| نشر في أبريل 11, 2016 8:32 ص | القسم: آخر الأخبار, شؤون فلسطينية | نسخة للطباعة :
الاهالي – ارتكبت العصابات الصهيونية سلسلة مجازر بحق الشعب الفلسطيني منذ العام1948، فخلال تلك السنة نفذ العدو الصهيوني 37 مجزرة بحق الشعب الفلسطيني، لاقتلاعه وتهجيره عن أرضه، فاستشهد فيه حوالي 15 ألف فلسطيني وتحول أكثر من نصف أهل فلسطين الى لاجئين. ولم تتوقف الجرائم والمجازر منذ ذلك الحين. وقد شهد شهر نيسان أكثر تلك المجازر عددا وأبشعها.
منذ العام 1948 والمجازر والانتهاكات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني مستمرة، لكن مذبحة دير ياسين كانت الأبشع. فقد حدثت في قرية دير ياسين، التي تقع غربي القدس في التاسع من أبريل عام 1948 على يد الجماعتين الصهيونيتين: أرغون وشتيرن. أي بعد أسبوعين من توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنات اليهودية المجاورة ووافق عليها أهالي قرية دير ياسبن. وكما ذكر موقع بوابة فلسطين فقد راح ضحية هذه المذبحة أعدادا كبيرة من سكان تلك القرية من الأطفال وكبار السن والنساء والشباب. لكن ما زال عدد من ذهب ضحية هذه المذبحة مختلف عليه، اذ تذكر المصادر العربية والفلسطينية أن ما بين 250 إلى 360 ضحية تم قتلها، بينما تذكر المصادر الغربية أن العدد لم يتجاوز 107 قتلى.
ويمكن القول ان مذبحة دير ياسين كانت عاملاً مهماً في الهجرة الفلسطينبة إلى مناطق أُخرى من فلسطين والبلدان العربية المجاورة، لما سببته من حالة رعب عند المدنيين. ولعلها كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير في إشعال الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1948. لقد أضفت المذبحة حقداً إضافياً على الحقد الموجود أصلاً بين العرب والإسرائيليين. فتنامت الكراهية والأحقاد بين الفلسطينيين واليهود في العام 1948 وازدادت بعد قرار المملكة المتحدة سحب قواتها من فلسطين مما ترك حالة من عدم الاستقرار في فلسطين. لقد اشتعلت الصراعات المسلحة بين العرب واليهود بحلول ربيع 1948 عندما قام جيش التحرير العربي والمؤلّف من الفلسطينيين ومتطوعين من مختلف البلدان العربية على تشكيل هجمات على الطرق الرابطة بين المستوطنات اليهودية وقد سمّيت تلك الحرب بحرب الطرق، حيث أحرز العرب تقدّماً في قطع الطريق الرئيسي بين مدينة تل أبيب وغرب القدس مما ترك 16% من جُل اليهود في فلسطين في حالة حصار.
آنذاك قرر اليهود تشكيل هجوم مضاد للهجوم العربي على الطرقات الرئيسية فقامت عصابة شتيرن والأرجون بالهجوم على قرية دير ياسين على اعتبار أن القرية صغيرة ومن الممكن السيطرة عليها مما سيعمل على رفع الروح المعنوية اليهودية بعد خيبة أمل اليهود من التقدم العربي على الطرق الرئيسية اليهودية ودفع المواطنين الفلسطينيين الى الرحيل. حدث الهجوم قرابة الساعة الثالثة فجراً، وتوقع المهاجمون أن يفزع الأهالي من الهجوم ويبادروا إلى الفرار من القرية. وهو الهدف الرئيسي من الهجوم، كي يتسنى لليهود الاستيلاء على القرية. انقضّ المهاجمون اليهود تسبقهم سيارة مصفّحة على القرية وفوجيء المهاجمون بنيران القرويين التي لم تكن في الحسبان وسقط من اليهود 4 من القتلى و32 جرحى. طلب بعد ذلك لمهاجمون المساعدة من قيادة الهاجاناه في القدس وجاءت التعزيزات، وتمكّن المهاجمون من استعادة جرحاهم وفتح الأعيرة النارية على القرويين دون تمييز بين رجل أو طفل أو امرأة. ولم تكتف العناصر اليهودية المسلحة من إراقة الدماء في القرية، بل أخذوا عدداً من القرويين الأحياء بالسيارات واستعرضوهم في شوارع الأحياء اليهودية وسط هتافات اليهود، ثم العودة بالضحايا إلى قرية دير ياسين وتم انتهاك جميع المواثيق والأعراف الدولية حيث جرت أبشع أنواع التعذيب، فكما قال مراسل صحفي عاصر المذبحة «إنه شئ تأنف الوحوش نفسها ارتكابه فقد تم اغتصاب فتيات وتعذيبهن «. لقد استخدمت العصابات الصهيونية في قرية دير ياسين جميع الاساليب الوحشية من تعذيب واعتداء وبتر أعضاء وذبح الحوامل والمراهنة على نوع الأجنة، كما انه أُلقي بحوالي 53 من الأطفال الأحياء وراء سور المدينة القديمة، واقتيد 25 من الرجال الأحياء في حافلات ليطوفوا بهم داخل القدس طواف النصر على غرار الجيوش الرومانية القديمة، ثم تم إعدامهم رمياً بالرصاص، ومثلوا بجثثهم بشكل بشع؛ بقطع للآذان وتقطيع للأعضاء وبقر لبطون النساء وألقوا بالأطفال في الأفران المشتعله، وحصد الرصاص كل الرجال ثم ألقوا بالجميع في بئر القرية،وألقيت الجثث في بئر القرية وأُغلق بابه بإحكام لإخفاء معالم الجريمة.
ويذكر لنا موقـــــع الحـــاج أبو محمــــود الياســـــيني أسماء شهداء قرية دير ياسين الباسلة الذين سقطوا بتاريخ941948 وهم حسب الحمايل:
حمولة عقل: الحاج أسعد رضوان،محمد أسعد رضوان، رضوان أسعد رضوان، عمر أحمد أسعد رضوان،الحاج اسماعيل عطية، زوجته آمنة الكوبرية، ربحي اسماعيل عطية، محمد اسماعيل عطية، زوجتة سارة الكوبرية، محمود محمد اسماعيل عطية، موسى محمد اسماعيل عطية، الحاجة عايشة رضوان، الحاجة صبحة رضوان، الحاج محمد زهران، زوجته فاطمة عيد، علي محمد زهران، محمد علي محمد زهران، طفل صغير لعلي زهران، بسمة أسعد رضوان، فاطمة جمعة زهران، صفية جمعة زهران، فتحي جمعة زهران، فتحية جمعة زهران، يسرى جمعة زهران، ميسر جمعة زهران، طفلة صغيرة لجمعة زهران، فاطمة حبسة زوجة موسى زهران، محمد موسى زهران،زوجته زينب المالحية «حامل»، سعيد موسى زهران، زينب موسى زهران، رسمية موسى زهران، الحاج محمود زهران، محمد محمود زهران، رقية زوجة أحمد زهران، نظمية أحمد زهران، نظمي أحمد زهران، سميحة أحمد زهران.
حمولة جابر: الحاج جابر مصطفى جابر، محمود مصطفى جابر، خليل مصطفى جابر، توفيق جبر جابر، جبر توفيق جبر جابر، أحمد حسن جابر، سعيد محمد سعيد جابر، فؤاد الشيخ خليل جابر، سليم محمد سليم جابر.
حمولة حميدة: يوسف أحمد عليا، عيسى أحمد عليا، محمد عيسى أحمد عليا، عبد الرحمن حامد، محمود حسين حامد.
حمولة عيد: جميل عيسى محمد عيد، عيسى محمد عيسى عيد، اسماعيل الحاج خليل عيد، علي الحاج خليل عيد، صالحية محمد عيسى عيد، اسماعيل شاكر مصطفى.
حمولة شحادة: الحاج عايش زيدان، حلوة زيدان، محمد الحاج عايش زيدان، حسن علي زيدان، زوجته فاطمة سمور، علي حسن زيدان، عبدالله عبد المجيد سمور، محمد محمود اسماعيل الطبجي، موسى اسماعيل الشرش، مصطفى علي زيدان، زوجته خضرة البيتونية، عابدة زوجة علي مصطفى، محمود علي مصطفى، تمام زوجة موسى مصطفى، شفيق موسى مصطفى، ميسر موسى مصطفى، شفيقة موسى مصطفى، يسرى موسى مصطفى، سامية موسى مصطفى، محمود محمد جودة، محمد جودة حمدان، فضة زوجة المختار، سمور خليل محمد اسماعيل، حسين اسماعيل البعبلي، محمد خليل علي عايش، ظريفة محمد علي عايش،الحاج محمد سمور، الحاجة نجمة سمور.
عائلة مصلح: محمد عبد علي مصلح، زوجته عزيزة مصلح، وطفة عبد محمد عبد مصلح،علي حسين مصلح.
مواطنين من خارج القرية
المعلمة حياة البلبيسي، الفران عبد الرؤوف الشريف، ولده حسين عبد الرؤوف الشريف.
وفي أعقاب مذبحة دير ياسين تزايدت الهجرة الفلسطينية إلى البلدان العربية المجاورة نتيجة الرعب الذي دبّ في نفوس المواطنين الفلسطينيين من هول أحداثها. وفي العام 1980 استوطن اليهود القرية، بعد أن أعادوا البناء فيها فوق أنقاض المباني الأصلية وأسموا الشوارع بأسماء مقاتلين من منظمة «الآرغون» الذين نفذوا المذبحة.
سيظل شهر نيسان، شاهدًا على حجم الجرائم، التي ارتكبتها قوات الاحتلال، ضد أبناء الشعب الفلسطيني، في رام الله ونابلس ومخيم جنين، وكافة المدن الفلسطينية، خلال الحملة العسكرية التي أطلقت عليها اسم «السور الواقي».. كما سيظل شاهدًا على مدى إرهاب وعنف العصابات الصهيونية، التي لم تتورع عن هدم البيوت على رؤوس ساكنيها، بعد أن عجزت عن المواجهة في ساحات القتال، فتكبدت عشرات القتلى والجرحى، بالرغم من قلة عدد المقاومين وعتادهم، مقارنة بما تمتلكه هذه العصابات المهاجمة من طائرات ودبابات وصواريخ وغيرها.
فقد مثلت «مجازر نيسان» التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين قبل (14) عاماً، العام (2002)، جريمة نكراء قلّ نظيرها في التاريخ المعاصر، حين أقدمت على قتل المواطنين الآمنين، وتدمير المنازل على رؤوس ساكنيها، والمنشآت والمرافق وتسويتها بالأرض، واستهدفت طواقم الإسعاف ومندوبي المنظمات الدولية، متحدية بذلك المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، والضمير الإنساني ومشاعر كل محبي السلام في العالم.
تاريخ أسود
تاريخياً، لاقى الشعب الفلسطيني على أيدي المحتلين، ألواناً من الإرهاب والمجازر، ضمن برنامج «التطهير العرقي» الذي تبنته الحركة الصهيونية، لإفراغ فلسطين من سكانها العرب، والعمل على إحلال اليهود مكانهم، وعندما تسترجع ذاكرة التاريخ، ترى الدماء وهي تسيل من الأطفال، وتسمع الصراخ والعويل من النساء والشيوخ، وهل ننسى تعليمات «رابين» وهو يأمر جنوده بتكسير عظام الأطفال، لأن أحدهم ربما ألقى حجراً على دورية احتلالية مصفحة؟!.
ولا زال التاريخ، يختزل عمق المآسي الفلسطينية، فمن دير ياسين، إلى قبيا وكفر قاسم.. ومن صبرا وشاتيلا إلى الحرم الإبراهيمي و»عيون قارة».. ومن مذبحة جنين إلى مجازر غزة، سجلّ يضع إسرائيل على قائمة التاريخ الأسود.
رام الله وحصار المقاطعة
كانت البداية من مدينة رام الله، عندما اجتاحت المدينة مئات الدبابات وناقلات الجند المدرعة، تعززها من الجو مروحيات قتالية، ولم تمضِ ساعات قليلة، حتى سيطرت قوات الاحتلال عليها بالكامل، وفرضت حظر التجول، وشرعت في إطلاق النار، على كل شيء يتحرك.
فقد المواطنون في اليوم الأول (6) شهداء، وبقيت الأعداد تتزايد، حتى اكتظت ثلاجات مستشفى رام الله بحثث الشهداء، فدفن أكثر من (38) شهيداً بينهم (3) نساء، في قبر جماعي، في الساحة المقابلة للمستشفى، ومارست قوات الاحتلال إعدامات خارج نطاق القانون، كما جرى مع خمسة شهداء من قوات الأمن الوطني الفلسطيني، أعدمتهم قوات الاحتلال بدم بارد داخل إحدى البنايات التي لجأوا إليها، كما استخدمت تلك القوات، الفلسطينيين دروعاً بشرية، كما جرى مع المحاصرين في عمارة النتشة، ودمرّت مراكز أمنية للسلطة الفلسطينية، واعتدت على المراكز والمحلات التجارية، بينما عزلت الرئيس «أبو عمار» بين كومة من الحجارة، في مقره بالمقاطعة.
علبة لحمة للجميع
حرص الرئيس أبو عمار، على أن يتم توفير الطعام على قلته، للمتضامنين الدوليين، الذي أمّوا المقاطعة للتضامن معه، وكان يقول لمرافقيه: «المتضامنون هم الفدائيون الحقيقيون».. وذات يوم، وأثناء محاكمة أعضاء «الجبهة الشعبية» المتهمين بقتل الوزير الإسرائيلي «رحبعام زئيفي»، أعلن المتضامنون الدوليون إضرابهم عن الطعام، فقال أبو عمار: «ألم أقل لكم أنهم الفدائيون الحقيقون»؟.
ومن المشاهد الإنسانية للرئيس عرفات، في الظرف القاسية، أنه عندما افتقد أحد المتضامنين الأجانب، ويدعى «بول نيكلسون» الذكرى الخامسة والعشرين لزواجه، بعيداً عن أسرته، طلب الرئيس من مرافقيه، عمل حفلة له بالمناسبة، لكنه سأل عن الأمكانيات المتوفرة فلم يجد شيئاً، وهنا بحث الرئيس في أغراضه الشخصية، فوجد «علبة لحمة» مخبئة منذ زمن، فقرر تقديمها لإقامة الحفل.. وبالقعل جرى تقطيعها ليأكل منها الجميع، وعلى ضوء الشموع، إذ كانت المقاطعة ترزح تحت ظلام دامس طوال الحصار.
السور الواقي
جاءت عملية «السور الواقي» كمحاولة للقضاء على «إنتفاضة الأقصى» أو ما عُرف بـ»الإنتفاضة الثانية»، وحشدت إسرائيل لهذا الغرض (30000) جندي، وأعادت احتلال كافة المدن الفلسطينية، واستشهد نتيجة لذلك (4412) فلسطينياً، فضلاً عن أضعاف هذا العدد من الجرحى، وكانت أصعب العمليات العسكرية، في مخيم جنين، حيث استشهد (107) فلسطينيين، وجرح أكثر من (355)، وهدمت جرافات الاحتلال عشرات المنازل وسوتها بالأرض، وشردت أصحابها، فتكرر مشهد «النكبة» في المخيم، ومنهم من عاش النكبة مرتين، بعد الأولى العام (1948).. وتالياً في مدينة نابلس، حيث استشهد (90) فلسطيني، وأصيب (264) بجراح.
«عش الدبابير»
كانت البداية في رام الله، وسرعان ما امتدت إلى كافة مدن الضفة، ليستقر مسرح العمليات أخيراً في جنين «معقل الاستشهاديين»، فاجتاحت قوات كبيرة من جيش الاحتلال معززة بالدبابات وناقلات الجنود ومدعومة بالطائرات مدينة ومخيم جنين، ظانين أن الأمر سيحسم خلال ساعات، لكنهم فوجئوا بمقاومة شرسة كبدتهم العشرات من القتلى والجرحى، وطال الوقت في هذه العملية على جيش الاحتلال، وما أن اشتد الكرب على هؤلاء المحتلين، حتى صدرت الأوامر للطائرات بتدمير المنازل على رؤوس ساكنيها من النساء والشيوخ والأطفال، فدُمرت وتضررت آلاف المنازل، وشُرّدت مئات الأسر، وأصبحت دون مأوى.
كانت المأساة كبيرة، وتشهد بارتكاب جرائم إبادة وتطهير يعاقب عليها القانون الدولي، لكن الاحتلال لم يفسح المجال لوسائل الإعلام ولا للمنظمات الدولية والإنسانية بدخول مخيم جنين، إلا بعد أيام من انتهاء المجزرة، ليقوم بطمس معالم الجريمة وإخفاء أدلة الإدانة.
اعتبرت قوات الاحتلال مخيم جنين هدفاً لعملياتها واصفة إياه بـ»عش الدبابير» وحاولت اقتحامه أكثر من مرة، وعادةً ما كانت تُواجَه بمقاومة باسلة، إلى أن قررت حكومة الاحتلال إعادة احتلال الضفة الغربية بالكامل، بما فيها المخيم، حيث حشدت المئات من دباباتها وآلياتها المدرعة، في أوسع عملية احتلال للمدن الفلسطينية.
كانت الأجواء ماطرة وعاصفة، غير أن أمر وصول التعزيزات العسكرية الضخمة لم يكن مفاجأة لأحد، فبدأ المقاتلون يجهزون دفاعاتهم المتواضعة، ويعدّون العدة للمواجهة بما تيسر من إمكانيات، في حين تهيأ المواطنون بتأمين بعض المواد الغذائية، وبات الكل يدرك بأن الدور اليوم على جنين ومخيمها.
اقترب صوت هدير الطائرات ومحركات الدبابات، وبدأ يطغى على الأصوات الأخرى، وما أن دخلت آليات الاحتلال إلى المدينة، حتى صدحت مكبرات الصوت من مساجد جنين ومخيمها، تدعوا المقاتلين والأهالي للاستعداد لخوض معركة الشرف والكرامة.
كانت حرارة الإيمان والعزيمة لدى المقاتلين، تبدد برودة الطقس الماطر والعاصف، خاصة وأن أهالي جنين تمكنوا من صد محاولة الاجتياح الأولى بكل بسالة، غير أن الكل كان يتساءل.. كم سيستمر صمود المقاومة هذه المرة، وهل ستنجح إسرائيل في الانتقام من «عش الدبابير» كما توعدت قبيل الاجتياح الجديد..؟.
«جنين غراد»
لقد صنع المدافعون عن مخيم جنين، الملحمة الوطنية التي اعتز بها العالم الحر بأسره، فصمدوا عشرة أيام بإمكانياتهم المتواضعة أمام أكثر من (300) دبابة احتلالية ومئات الجنود المدججين بالسلاح، إضافة إلى الإسناد الجوي، ووصفت الصحافة المحلية والعربية مقاومة المدافعين عن جنين ومخيمها في تصديهم للاجتياح، بمقاومة المدافعين عن «ستالين غراد»، حتى أن الرئيس الراحل «أبو عمار» أطلقها مدوّية حينذاك، من قلب الحصار في مقر المقاطعة برام الله: «هذا شعب الجبارين، وهذه جنين جراد».
وبعد أن عجزت قوات الاحتلال عن اقتحام مخيم جنين، واستبدلت وحدات جيشها أكثر من مرة، تضاعف العدوان الاحتلالي على المخيم، إذ بدأت الجرافات العسكرية الضخمة بهدم المنازل على من فيها وتسويتها بالأرض، دون أي اعتبارات إنسانية، فهدمت (445) منزلاً، ما أدى إلى تشريد أكثر من (5000) مواطن في رحلة لجوء وتشريد جديدة، وهذه المرة من المخيم إلى القرى المحيطة.
جراح لا تبرأ
مع إطلالة نيسان من كل عام، يستذكر أهالي جنين هذه المجزرة الرهيبة، ويستقبلونها بمشاعر ممزوجة من الفخر والألم، فإلى جانب التغني بأسطورة الصمود التي حطمها أبطال المخيم وقادة الخلايا العسكرية لمختلف الفصائل الفلسطينية، التي لبت النداء على قلب رجل واحد، فإن هذه الحادثة الأليمة قد تركت في قلوبهم وذاكرتهم جرحاً لا يبرأ.
الشاب أحمد طوالبة، شقيق الشهيد محمود طوالبة، أحد قادة معركة الدفاع عن المخيم، قال في هذه المناسبة: «كنت في الخامسة عشرة من عمري وقت المجزرة، لكني لا زلت أتذكر لحظة سقوط أحد الصواريخ على بيت جارنا عبد الله أبو سرية، وكيف تطايرت نوافذ بيتنا، نزلنا لنتفقد أحوال الجيران، فوجدنا أفراد العائلة مدفونين تحت الردم، فأخذنا نحفر بأصابعنا، ووجدنا ابنهم «مصطفى» حياً، لكن بسبب عدم قدرة طواقم الإسعاف الوصول إلى المكان استشهد بين أيدينا».
أما عن شهادة شقيقه محمود، فقال: «نتذكر محمود كل يوم، أما في ذكرى المجزرة فنتذكر بطولاته ورفاقه يوم أن حطموا أسطورة جيش الاحتلال، ويكفينا فخراً أن محمود استشهد واقفاً برصاصة قناص غادر، بعد أن حاصرهم داخل دباباتهم، وهو لا يملك غير بندقية «إم 16» والإيمان في قلبه».
ويروي عماد أبو بكر، وهو ضابط إسعاف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، لحظات قيامه بواجبه الإنساني منذ اليوم الأول للاجتياح، فيقول: «مع بدء الاجتياح تحركنا بسيارة إسعاف وقد أخرجنا (25) جريحاً من بين أزقة وبيوت المخيم، إضافة إلى (13) شهيداً، لكننا لم نتمكن من جمع جثامين أخرى بسبب إطلاق النار تجاهنا بكثافة».
ويضيف: «دبابات الاحتلال، كانت تطلق النار على سيارات الإسعاف، وأفشلت مهامنا أكثر من مرة، وفي أحد المرات، تركنا سيارة الإسعاف هاربين إلى داخل غرفة الطوارئ، واحتجزنا داخل المستشفى لمدة يومين».
مشاهد مروعة
لا زال المواطن المسن، أحمد حسين فراج، يجهل أين أصبحت زوجته، كما لا يجد أثراً لجثة ابنه الذي قال له الجيران انه استشهد، ومن شدة حزنه ومصابه يعجز عن تحديد مكان المنزل الذي كان فيه، والذي تحول إلى كومه من الحجارة، في مخيم جنين المستباح.
لقد فقد الرجل صلته بالحياة، بفقدان أغلى ما يربطه بها، وبات يشعر بأنه كالميت، ويروي وهو ينحني فوق عصاته «حافي القدمين»، ما حدث له بعد أن قصفت طائرات الاحتلال المنطقة التي كان يسكنها في مخيم جنين، فيقول: «اختبأت في بداية الهجوم مع زوجتي وبناتي الثلاث وأبنائي الأربعة، في غرفة النوم، لاعتقادنا بأنها محمية أكثر من غيرها، من قصف الطائرات وقذائف الدبابات، وبعد ثلاثة أيام أشرت على العائلة بالمغادرة، كان كل همي إنقاذهم، وأنا بقيت لأرى ما يستجد».
ويضيف وهو يجهش بالبكاء: «ذهبت البنات إلى أقرباء لهن، ورحلت زوجتي وولديّ الصغيرين اللذين لم يتجاوزا الثالثة عشرة من العمر، دون إن يأخذوا معهم شيئا، ومنذ ذلك الحين لم أسمع عنهم خبراً».
ويستذكر لحظة خروجه من منزله فيقول: «رأيت الجرافات تقترب من بيتي فخرجت مسرعاً، فجنود الاحتلال لم يكلفوا أنفسهم عناء تفقد ما إذا كان هناك أحد في المنزل أم لا، ولو لم أنتبه لقتلوني».
كانت أعنف المعارك تدور بين المقاومين وجيش الاحتلال في منطقة »الحواشين» وسط المخيم، فقامت قوات الاحتلال بتجريف المنطقة، ومعها جرفت منزل أحمد فراج، ومنذ ذلك الحين وهو يسكن عند معارفه، وقد أخبره الجيران أن ابنه عبد الرحمن استشهد، حيث رأى أحدهم جثته، ومنذ أيام المجزرة، لا يعرف شيئاً غير هذا، ويقول: «ابني الأكبر ذهب مع المجاهدين ولم يعد، أما «يحيى» فخرج من بين الأنقاض حياً، هذا ما قاله الناس».
مجزرة قالونيا
وقعت بتاريخ 12/4/1948 في قرية «قالونيا»، والتي تبعد عن مدينة القدس حوالي 7 كيلومترات. حيث هاجمت قوة من «البالماخ» الإرهابية الصهيونية القرية فنسفت عدداً من بيوتها، واستشهد جراء ذلك، 14 شخصاً من أهلها حسب أقل تقدير.
مجزرة ناصر الدين
وقعت مجزرة ناصر الدين بتاريخ 14/4/1948 في قرية ناصر الدين التي تبعد 7كيلومترات إلى الجنوب الغربي من مدينة طبريا، حيث أرسلت عصابتا «الأرغون» و»شتيرن» قوة يرتدي أفرادها الألبسة العربية وعندما دخلت القرية فتحت نيران أسلحتها على السكان، فاستشهد جراء ذلك 50 شخصاً، علماً بأن عدد سكان القرية الصغيرة آنذاك كان يبلغ 90 شخصاً.
مجزرة حيفا
وقعت في 22-4-1948 حيث هاجمت العصابات الصهيونية ليلاً مدينة حيفا من هدار الكرمل وقاموا باحتلال البيوت والشوارع والمباني العامة، مما أدى لاستشهاد 50 فلسطينيا، وجرح 200 آخرين. وقد فوجئ الموطنون بالهجوم فأخرجوا نساءهم وأطفالهم إلى الميناء لنقلهم إلى مدينة عكا، وأثناء ذلك هاجمتهم العصابات أيضا فاستشهد100 شخص من المدنيين وجرح 200.
مجزرة طبرية
وقعت مجزرة طبرية في 19-4-1948، حيث نسفت العصابات الإرهابية الصهيونية أحد منازل طبرية، مما اسفر عن استشهاد 14 شخصاً من سكانها.
لم أدمّر كل شيء
لم يشهد التاريخ، عدواناً بهمجية ووحشية العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، ففي خضم المجزرة المروعة في مخيم جنين، يقول الجندي الإسرائيلي، «موشي نيسيم»: «أردت تحويل المخيم إلى ملعب كرة قدم»، ويشير بفخر إلى أنه عمل مدة (72) ساعة دون توقف، لتدمير المنازل، ويضيف: «لم يكن يرف لي جفن وأنا أدمّر منازلهم، لأن ذلك سيحمي حياة جنودنا، وقد توسلت إلى الضباط المسؤولين، كي يسمحوا لي بتدمير كل شيء، فحين تتلقى أمراً بتدمير منزل، هناك دائماً بضعة منازل أخرى مجاورة «تزعجك».. أنا آسف لأني لم أدمر كل شيء».
الدستور
أبريل 14, 2024 0
أبريل 14, 2024 0
Sorry. No data so far.