- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

سوريون وفلسطينيون.. أحلام بالحصول على لجوء إنساني يطرزها الموت.. بقلم – عامر راشد

تزامناً مع كتابة هذه المقالة تتوارد أنباء عن غرق مركب يقل 130 مهاجراً فلسطينياً وسورياً قبالة ساحل الإسكندرية، في مأساة جديدة سبقتها العديد من مآسي ركوب الموت للوصول إلى بلد يمنح لجوءاً إنسانياً، لكن كل الدول التي تمنح اللجوء تشترط أن يصل إليها طالب اللجوء في شكل غير شرعي حتى يستطيع الحصول على حق اللجوء.. وهذه مأساة بحد ذاتها.

صرخات استغاثة، ونعوات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وما بينها تهنئة هنا أو هناك على السلامة والوصول إلى البر الأوروبي، إيطالياً على وجه الخصوص، لتبدأ رحلة أخرى بتجاوز جدار رفض تقديم طلب لجوء في إيطاليا، ومن ثم مواصلة الطريق إلى حيث يمكن للمهاجر غير الشرعي الحصول على طلب لجوء إنساني، مع تفضيل البلدان التي تمنح امتيازات أفضل نسبياً، وتتبع إجراءات أسهل وأسرع في منح الإقامة الدائمة ولم الشمل، مثل السويد والنرويج.

وبانطلاق كل رحلة يتسمر أهالي وأصدقاء المهاجرين أمام شاشات الكمبيوتر، لمتابعة أوضاع الرحلة، وتناقل الأخبار على صفحات التواصل الاجتماعي، وبلاغات الصليب الأحمر الدولي، والقرارات الجديدة التي تصدر عن حكومات بلدان اللجوء المقصودة وإدارات الهجرة فيها، فيما يتعلق باستقبال اللاجئين والتعديلات على إجراءات الإقامة ولم الشمل.

لكل عائلة قصتها ومتاعبها وأحلامها، يجمع بينها أنها كلها مطرزة بالموت، فمن لم يفقد واحداً من العائلة والأصدقاء، جرَّب على الأقل الموت بركوب البحر في مركب صيد يكدس فيه المئات من النساء والأطفال والشباب والرجال، يتحولون في أيام الرحلة، التي تستغرق عادة من خمسة إلى ثمانية أيام، إلى مشاريع موت، أنفقوا كل مدخراتهم كي يمضوا إليه باختيارهم وهم يحدوهم الأمل في عبوره سالمين، وتحمل مخاطر مجازفة مجنونة، على حد وصف كل من خاضوا غمارها، وهم ينصحون الجميع بأن يصرفوا النظر عنها، غير أن رحلة الموت مازالت تجتذب الكثيرين الحالمين بغد أفضل ولو دونه موت، ونصب واحتيال يمارسه المهربون وتجار الأزمات الإنسانية.

ولا تنتهي المأساة بوصول أحد أفراد الأسرة إلى بلد اللجوء، فغالباً ما يسافر الأب أو تسافر الأم مع أحد أفراد الأسرة القاصرين، تاركين ورائهم باقي أفراد الأسرة دون معيل أو على حافة الإفلاس بعد دفع تكاليف الرحلة للمهربين والسماسرة، وفي ظل ظروف احتمال عدم تجديد الإقامة للعائلة أو ترحيلها في حال عدم وجود إقامة. وكثيرون لا يحالفهم ما يعتقدون أنه حظ، فيلقى القبض عليهم على الشواطئ المصرية قبل انطلاق المراكب، فيعتقلون ويسفرون إلى سورية، أو إلى أي بلد آخر لا يستدعي دخولهم إليه تأشيرة.

معظم الذين يفشلون في السفر ويرحلون يبدأون بالبحث عن طريق أخرى للوصول إلى أقاربهم الذين سبقوهم بالهجرة. ومن لازالوا في مرحلة انتظار فرصة للهجرة يصرون على إكمال ما عزموا عليه، ولسان حالهم يقول: لا إمكانية للتراجع، لأنهم فقدوا كل مدخراتهم، ولم يعد لديهم من أمل يمكن البناء عليه سوى الهجرة وطلب لجوء إنساني، حيث لن يستطيعوا أن يبنوا حياتهم من جديد وضمان مستقبل أطفالهم بوسيلة أخرى، وقد فقدوا بعض أفراد أسرهم وعائلاتهم بيوتهم وأعمالهم ومصادر رزقهم.

رب أسرة، فلسطيني سوري، أرسل زوجته وابنته الصغيرة التي تبلغ من العمر أقل من عامين إلى السويد، عبر قارب انطلق من الإسكندرية قبل شهرين، وهم ينتظرون مع باقي أفراد أسرته حصول زوجته وابنته الرضيعة على إقامة دائمة ورقم رباعي، حتى يبدأ بإجراءات لم الشمل. وهو يعاني من البطالة فضلاً عن الديون التي تراكمت عليه جراء تكاليف سفر زوجته. يبكي عندما يتذكر ما روته له زوجته عن أهوال الرحلة، وضياع المركب بالقرب من السواحل الإيطالية، وانتظار ركابه ساعات احتضار إلى أن أنقذهم خفر السواحل الإيطالي. لكن الزوج يستجمع أفكاره مرة أخرى ويقول: رغم كل ذلك لو عاد بي الزمن أنا وزوجتي لاتخذنا القرار نفسه، حيث لا مهرب لنا من الموت سوى محاولة عبور الموت.

قصة هذا الرجل ليست فريدة من نوعها، وليست درامية بالقياس إلى حالات أخرى، بل يعتبر من المحظوظين، فالكثير من الأسر ما زالت تنظر فرصة للهجرة وهي تعاني من فقدان أحد أفرادها أو من الاحتيال عليها، وكذلك احتمال تعرضها للتسفير بسبب عدم حصولها على إقامة في مصر.

شاب في السابعة عشرة من عمره يروي تجربته في الهجرة على متن قارب كدس على ظهره ما يقارب 250 مهاجراً من الإسكندرية، امرأة في الخمسين من عمرها مصابة بمرض السكري توفيت في اليوم الرابع من الرحلة، وبقيت جثتها مسجاة على أرض المركب ثلاثة أيام، إلى أن وصلت إلى الشاطئ الايطالي، حيث أقيمت لها جنازة رسمية. وهنا يتساءل الشاب: هل كان يجب أن تموت هذه السيدة المريضة؟ وهل إقامة جنازة رسمية يعوضها وأهلها عن موتها المحزن؟ وهل كان على عشرات الأطفال والشباب والنساء أن يقعوا في براثن أمواج البحر كي يحصلوا على لجوء إنساني؟

ويضيف: غامرت من أجل والدي ووالدتي وإخوتي كي لا يخسروا مستقبلهم.. لكنها مغامرة لا يقدم عليها عاقل، وأنا الآن انتظر الحصول على إقامة دائمة في السويد، وأهلي يعانون الأمرين إلى أن نستطيع أن نجمع شملنا ثانية كأسرة، وأن نعود لنحيا حياة طبيعية.

السؤال المحير الذي يطرحه في بداية أي نقاش جميع الراغبين بالهجرة والباحثين عنها: لماذا يجب على المرء أن يغامر بحياته ويفقد كل مدخراته وأن يدخل بطريقة غير مشروعة كي يستطيع الحصول على حق تقديم طلب لجوء إنساني في البلدان الأوروبية؟!

سؤال محير بالفعل، تطرق له في الأسبوعين الأخيرين عدد من البرلمانيين الأوروبيين، لكنه لم يجد آذاناً صاغية لدى الحكومات الأوروبية، التي ما زالت لا ترى ضيراً في أن على طالب اللجوء، سوري أو فلسطيني، أن يطرز بالموت أحلام التخلص من المعاناة والبحث عن ملجأ آمن، في بلدان ترفع رايات الدفاع عن حقوق الإنسان.. مفارقة لا يمكن تفسيرها، بينما يستمر مسلسل موت الباحثين عن لقمة خبز ومأوى ومقعد دراسة.