- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

«عقب أخيل» الصهيوني… بقلم – نواف الزرو

الهواجس الإدراكية الصهيونية يسودها في الآونة الأخيرة جملة من الكوابيس المتعلقة بوجودهم ومستقبلهم كثيرة. غير أن أشدها تأثيرا على عقولهم وسيكولوجيتهم واستقرارهم، هو ذلك الكابوس المتعلق بالعودة الملايينية الفلسطينية، فهم يضعون في حساباتهم الاستراتيجية دائما هذا الكابوس-الاحتمال..!
وفي هذا السياق، ربما يجدر بنا ونحن ما زلنا في فضاء الذكرى الخامسة والستين للنكبة واغتصاب فلسطين، أن نثير جملة من الأسئلة الاستراتيجية المتعلقة بعوامل وأسباب الهزيمة وضياع فلسطين، وكذلك أن نثير شروط رد الهزيمة والانتصار التاريخي على المشروع الصهيوني وتحرير فلسطين لتعود عربية بالكامل، ولعلنا في تركيزنا على شروط الانتصار، نستحضر الأهمية الاستراتيجية لمسيرات العودة المليونية، باعتبارها أهم طريق وخيار يرعب العدو، فربما لم تقلق الدولة والمؤسسة الصهيونية في تاريخها على وجودها ومستقبلها، بقدر ما قلقت ولا تزال من مسيرات العودة الفلسطينية والعربية المليونية المحتملة عبر الحدود العربية مع فلسطين، فهي نقطة تحول استراتيجي مرعب في تاريخ الصراع من وجهة نظر صهيونية، بل إنها من شأنها أن تشكل تهديدا وجوديا حقيقيا للدولة الصهيونية، إذا ما تطورت الفكرة والاحتمالية وتحولت إلى حيز الوجود، في الفكر والنهج والعمل، ومن شأنها أيضا من وجهة نظر فلسطينية عربية استراتيجية أن تقود الى تحرير فلسطين من بحرها الى نهرها، اذا ما اجتمعت الامة والقوى العروبية الحرة وراءها.
تجمع المؤسسة الصهيونية الاستخبارية الأمنية السياسية الاعلامية في اطار تقديراتها الاستراتيجية، على أن ما كان سائدا في خريطة الصراع لن يكون مستقبلا، وفي المشهد الفلسطيني تحديدا، كانت “بروفات” مسيرات العودة التي انطلقت من الجبهات العربية باتجاه حدود فلسطين المحتلة خلال عامي 2011-2012، هي الأبرز والأخطر، ولذلك أعلن الاحتلال حالة الاستنفار، وأعربت المؤسسة الأمنية لديهم عن قلقها الشديد من مثل هذه المسيرات إن هي استمرت في المستقبل.
هم- في الكيان الصهيوني- ونستحضر هنا ما كنا كتبناه وأشرنا إليه في مقالات سابقة للتذكير والتركيز- لم يتوقعوا كل هذه التطورات والتداعيات الاستراتيجية المترتبة على المسيرات الجماهيرية الفلسطينية العربية التي ظهرت على مدى العامين الماضيين أبدا، لذلك وجدناهم في حالة متفاقمة من إعادة الحسابات والتقديرات والاستراتيجيات، وقد انخرطوا على نحو خاص، يتحدثون عن أبحاث ودراسات استراتيجية عاجلة تبحث في قضية واحدة: كيف ستواجه اسرائيل مستقبلا زحفا شعبيا عربيا ملايينيا…؟ والمسألة هنا ليست إعلامية استهلاكية عابرة، إنما هي بمنتهى الجدية والأهمية، وإن كانت مسيرات العودة التي انطلقت في الثلاثين من آذار الماضي بمناسبة يوم الأرض لم ترتق الى المستوى المخطط والمنشود، بل إنها كانت تحت خط التوقعات الصهيونية، فإن ذلك لا يعني شطبها عن جدول الأعمال الصهيوني، فالمؤسسة الصهيونية تتعامل مع هذه الظاهرة بقلق متفاقم، فعلى قدر تصاعدها مع الأيام والسنوات القادمة، على قدر ما يتزايد القلق الصهيوني منها ومن تداعياتها، الأمر الذي حذّر منه حاخام يهودي قائلا: “أيها اليهود.. أنتم تعلمون أن المنطقة حولنا تهتز بقوة، وإذا كان بفكركم أن المسيرات الجماهيرية بعيدة عنا، وسنبقى نتفرج من بعيد، فأنتم مخطئون”، مضيفا خلال لقاءه عددا من طلاب المدارس الدينية في تل أبيب والقدس: “من منكم يذكر عندما قلت لكم: ماذا سنفعل إذا قررت الملايين أن تزحف إلى إسرائيل، ورأيتم أن الجيش الإسرائيلى يعجز عن كبح أقل من نصف مليون.. فماذا سنفعل إذا!!”، محذرا: “إن مظاهرة مليونية واحدة في مصر بلغ عددها بالملايين، وقالوا خلالها إنهم يريدون الزحف إلى القدس مشيا على الأقدام حتى يحرروها، فماذا إذا زحفت الملايين من الضفة الغربية وباقي الحدود وهم يرددون “الموت لإسرائيل.. الموت لليهود” و”للقدس رايحين شهداء بالملايين”.
وقال ليفي أشكول رئيس وزراء العدو منذ عام 65 إنه:” يعتقد طوال الوقت بأن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي”عقب أخيل” بالنسبة لإسرائيل”، وتساءل: “ماذا نفعل لو قاموا ذات يوم بدفع النساء والأطفال إلى الأمام؟” عندها رد عليه رئيس هيئة أركان الجيش في حينه، يتسحاك رابين: “إذا لم يقوموا بذلك حتى الآن، فهم لن يفعلوا ذلك.. وبعد قتل 100 منهم، فإنهم سيتراجعون”، ويبين سيغف: “أن أشكول لم يقتنع، وقال: “إنهم يتكاثرون بسرعة”.
ولم يكذب الزمن تنبؤات أشكول، فالفلسطينيون يتكاثرون بسرعة، فقد أصبح عددهم اليوم نحو اثني عشر مليونا، بعد أن كانوا آنذاك عشية النكبة الفلسطينية نحو مليون ونصف المليون، وأصبح عدد اللاجئين اليوم نحو ستة ملايين لاجىء، بعد أن كانوا غداة النكبة نحو ثمانمئة ألف لاجىء، والذي تخوف أشكول منه آنذاك سيعود ليحتل المشهد السياسي الاستراتيجي الاسرائيلي/ والذي حذّر منه أشكول آنذاك، أخذوا يحذرون منه اليوم صراحة أمام وسائل الإعلام، وأخذ الاحتلال الصهيوني يخشى أن تتحول مسيرات العودة واجتياز الحدود الى عمل مبرمج ومنهجي في اطار خطة استراتيجية للزحف…؟!
وتبقى المسؤولية في تبني هذه المسيرات مستقبلا على اكتاف من يتولون القيادة والمسؤولية والقرار…!
فهل نرى يا تُرى ذات يوم قيادات عربية بهذا الوزن والمستوى…؟!