- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

الإعتراف شرط التغيير / معتصم حمادة

■ لم تشكل مصادقة الكنيست على قانون تبييض المستوطنات والإستيطان، مفاجأة لأحد. فالنقاش كان دائراً بين اللجان المختصة والجمعية العامة للكنيست، وكانت الصحف الإسرائيلية قد أوضحت أن مشروع القرار يحوز على الأغلبية المطلوبة لإقراره، وبالتالي كانت المسألة هي مسألة أيام إلى أن يقر القانون. وأنقضت الأيام القليلة (أقل من أسبوعين) وبات المشروع قانوناً نافذاً، رغم إعتراض بعض الدوائر القانونية، وصف عريض من أعضاء الكنيست، بمن فيهم القائمة العربية المشتركة، وميرتس، والمعسكر الصهيوني، وكل طرف عارض من موقعه الخاص.
وبرأينا، فإن قانون «التبييض» كما أقره الكنيست، يندرج في إطار سياسة إسرائيلية متكاملة تساندها الولايات المتحدة. وحتى مؤتمر باريس، في إصراره على أن المفاوضات هي السبيل الوحيد للحل، شكل إنحيازاً للسياسة الإسرائيلية، رغم العرس الذي أقامته محافل السلطة إحتفاء بنتائج المؤتمر.
إستراتيجية الإحتلال تقوم على مجموعة من الأسس. أولها تقييد الجانب الفلسطيني بأن المفاوضات هي السبيل الوحيد للحل. وفي الوقت نفسه تعرقل هذه المفاوضات وتمنعها من الوصول الى حل «مقبول». ثم تقوم في الوقت نفسه بتوسيع مشاريع الإستيطان، وفرض واقع معين ميدانياً، يتحول الى جزء لا يتجزأ من الحل الذي تطمح له إسرائيل، والقائم على ضم أوسع مساحة من الضفة الفلسطينية (الى جانب مدينة القدس المحتلة)، وبما يبقي مساحات ضيقة، هي المدن المكتظة بشكل رئيسي بالسكان، ميداناً لإقامة «الكيان» الفلسطيني، بشروط أمنية وإقتصادية إسرائيلية، تبقيه مقيداً ومرتهناً لها، فاقداً الحد الأدنى من الإستقلال والسيادة.
ولم يحاول نتنياهو تغطية مشروعة، فقد قالها أكثر من مرة أنه ضد قيام الدولة الفلسطينية. وأنه ينوي ضم منطقة (ج) إلى إسرائيل (60% من مساحة الضفة). وأنه لن يتخلى عن هيمنة إسرائيل الأمنية الكاملة على المنطقة الممتدة بين نهر الأردن وبين البحر المتوسط (أي كامل فلسطين الإنتدابية) وأنه متمسك بإسرائيل وطناً قومياً لليهود. وأن الإستيطان (وبالتالي الضم) في الضفة الفلسطينية حق إسرائيلي سيادي من الطراز الأول مثله مثل البناء في تل أبيب. وبالتالي فإن كل هذه الأسس لا تشكل إنتهاكاً لقرارات الشرعية الدولية (بما فيها القرار 242 الذي ينص على الإنسحاب الإسرائيلي حتى 4 حزيران (يونيو) 67، والذي ينص على عدم جواز الإستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ولا للقوانين الدولية فحسب، بل وكذلك لإتفاق أوسلو وبروتوكولاته، التي وقعها، محمود عباس (أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك) في حدائق البيت الأبيض في 13/9/1993. وتشكل أيضاً إنتهاكاً للإعتراف المتبادل الذي تم توقيعه مع الجانب الإسرائيلي في 9/9/1993.
إذن نحن أمام مشهد غريب وفريد من نوعه.
• دولة تحتل أرضنا منذ العام 1967 (بالإضافة لإستيلائها على أجزاء واسعة من الوطن عام 1948) ونعترف بحقها في الوجود في 9/9/93، والإعتراف هنا، هو شكل من أشكال الإعتراف بالإحتلال وشرعيته.
• نوقع معها «معاهدة سلام»، وهي لم تزل تحتل أرضنا (وكانت قد أعلنت ضم القدس.. عاصمة دولتنا ـ بإعتبارها العاصمة الأبدية لإسرائيل). وبذلك ندخل معها في «شراكة من أجل السلام» [سلام الشجعان (!)]، وننزع عنها صفة الإحتلال.
• ثم نقدم لها تنازلاً عن أرضنا [أو ما تبقى من أرضنا] بإعتبارها «أرضاً متنازعاً عليها»، وليست تحت الإحتلال، وأن مصيرها النهائي يحسم بمفاوضات الحل الدائم، الذي مضى زمنه ولن يعود مرة أخرى.
• ثم تلتف الحكومات الإسرائيلية حول هذا كله. فتوسع الإستيطان، وتوسع عمليات الضم، وتعطل المفاوضات، وتبقى الأمور تدور في دائرة مفرغة، تقود إلى توفير الوقت الضروري لإسرائيل لتضم أوسع مساحة من الأرض، وتفرض وقائع بديلاً للمفاوضات.
أخطر ما في هذا كله أن الفريق الفلسطيني، الشريك في إتفاق أوسلو، مازال على «وفائه» للإتفاق، يلتزم بنوده، يذعن للضغوط الإسرائيلية والأميركية. ويحاول أن يغطي تخاذله بالتلويح بالإنذارات وبالإجراءات المضادة، دون أن يحول هذه الإنذارات أو الإجراءات إلى فعل حقيقي، بل دون حتى تنفيذ ما تم إتخاذه من قرارات في اللجنة التنفيذية في م.ت.ف. ومجلسها المركزي (أذار 2015)، من هنا على سبيل المثال، وجدت القيادة الرسمية الفلسطينية نفسها أمام واقع جديد، حين أقر الكنيست قانون تبييض الإستيطان، وتشريع سياسة الضم [فإسرائيل تبني المستوطنات لتضمها إليها في نهاية المطاف لا لتتركها للفلسطينيين يتنعمون بها في إطار ما يسمى بـ «الحل الدائم»]. وما صدر عنها حتى الآن لم يتجاوز بيانات الشجب والإدانة ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل، دون أن ترفق هذه البيانات بأي فعل عملي يرتقي في مسؤوليته إلى المستوى الذي يفرضه عليها القانون الجديد في الكنيست الإسرائيلي. فنحن لم نعد أمام قرار ببناء الآلاف من الشقق الإستيطانية فحسب (على خطورة هذا أيضاً) بل أمام واقع جديد يقول إن حكومة إسرائيل باتت مسلحة بقانون إسرائيلي يتيح لها إجتياح كل شبر من الأرض الفلسطينية المحتلة وضمه لمشاريعها الإستيطانية بإعتباره عملاً إسرائيلياً تجيزه قوانين الدولة وشرائعها. ولا يحق للمواطن الفلسطيني الإحتكام إلى القضاء. وسقف ما يمكن أن يحصل عليه، هو التعويض المالي، بموجب تقديرات سلطات الإحتلال نفسها.
وبالتالي فإن هذا الواقع الجديد، يفترض سياسة جديدة، تختلف بشكل كامل عن السياسات القديمة التي كانت تتحرك تحت سقف العمل لإحياء العملية التفاوضية الثنائية مع إسرائيل، أو تحت سقف الإستراتيجية السياسية القائلة بأن المفاوضات هي السبيل الوحيد للحل.
أزمة القيادة الرسمية الفلسطينية أنها لا تملك الشجاعة لتخاطب شعبها وتصارحه، وتعترف له بأنها أخطأت في إتباعها لمسيرة أوسلو.
ونعتقد أنه دون هذا الإعتراف الواضح والصريح، فإن القيادة الرسمية لن تخرج من أزمتها، بل سوف تتخبط هنا وهناك، في بحث عقيم عن حلول توفرها لها سياستها التي وصلت إلى الطريق المسدود، والتي أثبتت التجربة (التي كلفتنا غالياً) أنها فشلت ولم تقدم للشعب سوى الكوارث.
مفيد أن ندين الصمت الأميركي، وأن نرحب بالإدانات الأوروبية، وكذلك بيان الإدانة عن الجامعة العربية، لكن مثل هذه الخطوات لن تهز شعرة في رأس نتنياهو أو أي من وزرائه. وهو كان واضحاً في حديثه مع رئيسة وزراء بريطانيا حين أكد لها رفضه «حل الدولتين» كما تبنته «الرباعية الدولية»، مصراً على حله هو، القائم على «الدولة الفلسطينية الناقصة» [أي شكل من أشكال الحكم الذاتي] تحت السيادة والهيمنة والتبعية الأمنية والإقتصادية لإسرائيل.
وعلى قاعدة الإعتراف بالفشل، يقوم التغيير الحقيقي. وعندها يصح الحديث عن السياسة الجديدة والبديلة. عن وثيقة الوفاق الوطني. عن قرارات اللجنة التنفيذية. عن قرارات المجلس المركزي. عن قرارات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في بيروت، وعن غيرها من القرارات ذات الإجماع الوطني.
ما من طرف فلسطيني ضد الدبلوماسية، لكن الدبلوماسية وحدها ليست هي الحل، فالحل في الميدان، وعلى وقع الميدان تبنى الخطوات الدبلوماسية.
ونعتقد أن الكرة ستبقى في ملعب اللجنة التنفيذية، ورئيسها، وفي ملعب اللجنة المركزية لفتح (حيث يطبخ القرار أولاً قبل الذهاب إلى «التنفيذية»)، وفي ملعب القيادة الرسمية.
لكن ما يميز الكرة هذه المرة أنها ليست مجرد كرة عادية، بل هي كرة من نار■