- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

لغة المصالح بين ترامب والقمة العربية

د. فوزي علي السمهوري

يفصلنا ثلاثة اسابيع عن مؤتمر القمة العربي الذي سيلتئم في مرحلة هامة تتسم بالتحديات التي تواجه جميع الاقطار العربية دون استثناء على الصعيدين المحلي والدولي, خاصة في ظل رئاسة ترامب للولايات المتحدة الامريكية‪.‬
على الصعيد الدولي‪:‬
ان التحدي الأكبر الذي يواجه معظم الاقطار العربية ان لم يكن جلها يتمثل في نظرة الرئيس الامريكي ترامب الدونية للاقطار العربية, لدرجة يمكن وصفها بالعنصرية الفظة واللاانسانية القائمة على سمو العرق الأبيض, وما الاعراق الاخرى الا لخدمتهم‪.‬
فيكفي ان نتذكر سلسلة من تصريحاته العدائية لمنطقتنا اثناء حملته الانتخابية والتي تواصلت بعد نجاحه في الانتخابات وتسلمه سلطاته الدستورية بعد ذلك‪.‬
وعلى رأس هذه التصريحات العدائية والتي تحمل في طياتها لغة التهديد, عندما خاطب دولاً عربية وخاصة الاقطار النفطية السعودية ودول الخليج العربي قائلا »انكم لا تملكون غير المال ولا وجود لكم بدوننا‪«.‬
وعندما اشار في مناسبة اخرى بانه كان من المفروض ان تستولي امريكا على ثروات الكويت والعراق, الذي حسب رأيه انها كلفت الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات في معركة تحرير الكويت واسقاط نظام صدام حسين في العراق اعوام 1991 و2003 على التوالي‪.‬
ثم القارئ المتمعن في خطابه الاول امام الكونغرس عندما قال ان هدفه الرئيسي محاربة الارهاب وما يتطلبه العمل والتعاون مع حلفاء من ضمنهم دول اسلامية لتحقيق هذا الهدف‪.‬
اي بكلمات اخرى انه يهدف الى استخدام امكانيات لدول عربية واسلامية لتحقيق مصالحه, دون ان يتفوه ولو بكلمة واحدة او اشارة واضحة لشكل العلاقة بين امريكا بقيادته وبين هذه الدول, وهل ستكون علاقة تحالف استراتيجي, او حتى ان يدفع لهم ثمن تعاونهم بدعمهم عسكرياًوسياسياً‪ ‬وتكنولوجياً واقتصادياً, مما يثير الشك والريبة بتوجهاته المستقبلية‪.‬
وما اشارته الصريحة بتوطيد التحالف مع »اسرائيل« الا دليل على نظرته السلبية تجاه المنطقة العربية بشكل عام. مما يتطلب من جميع قادة الدول العربية والاسلامية ان يقلقوا على احوالهم ويحثهم على التفكير تجاه مواجهة هذه التحديات‪.‬
على الصعيد القطري‪:‬
هناك عدد من التحديات المشتركة التي تواجه الاقطار العربية وعلى رأسها: التحديات الامنية, الاقتصادية والتشرذم والخلافات ما ظهر منها وما بطن, فالتحديات الامنية التي تحيق بعدد من الدول من خلال عدم الاستقرار الامني والتي تهدف الى تقسيم وتفتيت هذه الاقطار على اسس مذهبية وطائفية واثنية‪.‬
والتحديات الاقتصادية سواء الناجمة عن تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وعن انخفاض اسعار النفط الى مستويات متدنية جدا قبل معاودتها الارتفاع بعد الوصول الى اتفاق بين الدول المنتجة ينص على تخفيض كميات الانتاج, اضافة الى عدم الاستقرار الامني الذي يؤدي الى انكماش بحركة الاقتصاد وبالتالي تراجع نسبة النمو, مما ينجم عنه مزيد من نسب الفقر والبطالة والبطالة المقنعة وبالتالي ضعف الجبهات الداخلية لهذه الدول. والتي لا يمكن علاجها وحلها الا باصلاحات سياسية واقتصادية قوامها المواطنة وتعزيز الديمقراطية والنهوض بحقوق الانسان واحترامها وكفالتها‪.‬
اما حالة التشرذم والخلافات بين قادة الدول العربية من سياسية وغيرها, تؤدي الى نتائج »لا يتمناها احد« من نجاح المخططات الاجنبية التي تستخدم ادوات محلية للوصول الى اهدافها بتدمير هذه الكيانات وتقسيمها الى دويلات وولايات متناحرة, يرافقها تدمير لشخصية وعقلية الانسان العربي كخطوة للنيل من بنية وشخصية الفرد المسلم‪.‬
كما ان استمرار حالة التشرذم ستؤدي الى نهب الثروات العربية بشكل مباشر او غير مباشر, سواء من خلال صفقات السلاح بعشرات المليارات من الدولارات ومن خلال ان الوطن العربي سوق استهلاكي يعتمد كلياً على استيراد حاجاته من الخارج. كما تعني الاستمرار في حرمانه من التمتع بثرواته وبناء عوامل قوته السياسية والاقتصادية والعسكرية‪.‬
اذن ما هو المطلوب‪:‬
الان ونحن بين يدي اجتماع القمة العربية في منطقة البحر الميت في التاسع والعشرين من هذا الشهر برئاسة جلالة الملك عبدالله الثاني, فان هذا الاجتماع لا بد من العمل على تحويله من اجتماع دوري روتيني لذر الرماد امام عيون الشعوب, لا ينتج عنه الا قرارات شكلية لا ترى نور تطبيقها وتحويلها الى واقع, الى اجتماع مفصلي يشكل قاعدة انطلاق لمواجهة التحديات والاخطار بارادة صلبة لا تلين‪.‬
ولتحقيق ذلك فانني ارى انه لا بد من العمل على‪:-‬
اولا:- الاتفاق على التحديات المشتركة بين كافة الدول المشاركة في اعمال القمة, ووضع الاستراتيجيات الموحدة لمواجهتها موحدين, فهذا السبيل الوحيد لاجهاض كافة اشكال التحديات والتهديدات‪.‬
ثانيا:- الاتفاق على تحديد الاولويات من اخطار تواجه الدول العربية اقليمياً ودولياً, والعمل ما امكن على تصغير المشاكل وخاصة مع الدول الاقليمية, وهذا يعني ببساطة سحب البساط من قوى خارجية بزرع الرعب من اعداء قد يتم التفاهم معها اذا ما توفرت حسن النوايا المشتركة من كافة دول الاقليم‪.‬
ثالثا:- الايمان المطلق بان امريكا بقيادة ترامب او غيره ستبقى عاجزة عن الاستغناء عن منطقتنا العربية لاسباب سياسية واستراتيحية واقتصادية وامنية. لذا فعلى القمة ان توجه خطاباً واضحاً للرئيس الامريكي الذي تقوم سياسته على ازدراء منطقتنا قادة وشعوباً‪ ‬مفاده اننا قادرون على الحفاظ على بنيتنا قوية بحدودها الدنيا, وباننا عازمون على المضي قدماً في تطوير وبناء قوانا على الاصعدة المختلفة‪.‬
وعلينا جميعاً حكاماً وشعوباً ان نتحمل تبعات مثل هذه المواقف, فامريكا ومعها حلفاء كثر عددهم او قل سيبقون عاجزين عن احتلال جميع او معظم اقطارنا وهذا يعني ان العلاقة مع ترامب يجب ان تكون قائمة على علاقة الند بالند وليس التابع, فعقلية الرئيس الامريكي قائمة على مبدأ الابتزاز والتبعية‪.‬
رابعاً:- المطلوب البدء بالعمل ان لم يكن قد بدأ فعلاً على صعيد قطري من كل دولها تحديد التحديات التي تواجهها من سياسية او اقتصادية او امنية او غيرها, ووضع تصور لايجاد حلول بدعم وتعاون عربي تشكل في مجملها استراتيجية عربية شاملة‪.‬
خامسا:- العمل على وضع استراتيجية قائمة على العمل الجاد لبناء اقتصاد مشترك تعاوني, فقد اثبتت الاحداث ان توجيه الاستثمارات العربية الى الخارج غير آمنة, والاستثمار وانماء المنطقة العربية اكثر أمناً‪ ‬وأماناً‪.‬
سادسا:- العمل على استقطاب الكفاءات العلمية والبحثية وتوجيهها من بناء مؤسسات بحثية علمية وعملية لتطوير قدراتنا ولنساهم مساهمة ايجابية في الحضارة العالمية‪.‬
سابعاً:- العمل على اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية واجراء مصالحات داخلية مع القوى السياسية والشعبية ومن خلال ايضا ترسيخ وتعزيز الديمقراطية ومشاركة المواطن في القرار‪.‬
هذه بعض الخطوات العملية التي في حال الوصول الى الاتفاق حولها, ما يمكنها كقمة عربية من تشكيل وفد قيادي عربي مشترك برئاسة العاهل الاردني كرئيس للقمة بان يجول العالم من شرقيه الى غربيه بدءاً من الولايات المتحدة الامريكية للوصول الى تفاهمات قائمة على المصالح المشتركة تكفل استقرار اقطارنا وتطورها ونموها من قاعدة الند وبان حاجة امريكا لمنطقتنا اكبر من حاجتنا للولايات المتحدة الامريكية‪.