- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

المناهج والكتب المدرسية.. بين بناء الهوية وتدمير الذات! / د. ذوقان عبيدات

تصر وزارة التربية على ان المناهج والكتب المدرسية وصلت ذروة التطور. ففي مقدمة كل كتاب، تشير الوزارة بان كتابها ينمي مهارات اقتصاد المعرفة- اي انتاج المعرفة والتفكير الناقد والابداعي، وانه يشجع على التعلم الذاتي، ويبني القيم والاتجاهات. وهذه مقدمة انشائية، لا تعني شيئاً، إزاء ما يوجد داخل الكتب المدرسية، من تنكر واضح لهذه الاهداف، او من اهمالٍ لها، بل والتركيز على نقائضها.
وتم في الفترة الاخيرة تقديم عدة تحليلات لهذه الكتب، وهي كتب جديدة، بدأت في التطبيق مع بداية شهر ايلول “سبتمبر” 2015. اوضحت هذه التحليلات ان الوزارة ومناهجها، لم تتقدم خطوة واحدة الى الأمام، إلا تراجعت خطوات الى الوراء.
1 – ففي مجال حقوق الانسان، لم يظهر اي تقدم، وبقيت الافكار السابقة عن حقوق الانسان كما هي، وهي ان الاسلام سبق العالم في هذه الحقوق. وقد يكون ذلك صحيحاً جزئياً، لكن الم تتحدث الاديان السابقة، سماوية او غير سماوية، عن حقوق الانسان؟ وماذا عن شريعة حمورابي، والماغناكرتا، وسلوكات الدين المسيحي وآياته، وكتابات كونفوشيوس؟
إننا في مجال التربية الوطنية، نعرض ثقافة وطنية جامعة، ونعرض بموضوعية، فماذا يعني التركيز على ثقافة معينة دون سائر الثقافات؟
ان احد ابرز اهداف التعليم، كما حددتها اليونسكو للقرن الحادي والعشرين، هي: تعلم للعيش معاً! اي اننا نتعلم لنعيش في عالم صغير، فيه كل الثقافات والاديان والمستويات! فلماذا يفاجأ طالبنا حين يختلط بآخرين، يرون التتار رسلاً للانسانية، وان جنكيز خان شخصية يحتفل بها العالم من خلال منظمة اليونسكو؟!.
لم نقدم لطلابنا غير ثقافة جزئية، ربما لا تريدها الوزارة- لكنها مغلوبة على أمرهها، حين تقع تحت سيطرة مؤلفين بفكر إقصائي!!
2 – وفي مجال الذات والهوية، تصر الوزارة، وربما دون معرفة، على أن الهوية اكثر اهمية من الذات، أو ان الذات هي الانا، التي لا لون لها سوى الحرية والانطلاق، الذات هي الشخصية الانسانية، التي لا ترى عائقاً امام تواصلها مع الاخر! الذات هي اننا دون اوصاف، او رتوش، بينما الهوية هي ما يلحق بالذات من صفات، كأن نقول: انا اردني عربي، او مسلم او مسيحي، او كركي او اربدي، على رأي عمر  العبداللات.
نعم لكل ذات هوية، لكن ما قيمة الهوية دون الذات؟ ما قيمة أن اكون اردنياً عربياً، دون أن اكون حراً مستقلاً..  مستقلا.. منطلقاً؟! ان قيمة الذات في تكاملها وتوازنها – ذكاء عاطفيا، اجتماعيا، معرفيا وروحيا-  فالذات تعني ان اكون فيلسوفاً، مطرباً، طبيباً، فناناً حراً، يقول ما يفكر به.
اما الهوية فهي الصفات المضافة، والتي تتطلب كل صفة منها، تقديم تنازل مهم من الذات. فالهوية بصفاتها تحدد الذات، وتسلبها بعض ملامحها. طبعاً ان الكتب المدرسية لا تبرز الذات ولا الهوية. انها تحاول ايجاد هوية غير وطنية، ملتزمة بثقافات احادية، وبذلك تكون النتيجة فشلاً في بناء الذات، وانحرافاً في بناء الهوية.
وهذا لا يعني اننا لا نريد هوية، بل نريد هوية ذاتية، اردنية، فما يجمع جميع المواطنين هو الهوية الاردنية. فحين نقول اردنيا فهذا جامع لكل مواطن في الاردن، وحين نقول عربيا فإننا نبعد بعضا ممن ليس من اصل عربي. وحين نقول مسلماً فإننا نبعد ما ليس مسلماً وخاصة المسيحيين.
وعلى العكس تماماً، فكل هوية فرعية تضاف الى الذات، تحتل جزءاً منها. ويضطر الانسان الى الغاء جزء من ذاته لينسجم مع هويته.
نعم! نريد مناهج تنمي الذات، وتنمي الهوية الجامعة لا المفرقة.
3 – وفي مجال الآخر، لم تعترف الوزارة بغير هوية واحدة، فأماكن العبادة هي المسجد فقط، والسكان الاردنيون مسلمون فقط. والنظافة هي نظافة المسجد فقط. والعيش المشترك هو صورة المسجد فقط، والاسرة هي  الاسرة المسلمة فقط، والتسامح هو ما دعا اليه الاسلام، والكرم قيمة اسلامية.
هذه امثلة، كلها وردت في كتب التربية الوطنية الجديدة، ولا مجال لانكارها، لانها موثقة بارقام الصفحات، واماكن وجودها في كل كتاب. نحن لا نتحدث هنا عن الآخر الاجنبي! فهو قد يكون كافراً او عدواً، من وجهة نظر بعض الاشخاص، لكنني أعنى بالآخر:
– الاردني غير المسلم.
– الاردني غير الرجل.
– الاردني كبير السن.
– الاردني من غير ذي منبت.
– الاردني غير المتدين- وفق ما اريد.
قد يكون في ذلك بعض المبالغة، فالمناهج تقبل من هو متدين، وما هو متدين على طريقة المؤلفين. وتقبل الثقافة الواحدة، بل وتتهم الثقافات الاخرى بالوافدة والمهددة والمعادية، فالنموذج الذي تريده المناهج لابنائنا، هو الهادئ القابل المصدق، الماضوي، الساذج، سواء كان اردنياً ام غير ذلك. وقد تتوافر هذه الصفات او بعضها في باكستاني وبنغالي ولا تتوافر في اردني مختلف!
ان ثقافة احترام الآخر، تتطلب وجود ثقافة الآخر. نعم! الحديث عن الأسرة الاردنية لا يجوز ان يكون عن الاسرة المسلمة، فالاسرة الاردنية فيها اخرون. وهنا تضيع الفرصة امام الكتاب في احداث التربية الوطنية، فالتربية الوطنية هي ما يجمع قيم المواطنين جميعاً، والاسرة هي اسرة اردنية متنوعة، والتنوع هو احترام للذات قبل احترام الآخر!!
4 – والتكفير، سيكون موضوعاً لمقال آخر، لكن اشير هنا الى كتاب واحد من الكتب الجديدة، المطورة لوزارة التربية، ففي كتاب التربية الاسلامية للصف الخامس- الجزء الاول، يمكن ملاحظة العبارات والمفاهيم الأتية، علماً بأن الكتاب تربية اسلامية، والاسلام دين سماحة، والتربية لها اساليبها التربوية والمربية، فما الذي تفعله مناهجنا لبناء الذات؟ هل هو اشاعة الخوف والرعب والسحق والتعذيب؟ هل نضحي بالذات هكذا، في سبيل بناء هوية، يريدها المؤلف، ولا يريدها الدين؟
لقد اختار المؤلفون نصوصاً قرآنية كريمة، واحاديث شريفة، لكن لم يوفقوا في اختيار ما يناسب ابناء العشر سنوات:
– وردت كلمة عذاب وظالمين واشرار وسعير، والرجم والشياطين وجهنم، واصحاب الشمال، وسحقا، والمكذبين والضالين، والماكرين، ويشربون الحميم، ونزل من حميم، وتصلية من جحيم، ورجت الارض رجا، وبست الجبال بساً، واصحاب المشامة وشر البرية. وتكررت معظم هذه الكلمات مرارا.
– وردت كلمات الكفر، وادخلوا النار، والفاجر الكافر، والذين كفروا من اهل الكتاب، وشواط من نار ونحاس، ويعرف المجرمون بسيماهم، ويؤخذ بالنواصي والاقدام، والذين كفروا لهم عذاب جهنم، سمعوا لها شهيقاً وهي تفور، وكلما القي فيها فوج سألهم خزنتها. وايضا تكررت هذه الكلمات مراراً.
والسؤال هنا: ما دامت أساليب التربية تربط مادة التعلم بحاجات الاطفال، وما دام النموذج الايجابي أكثر تأثيرا، وما دام الدماغ لا يعمل تحت التهديد، فلماذا نحشد لهم هذه التعبيرات؟ في كتاب واحد! اي نموذج تفكر فيه الوزارة؟
والسؤال أيضا، ما دام الاسلام سمحا، جاذبا، فهل هذه التعابير تعكس الوجه الحقيقي للاسلام؟ وهل هي جاذبة للاطفال؟ لقد سبق القول ان مناهجنا تشجع او قد تستغل “داعشيا”، فماذا تقولون في هذا الحشد من المفاهيم؟
طبعا! لا أنكر ان الكتاب حفز الطلبة بسماحة الاسلام، ولكن طغت عليه مفاهيم السعير والجحيم والسحق وجهنم!! إذن التربية الاسلامية لها مناهجها ومبادئها وأخلاقياتها، ولكن مع الاسف لم يظهر اي منها في اي كتاب!
وأخيرا!
هل صحيح ان وزارة التربية لا تقرأ؟
الجواب: لا! انها تقرأ، ولكنها تقول: اكتبوا ما شئتم، فهذه فرصتنا في تدمير المناهج، وتثقيف أطفالنا بما نريد!
هذه فرصتنا في اخراج جيل خائف مذعور! يقدم المنهج والكتاب لهم الفرصة ليتناوله معلمون يضيفون اليه من عندهم، ومن ثقافة غير سليمة المصدر، اشكال العذاب من صب الحديد المصهور في إذن من لا يسمع الكلام، او يسمع الموسيقى، وفي اشكال تعذيب لم يتفق عليها فقهاء الدين.
نعم انها فرصة الوزارة وفرصة المعلم، ان يجيبوا عن سؤال ماذا نريد من أطفالنا؟
لقد كانت رابعة العدوية تقول: “اللهم إذا كنت أعبدك طمعا في جنتك، فأبعدني عنها. وإذا كنت أعبدك خوفا من نارك فأحرقني بها. ولكنني أعبدك لذاتك”!!، أو كما يقول ابن الفارض مخاطبا الله عز وجل: “أحبك حبين: حب الهوى وحبا لأنك أهل لذاكا”.
فلماذا، إذن، تنشرون الرعب والخوف والتهديد بين اطفال المدارس؟ أليس الدين حبا؟ أليس سلاما؟
ومرة أخرى! لا قيمة لهوية دون ذات. الذات هي الانسان المفكر، المستقل، الهانئ، الراضي، الحر. والهوية هي ما تحاول كتبكم طمسنا بها! نحن ذوات حرة، ونحن أردنيو الهوية، والهوية هي ما يجمع كل أبناء الوطن وبناته.
أخطأت الوزارة، حين:
– اتهمت من يكتبون عن المناهج بالحقد، وشخصنة الموضوع.
– حين أنكرت وجود الاخطاء في مناهجها، بل واكثر، عندما قالت: أصدرنا مناهج عظيمة.
– أخطأت حين قالت إننا لن نعدل شيئا، مما تكتبون، واكتبوا ما شئتم، إننا ها هنا متحكمون! وعلى كرسي السلطة جالسون!
– وأخطأت حين انتشت بإدخال الدرك الى ساحة الامتحان.
– وأخطأت حين اجبرت الطلبة على الانتقال من مدارسهم غير المكتظة الى مدارس مركزية، دون إعداد مسبق.
– وأخطأت حين رمت بتسعين الف طالب، لم يوفقوا في اليانصيب غير الخيري -التوجيهي- الى الشوارع.
– والخطأ الأكبر حين اعتقدت ان بعض من يؤيدون بعض اجراءاتها، قادرون على كسب الدعم لأخطاء في مناهجها.
اما قصة التفكير ومهارات اقتصاد المعرفة، فستكون موضوع المقال القادم.  الغد