| نشر في نوفمبر 15, 2016 9:19 ص | القسم: آخر الأخبار, آراء ومقالات | نسخة للطباعة :
الدكتور ذوقان عبيدات
نواصل اليوم تشخيص واقع بيئة التطرف في مكونات العملية التربوية.
ثالثاً: بيئة التعلم:
تتميز بيئة التعليم في المدرسة الأردنية بما يأتي:
– بيئة تسودها الممنوعات.
– بيئة عقاب كثير ومكافآت نادرة.
– بيئة واجبات ثقيلة وامتحانات عديدة.
– بيئة تسلط الإدارة والمعلمين.
– بيئة عنف للطلاب.
– بيئة خالية من التوجيه والإرشاد.
فالممنوعات هي ما يميز المدرسة، فإذا زرت مدرسة، حتى لو حديثة، لوجدت إعلانات عديدة مثل: ممنوع الركض، ممنوع العلكة، ممنوع استخدام زجاجات الماء… ألخ. ولن تجد إعلاناً لما يسمح به للطالبة أو الطالب.
كما أبدعت المدرسة في وضع قائمة بالمخالفات والعقوبات المرتبطة بها، وفي دراسة للمشكلات بين المعلم والطالب، فإن المسؤولية تحمل للطالب بنسبة 90 ٪ من الحوادث، علماً ان 90 ٪ من الحوادث تبدأ بأخطاء يمارسها المعلمون.
أما الواجبات فهي مصدر للإحباط والتوتر، حيث تتكاثر الواجبات حتى مع ايام العطل، فلا تترك هذه الواجبات أي وقت لنشاط اجتماعي او تأملي يمكن ان يحتاج اليه الطالب، وقد عبر احد المربين عن متاعب الواجبات، بأنها همٌّ للأسرة، وصراع للمعلم، وألم أسنان للطالب، ومع ذلك ما زالت موجودة حتى لأبناء الروضة.
والعلاقات المدرسية، علاقات تسلط، يسود فيها الكبير والقوي، والذكر في المدارس المختلطة، فالأقوياء هم من يحكمون المدرسة، معلمين وطلاباً كرؤساء وعصابات.
وهذه البيئة تولد عنفاً طلابياً طرفاه عصابات طلابية متنفذة والطرف الثاني طلاب ضعاف أو عاديون، هذه البيئة المدرسية التي تكاد تخلو من الحب والعطف والحنان وحتى المساواة والكرامة. أليست هذه بيئة حاضنة للتطرف الناتج عن الإحباط وغياب الأمل.
رابعاً: نموذج الطالب:
اعتاد النظام التعليمي، وفق التقاليد الاجتماعية، ان يحدد الطالب الجيد بأنه:
– طالب يدرس دروسه.
– طالب يحترم النظام والقوانين.
– طالب يطيع من هو أكبر منه سناً ويثق بكل ما يقول.
– طالب هادئ ليس له صلة بالمشاكل.
– طالب ناجح في امتحاناته.
– طالب يؤدي واجباته المدرسية.
وهذا النموذج يؤدي إلى:
– طالب سهل التصديق والاستهواء.
– طالب يطيع ويستمع ويقبل كل ما يقال له.
– طالب ضعيف القدرة على المقاومة العقلية.
بينما النموذج المطلوب هو: طالب واثق، مفكر، ناقد، مجدد، منفتح، مبدع، فاحص.
إذن الطالب النموذج الحالي طالب سريع التأثر، قابل، مطيع، وهذه صفات يسهل استغلالها من قبل المتطرفين. فإذا راعت المناهج النموذج الواقعي الحالي، فإنها تسهم في نشر التطرف.
خامساً: المناهج والكتب المدرسية
يقتضي الاعتراف بأن المناهج بمعناها- الخبرات التي تصمّم لانتاج كفايات ومهارات- هي أقل قدرة على التأثير السلبي والايجابي على الطلاب من الكتب المدرسية ومن شرح المعلمين وتعليقاتهم. وذلك للأسباب الآتية:
1 – يدقق المجتمع والخبراء وحتى مجلس التربية على المناهج أكثر مما يدققون على الكتب المدرسية.
2 – المناهج عبارة عن مبادئ وعناوين معارف واتجاهات وقيم، وهي غالباً ما تكون في اتجاه ايجابي مثل: الحوار، التسامح، التفكير الناقد، الابداع، احترام الآخر، الانفتاح على الحضارة الانسانية.
ونادراً ما تدعو الى قيم غير انسانية او قيم متميزة او انتهاك لحقوق أو الاساءة إلى المرأة.. الخ.
3 – تحوي الكتب المدرسية تفاصيل للمبادئ والقيم السابقة بما يمكنها من تسريب ثقافات وقيم قد لا تكون وطنية او انسانية، فاذا دعا المنهج الى احترام الآخر مثلاً، حوله مؤلفو الكتاب الى ما يأتي:
– نحن أفضل من الغير، وسبقناهم بقرون.
– كنّا في عصر النور بينما كانوا في جهالة كبيرة.
– أعطيت المرأة كل حقوقها.
– نحن نحترم الآخر أكثر منهم.
– احمل سيفك في طريقك الى الجنة.
وهنا نلاحظ كيف ترجمت قيمة الحوار أو التسامح الى قيم معاكسة تماماً. وهذا ما يحدث عند عرض حقوق الانسان، او المرأة او المواطنة… الخ.
***
أما المنهج الخفي، ما يحمله بعض المعلمين من افكار ومذاهب ايجابية ام سلبية، فهو الاشد تأثيراً، فقد ينطلق معلم من درس مثل التحيز أو سيادة القانون الي تحريض واضح ضد قيم المنهج وضد القانون. هذا مع مراعاة أن سائر المعلمين محبطون، لا يعيشون التطوير والتحديث بمقدار تمسكهم بالتقاليد والثقافة الفرعية لهم، والاّ كيف نفسّر حرق الكتب؟ والتفاخر بحرقها…!!
***
إن علينا أن نعرف ونعترف أن كتب التربية الوطنية هي لبناء المواطنة وليس لتدريس الرياضيات وغيرها. وأن كتب اللغة العربية – وفق أهداف المنهج – هي لتدريس المهارات اللغوية في التواصل والاستماع والحوار والكتابة الابداعية ومواصلة التعلم، وليست مجالاً لنشر النظريات العلمية والتاريخية والجغرافية وغيره.
ما الذي يزعج في أن تكون كتب اللغة الانجليزية لتعلم اللغة؟ وكتب التربية الاسلامية لتعلم الدين الاسلامي، وكتب التاريخ لتعلم التاريخ؟
قد يقول معترض، أن جميع المواد تشترك في تحقيق أهداف مشتركة. فالحوار مثلاً يتم تعلمه عبر الرياضيات والفن والدين واللغة والعلوم والقيم يمكن تعلمها عبر جميع المواد. وهذا صحيح تماماً لكن بشرط أن لا تتحول دروس الرياضيات والعلوم الى تعلم التسامح والحوار أو أن توجه نصف اهتمامها لتعلم التاريخ!!
ومرة أخرى، إن كتب ما قبل 2015، وكتب 2016 كلها كانت قريبة من التوازن المنطقي، وأن كتب 2015 هي الاستثناء، ولذلك لا يجوز وضعها أساساً للمقارنة!
***
إن أي كتاب يخلو من القيم والمهارات ذات الصلة بالبعد الانساني والعلمي هو كتاب لا يسهم في مواجهة التطرّف. نحن بحاجة الى كتاب يمتلئ بنشاطات تفكير، وقد سبق لوزارة التربية سنة 2001 ان وضعت كتب تفكير وحولت جميع الكتب بالصفوف الثلاثة الأولى الى كتب تعليم تفكير، ونجحت في ذلك إلى ان قضت عليها عمليات التطوير المزعومة.
سادساً: العلاقات داخل المؤسسة التربوية
يتيح النظام السياسي الأردني لأي وزير، مهما كان مستواه الحضاري والاداري والفني أن ينفرد بأي قرار، فلا وزير ضعيف ولا وزير قوي، فالكل يمتلك سلطة تمكنه من فرض رأيه وإسكات الجميع، أما الوزير العاثر، فهو من يبتلى بأمين عام قوي… عندها يتوجه جهد الوزير لإزاحة الأمين العام، وهذه مهمة سهلة جداً.
والموظفون، ليسوا أكثر قوة من الأمين العام، فهم مطيعون أو متقاعدون، وكذلك المجالس التي يشكلها الوزير، مثل مجلس التربية فإن الأعضاء غالباً ما يتمسكون بمصالحهم في البقاء.
هذا الجو في وزارة التربية يعكس نفسه في العلاقات بين مدير- معلم، مشرف – معلم، طالب – معلم، ولي أمر – معلم.
فجميع هذه العلاقات تتأثر بالجو العام وقيم الوزارة وثقافتها، فكما انعدم النقاش أو كاد داخل لجنة التخطيط في وزارة التربية، فانه يكاد ينعدم في العلاقات الأخرى.
فالمعلم مهدد بعدم الترفيع وفق تقرير المدير والمشرف، ومدير المدرسة مهدد بالنقل أو الإزاحة من مدير التربية، والطالب مهدد بعشرات العقوبات. وبهذا يسود الأمن الناتج عن الإحباط والكبت والقمع، وهذا سبب كاف ليقود كل عنصر إلى التطرف.
سابعاً: العلاقات بين المؤسسة التربوية وغيرها:
ليس سراً، أن وزارة التربية تمنع تواصل مؤسساتها وافرادها مع المجتمع، حتى مع الإعلام، أما بقية التواصلات فتكاد الوزارة بمسؤوليها ومديريها لا تشارك في لجان المجتمع المختلفة مثل لجان البيئة والمياه والطاقة والمحافظة والأمن… الخ.
ان الاتصالات الوحيدة المتاحة هي التواصل مع الأهالي، وهذه لا تتم في بيئة تربوية، حيث غالباً ما يمتنع الأهالي عن زيارة المدرسة بسبب ذكرياتهم السابقة، حتى ان وزيراً سابقاً منع الاهالي الذكور من زيارة مدارس أبنائهم.
فالعلاقات تمثل استعلاء من المؤسسة التربوية، وما يشبه عدم الاهتمام من الأهالي.
***
وخلاصة الأمر، كل ذلك بيئات داعمة للتطرف. مانعة للفكر والتفكير، بانتظار نتائج الغزوة المرتقبة في حصار كتب ومناهج 2016 ، وقيام تحالف نيابي للقضاء عليها، وإبقاء مصادر التطرف سائدة فينا!!
أبريل 14, 2024 0
أبريل 14, 2024 0
Sorry. No data so far.