| نشر في مايو 25, 2013 12:43 م | القسم: آراء ومقالات | نسخة للطباعة :
الظلم التاريخي له أشكال وصور متعددة، أقصاها درجة هو الظلم الذي يقع على شعب كامل، بفعل تلاقي إرادات وقوى أخرى ضده، لأهداف كثيرة منها الرغبة في السيطرة والعبودية، واستنزاف موارده وخيراته . وقد يأخذ شكل حرمان شعب ما من عقول أبنائه . وأقسى درجات الظلم التاريخي هو ذلك الظلم الذي يقوم على اقتلاع شعب من أرضه وجذوره التاريخية ليعيش في أرض غير أرضه يبحث عن هوية جديدة .
ومن المفارقات التاريخية أن الظلم التاريخي قد ارتبط بالموجة الاستعمارية التي استعبدت فيها شعوب دول العالم الثالث في إفريقيا وآسيا، التي تحولت فيها إلى أراض منهوبة، وشعوب محرومة من آدميتها وكرامتها الإنسانية .
وتبقى أعلى درجات الظلم التاريخي هو الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني عندما تكالبت الصهيونية والقوى الاستعمارية على اقتلاعه من أرضه ليعيش في مخيمات تفتقر لكثير من مقومات الحياة الإنسانية . ولهذا الظلم التاريخي أشكال متعددة ومركبة، فلم يقتصر على عملية التهجير القسري من الأرض، وما عانى من مذابح راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء . ولكنه شكل من الظلم التاريخي المستمر، فمنذ خمسة وستين عاماً وحالة الظلم التاريخي مستمرة وتأخذ صوراً متعددة، منها عدم القدرة على أن يعود هذا الشعب لأرضه، وعدم قدرته على قيام دولته المستقلة، والحصار التاريخي الذي يواجه المواطن الفلسطيني أينما وجد . فلقد اقترن الظلم التاريخي بشخص المواطن الفلسطيني العادي حتى الآن، في تنقله وترحاله من مكان إلى آخر . أنت فلسطيني عليك أن تنتظر رحمة السماء .
هذا التمايز وهذه المعاملة شكل من أشكال الظلم التاريخي، وكل ما تقوم به “إسرائيل” منذ النكبة عام 1948 هو شكل من الظلم التاريخي المستمر الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني، وما تقوم به “إسرائيل” من مصادرة الأرض، وبناء مستوطنات عليها، واقتلاع أشجار الزيتون، والاعتقالات اليومية، وتدمير المنازل، والاقتحامات العسكرية لبيوت الفلسطينيين الذين يعيشون على ما تبقى لهم من أرض، والأسرى الذين يقبعون في سجون “إسرائيل”، والحروب المستمرة على قطاع غزة، وحرمان أهله من ممارسة أدنى مقومات الحياة الإنسانية .
والسؤال المشروع: من يتحمّل مسؤولية هذا الظلم الذي ما زال يعانيه الشعب الفلسطيني؟ المسؤولية الكبرى تقع على بريطانيا باعتبارها السلطة التي انتدبتها عصبة الأمم على فلسطين في أعقاب الحرب الكونية الأولى، وكانت من مسؤوليات الدولة المنتدبة أن تعمل على استقلال الشعوب التي وقعت تحت هذا النظام ومن ضمنها فلسطين، التي وضعت تحت تصنيف “أ”، وهي الشعوب الأكثر تطوراً وتأهيلاً في ممارسة حقوقها السياسة، وبدلاً من ذلك قامت بتطبيق وتنفيذ نظام الانتداب لتنفذ من خلاله وعد بلفور الذي مُنحت بموجبه الحركة الصهيونية وطناً لليهود . وتنفيذاً لذلك انتهجت سياسة الباب المفتوح، وتشجيع الهجرة اليهودية، وتسهيل انتقال الأراضي لليهود خصوصاً الأراضي التي تعتبر ملكاً للدولة العثمانية بصفتها دولة الخلافة الإسلامية الشرعية، وتسهيل تدفق السلاح للجماعات الصهيونية المسلحة، وملاحقة ومعاقبة الفلسطينيين الذين يحملون السلاح لعقوبات تصل إلى الإعدام وهو ما حصل فعلاً، وتوّجت هذه السياسة بنقل القضية إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار قيام “إسرائيل” كدولة وفقا للقرار رقم ،181 والحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية بموجب القرار نفسه .
هذه بعض أشكال مسؤولية بريطانيا، ولكن المسؤولية لا تتوقف عند حدود بريطانيا، فعصبة الأمم تتحمل مسؤولية مباشرة في هذا الظلم التاريخي لأنها غطت وتجاهلت كل ما قامت به بريطانيا من سياسات مناقضة ولاغية لنظام الانتداب . وانتقلت هذه المسؤولية إلى الأمم المتحدة، وأول مظاهر هذه المسؤولية عجزها عن تنفيذ كل القرارات الدولية التي أصدرتها التي تؤكد في مجملها حق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقه في تقرير مصيره على أرضه، وبطلان كل السياسات التي قامت بها “إسرائيل” في الأراضي الفلسطينية كسلطة احتلال بما فيها المستوطنات . وعجز الأمم المتحدة عن معاقبة “إسرائيل” وخضوع سلوكها السياسي لأحكام ميثاق الأمم المتحده وخصوصاً الفصل السابع .
الذي يخفف عن الأمم المتحدة هذه المسؤولية ما قدمته من مساعدات إنسانية للشعب الفلسطيني، وتبني قرار فلسطين كدولة مراقب بتأييد 139 دولة، وهذا بلا شك إحساس بهذا الظلم التاريخي .
وما يخفف عن الأمم المتحدة أيضاً أنها في النهاية محصلة إرادات دول، وهنا تأتي المسؤولية المباشرة على الولايات المتحدة التي وظفت حقها في “الفيتو” في مجلس الأمن لتحول دون معاقبة “إسرائيل” ضد كل انتهاكاتها لحقوق الإنسان الفلسطيني، ومن ناحية أخرى للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية كاملة العضوية، وتحملها المسؤولية المباشرة في فشل المفاوضات الفلسطينية- “الإسرائيلية” لتبنيها وجهة نظر “إسرائيل”، واستمرار مساعداتها العسكرية والاقتصادية والأمنية لها ما يشجعها على عدم الاستجابة لكل مبادرات السلام .
وتبقى أعلى درجات الظلم التاريخي يتمثل برفض “إسرائيل” إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، ومحاصرة الشعب الفلسطيني وإطلاق سراح الأسرى .
هذا الظلم التاريخي لن ينتهي إلا بانتهاء الاحتلال “الإسرائيلي”، وقيام الدولة الفلسطينية .
أبريل 14, 2024 0
مارس 11, 2024 0
يناير 20, 2024 0
يناير 14, 2024 0
Sorry. No data so far.