- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

الغرب والإسلام السياسي .. بقلم – الحسين الزاوي

أظهرت ثورة 30 يونيو/حزيران في ميادين مصر وأزقتها، مدى خطورة اللعبة التي يسعى الغرب إلى تنفيذها في العالمين العربي والإسلامي من خلال دعمه المباشر، هذه المرة ل”الإخوان” وجماعات الإسلام السياسي التي قامت أصلاً على “مبدأ” معارضتها نمط الحياة الغربية على مستويات التربية والاجتماع المدني والممارسة السياسية؛ وبالتالي فإن علينا أن نلاحظ أنه وعلى خلاف ما يحلو لمثل هذه الجماعات ترديده باستمرار، فإن الغرب لا يقلقه بتاتاً أن تتبنى شعوب مستعمراته السابقة نمطاً في الحياة وإدارة الحكم يتعارض، بل ويتناقض مع ما يتبناه هو على مستوى الحياة الاجتماعية والممارسة السياسية . وعليه يمكننا القول بموازاة كل ذلك إن الثورة المصرية الأخيرة استطاعت أن توضّح بما لا يدع مجالا للشك، أن “الإخوان” لا يمثلون أكثر من مجرد تنظيم سياسي مثله في ذلك مثل بقية التنظيمات السياسية، ومن الخطأ الاعتقاد أن القوى التي تُعبّر عن التزامها الديني في الشارع العربي، بكل عفوية وبراءة، محسوبة بالضرورة على قوى الإسلام السياسي، فالبون شاسع بين الالتزام الديني التلقائي، والموافقة على مشاريع سياسية تهدد الحريات الفردية والجماعية داخل المجتمع .

لقد كان “الإخوان”، وما زالوا شديدي الاقتناع بأن ما يسمّى بالتمكين للمشروع “الإسلامي”، يمثل حتمية لا يجوز التشكيك في صحتها، لذلك فقد سعت إدارة أوباما إلى دعم حكمهم في مصر، وكانت تنظر إليهم كحلفاء على غرار أردوغان في تركيا، واستماتت في الدفاع عنهم حتى آخر لحظة، ولم تتبن موقفاً وسطاً إلا عندما تيقنت أن المؤسسة العسكرية المصرية لن تتخلى أبداً عن دعمها للإرادة الشعبية، وبالتالي فقد نجحت إدارة البيت الأبيض في فقدان ثقة الطرفين معاً، لأن برغماتية الأمر الواقع ليست خياراً استراتيجياً بقدر ما هي تعبير عن انتهازية سياسية رخيصة . فقد أشارت جريدة “نيويورك تايمز” في سياق متصل، أن هناك عنصرين أساسيين أسهما في حسم الأمر لمصلحة الثوار في ميدان التحرير، أولهما تعنّت الرئيس المصري المخلوع، والدور المحوري الذي لعبته الولايات المتحدة في الكواليس في الأيام القليلة التي سبقت الثورة، من أجل الإبقاء على حكم “الإخوان” . حيث لعبت واشنطن من خلال سفارتها في القاهرة دوراً محورياً في محاولة تقريب وجهات النظر بين المؤسسة العسكرية و”الإخوان” بعدما ارتضى هذا التنظيم السياسي، أن يأتمن السفيرة الأمريكية على أسراره، وفضّل أن يحاور المؤسسة العسكرية من وراء حجاب الباب العالي في واشنطن، ووصلت المفاوضات إلى طريق مسدود عندما أعلن مستشار محمد مرسي أنه لا يزال يرفض تقديم أي تنازل يتعلق بصلاحياته الرئاسية، وأكد بعد ذلك أحد مقربيه أن “الأم” في إشارة منه إلى الولايات المتحدة ستتوقف بعد ساعة عن لعب أي دور . وكان واضحاً، من خلال تطور مسلسل الأحداث، أن الولايات المتحدة لم تكن مستعدة للتضحية بمصالحها من خلال الاستمرار في مساعدة طرف لا يريد أن يبادر إلى مساعدة نفسه . كما أثبتت التغيّرات اللاحقة أن محاولة “الإخوان” إخافة الولايات المتحدة والغرب من التبعات “الخطرة” التي يمكن أن تنجم عن سقوط حكمهم في مصر، لم تنجح في منع ثورة الشارع المصري من تغيير الأوضاع على أرض الواقع، بدعم من أهم مؤسسة وطنية تحظى باحترام وتقدير الأغلبية العظمى من المصريين؛ وقد كان زعماء “الإخوان” يرددون على مسامع الأمريكيين أن سقوط مرسي: “سيمثل كارثة على المدى البعيد بالنسبة إلى مصر، ولن يؤمن الشارع العربي بعد ذلك بالديمقراطية”! . وغني عن البيان أن مثل هذا الادعاء موجه للاستهلاك الإعلامي لا غير، لأن الديمقراطية ساقطة لا محالة بالنسبة إلى التنظيمات السياسية التي لا تؤمن بالتداول السلمي للسلطة، وترى أن مشروعها السياسي هو بمثابة تفويض رباني لها من أجل التمكين لمشروعها “الإسلامي”، أما بالنسبة إلى التنظيمات المؤمنة بالتداول الحقيقي للسلطة، فلن يؤدي فشل تجربة عابرة إلى فقدانها للثقة بمفاهيم ومبادئ سياسية تمثل أفضل ما وصلت إليه- حتى الآن – المدنية المعاصرة من أساليب في الحكم وإدارة المنافسة السياسية الشريفة بين مشاريع مجتمعية متكافئة من حيث الشكل والمضمون .

ونزعم في هذه العجالة أنه من بين الشروط التي يجب أن تتوافر مستقبلاً بالنسبة إلى جماعات الإسلام السياسي من أجل ممارسة الحكم، هو تحولها أولاً، إلى قوة مدنية تعتمد على طرح سياسي نسبي بعيداً عن الاستعلاء والإطلاقية، إضافة إلى تغيّر نظرة المجتمع نحوها ثانياً، والتعامل معها بوصفها تشكيلاً سياسياً مثل بقية التشكيلات الأخرى، يمكنها أن تصيب، كما يحدث لها أيضاً أن تخطئ، الأمر الذي يعني إزالة هالة القدسية عن سلوكات أقطابها وممارساتهم السياسية، تماماً مثلما حدث للأحزاب الدينية في كل أصقاع العالم، وليس في الغرب فقط، الذي صنعت تنظيمات الإسلام السياسي شهرتها، من خلال إعلان معاداته والاختلاف معه من حيث الشكل على الأقل .

لا شك عندنا في أن الغرب لعب دوراً خطراً في دعم “الإخوان” وقوى الإسلام السياسي في الوطن العربي، وتحديداً منذ بداية التجربة الناصرية في مصر، وبالتالي فليس غريباً أن نجد الجمعيات التي تدعو إلى الإلحاد في الغرب، تنبري من أجل الدفاع عن حقوق الأحزاب والتنظيمات المتطرفة ، وبالتالي فإننا لا نذيع هنا سراً عندما نؤكد أن التشدد لا يقلقان الغرب لأنه لا يؤثر في كل الأحوال في مجتمعاته، وربما يمثل عنصراً أساسياً من أجل تشويه الإسلام وإقناع قطاع واسع من الرأي العالم الغربي بخطورة اعتناقه . ومن العجب العجاب أن هذا الغرب الذي عمل على تدجين الكنيسة وأرغمها على التصالح مع القوى الصهيونية، وحاصر القوى القومية والوطنية في كل أوروبا وألصق بها تهم معاداة السامية، حتى لا يسمح لها بإعادة الانتشار والتموقع من جديد داخل المجتمع، يدعي الدفاع عن حق جماعات الإسلام السياسي في المشاركة السياسية، من دون أن يطالبها في المقابل بتعديل شعاراتها وقناعاتها السياسية الإقصائية والشمولية .