- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

“الإنجاز” الذي يبحث عنه نتنياهو.. بقلم – عوني صادق

قبل التوصل إلى “وقف نار ال 72 ساعة” سارية المفعول في غزة، حتى الآن، كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية تدعي أنه “بسبب تمسك المقاومة الفلسطينية بشروطها”، تتعثر مساعي التوصل إلى وقف النار، وحتى “الهدن الإنسانية” التي كان يتم التوصل إليها، كانت لا تلبث أن تسقط، لتنتهي إلى اتهام المقاومة بالمسؤولية عن سقوطها . مع ذلك، وافقت الحكومة “الإسرائيلية” على “وقف النار” الأخير، وانسحبت قواتها من المسافة المحدودة التي توغلت فيها في القطاع، قبل سريان وقف النار .
وكان قد تبين أن الحكومة “الإسرائيلية” هي المسؤولة عن سقوط آخر “هدنة إنسانية” دعا إليها وزير الخارجية الأمريكية، والأمين العام للأمم المتحدة، ووافقت عليها الحكومة الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية، وذلك بحجة أن المقاومة الفلسطينية أسرت ضابطا، في اشتباك صفري جرى شرق مدينة رفح، حيث جاء الاعتراف بأن الضابط المذكور قتله رصاص الجيش “الإسرائيلي”، في إطار ما يسمى “عملية هنيبعل” حتى لا يؤسر حياً .
الآن هناك اقتراح لتمديد وقف إطلاق النار 72 ساعة أخرى، بينما المفاوضات جارية في القاهرة . وفي تصريح لعضو الوفد الفلسيطيني في المفاوضات، عزت الرشق، فإن هذه المفاوضات تجري على أساس ورقة مطالب المقاومة الفلسطينية، وأولها رفع الحصار الكامل عن القطاع دون شروط، ما يعني أن المفاوضات قد تنهار ومعها وقف إطلاق النار . والسؤال الذي يطرح هنا هو: ما الذي كان يريده نتنياهو، قبل وبعد وقف إطلاق النار الأخير؟
بداية، يظهر للمتابع لعملية “الجرف الصامد”، أنه بعد الأسبوع الأول من بدئها، ومن خلال تصريحات وزير الخارجية الأمريكية، ومقالات المراسلين العسكريين “الإسرائيليين”، أن نتنياهو هو من كان يريد إنهاء العملية . وحسب ما أعلنه كيري، فإن نتنياهو طلب منه وقف إطلاق النار أربع مرات في الأسبوع الأخير فقط . وبحسب يوسي فيرتر، الذي كتب في “يديعوت أحرونوت”، فإن نتنياهو كان “يتحرق شوقاً لإنهاء العملية”، وهنا يمكن أن نلمس تناقضاً بين ما يقال إن نتياهو يتطلع إليه، وبين ما كان يحدث من إفشال متعمد لمساعي وقف النار والهدن . وهناك تفسير تشير إليه تصريحات بعض وزراء نتنياهو، وهو الانقسام القائم داخل الحكومة الأمنية المصغرة، وكذلك داخل الائتلاف اليميني الذي يرأسه نتنياهو .
والأهم من ذلك، أن نتنياهو كان، ولا يزال، يبحث عن “إنجاز” يستطيع أن يقدمه للجمهور “الإسرائيلي”، حتى لا يلقى مصير سلفه أولمرت . فوقف إطلاق النار على أساس الوضع الميداني الراهن، يمكن أن يعتبر “إنجازاً” للمقاومة الفلسطينية . وحتى لو رأى البعض أن النتيجة كانت “تعادلاً”، وحسب ما أظهره استطلاع أجراه معهد “ديالوغ” لمصلحة صحيفة (هآرتس)، فإن ذلك يعتبر هزيمة لنتنياهو، وجيشه “الذي لا يقهر” .
لقد كان هدف حملة “الجرف الصامد” الحقيقي هو “نزع سلاح المقاومة” وإعلان قطاع غزة “منطقة منزوعة السلاح”، وهو أول ما جاء على لسان نتنياهو في بداية الحرب . لكن المفاجآت التي أطلقتها المقاومة، وصدمت بها كل الطواقم العسكرية والأمنية والسياسية “الإسرائيلية”، وكذلك الأداء الرفيع الذي قدمته المقاومة في الميدان والذي أجبر بعض الضباط “الإسرائيليين” المشاركين في المعارك أن يصفوه بأنه “شرس” و”بطولي”، جعل نتنياهو يسكت عن موضوع “نزع سلاح المقاومة” لينتهي إلى “تدمير كل الأنفاق”، وهو يعلم أنه وأجهزة استخباراته لا يعرفون شيئاً عن هذه الأنفاق، ويرى المحللون العسكريون “الإسرائيليون” أن ذلك كان يتيح له في لحظة أن يعلن وقفا للنار من جانب واحد، على أساس “أن المهمة أنجزت، والأنفاق دمرت، وانتصرنا” . وهكذا جاء إعلان “وقف إطلاق النار” إنقاذاً لماء وجه نتنياهو مؤقتاً .
ويبدو المأزق الذي يواجه نتنياهو الآن متمثلاً في وقوعه بين سندان خصومه الأكثر تطرفا في ائتلافه الحكومي، الطامعين في وراثته، وبين تمسك المقاومة الفلسطينية بشروطها . ولأنه ليس قادرا على مواجهة خصومه في الائتلاف، فإنه مضطر للتمسك ببعض مطالبه البعيدة، المستحيلة بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، وهو نزع سلاح المقاومة . لذلك سمعناه يقول: “نزع سلاح القطاع مقابل إعماره”، وقد أيده في ذلك وزير الخارجية الأمريكية جون كيري في آخر ما صدر عنه من تصريحات بعد إعلان وقف النار، مضيفا إلى ذلك استئناف المفاوضات على “حل الدولتين” .
لكن المشكلة الحقيقية التي يواجهها نتنياهو في هذا الجانب من المعادلة، تتمثل في أن المطالب التي تقدمت بها المقاومة للجهات المعنية تمثل “الحد الأدنى” الذي يبرر القبول بوقف النار، أو قبول هدنة طويلة نسبياً، مقابل التضحيات الكبيرة التي تكبدتها غزة في الأرواح والممتلكات . بمعنى آخر، إذا كانت مشكلة نتنياهو توجد مع خصومه السياسيين في ائتلافه الحكومي، فإن “مشكلة” المقاومة الفلسطينية توجد عند حاضنتها الشعبية، التي ساندتها وتحملت ما تحملت من أجل تحقيق ذلك “الحد الأدنى” من المطالب .
لقد أعطى سريان وقف إطلاق النار الجميع الفرصة لمشاهدة حجم الدمار الهائل الذي نتج عن العدوان “الإسرائيلي” على القطاع، في البيوت والمؤسسات والبنى التحتية، فضلا عن اثني عشر ألفا من الشهداء والجرحى . ويبدو أن نتنياهو يراهن على أن تلعب هذه النتيجة في الضغط على المقاومة الفلسطينية لتتنازل عن بعض مطالبها، بما يمنحه “الإنجاز” الذي كان يبحث عنه منذ بداية العدوان . وفاته أن المقاومة الفلسطينية، أيضاً، مطالبة بتقديم إنجاز سياسي يعادل إنجازها العسكري، ويبرر التضحيات التي قدمها الغزيون .