- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

ذوقان عبيدات يكتب: حديث علمي في تقويم الكتب المدرسية

الدكتور ذوقان عبيدات

الآن، بعد أن هدأت الهجمات العاطفية والتحشيد ضد الكتب المدرسية ربما مللاً، أو انتظاراً لغزوة النواب الأولى بعد أيام، فإن من المهم أن نقدم المعايير العلمية الموضوعية في تقييم الكتب، من أجل تقويمها وإصلاح ما فيها أو تطويرها. ومن المهم في البداية ان نشير الى عدد من الملاحظات:
1 – يتم تقييم الكتب المدرسية، كأي موضوع آخر، بما وُجد فيها، لا بما غاب عنها. فلا نقيّم الاردن مثلاً بأن نقول ليس فيه بحر يمتد على مساحات واسعة، وليس فيه نفط، بل نقيّمه بما هو فيه من امكانات بشرية ومادية، لا بما غاب عنه من هذه الإمكانات.
وهكذا، فالكتب المدرسة تُقيّم بمحتوياتها ومفرداتها وأهدافها وانشطتها، وطرق تقديمها للطلاب، ومدى تفاعل الطلاب معها.
كما يمكن ان نقيم ايضاً بطموحات معقولة تعتبر اسساً لتطويرها مثل، كيف نجعلها مثيرة للتفكير.. الخ.
2 – إن عملية تقييم الكتب لا تتطلب حشداً سيكولوجياً أو تحشيداً جارفاً يرعب الناس، ويخيفهم بما يهدد قيمهم ومعتقداتهم، فالتقييم يركز على الأنساق المعرفية في هذه الكتب.
والأنساق المعرفية بما فيها من نصوص ومفردات وقيم قابلة للنقد دائماً، بخلاف معتقدات الناس وأديانهم، فالمشاعر والأذواق قضايا سيكولوجية، ليس فيها صواب أو خطأ. فلكل جماعة مشاعرها وذوقها ولا يجوز إقحامها في الانساق المعرفية. فأي نسق معرفي يمكن نقده، حتى لو كان حقيقة علمية أو فلسفية، أما اقحام المعتقدات والمشاعر ضمن هذه الأنساق، فلا يفيد الكتب في شيء، والتجييش والتحشيد الذي تعرضت له الكتب هو عمل إرهاب لا علاقة له بالكتب، بمقدار ما له علاقة بأهداف من جيشوا وحشدوا باسم الخطر على المعتقدات، وهي اهداف سياسية غير تربوية.
3 – ان عملية تقييم الكتب يفترض ان تكون عملية موضوعية لا تتضمن اهدافاً مسبقة أو اهدافاً غير معلنة. فالكتب المدرسية تُقيّم من اجل تطويرها او تحسينها، لا من اجل القضاء عليها، ولذلك يفترض ان تتم بموجب معايير موضوعية يتفق عليها المختصون اولاً، ولا تُترك لعمليات التحشيد السيكولوجي الارهابي.
وسنتحدث في هذه المقالة عن المعايير العلمية لتقييم الكتب، حتى تتم عمليات التقويم بموجبها بعيداً عن الاجندات المسبقة سواء أكانت جيدة أم خبيثة.
4 – ولعل من المهم الاشارة اولاً، الى ان الكتب المدرسية يجب أن تكون خالية تماماً مما يمكن تفسيره او تأويله بأنه مخالف، او مناقض لأخلاقيات المجتمع المتفق عليها، مما لا يخص اتجاهاً معيناً او حزباً معيناً.
فالكتب المدرسية يجب ان تخلو من أي دعوة للفساد والانحراف والتعصب والتمييز وغياب العدالة، وانتهاك الكرامة، وتهميش المرأة، وانتهاك حقوق الانسان، كما يجب ان تخلو مما قد يسيء الى اخلاق المجتمع وقيمه.. وهذا هو الوجه الأول من الموضوع، لكن الوجه الثاني يتمثل في أن تتيح الكتب للطلاب مناقشة أي نسق معرفي أو قيمة حتى لو كانت مهمة!! فما الذي يمنع من مناقشة الاعتداء على حقوق المرأة أو جرائم الشرف او مظاهر النفاق الاجتماعي كالكرم – المبالغ فيه – والجاهات الاستعراضية، او حتى الفنون والغناء والفكر المنسجم أو المخالف؟؟ فالمناقشة لأي فكر هي إغناء وأمل!!
5 – والكتب المدرسية، جزء من عملية التدريس، لا تُقيّم بمعزل عن ثقافة المدرسة وبيئتها ودور الأهل، وما يخفيه المعلمون من اجندات بعضها ايجابي، كما أن مؤهلات المعلمين وخبراتهم التدريسية تؤثر بشكل واضح على أدائهم وإنجازهم وتحصيل طلابهم.
ومن المهم الاشارة الى بعض الارقام في هذا الصدد:
تنخفض مؤهلات معلمينا التربوية والاكاديمية كثيراً عن مؤهلات المعلمين في دول متقدمة مثل كوريا الجنوبية، وتايبه ودولة الامارات العربية، كما تنخفض عن المعدل العالمي. فلو اخذنا مؤهلات معلمي الرياضيات مثلاً، لوجدنا الفرق:
هذا يشير الى أننا دون المعدل العالمي، ونحن نتحدث عن معلمي الرياضيات – فكيف ببقية المعلمين؟
كما يشير الى ان حملة المؤهلات التربوية في الاردن قليلون جداً، فالمؤهلون تربوياً قليلون، وتحصيل طلابهم أعلى من غير المؤهلين تربوياً.
كما يزداد تحصيل الطلاب اذا كان معلموهم ذوي خبرة. والمعلمون الاردنيون أقل خبرة من زملائهم الآخرين في العالم، فمعدل خبرة المعلم الأردني 11 سنة فقط، بينما ترتفع معدلات خبرات المعلمين في العالم الى 16 سنة.
ويقول طلابنا ان 36 ٪ من معلمينا يساعدون الطلبة على تذوق الرياضيات، بينما بلغ المعدل العالمي 65 ٪.
وعودة الى تقييم الكتب، فإن المربين يتفقون على أن عملية التقويم يجب ان تراعي، ما يأتي:
– الموضوعية. – الاستناد الى معايير. – الاختصاص. – الشراكة. – الاستمرارية.
فأين نحن من هذا؟ إن الموضوعية تعني فيما تعنيه الابتعاد عن الرغبات والاهواء والالتزام بالسلوك العلمي، والاختصاص يعني ان كل الآراء محترمة، ولكن دون ضغوط سياسية او عقائدية، وان الشراكة تعني اسهام الجميع بمقدار ما يتعلق بكل منهم.
فالفنان مثلاً لا يحق له ان يقرر مادة التربية الاسلامية او الوطنية إلا بمقدار ما تقدمه هذه المواد من حديث ايجابي او سلبي عن الفن، والشيخ لا يحق له ان يفتي في محتوى العلوم او اللغة او الرياضيات، الا بمقدار ما يجد فيها من تناقض مع الدين، وهكذا! أما ان يحدد كل شخص ما يريد ويفرضه على المناهج تحت شعارات سياسية مغطاة بلباس عقائدي أو غير عقائدي، فهذا ما يجب الوقوف عنده. وهذا ما يدفعنا للحديث عن معايير تقييم الكتاب المدرسي لوضع حد لهذا الخلط التعريفي الذي وصل الى حرق الكتب، وتهديد حياة بعض من في ساحتها.
معايير تقييم الكتب المدرسية
إن مبادئ التقييم السابقة مثل الموضوعية والشراكة والاختصاص والاستمرارية تقودنا الى وضع عدد من المعايير العلمية هي:
1 – هل الكتب مخالفة لفلسفة التربية والتعليم في الأردن؟
2 – هل الكتب مخالفة للمنهاج المدرسي؟
3 – هل تركز الكتب على الهوية الوطنية والانسانية؟
4 – هل الكتب متناقضة مع حاجات المجتمع الأردني؟
5 – هل في الكتب خلل في ميادين المعرفة المختلفة؟
6 – هل الكتب بعيدة او مناقضة لحاجات الطالب الأردني؟
7 – هل في الكتب اخطاء علمية او تربوية؟
8 – هل تقدم الكتب نفسها بطريقة موضوعية لا تحيز فيها؟
9 – هل تحوي الكتب على احدث المعلومات؟
10 – هل الكتب تبني شخصية مفكرة، ناقدة؟
المعايير العلمية الموضوعية
سنناقش في هذا الجزء عدداً من المعايير العلمية الموضوعية التي يمكن تقييم أي كتاب مدرسي بموجبها، ولن يتطرق هذا الجزء الى الكتاب من حيث إخراجه وشكله وحجمه على أهمية هذه المعايير.
كما أننا سنناقش هذه المعايير باختصار لأنها ليست جزءاً من مشكلة التحريض، ولكنها تبقى الاساس في الحكم على الكتاب.
ومن أهم هذه المعايير:
1 – هل في الكتب ما يخالف فلسفة التربية الأردنية؟
تنص فلسفة التربية على معايير فكرية واجتماعية بمجملها تهتم بالقيم الانسانية والعلمية والحوار والتفكير العلمي الموضوعي والبحث العلمي، وهذه قيم واضحة جداً. فالاردن جزء من الامة العربية ودين الدولة الاسلام، وتحرير فلسطين منصوص عليه في فلسفة التربية.
والكتب خلت تماماً من التطبيع ومعاداة الدين، ومناسبة جداً مع فلسفة التربية عدا قصور واضح في تعليم التفكير والنقد والتحليل.
2 – المعيار الثاني: هل الكتب مخالفة للمنهج المدرسي؟
تشير فهارس الكتب جميعها الى أن الكتب ترجمة دقيقة للمنهج من حديث الشكل والمضمون. اما من حيث الفاعلية فيمكن تأجيل النقاش في هذا الشأن، لأنه ليس مجالاً تحريضياً الآن!
3 – المعيار الثالث: هل تركز الكتب على بناء هوية وطنية وهوية متكاملة؟
الجواب: نعم. فالهوية الاردنية تتضح من خلال النصوص العديدة والموضوعات التي تركز على الجيش الاردني ومختلف المؤسسات، وتمتلئ لأول مرة بأسماء أردنية في الفكر والأدب والشعر.
والهوية العربية تتضح من خلال نصوص عن وحدة البلاد العربية (قصيدة عرار مثلاً) ومساهمات مفكرين وشعراء عرب امثال إيليا ابو ماضي وميخائيل نعيمة، وبشارة الخوري.. الخ.
والهوية الاسلامية تنعكس بوضوح من خلال النصوص الدينية والعديدة جداً، والتي تكاد تواجه الطالب في كل حصة درسية حتى لو كانت علوماً.
والهوية الانسانية – تنعكس في الحديث عن خبرات عالمية في ريادة الفضاء والفن العالمي والقيم العالمية. إذن هوية الكتب: اردنية – عربية – اسلامية – انسانية.
4 – المعيار الرابع: هل الكتب تعكس حاجات المجتمع الأردني.
تصعب الاجابة عن هذا السؤال دون دراسة علمية، لكن أي استعراض لمحتويات الكتب، لا تجد فيها اياً مما يناقض هذه الحاجات. وعلى كل ليس عند احد دراسات منظمة عن حاجات المجتمع، وآراء أي فئة – ولو كان صوتها عالياً – لا يعكس حاجات المجتمع.
5 – المعيار الخامس: هل في الكتب خلل في التوازن بين ميادين المعرفة؟
يقصد بميادين المعرفة الموضوعات والمواد الدراسية، العلمية والانسانية بمختلف فروعها. فالكتب الدينية مخصصة بالكامل للدين الاسلامي، وليس فيها أي اطلالات على المعارف الاخرى، اما الكتب الاخرى – علوم – لغات – تربية وطنية، ففيها نصوص دينية عديدة، فإذا تحدثنا عن التوازن نقول، في الكتب المدرسية على اختلاف موادها توجد نصوص دينية تفوق أي نصوص اخرى مثل النصوص الوطنية والفنية والفكرية والثقافية، فالكفة تميل بوضوح لصالح الموضوعات والمعارف الدينية.
6 – المعيار السادس. هل في الكتب ما يناقض حاجات الطالب؟ الجواب، لا بالطبع، ولكن هذا لا يكفي لأن الكتب يجب أن تعكس مختلف الحاجات: الجسمية، العقلية العاطفية، الاجتماعية، الفنية، وهذا مطلوب وعلينا ان نطالب بالتركيز عليه.
اذن ليس في الكتب ما هو ضد حاجات الطالب!!
7 – المعيار السابع: هل في الكتب اخطاء علمية او تربوية؟
ومع ان الاجابة تتطلب دراسة علمية لمعرفة هذه الاخطاء الا ان المسح السريع يشير الى عدم وجود اخطاء واضحة دون ان ننفي امكان وجودها، فالحقائق متغيرة باستمرار.
8 – المعيار الثامن: هل الكتب موضوعية ام متحيزة؟
يجب على الكتب أن تكون موضوعية، فلا تقدم الحقائق من وجهة نظر المؤلفين، والمطلوب كتب تضع الطالب امام معارف، وعليه ان ينقدها ويحللها ويتخذ موقفاً منها.
9 – المعيار التاسع: هل تحتوي الكتب على احدث المعلومات؟
يستحيل ذلك، لأن سرعة تغيير المعلومات تفوق سرعة تغير الكتب، فجميع المواد العلمية والانسانية تخضع معلوماتها وحقائقها للتغير المستمر، اذا استثنينا بعض الثوابت الدينية.
10 – الميعار العاشر: هل تبني الكتب شخصية منفتحة ناقدة.. الخ؟
من الواضح، ان الكتب بأشكالها كافة، حتى العلمية منها لم تقترب في محتواها او انشطتها او تمريناتها من بناء شخصية: – واثقة بذاتها. – منفتحة على الآخر. – قادرة على فحص المسلمات – ناقدة. – تحليلية. – مبدعة. – محاورة. – مشاركة.- مسؤولة.
وهذا المعيار اساس في تقويم الكتب، وسيكون اساساً لمقالات قادمة تستهدف تطوير منهج اردني مأمول.
والخلاصة، فإن تقييم أي كتاب مدرسي يتم من خلال ما وجد فيه، لا بما حذف منه، كما يكون من خلال علاقات الكتاب في صف ما بكتب الصفوف الاخرى، وكتب الموضوعات الاخرى.
وهذه النظرة الشمولية لم تقدم من احد حتى الآن، ونأمل من أي هيئة بحثية أو مؤسسة تربوية، جامعات، مراكز بحوث، مؤسسات مجتمع مدني، نقابة معلمين، ان تقوم بمثل هذه الدراسة.
****
الاكاديميون
مرة اخرى، إنه امر مثير للدهشة ان لا يتداخل اي اكاديمي أردني في قضية المناهج والكتب المدرسية، علماً بأن كل مواطن تقريباً قدم وجهة نظر بشكل أو بآخر!!
هل يعني ذلك انهم جيش من الموظفين؟ اين المهام البحثية للأكاديمي؟ اين المسؤولية الاجتماعية للجامعات؟
اذا غاب الاكاديمي عن قضية تربوية، فلمن ترك تقييمها؟ ان تقييم الكتب عمل اكاديمي خالص، فهل ليس لدينا اكاديمي!
untitled-1 [1]