عدم المساس بهم ـ سلبا، دساتير بعض الدول في امريكا اللاتينية،وسوف نستعرض بعض نصوص دستور البرازيل الصادر في ٥ اكتوبر ١٩٨٨ ودستور فنزويلا الصادر عام ١٩٩٩ ودستور إكوادور الصادر عام ٢٠٠٨(٧) ودستور بوليفيا الصادر عام ٢٠٠٩ بالاضافة الى دستور جنوب افريقيا، (٩) على ان نقارنها بصياغة الدستور المصري الذي جرى اقراره ، وذلك بالتركيز على لانصوص المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية فيها، وبمعزل عن الظروف السياسية والاجتماعية التي أحاطت باصدار كل منها.
وتبدو تجربة جنوب افريقيا تحديدا من التجارب الثرية التي تستحق الدراسة، اذ لم لكتف الدستور الجنوب افريقي الصادر عام ١٩٩٦ في النص على وثيقة حقوق وحريات تحوي كافة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية بصورة تفصيلية، وانما ضربت المحكمة الدتسورية في جنوب افريقيا مثالا رائعا في انفاذ هذه الحقوق والزام الدولة بتوفيرها للمواطنين، وهو ما يتضمن توفير هذه الحقوق بشكل كامل، خاصة في ظل تقاعس السلطتين التشريعية او التنفيذية عن توفيرها الى المواطنين.
الحقوق المختلفة وكيفية معالجتها
الحق في بيئة صحية
تضمنت الدساتير محل العرض ضمانات مختلفة للحق في بيئة نظيفة وصحية، فتضمنت المادة 24 من دستور جنوب افريقيا ان “لكل شخص الحق في أ – بيئة غير ضارة بصحته او رفاهيته، ب – حماية البيئة التي يعيش فيها لمصلحة الاجيال الحالية والمستقبلة من خلال تدابير تشريعية معقولة وغيرها.
1 – تحد من تلوث البيئة وتدهورها
2 – تعزز المحافظة على الموارد البيئية
3 – تضمن من الناحية البيئية، تنمية الموارد الطبيعية واستخدامها بشكل مستدام وفي الوقت نفسه تعزز حدوث تنمية اقتصادية واجتماعية سليمة.”
وتضمن دستور اكوادور عددا كبيرا من المواد المتعلقة بحق الشعب في العيش في بيئة نظيفة ومتوازنة مع حظر استخدام الاسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية وكذا الملوثات العضوية عالية السمية والتقنيات التجريبية والبيولوجية الضارة وحظر ادخال النفايات النووية والنفايات السامة داخل البلاد (المادتان 14 و15) كما وضع الدستور التزاما على عاتق الدولة بأن تعتمد سياسات وتتخذ تدابير تمنع الآثار البيئية السلبية (المادة 396) وألزم الدولة ان تستشير المجتمع المدني والمحلي في أي قرار قد يؤثر على البيئة (المادة 398) بل نص هذا الدستور في (المادة 404) على خضوع ادارة تراث المناظر الطبيعية الى مبادئ وضمانات واردة في الدستور والقوانين. ونص على وجوب حماية التربة الوطنية من التصحر وغيره من المخاطر (المادة 409 و410) والزم الدولة بالحفاظ على الموارد المائية (411 و412) وتعزيز كفاءة الطاقة (413) بل والتخفيف من تغير المناخ (414).
وقد تضمن الدستور المصري الجديد المادة 63 والتي نصت على انه “لكل شخص الحق في بيئة صحية وسليمة، وتلتزم الدولة بصون البيئة وحمايتها من التلوث، واستخدام الموارد الطبيعية بما يكفل عدم الإضرار بالبيئة والحفاظ على حقوق الأجيال فيها”.
وعلى الرغم من عمومية المادة وعدم اشتمالها على تفصيلات على النحو الوارد في دستور اكوادور، الا انها ألقت على عاتق الدولة التزامات ايجابية منها اتخاذ كافة التدابير والاجراءات التي تحافظ على البيئة، وكذا التزامات سلبية، منها الامتناع عن أي نشاط ضار بالبيئة، او الامتناع عن الموافقة والتصريح لأي نشاط او مشروعات قد تضر بالبيئة او تؤثر عليها.
الحق في الصحة والعلاج
نصت الدساتير على الحق في الصحة، ونص بعضها تفصيلا على كيفية تمويل العلاج والرعاية الصحية كدستوري فنزويلا والبرازيل.
ونص دستور بوليفيا على ان الخدمات الصحية العامة ملك للدولة لا يجوز خصخصتها او تلزيمها (مادة 138) كما ضمنت الدولة وصول الادوية الى السكان وحظرت تقييد الحق في الحصول على الادوية او تسويقها نتيجة حقوق الملكية الفكرية في الجيل الاول (مادة 41) وحظرت (المادة 44) اخضاع أي مواطن للفحص او لجراحات طبية او اختبارات معملية دون موافقته او موافقة من يمثله قانونا الا في حالة الخطر الوشيك، كما حظرت ذات المادة اخضاع احد للتجارب العلمية دون موافقته.
اما دستور اكوادور، فقد تضمن الحق في الصحة في مادته رقم 32 وقرر ان “تضمن الدولة هذا الحق من خلال البرامج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واستمرارية تقديم خدمات الرعاية الصحية الشاملة”. كما نصت على ان “تكفل الدولة تقديم الخدمات الصحية في الوقت المناسب وبدون اتخاذ اجراءات تمييزية من خلال مبادئ عامة تكفل المساواة والتضامن بين مختلف القوميات والثقافات طبقا لمعايير الجودة والكفاءة والفعالية والرعاية واخلاقيات العلوم الطبية دون أي تمييز على اساس الجنس والاعراق”. كما نصت (المادة 363) ان الدولة مسؤولة عن تعميم الرعاية الصحية وضمان توفير الادوية الفاعلة والآمنة والحصول عليها.
وجاءت المادة 62 من الدستور المصري الجديد، ولم تنص على الحق في الصحة، وانما نصت على الحق في الرعاية الصحية: “الرعاية الصحية حق لكل مواطن تخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومي. وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية والتأمين الصحي وفق نظام عادل عالي الجودة، ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين”.
وهكذا، يبدو ان الاصل في هذه المادة ان يكون العلاج بأجر، ما عدا لغير القادرين، وهو مفهوم ومصطلح لم يعرف في الدستور، ولم يحل الدستور لأي قانون لتعريفه، ولا نص على مؤشر معين لمعرفة او تحديد غير القادر، كما لم ينص على أي مراجعة دورية لهذا المفهوم.
وقد نص على تخصيص نسبة كافية – غير محددة – من الناتج القومي لضمان الحق في الرعاية الصحية. فهل يعني ذلك ان الدولة تخصص جزء من الناتج القومي للرعاية الصحية، ومع ذلك لا تعالج بالمجان الا غير القادرين؟ وهل ستفرق المستشفيات الحكومية او الجامعية مثلا بين المرضى لمعرفة من القادر، فيعالج بأجر ومن غير القادر، فيعالج بالمجان؟ ان صياغة هذا النص تبدو مبهمة وتنقصها المعايير الاساسية التي تضمن توصيل الرعاية الصحية والعلاج للجميع، فضلا عن خلوها من أي حق في الحصول على الدواء وغيره.
الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية:
تضمنت المواد 86 من دستور فنزويلا و45 من دستور بوليفيا و34 من دستور اكوادور النص على “الحق في الضمان الاجتماعي” للمواطنين. وقد تضمنت هذه الدساتير عدة ضمانات تكفل توفير هذا الحق وتنظم كيفية تمويله بل والحالات التي ينطبق عليها.
فنصت المادة 86 من دستور فنزويلا على حالات كثيرة لاستحقاق التأمينات الاجتماعية، منها الابوة والمرض والعجز والاعاقة واصابات العمل وفقدانه وطوارئ الحمل والبطالة والشيخوخة والترمل والتيتيم والاعباء الناجمة عن الحياة العائلية. ونصت المادة 45 من دستور بوليفيا على ان نظام التأمين الاجتماعي يشمل حالات المرض والكوارث والامومة والابوة والمخاطر المهنية واصابات العمل واليتم والعجز والترمل والشيخوخة والسكن وغيرها.
اما عن التمويل، فقد قررت المادة 86 من دستور فنزويلا ان تمويل التأمين الاجتماعي يكون تضامنيا وعن طريق مساهمات ضريبية. ونص صراحة على عدم جواز تخصيص مصادر تمويل التأمين الاجتماعي لاستخدامات اخرى، وان أي فائض في حصيلة هذه التأمينات يتم توزيعه لدعمها. وقررت المادة 372 من دستور اكوادور ان الاموال اللازمة لتمويل الضمان الاجتماعي في حكم الاموال العامة ومستقلة عن وزارة الخزانة، ولا يمكن استخدامها في غير اغراضها.
وقد تضمن دستور البرازيل عدة مواد هي المواد 195 و201 حتى 204 تفصل مصادر تمويل الضمان الاجتماعي بدقة، والحالات التي تشملها التأمينات الاجتماعية، والسلطات المسؤولة عن وضع نظام الضمان الاجتماعي موضع التنفيذ.
ومن اهم الضمانات التي احاطت هذا الحق، ما نصت عله المادة 86 من دستور فنزويلا من الزام الدولة صراحة بتأمين فاعلية هذا الحق من خلال انشاء نظام ضمان اجتماعي عام، وما نصت عليه المادة 45 من دستور بوليفيا بشأن الزام الدولة بتوفير الضمان الاجتماعي وفقا لمبادئ العدل والمساواة والانصاف، كما حظرت صراحة خصخصة خدمات الضمان الاجتماعي.
اما عن الدستور المصري الجديد، فقد نص في المادة 66 على ان “تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي. ولكل مواطن الحق في الضمان الاجتماعي، اذا لم يكن قادرا على اعالة نفسه او اسرته، في حالات العجز عن العمل او البطالة او الشيخوخة، وبما يضمن لهم حد الكفاية”.
ونصت المادة 67 على ان “تعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والعمالة غير المنتظمة ولكل من لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي”.
ويبدو التضارب بين المادتين لافتا للنظر. فمن ناحية، تلتزم الدولة بتوفير خدمات التأمين الاجتماعي، الا انها تعمل – وهذا اللفظ لا يفيد التزاما صريحا – على توفير معاش لصغار الفلاحين وغيرهم ممن لا يتمتعون بنظام التأمين الاجتماعي. ويعني ذلك ببساطة ان التأمين الاجتماعي ليس حقا لجميع المواطنين، بل هو حق فقط لمن لا يكون قادرا على اعالة نفسه او اسرته. وقد يفهم من التحديد اللاحق على عدم القدرة على الاعالة، انه يعني حالات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة فقط. وليس واضحا اذا كان النص على هذه الحالات قد أتى على سبيل المثال ام على سبيل الحصر.
وبدلا من ان تكفل الدولة التأمين الاجتماعي لكل المواطنين كما فعلت الدساتير سالفة الذكر، فانها حصرته في فئات معينة، ولم تلتزم بتوفير أي معاش للفئات الاخرى التي لا يمكنها اللحاق بركب الخاضعين للتأمين الاجتماعي كالعمالة المؤقتة. بل انحصر التزامها في العمل على توفير معاش لبعض الفئات. وهذا المعاش لا يتطلب فيه اكثر من ان يكون “مناسبا”، دون النص على أي معيار لاحتسابه او ربطه بالاسعار او حتى وضع معايير تسهل معرفة قدره.
حق العمل والحد الأدنى للأجور:
تدور معالجة العمل في الدساتير المختلفة في الاعتراف بالحق في العمل، وبالظروف المحيطة بالعمل والبيئة الصحية للعامل، وكذا بالاجر، إما العادل او الملائم او كفالة الحدود الدنيا من الاجور.
فنصت المادة 5 من دستور البرازيل في الفقرة الثالثة عشرة على ان تكفل حرية ممارسة أي عمل او حرفة او مهنة مع التقيد بالمؤهلات المهنية التي ينص عليها القانون. ونصت صراحة على ان العمالة محمية من الفصل التعسفي او الفصل بدون مبرر عادل وفقا لقانون تكميلي يحدد مستحقات العامل عند الفصل وغيرها من الحقوق.
ونصت المادة 87 من دستور فنزويلا على انه “لكل شخص الحق في العمل وعليه واجب العمل. تضمن الدولة الاجراءات الضرورية كي بتمكن كل شخص من الحصول على عمل منتج يوفر له حياة كريمة ومحترمة وتضمن له ممارسة كاملة لهذا الحق. دعم العمالة هدف للدولة. يتبنى القانون اجراءات تهدف لضمان ممارسة العمال غير المستخدمين لحقوق العمل. لا تخضع حرية العمل لقيود اخرى غير تلك التي ينص عليها القانون. يضمن كل رب عمل لعماله شروطا أمنية وصحية وجوا مناسبا للعمل. تتبنى الدولة اجراءات وتنشئ مؤسسات ترمي لمراقبة هذه الشروط ورفع مستواها”.
ونصت المادة 89 من ذات الدستور على انه:
1 – لا يجوز لأي قانون ان يتضمن نصوصا تخل او تمس بأي من حقوق ومكاسب العمل وتزايدها التاريخي.
2 – لا يجوز التنازل عن حقوق العمل. يعتبر لاغيا كل فعل او اتفاق او قرار يتضمن تنازلا او انتقاصا من هذه الحقوق. يجوز فقط اجراء تسوية او اتفاق عند نهاية العمل وفق الشروط التي يحددها القانون.
3 – عندما يكون هناك شك حول تطبيق قانون او حول تنازع عدة قوانين او حول تفسيرها يطبق ذلك الذي يفيد العامل أكثر.
4 – يعتبر لاغيا كل اجراء عملي مخالف لهذا الدستور من جانب رب العمل ولا يترتب عليه أي اثر.
ونصت المادة 93 على حماية العمال من الفصل التعسفي، حيث قررت انه “يضمن القانون الاستقرار في العمل ويضع الأسس التي تؤدي للحد من كل أشكال التسريح التعسفي. التسريحات المخالفة لهذا الدستور ملغاة”.
ولضمان عدم الالتفاف على أحكام قانون العمل التي تحمي العاملين الخاضعين لأحكامه، نصت المادة 94 على ان:
“…. تحدد الدولة، بواسطة الهيئة المختصة، مسؤولية أرباب العمل بشكل عام، في حالة الغش او التدليس بهدف تغيير تطبيق تشريع العمل او تجاهله او اعاقته”.
ولا شك ان هذه النصوص تضمن العديد من الحقوق للعمال، والتي تنطبق على كل من يعمل لدى فرد او مؤسسة بمقتضى عقد عمل. وهي تنظم كذلك بعض الاجراءات العملية، اذ كثيرا ما يلتف أصحاب العمل على حقوق العاملين لديهم او على التزامات التأمين على العمال التي يضمنها القانون لهم، من خلال ابرام عقود عمل مؤقتة مثلا او من خلال اجبار العامل على تقديم استقالته بدلا من فصله، لتجنب الآثار المالية المترتبة على الفصل.
اما دستور جنوب افريقيا، فقد نصت المادة 22 منه على حرية اختيار كل عامل لعمله “لكل مواطن الحق في ان يختار بحرية حرفته او مهنته او تخصصه. ويجوز ان ينظم القانون ممارسة حرفة او مهنة او تخصص ما”. ونصت المادة 23 على ان يكون “لكل شخص ان يعامل بموجب ممارسات نزيهة في العمل”.
وتضمنت المادة 46 من دستور بوليفيا الاعتراف “بحق كل شخص في العمل اللائق الذي تتوفر فيه الاشتراطات الصناعية الآمنة والصحة المهنية وكذا أجور وتعويضات عادلة ومنصفة ومرضية توفر له ولأسرته عيشة لائقة، ولكل فرد الحق في ظروف عمل مواتية ومستقرة. ونصت صراحة على واجب الجدولة في حماية ممارسة العمل في جميع أشكاله”.
كما نصت المادة 48 من ذات الدستور على انه لا يمكن التنازل عن الحقوق والمزايا الممنوحة للعامل، كما اعتبرت أي اتفاق على ما يخالفها او أي اتفاق على تجنب آثارها لاغيا.
وفي الدستور المصري الجديد، نص على الحق في العمل في المادة 64 فنصت على ان “العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن، تكفله الدولة على اساس مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. ولا يجوز فرض أي عمل جبرا الا بمقتضى قانون… ولا يجوز فصل العامل الا في الحالات المنصوص عليها في القانون”.
وهذا النص، وان تضمن الحق في العمل، الا انه لم يحظر الفصل التعسفي، وانما حظر الفصل ما عدا الاحوال المنصوص عليها في القانون. وعلى الرغم من ان الدساتير سالفة البيان لم تتضمن تعريفا لمفهوم الفصل التعسفي، الا ان النص عليه أكثر ضمانة ضد الفصل من مجرد الاحالة الى القانون في خصوص اسباب الفصل، حيث لم يضع الدستور أي قيود على سلطة المشرع في تحديد اسباب فصل العامل
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
أبريل 17, 2024 0
Sorry. No data so far.