- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة (1)… بقلم معتصم حمادة

تتناول هذه الدراسة بإيجاز قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة بحيث تشكل مقدمة لمن يود الاهتمام بهذه القضية ومتابعة تفاصيلها وتطوراتها وتداعياتها اليومية.
وتتضمن الدراسة الأجزاء التالية:
1- ولادة قضية اللاجئين ربطاً بقرار التقسيم وقيام دولة إسرائيل، وتدمير الكيانية السياسية وبنى المجتمع الفلسطيني.
2- القرار 194 وقد جرى تقسيم هذا الجزء إلى الأبواب التالية:
‌ـ ولادة القرار وقراءة قي قوته القانونية.
ـ القرار 194 وحق العودة في العملية السياسية في المنطقة.
3ـ حق العودة وم. ت. ف والدولة الفلسطينية ومشروع الدستور الفلسطيني
4ـ وكالة الغوث (الأونروا). وقد جرى تقسيم هذا الجزء إلى الأبواب التالية:
السياق السياسي لولادة الوكالة.
المسار الذي قطعته وكالة الغوث.
الوكالة والعملية التفاوضية.
الأزمة المالية للوكالة.. أين الحقيقة؟
•      كيف نعالج الأزمة المالية للوكالة؟
5- حركة اللاجئين ولجان حق العودة. وقد جرى تقسيم هذا الجزء إلى الأبواب التالية:
•      ولادة حركة اللاجئين.
•      حركة اللاجئين.. في «الداخل» و«الخارج».
•      حركة اللاجئين.. حركة ديمقراطية ومستقلة.
1- ولادة قضية اللاجئين
ولدت قضية اللاجئين الفلسطينيين مع ولادة القرار 181 في 29/11/1947 الذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة عربية وأخرى يهودية. والجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرارها المذكور تجاوزت حدود الصلاحيات التي تتمتع بها.
فإذا كان قرار إقامة دولة يهودية يشكل التزاماً بوعد بلفور، فإن التقسيم بحد ذاته يشكل إخلالاً بالوعد الذي تعهدت به بريطانيا نهاية الحرب العالمية الأولى، منح فلسطين استقلالها. وأن يتم تغليب وعد بلفور للحركة الصهيونية على الوعد البريطاني للفلسطينيين هو واحد من دلائل الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني.
وقرار التقسيم يشكل في حد ذاته خرقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على دور المجتمع الدولي في صون وحدة أراضي الدول والكيانات السياسية، وهو ما قام به في أوروبا (بولندا مثلاً). وإذا كان القرار هدفه كما يدعي البعض الفصل بين الشعبين الفلسطيني واليهودي لصعوبة التعايش فيما بينهما، فإن الوقائع أثبتت أن التقسيم هو الآخر لم يوفر التعايش بين الطرفين، ولم يضع حداً للصراع بينهما، بل شكل، وعلى العكس من ذلك، سبباً إضافياً لتوسيع رقعة الصراع. فالفلسطينيون وجدوا أنفسهم مرغمين على الدفاع عن أملاكهم وأراضيهم ووطنهم وكيانهم السياسي وحياتهم. والحركة الصهيونية وجدت في القرار ذريعة لتوسيع رقعة عدوانها، وقد افتتحت شهيتها التوسعية لابتلاع المزيد من الأرض في ظل اختلال فادح لصالحها في موازين القوى وفي الظروف الإقليمية والدولية.
وبقرارها، أيضاً، تكون الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تجاوزت صلاحياتها، وتجاهلت الإرادة الجماعية للشعب الفلسطيني في رفض تقسيم بلاده والمس بوحدتها، وسلخ أجزاء منها. علماً، ومن زاوية أخلاقية، أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض، وهم الأكثرية الساحقة. وبالتالي فإن إرادتهم تشكل تعبيراً عن الديمقراطية في أرقى أشكالها. من هنا يصبح مفهوماً لماذا لم تعرض الجمعية العامة فكرة التقسيم على الاستفتاء الشعبي. وكيف أنها تعامت عن العديد من الوقائع الدامغة لتصوغ قراراها الظالم، متجاهلة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه، وأن ما من أحد يحق له أن ينوب عنه في ذلك.
وعندما نتحدث عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وعن قرارها، فإننا لا نتجاهل، في السياق، الدور البارز الذي لعبه الوفد الأميركي في المنظمة الدولية، في الضغط على الدول الأعضاء لتتخذ مواقف إلى جانب المصالح الصهيونية بعد أن كان الوفد الأميركي قد تبناها إلى أبعد الحدود. ومذكرات العديد من رؤساء وفود هذه الدول إلى الجمعية العامة، في تلك الفترة، مليئة بالوقائع والروايات التي تؤكد كيف كان الوفد الأميركي إلى الأمم  المتحدة ممثلاً حقيقياً، ليس لبلاده فقط، بل وللحركة الصهيونية أيضاً، وكيف تعرض العديد من الدول الفقيرة إلى ضغط أميركي وصل حتى التهديد بضرورة تأييد الموقف الصهيوني. ومن المفيد أن نتذكر هنا أن العالم كان ما يزال ينفض عنه غبار الحرب العالمية الثانية، وقد خرجت منها الولايات المتحدة المنتصر الأكبر في العالم الرأسمالي المسمى حراً، وتشكل القوة الاقتصادية الأولى التي بإمكانها أن تمد يد المساعدة لدول فقيرة ما زالت تخطو الخطوات الأولى على طريق ولادتها وبناء كياناتها المستقلة، والطريق الشاق نحو التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
افتقار القرار 181 إلى العدالة السياسية والقانونية والأخلاقية، لم يقتصر على الخلفية والآليات التي حكمت اتخاذه، بل امتدت لتطال مضمونه نفسه. ولعل تعبير «تقسيم» لا يوضح كيف يمكن أن يقسم بلد ما بطريقة شيطانية، بحيث يصبح تنفيذ أحد بنوده عملاً مستحيلاً أو في أحسن الأحوال شديد التعقيد، تجابهه صعوبات لعدم توفر الإمكانيات العملية لمثل هذا التنفيذ. وإذا كان العديد ممن رفعوا أيديهم بالتصويت لصالح القرار يجهلون الحقائق الجغرافية والديمغرافية التي عبث بها هذا القرار، فإن الوقائع و الأرقام تؤكد، من جهة أخرى، أن الذين خططوا لهذا القرار ورسموا تفاصيله وخرائطه، كانوا يدركون جيداً ماذا يفعلون، وأية كيانات يصنعون ، وما هي حقيقة الصفحة السياسية الجديدة التي فتحوها في تاريخ المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، بل وحقيقة الصفحة السياسية الجديدة التي فتحوها في تاريخ الأمم المتحدة والعلاقات الدولية.
فمساحة فلسطين الانتدابية تبلغ 27 مليون دونم. كما بلغ عدد سكانها نهاية العام 1946 حوالي 1.972.000 نسمة، منهم حسب أغلبية الإحصاءات 1.364.000 عرباً و 608.000 يهوداً، معظمهم من المهاجرين الأوروبيين الذين دخلوا البلاد بصورة غير مشروعة ولا يمتلكون حق المواطنة. وقد قسمت فلسطين، بموجب القرار 181 إلى دولتين، الأولى «يهودية» أعطيت ما نسبته 55.5 % من مساحة فلسطين، في وقت كان اليهود كلهم يشكلون أقل من ثلث السكان، ويملكون أقل من 7% من الأرض. بينما أعطي الفلسطينيون 45.5 % من الأرض، وهم يشكلون أكثر من ثلثي السكان، ويملكون معظم الأرض.
قسمت فلسطين، بموجب القرار المذكور، إلى ثمانية أجزاء: ثلاثة عربية، وثلاثة يهودية ،وجيب دولي ضم القدس  ومحيطها، وجيب آخر تقع فيه مدينة يافا وهو جزء من الدولة العربية لكن يقع في قلب الدولة اليهودية. وطبقاً للمراجع التاريخية، فإن سكان الدولة العربية (بعد التقسيم) بلغوا 818,000 فلسطيني بما في ذلك 71.000 فلسطيني يسكنون جيب يافا. بينما كان في هذه الدولة أقل من 10,000 نسمة من اليهود. بينما ضمت الدولة اليهودية (ضمن حدود التقسيم) 499,000 يهودي و438,000 عربي. من هنا نفهم “الحكمة” في ضم جيب يافا المعزول إلى الدولة العربية، و إلاّ فإن ضمه إلى الدولة اليهودية يعني أن الفلسطينيين العرب سيشكلون غالبية سكانية في هذه الدولة. لا يفيد معها ضم اليهود في الدولة العربية إلى الدولة اليهودية وعددهم لا يتجاوز الآلاف العشرة، وهم لا يشكلون تعديلاً للميزان لسكاني المختل لصالح العرب. وفي مرجع آخر فإن عدد السكان اليهود في الدولة اليهودية كانوا 498,000 يهودي، بينما كان العرب 497,000 عربي أي اقل بألف نسمة، وهو ما يفسر لجوء الدولة اليهودية، قبل الإعلان عن قيامها، إلى فرض الهجرة القسرية على العرب بحثاً عما يسمى بالنقاء الديني والعرقي الذي يتيح لها الادعاء بأنها دولة يهودية حقاً.  وقد لجأت في هذا السياق إلى ارتكاب المجازر البشعة، وحرق القرى والبلدات، ومازال التاريخ حافلاً بالعديد من المجازر التي لن يمحوها من ذاكرة البشرية والذاكرة الفلسطينية. أما جيب القدس فكانت غالبيته من العرب (105,000 مقابل 100,000 يهودي).
لم يستطيع القرار 181 أن يوفر لإسرائيل الأساس السكاني لقيامها باعتبارها دولة لليهود. ففي معظم مناطقها كانت الغلبة للسكان العرب. فعلى سبيل المثال كان يسكن النقب (الذي ضم للدولة اليهودية) 1020 يهودياً فقط، بينما كان سكان العرب حوالي 103,820 عربياً. أما الجليل الشرقي فكان سكانه 86.200 فلسطيني، و 28,750 يهودياً. وحده السهل الساحلي، الممتد من تل أبيب إلى حيفا، والسهل الداخلي الواقع جنوبي شرقي حيفا، كان يضم غالبية يهودية (469,259 يهودياً مقابل 235.760 عربياً). ومع ذلك نلاحظ أن حوالي 304,000 يهودي كانوا مجتمعين في تل أبيب وحدها ، بينما كانوا في الريف أقلية في مقابل الأغلبية العربية.
أما من حيث الملكية، فكنا قد أشرنا إلى أن ملكية اليهود في فلسطين التاريخية لم تتجاوز 7 % من الأرض (أي حوالي 1,820,000 دونم). أما في «دولتهم» فقد بلغت ملكية اليهود 1,678,000 دونم من أصل  15 مليون دونم هي مساحة «الدولة اليهودية». أي أن ملكيتهم في دولتهم كانت لا تتجاوز 11.2 % من مساحة الأرض، والباقي كان للفلسطينيين. أما من أصل 7,500,000 دونم صالحة للزراعة في «الدولة اليهودية» فإن ملكية اليهود كانت لا تتجاوز 1.5 مليون دونم بينما كان 80% من هذه الأرض ملكاً للفلسطينيين. بالمقابل نلاحظ أن مساحة الدولة الفلسطينية بلغت 12 مليون دونم، كانت ملكية اليهود فيها لا تتجاوز 1% تقريباً. أما مساحة جيب القدس فبلغت بموجب التقسيم 187 ألف دونم، كانت حصة اليهود فيه لا تتجاوز 12.500 دونم.
من الناحية الاقتصادية، يلاحظ أن أفضل الأراضي أعطيت «للدولة اليهودية»: وهي جميع السهول الداخلية، والأراضي المنتجة للحبوب والحمضيات، علماً أن نصف هذه الأراضي كانت ملكاً للفلسطينيين، وأن 80 % من إجمالي قيمة الصادرات الفلسطينية – قبل التقسيم – كانت من الحمضيات. ويلاحظ أيضاً أن حوالي 40 % من الصناعة الفلسطينية، والجزء الأكبر من الموارد التي كانت تزود فلسطين بالطاقة الكهربائية، صار تابعاً للدولة اليهودية.
ومع ولادة دولة إسرائيل لم تولد دولة فلسطينية موازية، بل ولدت قضية جديدة هي قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم، وتشردوا في أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة (لبنان – سوريا – الأردن – العراق ..) وتراوح عدد اللاجئين الذين طردتهم إسرائيل من الأرض العربية التي احتلتها بعد الإعلان عن قيامها في 15/4/1948 ما بين 700 إلى 800 ألف فلسطيني ـ وفقاً للتقديرات والإحصاءات المتعددة.
سيطرت المملكة الأردنية الهاشمية على الضفة الفلسطينية لنهر الأردن، وألحقتها بها جزءاً لا يتجزأ من المملكة المعلن عنها حديثاً، وفرضت على الفلسطينيين التخلي عن جنسيتهم لصالح الجنسية الأردنية. شكلت الحكومة المصرية إدارة عسكرية أشرفت عن قطاع غزة الذي تحول ملجأ مكتظاً باللاجئين. أما الذين لجأوا إلى الدول العربية الأخرى فقد أعيد تنظيم وضعهم في مخيمات وتجمعات سكنية خاصة بهم، وباتوا يعرفون منذ ذلك الوقت باللاجئين الفلسطينيين. وصارت قضيتهم هي عنوان القضية الفلسطينية، وصار شعار «عائدون» هو الذي يلخص مجمل القضية الفلسطينية. وسقطت فكرة الدولة الفلسطينية من الأذهان، وصار يوم 29/11/1947 يوماً أسود في تاريخ القضية الفلسطينية، مثله مثل يوم 15/5/1948 تاريخ قيام دولة إسرائيل، ونكبة الشعب الفلسطيني في وطنه.
وخلف الجدار الحديدي للدولة الصهيونية، بقي حوالي 120 ألف فلسطيني يعيشون فوق أراضيهم، تطاردهم قوانين الطوارئ، وإجراءات القمع وأطواق الحصار. لكن بقي هؤلاء يشكلون عقب أخيل الدولة الإسرائيلية. وهي اليوم تجد نفسها أمام امتحان الديمقراطية المزيفة واستحقاقات السياسات العنصرية. إذ تحولت هذه الفئة العربية القليلة إلى مجتمع متكامل يكبر في قلب المجتمع الصهيوني ويشكل نقيضاً له.
2- القرار 194
ولادة القرار وقراءة في قوته القانونية
أمام هول جريمة تشريد حوالي 800 ألف لاجئ فلسطيني من ديارهم، وجد المجتمع الدولي نفسه مطالباً بالتحرك لمعالجة هذه القضية بالسرعة القصوى بسبب تداعياتها وانعكاساتها العاصفة على مجمل المنطقة. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، وجدت في تدفق هذا العدد الكبير من اللاجئين على الدول العربية المجاورة (لبنان– سوريا– والأردن) خطراً يتهدد استقرار هذه الدول، باعتبارها صديقة لأميركا ومقربة منها. كما رأت في اللاجئين، بلا مأوى أو غذاء، أو مصادر دخل، بيئة خصبة لما تسميه واشنطن تغلغل الأفكار الشيوعية الهدامة. كما رأت في قضية اللاجئين عقبة في الوصول مع الدول العربية إلى سلام مع إسرائيل، خاصة وأن كل العواصم العربية المعنية بالصراع مع إسرائيل اشترطت حل قضية اللاجئين أولاً، وقبل كل شيء، للوصول إلى سلام مع الدولة اليهودية.
بريطانيا، من جهتها، رأت في قضية اللاجئين الفلسطينيين مدخلاً لإعادة ترميم صورتها أمام العالم العربي، فتدخلت هي الأخرى لإيجاد حل ما لهذه القضية. وهذا ما شكل مدخلاً لتوافق دولي على تعيين مندوب عن الأمم المتحدة، هو الكونت برنادوت، ليتولى بحث الوضع في الشرق الأوسط. وقد رأى برنادوت أنه من دون حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وإعادتهم إلى ديارهم التي هجروا منها، فمن المستحيل الوصول إلى سلام في المنطقة. وقد رفع بذلك مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 16/9/1948. من جانبها رأت الحركة الصهيونية في موقف برنادوت انحيازاً للموقف العربي حسب إدعاءاتها فدبرت له كميناً في القدس واغتالته، عند أحد الحواجز العسكرية اليهودية، لقطع الطريق على تحركاته. وكان ذلك في 17/9/1948 أي بعد يوم واحد من رفع تقريره إلى المنظمة الدولية.
وعملاً بتوصية برنادوت، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948 القرار رقم 194، الذي قضى بتشكيل لجنة توفيق ووضع القدس في نظام دولي، كما قررت حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم في سبيل تعديل الأوضاع بحيث تؤدي إلى تحقيق السلام في فلسطين في المستقبل. وقد جاء في الفقرة (11) من القرار ما يلي:
•      «11- تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الولي والإنصاف، أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
•      «وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات والمحافظة على الاتصال الوثيق لهيئة إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والولايات المتخصصة المناسبة في منظمة الأمم المتحدة».
ومنذ ولادته، تحول القرار 194 إلى الأساس القانوني لحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، خاصة وأنه يستند بالأساس إلى مبادئ القانوني الدولي، كما ورد في نصه.
فالقرار، وبموجب تفسيرات خبراء القانون الدولي واللجنة القانونية التابعة للأمم المتحدة، شكل صوناً لحق العودة. فهو يشكل في الواقع:
•      اعترافاً من المجتمع الدولي، ممثلاً بالأمم المتحدة، بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948. وإلى جانب كون هذا الحق تاريخياً، تثبته وتؤكده الوقائع التاريخية الدامغة وغير القابلة للنقاش أو النقض أو التشكيك، فإن القرار 194 منح هذا الحق التاريخي، الذي يقره الشعب الفلسطيني لنفسه، بعداً قانونياً غير قابل هو الآخر للنقض أو التشكيك.
•      أكد هذا القرار أن حق اللاجئين في العودة، هو حق جماعي، وفردي في الوقت نفسه. هو حق جماعي، أي أنه غير قابل للتجزئة، فلا يصح الحديث عن عودة فئات من اللاجئين، وحرمان فئات أخرى من هذه العودة، فالعودة يجب أن تكون- بالضرورة- لكل اللاجئين دون استثناء. وهو حق فردي، أي أنه لا يحق لأي جهة أن تنصب نفسها ناطقاً باسم اللاجئين وممثلاً لهم، وأن تنوب عنهم في التفاوض على هذا الحق، أو المساومة عليه، أو التخلي عنه. وبالتالي فإن أي مشروع يدعو لإعادة فئات من اللاجئين، ولا يعيد باقي الفئات، هو مشروع ناقص، ولا يعتبر تنفيذاً ناجحاً للقرار 194. وإن أية مفاوضات يدعي فيها الجانب الفلسطيني تمثيله للاجئين، يقدم خلالها تنازلات عن حق العودة، هي مفاوضات غير مشروعة، وباطلة قانوناً، وغير ملزمة إلا لمن وقع عليها.
•      إن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي مكون رئيسي من مكونات القضية الوطنية الفلسطينية، لا يمكن إيجاد حل لهذه القضية دون الاعتراف بحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وصون هذا الحق وعدم التخلي عنه أو المساومة عليه. كما تعتبر، في السياق نفسه، العودة إلى الديار والممتلكات التعبير الأكثر تقدماً عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه وعلى أرضه. وبالتالي، تعتبر أية مقايضة بين مكونات القضية الفلسطينية وعلى حساب قضية اللاجئين باطلة قانوناً، ولا قيمة لها ولا تلزم غير أصحابها. أي بتعبير آخر، يعتبر أمراً غير قانوني أية محاولة للمقايضة بين قيام دولة فلسطينية وبين حق العودة، أو القبول بقيام دولة مستقلة مقابل التخلي عن حق العودة، وإن قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس لا يعتبر بنظر القانون الدولي حلاً نهائياً للقضية الفلسطينية وللصراع مع إسرائيل ما لم تتم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها.
•      حق العودة حق قانوني يكفله القانون الدولي، ولا يسقط بالتقادم. وقد عبرت عن هذا الأمر الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تصر، في كل عام، على إعادة التأكيد على القرار المذكور في دورتها العادية.
•      القرار 194 يمتلك صفة الإلزام لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، رغم أنه صادر عن الجمعية العامة للمنظمة الدولية وليس عن مجلس الأمن الدولي. وهو يستمد صفة الإلزام هذه، لكونه يعاد التأكيد عليه في الجمعية العامة في كل عام في الدورة العادية للأمم المتحدة. كما يملك صفة الإلزام، كونه واحداً من القرارات ذات الصلة بقضايا الانتداب. وقد فسرت اللجنة القانونية للأمم المتحدة أن كافة قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة بقضايا الانتداب، تعتبر ملزمة للدول الأعضاء في المنظمة الدولية، بذات قوة الإلزام التي تتمتع بها القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.
•      خلافاً لما يدعيه البعض، فإن القرار 194 لا يخير اللاجئ الفلسطيني بين العودة أو التعويض، بل إن منحاه العام ووجهته الأساسية هما حق العودة. كما يربط بين العودة والتعويض باعتبارهما يكملان بعضهما البعض. فالتعويض، عما لحق باللاجئ من خسائر مادية ومعنوية، بفعل التهجير واللجوء، هو حق أيضاً من حقوق اللاجئ، ولا يكتمل حق العودة إلا بالتعويض عن هذه الخسائر. أما حديث القرار 194 عن التعويض لمن لا يرغب بالعودة، فهو لا يمس حق العودة لا من قريب أو بعيد.
•      وأخيراً، وليس آخراً، وتأكيداً على إلزامية القرار 194 للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فقد كان من شروط المنظمة الدولية على إسرائيل، لقبولها عضواً فيها، هو الموافقة المسبقة على القرار 194. وقد بقي طلب عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية معلقاً إلى أن قدمت مذكرة يشوبها الغموض، فسرها رجال القانون في المنظمة الدولية على أنها اعتراف من إسرائيل بالقرار المذكور. وإسرائيل، كما هو معلوم، الدولة الوحيدة التي وضعت لها المنظمة الدولية شرطاً مسبقاً لقبولها عضواً في المجتمع الدولي.
•      وكخلاصة علينا أن نلاحظ، أن القرار 194، في سياقه العام، ولقوته القانونية والسياسية وصفته الإلزامية، ساهم في الإبقاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة بنداً حاضراً على الدوام على جدول أعمال المجتمع الدولي واهتماماته القانونية والسياسية والإنسانية. وقد لعب القرار المذكور دوراً كبيراً في حشد التأييد الدولي الرسمي والشعبي والمؤسساتي لقضية اللاجئين وحق العودة، ومساندتهم في مواجهة المزاعم الإسرائيلية المبنية على الخرافات والأساطير والمفاهيم العنصرية. لذا من الطبيعي القول إن صون القرار 194 والتأكيد عليه سنوياً يعتبر أمراً بالغ الحيوية وواحداً من الأسس المثبتة للدفاع عن قضية اللاجئين وحق العودة.
القرار 194 وحق العودة والعملية السياسية في المنطقة
منذ ولادته، والقرار 194 موضع تجاذب بين الجانبين العربي والإسرائيلي. فإسرائيل كانت ترى فيه سيفاً مسلطاً على رقبتها، رفضت الاعتراف به سياسياً، وادعت أنه لا ينطبق على الفلسطينيين لأنهم لا يتمتعون بكيانية سياسية، وليست لهم دولة، كما أنهم ليسوا مواطنين في دولة إسرائيل. وتهربت، منذ العام 1948، من استحقاقات تنفيذه، واعتبرت أن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم، من شأنه أن يقضي على إسرائيل، كدولة صهيونية ويهودية في آن. ودعت على الدوام إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، مدعية أنه كما عملت إسرائيل على «احتضان يهود العالم» في دولتها، على العرب هم أيضاً أن يحتضنوا اللاجئين الفلسطينيين في بلادهم. لكن هذا لم يحل دون أن تعيد الأمم المتحدة، في دوراتها السنوية، التأكيد على القرار المذكور وعلى ضرورة تنفيذه، دون أن تعير الموقف الإسرائيلي أي انتباه.
ولكن، ومع انطلاق العملية التفاوضية في منطقة الشرق الأوسط، بين العرب وإسرائيل، في مؤتمر مدريد في نهاية تشرين الأول 1991 وبعده في مفاوضات واشنطن، شهد القرار 194 تطورات سلبية أدت إلى إضعافه وإلى تآكله سياسياً، دون أن يمس ذلك على الإطلاق قوته القانونية، أو أن يؤثر على موقف المجتمع الدولي منه، ممثلاً بالجمعية العامة للأمم المتحدة.
•       فنزولاً عند الاشتراطات الإسرائيلية والضغوط الأميركية، استبعد مؤتمر مدريد القرار 194 من الأسس التي انعقد بموجبها، واكتفى بالقرارين 242 و338 . علماً أن هذين القرارين يعالجان الصراع العربي- الإسرائيلي ابتداء من حرب حزيران (يونيو) 67، مع تجاهل تام لأسباب الصراع الحقيقية الناتجة عن أحداث العام 1948، بما فيها قضية اللاجئين وحق العودة. أما هذه القضية فقد ورد ذكرها بطريقة ملتبسة بالقرار 242، تجاهلت أية إشارة لحق العودة.
•       بعد تنازله الأول، في هذا المضمار، متمثلاً بقبول حضور مؤتمر مدريد مع استبعاد القرار 194 من أسس هذا الانعقاد، قبل المفاوض الفلسطيني باستبعاد القرار المذكور (مرة أخرى) من أعمال لجنة اللاجئين في المفاوضات المتعددة، واقتصرت أعمالها على بحث القضايا المسماة «إنسانية» أي قضايا التأهيل ومتطلباته، وهي، وكما بينت الوقائع، تندرج في إطار خطة دولية لتوطين اللاجئين في أماكن إقاماتهم، بديلاً لحقهم في العودة. وقد رفض المفاوض الإسرائيلي إدراج حق العودة على جدول أعمال اللجنة بذريعة أنها من اختصاص المفاوضات الثنائية، والتي كما يراها الجانب الإسرائيلي، أنها هي المعنية بالتباحث في الشؤون المسماة سياسية.
•       وفي اتفاق أوسلو، عاد المفاوض الفلسطيني ليقدم التنازلات نفسها حين قبل باعتماد القرارين 242 و338 أساساً لمفاوضات الوضع الدائم، وقبل باستبعاد القرار 194، في إشارة واضحة إلى الاستعداد المسبق للتنازل عن حق العودة، والمقايضة بين هذا الحق، وقيام الدولة المستقلة، وهذا ما أكدته الوقائع اللاحقة. وقد حاول المفاوض الفلسطيني أن يستدرك هذا الخطأ – تحت وطأة الضغوط الشعبية الهائلة التي انتقدت هذا التنازل وأدانته- فقدم في جلسة مفاوضات الحل الدائم في 8/11/1999 مذكرة تدعو إلى اعتماد القرار 194 إطاراً لبحث قضية اللاجئين، لكن أسبقية لجنة المتعددة، وخلو نص اتفاق أوسلو من أي ذكر لهذا القرار أضعفا الموقف الفلسطيني وشكلا سلاحاً بيد الجانب الإسرائيلي. وقد واصل المفاوض الفلسطيني المفاوضات، ولم يعطلها كإعلان عن تمسكه بالقرار 194 وبحق العودة.
•       وفي إشارات ذات مغزى، شكلت رسائل سياسية إلى الجانب الإسرائيلي، حول حدود الموقف الفلسطيني من قضية اللاجئين وحق العودة والاستعداد للمساومة عليه، استبق عدد من أعضاء الوفد الفلسطيني إلى لجنة المتعددة، نتائج العملية التفاوضية، وقدموا تفسيرات وسيناريوهات لتطبيق القرار 194، إن وافقت إسرائيل على اعتماده إطاراً لبحث قضية اللاجئين. وذهب هؤلاء بعيداً في مراعاة حدود الموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين وحق العودة. ففي مؤتمر عقد في أوكلاهوما (الولايات المتحدة) في 2/12/1999، قدم تيسير عمرو مشروعاً للحل يدعو إسرائيل إلى قبول عودة 10% من مجموع اللاجئين (أي حوالي 400 ألف فقط لا غير من أصل 4 ملايين لاجئ) مقابل توطين الباقين في المناطق الفلسطينية والدول العربية. وحاول عمرو طمأنة إسرائيل بأن هذه «العودة» لن تؤثر على التوازن الديمغرافي للدولة اليهودية، وأن الطرف الفلسطيني سيعلن، عند قبول الإسرائيليين بالحل، أن هذه «العودة» هي «التطبيق العملي» للقرار 194، وأن دولة إسرائيل «نفذت ما هي مطالبة به» في هذا الشأن. وفي اقتراح مشابه، وفي المؤتمر نفسه، دعا مفاوض آخر هو منذر الدجاني، إسرائيل إلى قبول «عودة» عدد من اللاجئين يساوي عدد المستوطنين اليهود الذين سيبقون في الضفة والقطاع بعد قيام الدولة الفلسطينية، على أن يعلن الطرف الفلسطيني أن هذا الأمر يعني تطبيقاً للقرار 194. ودعا، في السياق، إلى تعديل مفهوم «العودة» بحيث يصبح إلى «الوطن» أي إلى الدولة الفلسطينية المرتقبة، داعياً للتخلي عن الحق الثابت في «العودة إلى الديار والممتلكات» في مناطق 48. ويرى الدجاني أن هذا يتيح لحوالي مئة ألف لاجئ أن «يعودوا» إلى إسرائيل مقابل توطين الباقين.
•       وفي حزيران (يونيو) 1999 وزع مسؤول ملف اللاجئين (آنذاك) في اللجنة التنفيذية في م.ت.ف.، الدكتور أسعد عبد الرحمن، تقريراً بعنوان «قضايا واقتراحات» يعالج قضية اللاجئين، دعا فيه إلى ما أسماه «تجاوز المحرمات»، واقترح تجزئة قضية اللاجئين، عبر العودة الجزئية، من جهة وتوطين الباقين من جهة أخرى؛ مقترحاً أن تكون «العودة» المجزوءة هذه مقتصرة على اللاجئين الفلسطينيين قي قطاع غزة وأن تكون إلى النقب، مع محاولة طمأنة إسرائيل إلى أن هذه العودة لن تمس التوازن الديمغرافي فيها، وأن الغلبة السكانية ستبقى لليهود.
•       في مفاوضات كامب ديفيد، في تموز (يوليو) 2000، قدم الجانب الفلسطيني تنازلات خطيرة في مجمل العملية التفاوضية وبما يتعلق بشكل خاص بقضية اللاجئين وحق العودة، حين توصل مع الجانب الإسرائيلي إلى «تفاهم» يعفي إسرائيل من أية مسؤولية قانونية أو أخلاقية عن قضية اللاجئين وما حل بهم «من مآسي»، كما أعفاها من أية «تبعات أو مسؤوليات لاحقة معنوية ومادية وقانونية» إزاء هذه القضية. كما اتفق الطرفان على أن يتبنى المجتمع الدولي «تشكيل صندوق لتغطية مصاريف حل قضية اللاجئين» من 100 مليار دولار، «يجري توفيرها خلال فترة تمتد من 10-20 سنة». كما اتفقا على أن مشاركة إسرائيل في تمويل الصندوق لا يحملها «أية مسؤوليات عما حل باللاجئين»، ولا يفسر ذلك على أنه تعويض منها لهم، وأن المشاركة تتم لدوافع إنسانية. كما اتفق الطرفان على «حل وكالة الغوث وإنهاء خدماتها» على أن يحل محلها الصندوق الدولي المذكور. وهو ما يعني نقل قضية اللاجئين من مرحلة الإغاثة إلى مرحلة حل القضية وتسويتها. وفي السياق نفسه ،أعلنت إسرائيل استعداها لاستقبال فئة محدودة من اللاجئين على دفعات زمنية ما بين 10-20 سنة، على أن لا يتجاوز عددهم الأقصى 100 ألف لاجئ «ممن ولدوا في فلسطين الانتدابية (أي قبل عام 1948) ومن دون ذريتهم شريطة أن يكون لهم أقرباء في إسرائيل». واتفق الجانبان على أن هذه العملية «تتم في إطار جمع شمل العائلات ولأسباب إنسانية بحتة ولا تمت بصلة على الإطلاق لمبدأ حق العودة». بدوره يعلن الجانب الفلسطيني أن الإجراءات الإسرائيلية «تعتبر تطبيقاً للقرار 194». كما تعمل السلطة الفلسطينية (ومن بعدها الدولة الفلسطينية) على «استقبال حوالي نصف مليون لاجئ في فترة تمتد حتى 10-15 عاماً» وبآليات تأخذ بالاعتبار القدرات الاستيعابية للضفة الغربية. أما اللاجئون الآخرون في باقي المناطق (السلطة الفلسطينية– الأردن– لبنان– وسوريا) فيجري العمل على توطينهم في أماكن إقامتهم أو نقلهم إلى دولة ثالثة. كما تداول الطرفان في دفع تعويضات للدول المضيفة للاجئين من الصندوق الدولي وفق التالي: 40 مليار لكل من السلطة الفلسطينية والأردن، و10 مليارات لكل من لبنان وسوريا. وقد لخصت وزيرة الخارجية الأمريكية (آنذاك) مادلين أولبريت هذه التفاهمات في نص رسمي أذاعته على الملأ قالت فيه إن الطرفين اتفقا على حل مشكلة اللاجئين عبر «إيجاد مأوى» لهم و«منح تعويضات، تأهيل، إعادة توطين وعودة إلى أماكن سكناهم السابقة».
•       «تفاهمات» كامب ديفيد استندت بشكل بارز إلى وثيقة «أبو مازن- بيلين» التي طرحت «التأهيل والتعويض» حلاً لقضية اللاجئين بذريعة أنه «الحل العملي». وتنص الوثيقة على أن الجانب الفلسطيني حرص على مطالبه بحق العودة، لكنه اعترف في الوقت نفسه بأن تنفيذ هذا الحق بات أمراً «غير عملي». وواضح أن هذه الوثيقة الموقعة من أبو مازن، الذي أصبح رئيساً للسلطة الفلسطينية، ورئيساً للجنة التنفيذية في م.ت.ف. تشكل إعلاناً رسمياً بالتنازل عن حق العودة، وعن القرار 194.
•       وقد جاءت مفاوضات طابا  (كانون الثاني– يناير 2001)، بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي،رار 194. فقد توصل الطرفان إلى اتفاق قريب جداً من تفاهمات كامب ديفيد، نص على قيام دولتين لشعبين، دولة للفلسطينيين وأخرى لليهود، وعلى أن «العودة» تكون للدولة الفلسطينية، وأن تكون الأولوية للاجئين في لبنان وفي إطار خطة زمنية لا تتجاوز عشر سنوات، تتوفر فيها المساعدات للدولة الفلسطينية لاستيعاب القادمين، بمعدل مئة ألف لاجئ سنوياً، ويقام لهذا الغرض صندوق دولي تساهم فيه إسرائيل من موقعها كعضو في المجتمع الدولي، دون أن يحملها ذلك أية مسؤوليات أخلاقية أو سياسية أو قانونية عما حلّ باللاجئين من مآسٍ. كما يساهم الصندوق في توطين اللاجئين في أماكن إقامتهم أو في دولة ثالثة. بدورها تفتح إسرائيل باب جمع الشمل لأعداد من اللاجئين (اقترحت ألا يتجاوز خمسين ألفاً) ممن ولدوا في فلسطين قبل العام 1948، على أن يدخلوها دون ذريتهم، وأن يكون لهم أقرباء في إسرائيل. ونظراً للكثافة السكانية في قطاع غزة وخوفاً من انعكاس الوضع الاجتماعي المتأزم على الوعي السياسي، وخوفاً من انتشار $التطرف في صفوف اللاجئين، تداول الطرفان، في إطار تبادل الأراضي، في ضم مدينة الخلصة حلوتسة في النقب، إلى القطاع وأن تكون مكاناً لنقل أعداد من اللاجئين إليها، وأن يربط بين المنطقتين ممر بري توضع له آليات الحركة في اتفاق منفصل. وبعد الوصول إلى الحل الدائم لقضية اللاجئين يعلن عن حل وكالة الغوث، ويحل محلها الصندوق الدولي، ويعلن الطرفان أنه ليست لهما مطالب إضافية في هذا الصدد، ويغلق هذا الملف لمرة واحدة وإلى الأبد. وقد أوضح الجانب الإسرائيلي أن ما أعاق الوصول إلى هذا الاتفاق هو طلب الجانب الفلسطيني أن يشمل جمع الشمل إلى إسرائيل مليون لاجئ بمعدل 100 ألف كل سنة وعلى مدى عشر سنوات. ورفض الجانب الإسرائيلي هذا الطلب بذريعة أنه يخالف مبدأ دولتين لشعبين، لأن استيعاب مليون فلسطيني سيخل بالتوازن الديمغرافي، وسيحول إسرائيل إلى دولة عربية، أو دولة ثنائية القومية مما يحرم اليهود من «حقهم» في دولة خلافاً لما نص عليه مبدأ «دولتين لشعبين».