- الأهالي - https://www.hashd-ahali.org/main/ahali -

متطلبات الانتقال السياسي .. بقلم – يوسف مكي

في الثلاثين من يونيو/حزيران من هذا العام خرج المصريون، بعشرات الملايين إلى الشارع، مطلبهم الرئيس هو إزاحة الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين عن السلطة . ومرة أخرى انحازت المؤسسة العسكرية للشارع، لتؤكد مقولة أنه في السياسة لا توجد صداقات دائمة، بل حالات متحركة، حالها حال الزمن ليس له ثبات . . فبعد ثورة 25 يناير عام 2011 اتهم الجيش بالانحياز للإخوان المسلمين، والمساعدة على تسلمهم للسلطة . وفي 30 يونيو، اتهم الجيش بقيادة انقلاب على جماعة الإخوان المسلمين . وجماعة الإخوان الذين عدّوا ما حدث في 25 يناير ثورة، يرون في انتفاضة 30 يونيو انقلاباً على الشرعية، وسبحان مغيّر الأحوال .

ووسط الجدل المحتدم بين الإخوان والشعب المصري، على توصيف ما جرى، ثورة أم انقلاب، تصل إلينا كل يوم أخبار جديدة . فحملة الدولة على الجماعة، مسنودة بتأييد شعبي واسع . والحملات المقابلة، في شكل إرهاب واغتيالات وعمليات تفجير مرشحة للتصاعد .

موقف الإدارة الأمريكية، من عزل الرئيس مرسي وطرد الإخوان من السلطة بدا ملتبساً . فهذه الإدارة التي أعلنت

حرباً لا هوادة فيها على الإرهاب، بعد حوادث 11

سبتمبر ،2001 والتي اتخذت من محاربة الإرهاب مبرراً لاحتلالها أفغانستان والعراق، تتحالف الآن مع الإخوان المسلمين، والمنظمات التكفيرية التي تسعى إلى تخريب مصر .

لوحة تختلط فيها الأوراق، وتبدو المشاهد متناقضة، لكنها تصب في محصلتها في مخطط تفتيت الوطن العربي، وتغيير خارطته السياسية، بما يتسق مع مشروع الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة، ومخاض الولادة . ولا شك أن المستفيد الأكبر من انهيار الأمن في مصر هو الكيان الصهيوني، الذي ليس من مصلحته وجود أي جيش عربي متماسك، فكيف والحال إذا كان ذلك جيش لأكبر قوة بشرية عربية .

يضاف إلى ذلك، أن تزعزع الأمن في سيناء، نتيجة لتداعيات الأحداث يقدم خدمة كبرى لأجندات المشروع الصهيوني . لقد حاول الكيان الصهيوني منذ نكسة يونيو ،1967 التخلص من قطاع غزة، وإعادة إدارته إلى مصر . وكان موضوع إعادة القطاع إلى الإرادة المصرية، قد طرح لأول مرة، على أنه جزء من مبادرة وزير الخارجية الأمريكي، وليام روجزر للسلام في الشرق الأوسط، في عام ،1970 ولم يقبل به الرئيس عبدالناصر . وجرت المحاولة مرة أخرى، مع الرئيس السادات، بعد حرب أكتوبر عام ،1973 حيث طلب كيسنجر مستشار الرئيس نيكسون للأمن القومي . أن يدرج موضوع غزة في برنامج المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط . وعرض الموضوع مجدداً في مباحثات كامب ديفيد الرئيس الأمريكي كارتر في نهاية السبعينات . ومرة أخرى، عرض الموضوع على الرئيس مبارك، رفض الرؤساء الثلاثة مناقشة موضوع استعادة القطاع للإدارة المصرية، بشكل قاطع .

أثناء انتفاضة أطفال الحجارة، كانت غزة كابوساً للقادة “الإسرائيليين”، وبسببها اتصلوا ب”حركة فتح”، وطلبوا تسليم غزة لمنظمة التحرير الفلسطينية من دون قيد أو شرط، فكان جواب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بأنه لا يمكنه تسلم غزة، ونسيان الضفة الغربية، وكان الحل الوسط يومها هو أن تسلم أريحا معها . وقد وجه هذا الاتفاق السري بين رابين وعرفات اتفاقيات أوسلو التي وقعت عام 1993 .

هذا التفصيل يحيلنا إلى ما يجري الآن من عمليات إرهابية في سيناء، حيث تذكر تقارير أن أجزاء من سيناء تقع تحت سيطرة المتطرفين الذين يتلقون دعمهم من حماس في قطاع غزة . بمعنى آخر، لن يضطر “الإسرائيليون” هذه المرة إلى الطلب من المصريين استعادة غزة، بل ستصبح استعادتها، ضرورة تمليها الأوضاع الأمنية، ورغبة المؤسسة العسكرية المصرية في سد المنافذ على الإرهاب .

وربما تستغل “إسرائيل” هذه الفرصة، لتستفرد بالضفة الغربية، وتكون أمامها فرصتان سانحتان، ترحيل الفلسطينيين إلى القطاع وسيناء، أو استعادة فكرة الوطن البديل بالأردن، في حال أصبح متعذراً التوصل إلى حل للأزمة السورية .

تأتي هذه الأحداث، وسط نشاط مكثف لإعادة كتابة الدستور، حيث تشكلت لجنة الخمسين واختارت من بين أعضائها عشرة من فقهاء القانون لكتابة مسودته . ويتوقع أن يجري الاستفتاء عليه، قبل الانتخابات الرئاسية .

ومنذ الآن بدا أن القول الفصل في مستقبل مصر السياسي، سيكون للمؤسسة العسكرية . فحسب التسريبات، عن نصوص الدستور الجديد سيجري تعيين وزير الدفاع، من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة، ولن يكون لرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء قول في ذلك . وذلك يعني أن رئيس الجمهورية، لن يكون بمقدوره مستقبلاً عزل وزير الدفاع، وأن الحكم على أقل تقدير، سيكون شراكة بين الجيش ورئيس الدولة . وسيبقى للمؤسسة العسكرية، بسبب القوة والحصانة التي تتمتع بها اليد العليا، في تقرير مستقبل مصر وسياستها .

وبالنسبة لانتخابات الرئاسة القادمة، فإن من المرجح أن يخلع الفريق السيسي بدلته العسكرية، ويترشح لرئاسة الدولة . وقد بدأ أنصاره في تمرد حملة واسعة، لاستقطاب حشد كبير لترشيحه، تحت شعار “كمل جمايلك”، وفي حالة ترشح أي مدني لهذا الموقع، فلن يكون له أي نصيب، إذا ترشح الفريق السيسي، الذي سيكون وصوله لرئاسة الدولة أمراً محسوماً . أما إذا اعتذر عن عدم الترشيح، فإن من يتسلم رئاسة الجمهورية، لن يكون أفضل حظاً من الرئيس السابق . سوف يواجه الرئيس الجديد مصاعب اقتصادية كبيرة، وانهياراً أمنياً وأزمات سياسية، لأن الشعب لن يقبل بأقل من تنفيذ أجنداتها كاملة .

مخرج مصر من الأزمة، يقتضي أن توضع المؤسسة العسكرية في المقدمة، ولا يمكن الاختباء خلف رئيس لا يملك سلطة حقيقية .