- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

صرخة انتـحار اخرى..!.. بقلم – حسين الرواشدة

حين شاهدت صورة الشاب اليتيم “روبين” وهو يسكب البنزين على جسده ثم يشعل النار بنفسه ويركض امام المتواجدين في ساحة “التنمية الاجتماعية” شعرت باننا جميعا مسؤولون عن هذه الجريمة، فمنذ شهور عديدة خرج هؤلاء “الايتام” من مجهولي النسب يصرخون ويطالبون بحقوقهم، لكن المسؤولين صموا آذانهم عن سماع اصواتهم، تماما مثلما اغلق المجتمع عيونه عن مأساتهم.

عشرون يتيما او اكثر قليلا عجزنا جميعا عن حل “مشكلتهم”، وحين ادرك احدهم “ اليأس” اختار الموت، وها هم رفاقه ايضا يهددون باختيار ذات المصير.

كان يكفي لرد سؤالهم وعوزهم ان يخصص مبلغ “سفرية” واحدة لمسؤول، او تكاليف مؤتمر او عشاء فاخر، او ان ينهض احد الموسرين لكي يتبرع “بارباح” ساعة واحدة من رصيده في البنك، لكن ذلك – للاسف – لم يحدث.. وكأننا قد استسلمنا لهذه “النهايات” المؤلمة التي تعكس ما وصل اليه الناس من يأس واحباط وما اصابهم من “جوع” وظلم.

حين أحرق الشاب المطارنة نفسه قبل نحو سنة، انشغلنا بالسؤال عن الانتحار هل هو حلال أم حرام، ولم نسأل أنفسنا لماذا انتحر؟ وما الذي دفع نحو “25” إنسانا في هذه السنة فقط الى الانتحار؟ هل هو الترف ام البحث عن الشهرة، واي شهرة هذه التي يريدها الاموات وهم في قبروهم، لقد نامت عيوننا وضمائرنا ايضا حتى عن معرفة السبب، وكأن القصة لا تستحق السؤال.

لقد صفعنا “روبين” على وجوهنا، تماما مثلما صفعتنا الاخبار والصور التي نطالعها في دور الايتام وفي القرى التي يعيش فيها “المهمشون” تحت قسوة الظروف ومتاعب المرض والحرمان، وفي البيوت التي لا يجد الاطفال فيها ما يأكلونه.

هل نحتاج الى “صدمة” أشد من رؤية شاب يلوح لنا بذراعيه مودعاً بعد ان تركناه يواجه الحياة بلا مساعد ولا معين، هل نحتاج الى “انذار” لكي ندقق في مرايا انفسنا ونعيد النظر بمقراراتنا ونواجه تقصيرنا ونتوقف عن هذا العبث في حياة العباد بعد ان رأينا وسمعنا “انذار” الانتحار الذي يقطع كل كلام.

لقد شعرت بأننا جميعاً مسؤولون عن انتحار “روبين”: وزارة التنمية التي تباطأت في مد يد العون اليه، المجتمع الذي تخلى عنه واعتبره خارجا عن “ملته” الاجتماعية، الظروف والمقررات السياسية التي حولت الشاب – كغيره – الى ضحية، وكشرت اسنانها امامه دون ان ترأف به.

اتصور ان “روبين” وغيره ممن سبقوه على هذا الدرب المخيف قد توقف طويلا امام نداءات “الحياة” وهي تصرخ فيه من اجل البقاء، لكن صرخة “الانتحار” كانت اقوى لان وراءها صوت يهدر “بالعجز” واليأس والخوف.. وقناعة أشد بأن الموت – حتى وان كان محرما بهذه الصورة – افضل بكثير من الحياة.

فيما مضى تمنيت ان تكون صرخة الانتحار هذه التي سمعناها من الشاب المطارنة والشاب “موظف الكهرباء” وغيرهما آخر “الصرخات” لكن – للاسف – مرت هذه “الجرائم” وكأنها قصص للتسلية لم تصطدم احدا منا ولم تحركه لكي نضع حداً لها.. واصبحنا وكأننا بانتظار قصص اخرى اسوأ من اخبار اخرى نطالعها وتبعث فينا مزيداً من اليأس والخوف والاحباط.