- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

لاءات اللبنانيين لا تنتج حلاً.. بقلم – سليمان تقي الدين

يعيش اللبنانيون في ظل “لاءات” تصدر عن جميع القوى السياسية . منطق الرفض المتبادل أو المتقابل جعل الأزمة أعمق من ذي قبل . خلال هذا العقد الأخير لم تتبلور لدى أي طرف خطة إيجابية لإعادة بناء الدولة . هناك إجماع على أن الدولة التي نشأت بعد الحرب الأهلية لم تكن دولة قوية وعادلة، أو أنها لم تكن محل توافق فيما مارسته من دور وقامت به من أعمال وحققته من إنجازات . هكذا يريدها الأطراف كل على صورته من دون أن يقترح أي طرف مشروعاً يتضمن مصالح الآخرين أو يأخذها بالحسبان . إنكار هواجس الآخرين أو تجاهل مصالحهم ينعكس في الخطاب السياسي شكلاً من التوتر والتحدي والرهان على القوة .
عملياً لا يقترح أي طرف تسوية حقيقية، بل يقترح على الآخر نوعاً من الرضوخ لمطالبه . ضمناً يعتقد هؤلاء أن الفرصة مؤاتية لهذا الاخضاع لسبب من أسباب القوة . ليس عبثاً أن فكرة “مؤتمر تأسيسي” للبنان تتردد ولو بشكل خجول لدى فريق يعتقد أن الدستور أو النظام القائم لم يعد يلبي طموحاته . يريد عقداً وطنياً جديداً يتضمن بندين أساسيين: الأول توازن جديد في توزيع السلطات والصلاحيات على الجماعات الطائفية، والثاني يتضمن التزام خيارات وتوجهات سياسية لها علاقة بالمناخ الإقليمي أو بدور وموقع لبنان في المنطقة . المسألة بهذا العمق وليست مجرد أزمة تشكيل حكومة وإدارة الحياة اليومية للمواطنين .
هذا النوع من الأزمات قاد في الماضي إلى الحروب الأهلية المتكررة . حين يشعر طرف بفائض قوة معينة وباللحظة المؤاتية لتغيير توازنات السلطة يدخل في مواجهة من أجل ذلك . لكن هذا النوع من التغيير كان دائماً مكلفاً على اللبنانيين وعلى البلد ونتائجه على الجماعة محددة جداً . والأهم من ذلك أن هذا التناوب على تغيير المعادلات لم يوفر الاستقرار السياسي والأمني لأنه يتضمن نوعاً من الإكراه للآخرين ولا ينطوي على اقتناع بضرورة الحفاظ على الأمر الواقع .
المشكلة في ما يقترحه اللبنانيون على بعضهم بعضاً هو لا يذهب في اتجاه تقوية الدولة على حساب نفوذ الجماعات . منذ عقود اتجهت الأمور إلى إضعاف الدولة لمصلحة دويلات طائفية تكتسب مقومات أكبر للاستقلال عن الدولة أصبحت المساحات المشتركة بين اللبنانيين هامشية جداً . انعكس ذلك في صورة القوى السياسية التي أصبحت مجرد هيئات تحتكر تمثيل الطوائف وألغت كل تعدد سياسي داخلها . من هنا كانت مسؤولية قانون الانتخاب الذي جرى اعتماده بعد اتفاق الطائف . وهو طبعاً مناقض لإصلاحات الطائف . ليس في البلاد الآن قوى وسطية كما يقال ولا قوى حيادية ولا توجد جهات سياسية مستقلة عن الانقسام العامودي الحاد، ولا هناك مجموعات سياسية خارج هذا الاصطفاف الطائفي الحاد .
يقال هنا إن المجتمع الدولي والقوى الإقليمية تريد الحفاظ على استقرار لبنان، وهي لا تسهم في دفع الأزمة إلى المواجهة . لكن الأمور ليست كذلك . التوترات الأمنية مستمرة ولو بصورة محدودة أو موضعية . ولكنها متصاعدة مع تصاعد الخطاب السياسي التهديدي والتخويني ومع انغلاق أفق الحلول السياسية . فالشلل الذي أصاب المؤسسات السياسية ينتقل تدريجياً إلى كل مؤسسات الدولة ولاسيّما الضامنة للأمن والاستقرار . وعلى هامش هذه الحال هناك فوضى تدب في المجتمع، وتنشئ حالات من الفلتان ومن فقدان هيبة الدولة . ويشجع على ذلك إن إمكانية ضبط أي فعل جرمي باتت محدودة جداً بالنظر إلى الاعتبارات الطائفية . لقد تم تشريع السلاح والعنف وأصبح التوازن في التعامل بين الأعمال الجرمية مدعاة لتوسّعها . وفي هذه الأزمة السياسية تراجع الحديث عن أوضاع الدولة المالية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية . الأزمة تتفاقم من دون أن تكون أولوية ويصحو اللبنانيون لاحقاً على واقع من الإفلاس المالي والاقتصادي .
هكذا في لبنان تشكل النزاعات السياسية حالة من حالات الانتحار الجماعي للمجتمع وليس مجرد صراع سياسي يمكن أن يؤدي إلى تقوية طرف على طرف . فلا جهة تريد أن تحقق إصلاحاً إلاّ بما يخدم سلطتها . بل ليس هناك من يقبل أن يفتح آفاق التغيير السلمي الديمقراطي عبر نظام انتخابي عادل . لبنان الآن يتقدم باتجاه أزمة كيانية .