- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

عمال الخدمات الصحية المساندة.. حقوق منتهكة وسط تراخ نقابي وحكومي

الاهالي – تصحو “ربى”، 24 عاما، التي تسكن الاغوار الجنوبية، يوميا في الرابعة صباحا، حتى لا تتأخر عن عملها، في مستشفى الأمير حمزة الحكومي، كعاملة نظافة، وهي تعلم تماما، انها في حال تأخرت، حتى لدقائق، فسيتم الخصم من راتبها، الذي لا يزيد على 190 دينارا، فضلا عن تعرضها لتوبيخ شديد، يصل حد توجيه “الاهانات اللفظية”.
“ربى” تنتمي إلى قطاع العاملين في الخدمات الصحية المساندة، الذي يعمل فيه أكثر من 9 آلاف عامل، يشكل الأردنيون منهم نحو 30 %، والحصة الأكبر منهم لعمال مهاجرين، وهم لا يعتبرون موظفين تابعين لوزارة الصحة، بل يتبعون لشركات خدمات خاصة، تتعاقد معها الوزارة من خلال عطاءات، حيث تقدم نحو 65 شركة تنظيف، خدماتها لحوالي (31) مستشفى، و(667) مركزا صحيا، منتشرة بكافة ارجاء المملكة.
صديقتها “شيرين”، ليست افضل حالا، رغم انها تسكن في ضواحي العاصمة، لكنها غير سعيدة في عملها، نتيجة ضغط العمل الشديد، ورفض إدارة الشركة منح العاملات أي اجازات، فضلا عن تشغيلهن أيام العطل الرسمية، وخصم الإجازات المرضية من رواتبهن.
ويشمل قطاع العاملين بالخدمات الصحية المساندة، عمال النظافة، والتغذية والمراسلين، وغيرهم من العاملين لحساب شركات خاصة في مستشفيات حكومية وخاصة وعيادات ومراكز صحية وصيدليات ومختبرات وعيادات الأشعة وغيرها من مؤسسات صحية.
شيرين وربى، تؤكدان ان جزءا “غير هين”، من راتبيهما، يذهب للمواصلات، لكن ضيق الحال، وسوء الاحوال المادية تجبرهما على الاستمرار بهذا العمل، وتعبران عن رغبتهما، بان تعملا تحت مظلة وزارة الصحة، وليس شركات التنظيف.
العاملتان تؤكدان أن الهم الأكبر لهما وللعمال، يكمن في الخصم من رواتبهم آخر الشهر، حيث لا يمر شهر، الا وتتعرض رواتب العمال لخصومات، ليس فقط لتأخرهم عن الدوام، بل يتم خصم بدل تلف أي من معدات التنظيف، التي يؤكد العمال انها ذات جودة منخفضة، ما يؤدي إلى تلفها سريعا.
وفي حين لا تستطيع العاملات في هذا القطاع، واللواتي تبلغ نسبتهن نحو 35 %، العمل بورديتين متتابعتين، نتيجة ظروفهن وارتباطاتهن العائلية، يلجأ الذكور، وخاصة الاجانب منهم، لذلك، وهو ما يوضحه (مالك)، الذي يعمل في مستشفى البشير، ويقول انه يعمل يوميا لـ16 ساعة، للحصول على (220) دينارا شهريا.
ويضيف مالك: “رواتب من يعملون وردية واحدة، مدتها (8) ساعات، تقل عن الحد الأدنى للاجور، البالغ (190) دينارا، ما يضطر اغلبهم للعمل لساعات مضاعفة، محاولين التغاضي عن بيئة العمل الصعبة التي يعيشونها”.
وهذا الامر يعد مخالفة صريحة للحد الأدنى للأجور، ومخالفة للمادة 57 من قانون العمل، التي تنص على “عدم جواز تشغيل العاملين أكثر من ساعات العمل الرسمية، البالغة 8 ساعات يومياً، إلا في حالات خاصة، ولفترة لا تزيد على ثلاثين يوماً في السنة”.
يوضح مالك لـ”الغد” انه ورغم عمله الشاق لساعات طويلة، دون الحصول على أي من الاجازات والعطل القانونية، وتعرضه لانتهاكات كالشتم وغيره، الا انه يفاجأ نهاية الشهر، الذي عادة لا يستلمه قبل العاشر من الشهر الذي يليه، بخصومات من راتبه، وعندما يسأل مسؤوله، يرد بانه بسبب تأخيره عن العمل او “حجج اخرى”، رغم انه يقسم انه “لا يتأخر ابدا عن عمله”.
اما زميله انور، فيؤكد “ان العقوبات الجماعية شيء مألوف” في نطاق عمله، مبينا “انه اذا اتلف أحد العمال شيئا يتحمل الجميع مسؤولية ذلك، ويخصم من رواتبهم.
يؤكد نقيب العاملين في الخدمات الصحية المساندة محمد غانم ان “الشركات تحقق هامش ربح عاليا جدا، وفي المقابل تحرم عمالها من ابسط حقوقهم، مثل عدم التزامها بساعات العمل المقررة، مع وجود خصومات أو حسميات من اجور العمال”.
وفي حين يعبر العمال، عن رغبتهم بان يكونوا جزءا من وزارة الصحة، وينتمون اليها، يذكر غانم بمشروع “لم ير النور”، كان اقترحه احد وزراء الصحة السابقين، في محاولة لتحسين اوضاع هذه الشريحة، عبر انشاء شركة للخدمات الفندقية الوطنية، الا ان مجلس الوزراء وقتها، ومن خلال اللجنة الاقتصادية، “الغى القرار”.
فيما يخص اشراك العمال بالضمان الاجتماعي، يؤكد غانم، ان “عشرات الشكاوى ترد للنقابة” تشير الى “تحايل” ادارات الشركات على عامليها، حيث تلجأ لاشراك عدد منهم بالضمان، خوفا من المساءلة القانونية، وبذلك يتم حرمان الباقين من الضمان، رغم استمرارها باقتطاع مخصصاته من رواتبهم”.
وبشان التأمين الصحي، فإن جميع العاملين بهذا القطاع لا يتمتعون بأي شكل من أشكاله، رغم أن غالبيتهم الساحقة، يعملون في مستشفيات، وفقا لغانم.
ويروي غانم قصصا لحالات تعرضت لاصابات عمل، ومنها قصة عامل مهاجر فقد عينه اثناء عمله، موضحا ان اغلب الحالات اضطرت لدفع نفقات علاجها من اصابات، تعرضوا لها خلال عملهم، حيث تنصلت إدارات الشركات وأصحاب العمل من تحمل مسؤولياتهم.
وتعاني غالبية العاملين من حرمانهم من الإجازات السنوية والمرضية، والعطل الرسمية والوطنية، والأعياد وإجازة الأمومة، ويحصلون فقط على عطلة اسبوعية، يوم الجمعة، وبعضهم يداوم الجمعة، ويحصل على عطلته الاسبوعية في يوم آخر، وهذا مخالف لنص المادة (61) من قانون العمل، الذي يعطي العامل إجازة سنوية لـ14 يوما بالسنة، إذا كانت مدة عمله بذات العمل تقل عن 5 سنوات، و21 يوما إذا زادت المدة 5 سنوات.
ويبين غانم لـ”الغد” انه لطالما رفع مذكرات لرئيس الوزراء ولوزيري العمل والصحة، يطالب فيها بتحسين ظروف عمال الخدمات، الا ان مطالبه “لم تجد اذانا صاغية”.
في المقابل، يقول مدير في شركة تنظيف “ان ادارته توفر ما تستطيع توفيره للعمال”، مبينا ان وزارة الصحة تتأخر بدفع مستحقات الشركة شهريا، ما ينتج عنه تأخير رواتب العمال”.
ويبين المدير، الذي طلب عدم نشر اسمه، ان اغلب العاملين في القطاع يحصلون على اكراميات من الزوار والمرضى، تعادل أكثر مما يتقاضونه شهريا، واغلب الشركات العاملة بهذا المجال، تضع في بالها هذه الفكرة، عندما تضع لائحة الرواتب.
بيد أن أحد العمال، أكد لـ”الغد”: ان مدراءهم يجبرونهم على تقاسم ما يحصلون عليه من اكراميات، ومن يرفض ذلك يتم نقله لمكان لا يستطيع فيه الحصول على اكراميات، أو انهاء خدماته.
من جانبه، يحمل مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، الناشط العمالي احمد عوض، وزارة العمل مسؤولية حدوث مثل هذه الانتهاكات، لافتا الى ان “ضعف” دور المفتشين ساهم بشكل كبير بزيادتها.
ويعتقد عوض ان ضعف المنظمات النقابية ساهم ايضا بزيادة تعرض العمال للانتهاكات، مؤكدا ضرورة فتح باب حرية التنظيم النقابي، بمنظور جديد، لكي يتمكن العاملون من التمتع بحقوقهم.
وقال: “هنالك ضعف عام في غالبية المنظمات النقابية القائمة، حيث فشلت في تحسين شروط العمل لغالبية العاملين في الأردن”.