- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

المناهج المدرسية مرة أخرى

الاهالي – د. ذوقان عبيدات

أكتب في هذه الفترة ليس دفاعاً عن وزارة التربية والتعليم، فهي من وجهة نظري لم تفعل ما يتوجب الدفاع عنه، ومن حقها إجراء تعديلات روتينية على الكتب المدرسية، في أي وقت، بل هذا واجبها، وقد فعلت، ولكني أكتب موجهاً أو متوجهاً إلى:
– من حرضوا، وهم ليسوا معروفين بعد أمام الجمهور.
– ومن تم تحريضهم من معلمين وطلاب.
– ومن ركبوا موجة التكفير وتسويغ التهديد والقتل.
(1)
المحرضون
هم بالتأكيد ليسوا تربويين، فالتربويون لا يصلون إلى حد الشروع بالقتل أو حرق الكتب المدرسية. فماذا هم؟ ومن هم؟
– إنهم قادة بارزون مستترون يحاولون تحشيد البشر خلف مآربهم، لا يسألونهم ماذا قالوا، ولماذا قالوا.
– إنهم الذين ادعوا بتطبيع موهوم في الكتب المدرسية، وهم يعرفون بعدم وجوده.
– إنهم الذين يعانون من سمنة عقلية مفرطة نتيجة توقفهم عند قاعدة معرفية ثابتة لم تتغير منذ ألف عام.
– إنهم الذين حافظوا على قناعاتهم السابقة ولم يحاولوا اجتياز خطوطهم الحمراء بحثاً عن مساحات جديدة.
– إنهم الذين يرفضون تجاوز ما في عقولهم أو تطوير أدواتهم المعرفية على حد تعبير الكاتب معاذ بني عامر.
– إنهم أعداء الحياة، ومسوغو قتل الآخرين.
– إنهم الذين يسددون خصومات وقهراً سياسياً عبر عقود.
– إنهم الذين هاجم أحد قادتهم شخصاً – معلماً له – كان يلبس بسطاراً عسكرياً وبنطلون شارلستون قبل خمسين عاماً على أساس أنها أسبقيات لا تجيز له الحديث عن التعليم بعدها!!
– إنهم – ولا أعرف – هل يشعرون براحة الضمير؟؟
(2)
المٌحرَّضون
المحرَّضون هم بعض أبناء الشعب والوطن، من بسطاء استلبت عقولهم وقدراتهم وصار بعضهم اداة طيعة بيد محرضيهم، فلا مناقشة لرأي، بل ينفذون أوامر، والمحرَّضون هم:
– الذين ملأوا الدنيا صراخا بوجود “المناهج العلمانية الكافرة”، وحين تناقش أحدهم يتضح أنه لم يطلع عليها.
– الذين يتوجهون بالريموت، حين يسمعون أن الدين في خطر، وهو مصون عزيز في قلب وعقل كل مواطن.
– الذين حرقوا كتباً مدرسية، دفعنا معهم ثمنها من أموالنا وأرزاقنا.
– الذين لم يقرأوا كتاباً واحداً مما هاجموا وحرقوا.
(3)
المناهج المدرسية أو الكتب المدرسية
مرة أخرى، لا بد من القول أن المناهج لم تتغير اطلاقاً وأن فلسفة التربية لم تتغير إطلاقاً، وما حدث قد أصبح مكروراً وهو تعديلات في الصياغة أوجبتها متغيرات مهمة.
ولقد أوضح الشيخان: هايل داوود والدكتور محمود السرطاوي بمقابلة مع التلفزيون الأردني مساء الجمعة الماضية، ما سبق وأن قاله العشرات من الكتّاب، “ما زال الدين في أمان ولم يمس من قبل أحد”، وأوضحا بأدلة شرعية وغير شرعية أن مجتمعنا خضع لعمليات تحريضية، لا علاقة لها بالكتب، بل وذهبا إلى حد ضرورة مجازاة من حرق كتباً مدرسية فيها عشرات الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.
كما قصرت وزارة التربية وإعلامها في توضيح ما عدلته من أجراءات بسيطة جداً.
وبعيداً عن الشيخين وإعلام التربية، على من يجد في الكتب الجديدة:
– أي مساس بالدين وأي اختلاف أو خلاف معه.
– أي مساس بفلسفة التربية.
– أي مساس بالمنهج المدرسي.
– أي مساس بالقضية الفلسطينية.
– أي دعوة للتطبيع.
– أي تفريط بالهوية الوطنية.
– أي تفريط بالهوية العربية والإسلامية.
أن يهيج ويحتج ويحرق ويصرخ ويهدد! ولكنهم لن يجدوا، وحين أحرجوا في مناظرة تلفزيونية، قالوا إن ما قُدم لهم من أدلة في كتب 2016، هي كتب قديمة وأن التعديلات الخطيرة هي ما وجدوه في كتب 2017، وعلى الرغم أن من بينهم مدير مدرسة لكنهم أصروا على وجود كتب 2017، ما يعكس أنهم لا يعرفون شيئاً عن الكتب. فكتب 2017 لم تصدر ونحن مع كتب 2016 فقط.
إن الكتب المدرسية الجديدة 2016 مليئة بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. فكتب اللغة العربية، احتوت زخماً كبيراً منها، بحيث يكون الطالب يومياً أمام آية أو حديث وكذلك كتب التربية الوطنية. أما كتب العلوم فهي غنية جداً جداً بالآيات والأحاديث.
إذن! ما سبب الضجة؟ ومن وراءها؟
أنا أعتقد بوجود سيناريوهات مثل:
السيناريو الأول: مخربون سياسيون، يريدون بلبلة وفتنة لإحباط أية إصلاحات، مع رغبة في إبقاء الناس تحت تأثير جهل عميم.
السيناريو الثاني: تخريب الجو العام. منعاً لأي تعديلات أساسية في المناهج باتجاهها نحو تعليم التفكير والمنطق والتحليل.
فالأصوات الانتخابية الجاهلة مضمونة لهم. فماذا لو كشف المواطن ألاعيبهم؟
(4)
اتجاهات التعديل في الكتب المدرسية الجديدة.
لا يمكن القول إن الكتب الجديدة 2016 قد تضمنت اتجاهات دقيقة، فالتغييرات شكلية، جزئية. جراحات بسيطة ولكن يمكن رصد بدايات إذا ما استكملت يمكن أن تتضح بالاتجاهات الآتية:
1 – تعميق الهوية الوطنية والعربية:
وقد اتضح ذلك في عديد من النصوص التي تناولت الجيش الأردني، وخطابات الملك حسين والملك عبدالله الثاني، إضافة إلى نصوص لشعراء وأدباء أردنيين مثل عرار، حسني فريز، أديب عباس، حبيب الزيودي، حيدر محمود ومحمود سكبي.
2 – أما الهوية العربية فقد تمثلت بقصيدة عرار، عن تضاؤل الهوية الوطنية أمام الهوية العربية، فلا فروق بين عراقي وسوري وأردني. كما تمثلت بكثير من التمرينات اللغوية، والتربية الوطنية. وبذلك اتضحت في الكتب بداية لهوية أردنية عربية إسلامية منفتحة على الإنسانية.
3 – تعميق الموقف الأردني من القضية الفلسطينية، حيث وجدت صورة للمسجد الأقصى وقبة الصخرة ونص عن المسجد الأقصى، ووصف العدو بأنه المحتل حينما وردت كلمة عدو، أما ما يقال عن حذف نص عن الشهيد فراس العجلوني، فهو حذف قديم لا علاقة لكتب 2015 – 2016 به.
3 – بناء مواطنة تحترم التعددية العرقية، شركس، أكراد، دروز، والتعددية الدينية مسلم مسيحي وظهور صور لكنائس إلى جانب المساجد.
4 – بناء صورة عادية للمرأة، تختلف عن الصورة التقليدية فهي عاملة ومهندسة ومنتجة وليست مطية للرجل، أو مضافة إلى رجل.
5 – بداية اهتمام بالفن والجمال، ومشاهير الفن العالمي.
هذه اتجاهات التغيير في الكتب. وهي معالجة سطحية لاختلالات كانت قائمة من 2015، ولم يدع أحد حتى وزارة التربية، أنها تعديلات تمس الجوهر.
(5)
ما هو مطلوب من تعديلات
سيكون هذا موضوعاً لمقال لاحق. لكن التعديلات الحالية لم تحدث أي تقدم باتجاه يعلم التفكير والحوار والانفتاح الحقيقي، ونقد التطرف، ومواجهة خطاب الكراهية. ويمكن القول نريد مناهج تغلق الأبواب أمام خطاب التحريض.